تأليف : امل شانوحة
لمح الشرطي شاباً يمشي باتجاه الخرابة ومعه حبلٌ طويل وهو منهارٌ بالبكاء ! فأوقف سيارته جانباً ولحقه دون ان يلاحظه
وحين دخل الشاب بيتاً مهجوراً , صعد خلفه ليشاهده وهو يقف على عتبةٍ حجرية مُهترئة بعد ان ربط الحبل حول رقبته ..
فتسلّل من ورائه بخفّة , وأمسكه قبل ثواني من شنق نفسه .. ومع ان الشاب المُنهار نفسيّاً حاول الإفلات بما تبقّى من قوته من يديّ الشرطي , الا ان الأخير استطاع إزالة الحبل عن رقبته .. وصار يعاتبه :
- لما تريد قتل نفسك وانت ماتزال شاباً يافعاً ؟!
الشاب وهو يبكي بقهر : ولما أنقذتني يا رجل ؟!! انا اريد الموت لأهرب من حياتي البائسة
الشرطي : اذاً ما رأيك ان تُفضّفض لي يا بنيّ , لربما ترتاح قليلاً .. لكن اولاً إخبرني بإسمك الثلاثي ؟
- جيمي جاك اندرسون
الشرطي بارتباك : جاك اندرسون !
وابتعد عن الشاب ليتصل بزميله في المركز , والذي ارسل له بعض المعلومات من حاسوب الإرشيف ..
ثم عاد اليه الشرطي مايكل وعيونه مغروّرقة بالدموع , وأخذ يستمع الى قصته باهتمامٍ زائد !
***
وخلال ساعة ..أخبره الشاب عن حياته التي تدمّرت في سن 8 سنوات , بعد ان رمته امه في دار الأيتام , بعد تطليقها لوالده الذي أُعتقل بتهمة قتله لرئيس عصابة , وُجدت جثته خارج النادي الذي يعمل جاك (والد جيمي) فيه حارساً ليليّاً , حيث وجدت الشرطة بصماته على السكين .. وقد حُكم عليه بالسجن عشرين سنة
الشرطي : وماذا حصل لك بعد مقتل والدك في السجن ؟
جيمي بدهشة : لكني لم أخبرك بأن فرداً من العصابة قتله في زنزانته ! فكيف عرفت ؟ ..هل من الإتصال الذي أجريته قبل قليل؟
- نعم , حصلت على بعض المعلومات من المركز .. والآن إخبرني بالذي عانيتهُ بعد تلك الحادثة ؟
الشاب وهو يمسح دموعه : عشت فترة في الميتم , قبل ان أهرب منه في سن 15 , لأعيش مشرّداً في الشوارع .. لكن كل هذا لا شيء امام الورطة التي انا فيها الآن
- وماهي ؟
الشاب بقلق : افراد العصابة عرفوا بأنني ابن قاتل رئيسهم القديم , وصاروا يهدّدوني بالقتل ان لم أعمل عندهم في نقل المخدرات الى خارج الحدود .. وانا لا اريد القيام بأشياء غير قانونية , او ان أعيش بقيّة عمري في السجون .. فكل حلمي هو إكمال تعليمي وإيجاد وظيفة محترمة , ولوّ براتبٍ زهيد .. فأنا اريد حياةً نظيفة , فهل ما أطلبه كثير ؟!
وعاد الى البكاء .. فربت الشرطي على كتفه وطلب منه مرافقته
***
وفي منزل الشرطي مايكل .. وبعد ان فتح له إحدى غرف منزله , قال له :
- يمكنك المبيت في غرفة ابني
جيمي : الن يُغضبه ذلك ؟
- ابني مات بحادث سير قبل خمسة اعوام , وليس عندي اولاد آخرين
- آه ! آسف لسماع ذلك , رحمه الله ..وماذا عن زوجتك ؟
الشرطي بنبرةٍ حزينة : ماتت بالسرطان العام الماضي
- يبدو ان الجميع يتألّم في هذه الحياة !
- نعم , لكن الإنتحار ليس هو الحلّ .. هيا خذّ ملابس من درج ابني واستحمّ , وانا سأطلب طعاماً لنا
وقبل ان يذهب , سأله الشاب :
- لما تفعل هذا ؟! ..لما لم تعتقلني او تضعني في مصحٍّ نفسيّ ؟!
فأجابه الشرطي بغموض : تكفيراً عن ذنبي يا بنيّ
وذهب دون ان يوضّح له ما يقصده !
***
وبعد اسبوع .. فاجأ الشرطي الشاب بإحضاره استاذاً يدرّسه , إستعداداً لإمتحانات الدخول للمرحلة المتوسطة..
جيمي باستغراب : وكيف سأدخل المتوسطة وقد أصبح عمري 20 سنة ؟!
الشرطي : ستتعلّم في المنزل , وتذهب الى المدرسة وقت الإمتحانات ..هكذا الى ان تصل للجامعة
الشاب بدهشة : وهل ستدخلني الجامعة ايضاً ؟!
- نعم ..الم يكن حلمك ان تُكمل تعليمك ؟
- بالتأكيد , لكني لا اريد تكليفك بمصاريف الدراسة
- لا تقلق , ستردّ لي الدين بعد حصولك على وظيفةٍ محترمة
- حسناً , أعدك بذلك .. سيد مايكل
الشرطي بابتسامةٍ حنونة : نادني بالعمّ مايكل
- كما تشاء عمي , وشكراً لك على كل شيء
***
وبالفعل مرّت سنوات أنهى فيها الشاب تعليمه , حيث كان يدرس في العطل الصيفية كيّ يلحق بما فاته .. وقد تفاجأ الشرطي بذكائه وسرعة تعلّمه , كونه متعطّشاً للنجاح !
وبعد إنهائه الجامعة قسم المحاسبة , توسّط له الشرطي في إحدى الشركات المرموقة لإجراء مقابلة العمل ..
وبالفعل توظف جيمي هناك براتبٍ جيد
***
بنهاية الشهر وبعد حصوله على راتبه الأول .. دخل غرفة الشرطي الذي تقاعد منذ سنة , وأعطاه ظرفاً
الشرطي : ما هذا المال يا جيمي ؟!
الشاب : هذا ردّ جزءاً من ديني لك , كما وعدتك
فأعاد له الظرف قائلاً : لن آخذه , لأنك ستجمع كل رواتبك من أجل زواجك
الشاب باستغراب : زواجي ؟!
الشرطي : بالطبع , فأنا ندمت كثيراً لعدم تزويج ابني قبل وفاته , ولوّ ألحّيتُ عليه سابقاً لكنت سعيداً الآن مع أحفادي .. فرجاءً لا تحرمني انت ايضاً من رؤية الأطفال يلعبون حولي .. (ثم نظر اليه بابتسامة) ..والآن إخبرني ..هل توجد فتاةٌ تعجبك ؟
فقال جيمي بارتباك : بالحقيقة ..هناك فتاة تعمل سكرتيرة بالشركة , وهي تروق لي كثيراً
- اذا لا تضيع الوقت , إذهب وفاتحها بالموضوع
- لكن اين سنسكن ؟
الشرطي : هنا , في الطابق العلوي ..وحين أموت , أكتب البيت بإسمك
الشاب مُستفسراً : ولماذا يا عمي ؟! فأنا أظلّ غريباً عنك , ولا استحق كل هذا الكرم منك !
فقال الشرطي بنبرةٍ حزينةٍ غامضة : لوّ عرفت الحقيقة , ستجده قليلاً جداً ولا يُوفي حقّك عليّ
لكنه لم يرضى ان يشرح المزيد !
***
وبالفعل عاشت زوجة جيمي معهم , وكانت تعامل الشرطي كوالدها , والذي كان سعيدا جداً بولادة حفيدته الصغيرة ..
وذات يوم .. طرقت الحفيدة (5 سنوات) باب غرفة والديها بفزع :
الأب : ماذا هناك ؟!
الطفلة وهي تبكي : جدي !! ..انه لا يتحرّك !
ونزلا للأسفل ليجداه ميتاً في كرسيه المتحرّك , ممّا أحزن جيمي كثيراً والذي بكى عليه في الجنازة , بعد ان ألقى كلمة مؤثّرة عن عمّه مايكل الذي كان بمثابة والده الحنون الذي أنقذه من الإنتحار وانتشله من حياته البائسة..
***
وبعد انتهاء العزاء بأيام .. طلب محامي الشرطي من جيمي القدوم الى مكتبه .. وحين ذهب الى هناك , أعطاه الأوراقاً رسمية لنقل ممتلكات مايكل اليه (المنزل , وامواله المدّخرة في البنك) .. ثم أعطاه شريط مصوّر .. وقبل خروج المحامي من المكتب , عاد وسأله :
جيمي : أتقصد ان عمي مايكل صوّر هذا الفيديو قبل ايام من وفاته ؟!
المحامي : نعم , ويريدك ان تشاهده لوحدك .. سآتي بعد قليل
وبعد خروجه , أدار جيمي الشريط .. ليجد الشرطي يعترف له بسبب اهتمامه به طوال تلك السنوات , قائلاً بتعب فوق كرسيه المتحرّك :
((ابني جيمي .. طالما انك تشاهدني الآن , فهذا يعني انني متّ .. واريد ان أعترف لك بسرٍّ أزعجني طوال حياتي .. فربما تظنني ملاكاً لأنني قدّمت لك الكثير , لكن كما قلت سابقاً : بأنه تكفيراً عن ذنبي اتجاهك .. لذا دعني أخبرك القصة منذ البداية .. (ثم تنهّد قليلاً , قبل ان يقول)..
كنت شاباً فقيراً أعمل في توصيل البيتزا , لكن صديقي أغراني بالعمل معه في توزيع المخدرات .. وفي يوم أمرت عصابتي باغتيال رئيس العصابة المنافسة , وهدّدوني بقتل صديقي ان لم افعل .. وسنحت الفرصة لي حين طلب رجاله البيتزا من المحل الذي اعمل فيه .. وحين وجدته بالصدفة يُجري اتصالاً خارج ناديه الليلي , لبست القفازات وأسرعت نحوه وطعنته في قلبه , قبل ان أهرب بدراجتي في جنح الظلام .. وقد علمت لاحقاً ان والدك قام بسحب السكين لإنقاذه , فرآه أحد رجال الرئيس وسلّمه للشرطة
(ثم تنهّد بضيق) .. أعلم انك تكرهني الآن , لأنه بسببي تدمّرت عائلتك واعتقل والدك من دون ذنب .. لكن بعد جريمتي هذه , تركت صديقي وسافرت بعيداً .. وحين علمت بمقتل والدك في السجن , تطوّعت في الشرطة (حيث لم يجدوا لي ملف سوابق) تكفيراً عن ذنبي .. وقد أمسكت العديد من أفراد العصابتين في حياتي المهنية , وظننت ان هذا كفيلاً لإراحة ضميري.. الى ان جاء اليوم الذي رأيتك فيه , وعرفت مقدار أذيتي لك .. لهذا أردّت تعويضك عن الحياة التي خسرتها .. وأتمنى من الربّ ان تسامحني يوماً يا بنيّ))
فخرج جيمي من مكتب المحامي ونار الغضب تشتعل في صدره !!!!!
***
ومشى تائهاً بالطرقات , الى أوصلته قدماه الى المقبرة التي دُفن فيها العجوز .. ووقف عنده , ليقول بقهر :
((لطالما حلَفَ والدي لأمي في كل زيارة لنا في سجنه : بأنه بريء , لكنها لم تصدّق كلامه .. اما انا , فقد عاهدت نفسي أن أعاقب القاتل الحقيقي الذي قضى على حياتنا .. (ثم تنهّد بضيق) .. لكن ما فعلته لأجلي , كان كافياً لأسامحك ..وأعتقد بأن روحك ستلتقي قريباً بوالدي الذي حتماً سيكون له رأياً آخر !!))
وابتعد من هناك .. لتكون هذه آخر مرة يزور فيها قبر الرجل الذي تسبّب بقتل والده وتشتّت عائلته , والذي أثقل ماضيه بذكرياتٍ سيئة لن تُمحيها اموال الدنيا ونعيمها !
هل ستسامحني يوماً ؟
لمح الشرطي شاباً يمشي باتجاه الخرابة ومعه حبلٌ طويل وهو منهارٌ بالبكاء ! فأوقف سيارته جانباً ولحقه دون ان يلاحظه
وحين دخل الشاب بيتاً مهجوراً , صعد خلفه ليشاهده وهو يقف على عتبةٍ حجرية مُهترئة بعد ان ربط الحبل حول رقبته ..
فتسلّل من ورائه بخفّة , وأمسكه قبل ثواني من شنق نفسه .. ومع ان الشاب المُنهار نفسيّاً حاول الإفلات بما تبقّى من قوته من يديّ الشرطي , الا ان الأخير استطاع إزالة الحبل عن رقبته .. وصار يعاتبه :
- لما تريد قتل نفسك وانت ماتزال شاباً يافعاً ؟!
الشاب وهو يبكي بقهر : ولما أنقذتني يا رجل ؟!! انا اريد الموت لأهرب من حياتي البائسة
الشرطي : اذاً ما رأيك ان تُفضّفض لي يا بنيّ , لربما ترتاح قليلاً .. لكن اولاً إخبرني بإسمك الثلاثي ؟
- جيمي جاك اندرسون
الشرطي بارتباك : جاك اندرسون !
وابتعد عن الشاب ليتصل بزميله في المركز , والذي ارسل له بعض المعلومات من حاسوب الإرشيف ..
ثم عاد اليه الشرطي مايكل وعيونه مغروّرقة بالدموع , وأخذ يستمع الى قصته باهتمامٍ زائد !
***
وخلال ساعة ..أخبره الشاب عن حياته التي تدمّرت في سن 8 سنوات , بعد ان رمته امه في دار الأيتام , بعد تطليقها لوالده الذي أُعتقل بتهمة قتله لرئيس عصابة , وُجدت جثته خارج النادي الذي يعمل جاك (والد جيمي) فيه حارساً ليليّاً , حيث وجدت الشرطة بصماته على السكين .. وقد حُكم عليه بالسجن عشرين سنة
الشرطي : وماذا حصل لك بعد مقتل والدك في السجن ؟
جيمي بدهشة : لكني لم أخبرك بأن فرداً من العصابة قتله في زنزانته ! فكيف عرفت ؟ ..هل من الإتصال الذي أجريته قبل قليل؟
- نعم , حصلت على بعض المعلومات من المركز .. والآن إخبرني بالذي عانيتهُ بعد تلك الحادثة ؟
الشاب وهو يمسح دموعه : عشت فترة في الميتم , قبل ان أهرب منه في سن 15 , لأعيش مشرّداً في الشوارع .. لكن كل هذا لا شيء امام الورطة التي انا فيها الآن
- وماهي ؟
الشاب بقلق : افراد العصابة عرفوا بأنني ابن قاتل رئيسهم القديم , وصاروا يهدّدوني بالقتل ان لم أعمل عندهم في نقل المخدرات الى خارج الحدود .. وانا لا اريد القيام بأشياء غير قانونية , او ان أعيش بقيّة عمري في السجون .. فكل حلمي هو إكمال تعليمي وإيجاد وظيفة محترمة , ولوّ براتبٍ زهيد .. فأنا اريد حياةً نظيفة , فهل ما أطلبه كثير ؟!
وعاد الى البكاء .. فربت الشرطي على كتفه وطلب منه مرافقته
***
وفي منزل الشرطي مايكل .. وبعد ان فتح له إحدى غرف منزله , قال له :
- يمكنك المبيت في غرفة ابني
جيمي : الن يُغضبه ذلك ؟
- ابني مات بحادث سير قبل خمسة اعوام , وليس عندي اولاد آخرين
- آه ! آسف لسماع ذلك , رحمه الله ..وماذا عن زوجتك ؟
الشرطي بنبرةٍ حزينة : ماتت بالسرطان العام الماضي
- يبدو ان الجميع يتألّم في هذه الحياة !
- نعم , لكن الإنتحار ليس هو الحلّ .. هيا خذّ ملابس من درج ابني واستحمّ , وانا سأطلب طعاماً لنا
وقبل ان يذهب , سأله الشاب :
- لما تفعل هذا ؟! ..لما لم تعتقلني او تضعني في مصحٍّ نفسيّ ؟!
فأجابه الشرطي بغموض : تكفيراً عن ذنبي يا بنيّ
وذهب دون ان يوضّح له ما يقصده !
***
وبعد اسبوع .. فاجأ الشرطي الشاب بإحضاره استاذاً يدرّسه , إستعداداً لإمتحانات الدخول للمرحلة المتوسطة..
جيمي باستغراب : وكيف سأدخل المتوسطة وقد أصبح عمري 20 سنة ؟!
الشرطي : ستتعلّم في المنزل , وتذهب الى المدرسة وقت الإمتحانات ..هكذا الى ان تصل للجامعة
الشاب بدهشة : وهل ستدخلني الجامعة ايضاً ؟!
- نعم ..الم يكن حلمك ان تُكمل تعليمك ؟
- بالتأكيد , لكني لا اريد تكليفك بمصاريف الدراسة
- لا تقلق , ستردّ لي الدين بعد حصولك على وظيفةٍ محترمة
- حسناً , أعدك بذلك .. سيد مايكل
الشرطي بابتسامةٍ حنونة : نادني بالعمّ مايكل
- كما تشاء عمي , وشكراً لك على كل شيء
***
وبالفعل مرّت سنوات أنهى فيها الشاب تعليمه , حيث كان يدرس في العطل الصيفية كيّ يلحق بما فاته .. وقد تفاجأ الشرطي بذكائه وسرعة تعلّمه , كونه متعطّشاً للنجاح !
وبعد إنهائه الجامعة قسم المحاسبة , توسّط له الشرطي في إحدى الشركات المرموقة لإجراء مقابلة العمل ..
وبالفعل توظف جيمي هناك براتبٍ جيد
***
بنهاية الشهر وبعد حصوله على راتبه الأول .. دخل غرفة الشرطي الذي تقاعد منذ سنة , وأعطاه ظرفاً
الشرطي : ما هذا المال يا جيمي ؟!
الشاب : هذا ردّ جزءاً من ديني لك , كما وعدتك
فأعاد له الظرف قائلاً : لن آخذه , لأنك ستجمع كل رواتبك من أجل زواجك
الشاب باستغراب : زواجي ؟!
الشرطي : بالطبع , فأنا ندمت كثيراً لعدم تزويج ابني قبل وفاته , ولوّ ألحّيتُ عليه سابقاً لكنت سعيداً الآن مع أحفادي .. فرجاءً لا تحرمني انت ايضاً من رؤية الأطفال يلعبون حولي .. (ثم نظر اليه بابتسامة) ..والآن إخبرني ..هل توجد فتاةٌ تعجبك ؟
فقال جيمي بارتباك : بالحقيقة ..هناك فتاة تعمل سكرتيرة بالشركة , وهي تروق لي كثيراً
- اذا لا تضيع الوقت , إذهب وفاتحها بالموضوع
- لكن اين سنسكن ؟
الشرطي : هنا , في الطابق العلوي ..وحين أموت , أكتب البيت بإسمك
الشاب مُستفسراً : ولماذا يا عمي ؟! فأنا أظلّ غريباً عنك , ولا استحق كل هذا الكرم منك !
فقال الشرطي بنبرةٍ حزينةٍ غامضة : لوّ عرفت الحقيقة , ستجده قليلاً جداً ولا يُوفي حقّك عليّ
لكنه لم يرضى ان يشرح المزيد !
***
وبالفعل عاشت زوجة جيمي معهم , وكانت تعامل الشرطي كوالدها , والذي كان سعيدا جداً بولادة حفيدته الصغيرة ..
وذات يوم .. طرقت الحفيدة (5 سنوات) باب غرفة والديها بفزع :
الأب : ماذا هناك ؟!
الطفلة وهي تبكي : جدي !! ..انه لا يتحرّك !
ونزلا للأسفل ليجداه ميتاً في كرسيه المتحرّك , ممّا أحزن جيمي كثيراً والذي بكى عليه في الجنازة , بعد ان ألقى كلمة مؤثّرة عن عمّه مايكل الذي كان بمثابة والده الحنون الذي أنقذه من الإنتحار وانتشله من حياته البائسة..
***
وبعد انتهاء العزاء بأيام .. طلب محامي الشرطي من جيمي القدوم الى مكتبه .. وحين ذهب الى هناك , أعطاه الأوراقاً رسمية لنقل ممتلكات مايكل اليه (المنزل , وامواله المدّخرة في البنك) .. ثم أعطاه شريط مصوّر .. وقبل خروج المحامي من المكتب , عاد وسأله :
جيمي : أتقصد ان عمي مايكل صوّر هذا الفيديو قبل ايام من وفاته ؟!
المحامي : نعم , ويريدك ان تشاهده لوحدك .. سآتي بعد قليل
وبعد خروجه , أدار جيمي الشريط .. ليجد الشرطي يعترف له بسبب اهتمامه به طوال تلك السنوات , قائلاً بتعب فوق كرسيه المتحرّك :
((ابني جيمي .. طالما انك تشاهدني الآن , فهذا يعني انني متّ .. واريد ان أعترف لك بسرٍّ أزعجني طوال حياتي .. فربما تظنني ملاكاً لأنني قدّمت لك الكثير , لكن كما قلت سابقاً : بأنه تكفيراً عن ذنبي اتجاهك .. لذا دعني أخبرك القصة منذ البداية .. (ثم تنهّد قليلاً , قبل ان يقول)..
كنت شاباً فقيراً أعمل في توصيل البيتزا , لكن صديقي أغراني بالعمل معه في توزيع المخدرات .. وفي يوم أمرت عصابتي باغتيال رئيس العصابة المنافسة , وهدّدوني بقتل صديقي ان لم افعل .. وسنحت الفرصة لي حين طلب رجاله البيتزا من المحل الذي اعمل فيه .. وحين وجدته بالصدفة يُجري اتصالاً خارج ناديه الليلي , لبست القفازات وأسرعت نحوه وطعنته في قلبه , قبل ان أهرب بدراجتي في جنح الظلام .. وقد علمت لاحقاً ان والدك قام بسحب السكين لإنقاذه , فرآه أحد رجال الرئيس وسلّمه للشرطة
(ثم تنهّد بضيق) .. أعلم انك تكرهني الآن , لأنه بسببي تدمّرت عائلتك واعتقل والدك من دون ذنب .. لكن بعد جريمتي هذه , تركت صديقي وسافرت بعيداً .. وحين علمت بمقتل والدك في السجن , تطوّعت في الشرطة (حيث لم يجدوا لي ملف سوابق) تكفيراً عن ذنبي .. وقد أمسكت العديد من أفراد العصابتين في حياتي المهنية , وظننت ان هذا كفيلاً لإراحة ضميري.. الى ان جاء اليوم الذي رأيتك فيه , وعرفت مقدار أذيتي لك .. لهذا أردّت تعويضك عن الحياة التي خسرتها .. وأتمنى من الربّ ان تسامحني يوماً يا بنيّ))
فخرج جيمي من مكتب المحامي ونار الغضب تشتعل في صدره !!!!!
***
ومشى تائهاً بالطرقات , الى أوصلته قدماه الى المقبرة التي دُفن فيها العجوز .. ووقف عنده , ليقول بقهر :
((لطالما حلَفَ والدي لأمي في كل زيارة لنا في سجنه : بأنه بريء , لكنها لم تصدّق كلامه .. اما انا , فقد عاهدت نفسي أن أعاقب القاتل الحقيقي الذي قضى على حياتنا .. (ثم تنهّد بضيق) .. لكن ما فعلته لأجلي , كان كافياً لأسامحك ..وأعتقد بأن روحك ستلتقي قريباً بوالدي الذي حتماً سيكون له رأياً آخر !!))
وابتعد من هناك .. لتكون هذه آخر مرة يزور فيها قبر الرجل الذي تسبّب بقتل والده وتشتّت عائلته , والذي أثقل ماضيه بذكرياتٍ سيئة لن تُمحيها اموال الدنيا ونعيمها !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق