الأحد، 4 يونيو 2023

طائرة المحبّة

تأليف : امل شانوحة 

العريس المقهور


اثناء جلوسها في مقعد الدرجة الأولى ، إقترب منها رجلٌ (في منتصف الأربعينات) وهو يغطّي وجهه بقبعةٍ رياضيّة ونظارةٍ سوداء ، كأنه يُخفي شخصيّته ! حيث بدى عليه الثراء ، رغم ثيابه الرياضيّة ذات الماركة المشهورة .. 

ومدّ أصبعه نحوها ، وهو يقول :

- هل يمكني الجلوس امام النافذة ؟


ورغم حجّزها ذلك المقعد ، لكنها نهضت للجلوس على الكرسي بجانبه .. بينما وضع حقيبته الصغيرة اسفل قدميه .. ثم شرد بأفكاره وهو ينظر للمطار ، محاولاً إخفاء دموعه خلف نظّارته الشمسيّة (التي لا لزوم لها في ذلك المساء)


فلم تردّ مضايقته ، وتابعت كتابة قصّتها الجديدة على مذكّرة جوالها بانتظار إقلاع الطائرة

***


بعد التحليق في الجوّ .. قدِمت مراهقتان من الدرجة السياحيّة ، فأوقفتهما مضيفة الدرجة الأولى :

- غير مسموح الدخول الى هنا

فقالت إحداهنّ :

- رجاءً !! نريد توقيعاً من كاتبتنا المشهورة .. السيدة..


وفور نطقها الإسم ، إلتفتت الكاتبة نحو المضيفة وهي تقول :

- لا بأس ، سأكلّمهما على عجل


ثم وقفتا بجانب كرسيها ، وهما مُتحمستيّن لرؤيتها :

- نحن نتابع قصصك منذ سنوات

الكاتبة : حقاً ! وأيّ نوعٍ من القصص يُعجبكما ؟

فأجابت إحداهنّ :

- القصص المرعبة

المراهقة الثانية : وانا احب الرومنسيّة ، فهي واقعيّة للغاية

الكاتبة : ممتاز !! انا سعيدة إن قصصي لامست مشاعركما

- أتمنى نشر قصصي لأصبح مشهورة وثريّة مثلك


الكاتبة : إن أردّتي النجاح ، فلا تفكّري بالشهرة والثراء في بداية مشوارك المهنيّ.. كل ما عليك فعله هو إتقان الكتابة بكل قصةٍ تكتبينها .. فأنا مثلاً أتخيّل نفسي ككاتبٍ يكتب قصّته الأخيرة قبل الإعدام.. أعرف أن الصورة مخيفة ، لكن عليكِ الكتابة كأنها رسالتك الأخيرة في الحياة ! وعندما تتقنين هوايتك بشكلٍ يجعلك تكتبين تحت أيّةِ ظروف وفي أيّ مكان ، ستُفتح امامك ابواباً جديدة ، وستلاحقك الشهرة والمال أينما ذهبتِ.. قد يأخذ الأمر سنواتٍ عديدة .. فموهبة الكتابة لا تظهر سريعاً للعلن كبقيّة المواهب 

- انت كتبتِ أكثر من نصف عمرك حتى شُهرتي ، اليس كذلك؟


الكاتبة : نعم !! وهذا لا يعني انني أفضل الكتّاب ، لكني حتماً أعندهم .. تخيلا الأمر كسباق الماراثون ، يُشارك فيه آلاف الّلاعبين .. والذي يحصل على الكأس ، هو صاحب النفس الأطول.. عليكما الصبر والجهد ، مع الكثير من الأمل والتفاؤل بالمستقبل ، حتى لوّ كان واقعكما عكس ذلك.. ولا تنسيا الدعاء لله : بأن يسخّر موهبتكما لطاعته.. وأن تكون نيّتكما : مساعدة الأقارب والأصدقاء ، فهذا سيساهم بنجاحكما سريعاً

- شكراً لهذه النصيحة ، يا كاتبتنا المفضّلة

- هل يمكننا الحصول على توقيعك ؟

الكاتبة : بالطبع !!

ووقّعت لهما على نسختين من قصصها ، التي وصلت لألف قصةٍ قصيرة !

^^^


بعد عودتهما الى مقعدهما في الدرجة السياحيّة ، تمّتم الثريّ بتهكّم :

- كاتبةٌ مشهورة !

الكاتبة بابتسامةٍ متواضعة : شيء من هذا القبيل

الرجل : نصائحك لا بأس بها

- شكراً لك ، فأنا امتهنت الكتابة بعد اكتشاف موهبتي الغريبة بقراءة العيون

الرجل بنبرةٍ ساخرة : أحقاً 

- نعم ، يمكنني معرفة ماضي الشخص من نظرته الحادّة او الحزينة

فأزال نظّارته الشمسيّة ، وهو يقول باستخفاف :

- وماذا تقول عيوني ؟


فسرحت قليلاً وهي تتمعّن عينيه الدامعيتن ، قبل قولها باستغراب :

- يا الهي ! كيف تحمّلت كل هذا

- عن ماذا تتحدّثين ؟!

الكاتبة : الصدمة العاطفيّة مؤلمة للقلب ، فكيف اذا كانت من صديقٍ سرق حبيبتك !

فتوسّعت حدقتا عينيه بدهشة ! قائلاً بتلعثم :

- كيف عرفتي ؟!.. لا يعقل هذا !

الكاتبة : اهدأ رجاءً .. لن أخبر احداً بسرّك


فعاد للنظر الى النافذة ، رافضاً التحدّث بالموضوع ! 

فكتبت بقصاصة ورقٍ إقتطعتها من دفترها ، فيها :

((لربما اراد الله إزالة إمراةٍ مخادعة وصديقٍ ماكر من حياتك ، لطيبة قلبك.. لا تحزن ، فالفرج قريب))


قرأها على عجل ، قبل تجعيده الورقة .. فظنّت انه سيرميها .. لكنه دسّها في جيب قميصه ، كأن كلماتها لامست قلبه !


واستمرّ بسكوته طوال الرحلة ، لحين شعورها بالنعاس.. 

فقاومت النوم ، الى أن ذهب الى دورة المياه .. 

وفور إسناد رأسها على طرف كرسيها ، غفت على الفور 

^^^


بعد قليل ، شعرت بجسمها يهبط للخلف !


فاستيقظت مرتعبة ، لتجده يعدّل كرسيها للنوم ..وهو يقول :

- هكذا أفضل لظهرك

الكاتبة بنعاس : شكراً لك.. بالعادة لا أنام بالطائرة ، لكن رحلتنا طويلة 


وهنا اقتربت المضيفة لتسأله :

- هل أجلب غطاءً لزوجتك ؟

فأجابها : نعم ، أحضري واحداً

فابتسمت الكاتبة وهي مُغمضة العينين ، لعدم إخباره المضيفة : بأن لا علاقة تجمعه بها !

^^^


بعد نومها لنصف ساعة (مع خفض انوار الطائرة ، عقب ساعتين على بداية رحلتهم المسائيّة)


فتحت عينيها ، لتشاهد إنعكاس نور جواله على نافذة الكراسي المقابلة (الفارغة) 

وعندما أدارت رأسها نحوه ، مثّل دور النائم ! ففهمت رغبته بالعزلة


وبهدوء أزالت نظّارته الطبّية ، وإعادتها الى علبتها (على الطاولة امامه) وهي تُخفي فرحتها بعد لمحها على جوّاله المُضاء : حوارها مع الصحافة ! فعلمت انها أثارت اهتمامه


ثم اسندت رأسه على النافذة ، بعد وضع ملاءتها عليه.. ومسّدت غُرّته الناعمة بحنان ، قبل ذهابها الى دورة المياه


وكان لهذه الحركة البسيطة أثراً كبيراً في نفسه بعد فقد ثقته بالنساء ، عقب غدر حبيبته التي فضّلت صديقه (الأكثر ثراءً) عليه !

^^^


بعد خروجها من هناك .. رأته يراقبها من بعيد ، كأنه ينتظر قدومها ! وهذه المرة كان مستعداً للتحدّث معها عبر سؤاله : 

- لما كاتبة مشهورة مثلك ، حسنة المظهر لم تتزوج حتى الآن ؟

فأجابته بحزن : سحرٌ قديم

بصدمة : ماذا !

- إحدى قريباتي اعترفت بسحرٍ لن يُفكّ إلاّ بموتها ! والآن تجاوزت السبعين بينما بلغت الأربعين .. لهذا لم يعدّ موضوع الزواج مُهمّاً بالنسبة لي 

الرجل : الا يوجد حلٌّ آخر ؟!

- لا تقلق بشأني ، فأنا اؤمن بالقدر .. وإن كان لي نصيب في هذه الدنيا ، سيضع الله العريس في طريقي.

- هذا صحيح

الكاتبة : أرأيت ، كل شخصٍ لديه بلاء على قدر صبره .. الآن دورك !! إن إردّت الفضّفضة ، فالحديث مع غريبٍ لن تراه مجدّداً ، سيُريحك حتماً


فسكت بارتباك .. لتسأله :

- هل عرفتها ايام الجامعة ؟

فأجاب بحزن : نعم

- وصديقك ؟

- ابن جيراننا

الكاتبة : يعني تعرفه منذ طفولتك ؟

فأوما برأسه إيجاباً.. وسرعان ما مسح دمعته وهو يقول :

- هو لم يسرق حبيبتي فقط ، بل كل ذكرياتنا معاً : الطفولة والمراهقة والشباب .. حتى انّي لم أعدّ أذهب الى مطاعمنا المفضّلة!


ثم أخبرها عن علاقته بالخائنين لساعةٍ كاملة .. ويبدو أن الحديث خفّف قليلاً من ألم قلبه ، حيث ابتسم بعد إلقائها نكتةً مضحكة


بينما أمضى ساعته التالية في سماع موجزٍ عن حياتها الصعبة التي تعسّرت بالسحر ، والذي كان له دوراً كبيراً في تنميّة موهبتها الكتابيّة بسبب كوابيسها المتكرّرة التي حوّلتها الى قصصٍ مخيفة ، قبل تنوّعها بالكتابة !

***


ثم جاء وقت العشاء.. فأخذ يراقبها بطرف عينه وهي تتناول طعامها ، مُراعيةً اصول الأتيكيت التي تهمّه كثيراً ، فهو يهتمّ بمظهره امام الناس بسبب عائلته الراقية

كما أسعده كلامها اللطيف مع المضيفات ، وعفويّتها المرحة بعيداً عن الغرور


وبعد هبوط الطائرة.. وقبل خروجهما من المطار ، تبادلا على عجل ارقام جوّالاتهما

^^^


بعد شهرين على محادثتهما سويّاً كل ليلة ، إكتشفا تشابه طباعهما وطموحهما وآمالهما .. وكذلك شروطهما بالزواج الناجح ، وصولاً لتربية الأطفال الناجحة !


ولم تنتهي السنة حتى عُقد زواجهما ، خاصّة بعد وفاة قريبتها الساحرة ! ممّا  شجّعها على اتخاذ هذه الخطوة الجريئة (بالنسبة لها)

***


بعد شهر العسل ، إجتمعت العروس مع المراهقتيّن (الّلتين التقت بهما في الطائرة)

- هآ خالتي .. اين مكافأتنا بعد نجاح خطتك ؟


فأعطت كلاً منهما ظرفاً من المال ، وهي تهمس بحذر :

- لنبقي السرّ بيننا .. مفهوم !!

- بالتأكيد ، يا كاتبتنا المشهورة

^^^


((فما لا يعرفه العريس : أن الكاتبة سمعته يُخبّر اخاه (بالجوّال ، اثناء جلوسه بصالة المسافرين) عن سفره للإستجمام بعد صدمته بحبيبته وصديقه ..دون ملاحظته جلوسها خلفه ، وهي تستمع لقصته الصادمة !

حيث كانت تسافر مع ابنتيّ أختها بالدرجة السياحيّة .. وبعد معرفتها بحجزّه في الدرجة الأولى ..دفعت كل ما معها لاستبدال بطاقتها بكرسي بجانبه ! وطلبت من المراهقتيّن أن تقوما بتمثليّةٍ صغيرة ، كيّ تُعرّفانه بموهبتها الكتابيّة.. وهي لم تكذب بهذا الشأن ، لكنها كاتبة مبتدئة وليست مشهورة كما أوهموه ! 


وبذلك نجحت خطتها بالزواج من رجلٍ ثريّ ووسيم ، كما تحلم دائماً .. وتعهّدت بنفسها : أن تلك الكذبة ستكون الوحيدة على زوجها (الذي يُشبه ابطال قصصها) والتي تنوي إسعاده بأفكارها الرومنسيّة الحنونة التي تستوحيها من خيالها الخصب))


هناك 6 تعليقات:

  1. عاصم : يعني وجد اميرته اخيرا بهذه السهوله ووصلت الطاءره بسلام بل تزوجا
    أيضا لااااا هذا كثير جدا على نفسية الباءسين والباءسات ...اين الألم ..اين النكد اين الشقاء ..حسنا لا بأس سنتجاوز فقط هذه المره عن هذا الوهم المأمول
    علما بأن اصطباري معقبا نحسا
    وزي ما كانت بنت عمة ابويا بتقول :
    يابني لما بتسود مبتحتاجش ورنيش ههههه
    والضمير ان وجد يعود على الحذاء او الدنيا
    سيان وكلاهما سود .

    ردحذف
    الردود
    1. أتعبتنا معك يا عاصم .. لا النكد يثير اهتمامك ، ونّهايات السعيدة تُزعجك !
      لديّ الفضول لمعرفة نوعيّة القصص التي تُعجبك ؟!

      حذف
  2. تيماء :امل اختي انتي بخير يعني نهاية القصة كانت متوقعة
    مش هنا توقف الحكاية علاخاطر كأنها مستوحاة من قصصك القديمة نوعا ما
    مشكورة لكن لو بترجعي لقصص الرعب والاكشن و الاثارة و الغموض علاجالها بزاف تعجبني وملاحظة كلام عاصم صحيح مية بالمية

    ردحذف
  3. تيماء:
    صراحة كل قصصك هذي الفترة متوقعة نهايتها
    و من فضلك اشتقت الى قصصك القديمة ما تحمل من اكشن و اثارة غموض النهايات الغير متوقعة اما الان كأن هذه القصص كتبتها كاتبة مبتدأة
    آسفة ان كنت قلت كلاما جرحك واضافة الى ان كلام عصام صحيح

    ردحذف
  4. عاصم : بالطبع يعجبني النهايات القاتمه لانها واقعيه وتثلج الصدر من باب جلد الذات ولان غدا لن يكون افضل ابدا ابدا مهما تغنى وتوهم
    المغفلون


    ردحذف
  5. اول ما قرأت القصة أدركت أنها حيلة منها للتقرب منه

    ردحذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...