الثلاثاء، 16 نوفمبر 2021

الفدية المدرسية

تأليف : امل شانوحة

 خاطف الحافلة !


لم يجد جاك عملاً شريفاً لدفع أجار غرفته في الحيّ الفقير ، بعد تسرّحه حديثاً من السجن .. 

وفي الأخبار ، شاهد صورة الخاطف الذي هرب من الشرطة بعد استلامه فديةً ضخمة ! 


فقال جاك في نفسه :

((ياله من محظوظ ! كسب مليون دولار بعد ثلاثة ايام من خطفه إبن التاجر الثريّ .. ترى كم سيربح لوّ خطف عدّة اولاد ؟!))


وهنا خطرت في باله فكرة : 

وهي سرقة حافلة مدرسة الأثرياء .. وطلب مليون دولار عن كل ولد ، بهذا يحصل على ثروةٍ هائلة !

وسهر طوال الليل يخطّط لفكرته الجهنّمية 

***


في ظهر اليوم التالي .. توجّه جاك الى المدرسة الإبتدائية (الأغلى قسطاً في المنطقة) ..ووقف بجانب الأهالي والسائقين في انتظار خروج الأولاد بعد انتهاء المدرسة .. 


وبعد صعود بعضهم الى الحافلة المدرسيّة ، وقف جاك امام بابها (وهو يغطي نصف وجهه بالشال رغم الجوّ الربيعي) طالباً من السائق النزول اليه .. 

فردّ العجوز :

- لم ارك من قبل ! ماذا تريد ؟ انا مستعجل لإيصال الأولاد الى منازلهم 

فأشار جاك الى العجلة الخلفيّة وهو يقول : 

- هناك تسرّب للزيت اسفل الحافلة ، عليك رؤيته في الحال 


فنزل السائق متأفّفاً ، ومشى برفقته لخلف الحافلة التي كانت متوقفة بعيداً عن البوّابة الرئيسيّة المكتظّة بالأهالي .. 

ليقوم جاك بوضع القماشة المبلولة بالمخدّر على أنف العجوز ، ليسقط مغشياً عليه ! 

ثم قام بسحبه ، وإخفائه خلف الشجرة .. وأسرع بالجلوس مكانه ، والإنطلاق بالحافلة باتجاه الطريق العام !

***


لم يلاحظ تبدّل السائقين سوى الطالب إريك (12 سنة) الجالس في المقدّمة ، والذي اقترب منه ليسأله :

- من انت ؟! واين السائق روبرت ؟

وكان جاك مشغولاً بإبعاد الحافلة عن المنطقة ، فردّ بجفاء :

- إجلس مكانك يا ولد !! ولا تسمعني صوتك 


فشعر إريك بالإرتباك ! وعاد للتحدّث مع صديقه جيم عن السائق الجديد سيء الخلق ، ثم سأله :

- هل جوالك معك ؟

جيم : إنتهى شحنه منذ الحصة الثالثة ، وانت ؟

إريك بضيق : ابي منعني من إحضار جوالي الجديد ، خوفاً من ضياعه  

- ولماذا تريد الجوال ؟ فأنت اول من سيصل الى منزله 


بهذه اللحظة .. مرّت الحافلة قرب المول ، فقال إريك بدهشة :

- نحن لم نمرّ هنا من قبل ! لما يأخذنا السائق الجديد من طريقٍ مختلف ؟!

جيم : لا تخيفني يا إريك !

- الأمر مقلقٌ بالفعل .. سأسأل الطلاّب إن كان معهم جوّال 

جيم : نحن في السنة الأخيرة .. اما بقية الطلّاب فبالصف الثاني والثالث ، ولا أظن اهلهم اشتروا لهم الجوّالات

- هذه مشكلة !

- لننتظر قليلاً .. وإن لم نصل لمنزل أحدنا ، نصرخ بعلوّ صوتنا للسيارات المارّة ليتصلوا بالشرطة

إريك بقلق : حسناً ننتظر قليلاً

***  


عدّل جاك مرآته العلويّة لعدّ الأولاد ، قائلاً في نفسه :

((15 طالباً فقط !.. لا يهم ، 15 مليون مبلغاً جيداً .. الآن سأتصل بمكتب المديرة ..أتمنى أن يكون الرقم الذي استخرجته من الدليل صحيحاً ، وأن تكون مازالت في المدرسة وإلاّ فشلت خطتي))

***


في غرفة الإدارة ، أطفأت المديرة حاسوبها بعد انتهاء الدوام .. وقبل إقفالها باب غرفتها ، رنّ تلفونها الأرضيّ .. 

- من الغبي الذي يتصل بهذا الوقت المتأخر ؟!

وردّت بعصبية :

- الو !! من المتكلّم ؟

- انا جاك .. سائق حافلتكم الجديد

المديرة : الرقم خاطىء ، فروبرت يعمل لدينا منذ عشرين سنة 

- أتقصدين العجوز ؟ هو نائمٌ خلف الشجرة القريبة من مدرستك

المديرة بقلق : ماذا تقصد ؟!

- أقصد انني سرقت حافلتكم ، ومعي 15 رهينة


وجاء الخبر صادماً لها ! فنظرت الى جوّالها (الذي كان صامتاً) لترى عشرات المكالمات النّصية من الأهالي الذين يسألونها عن تأخّر وصول اولادهم !


فرجفت يدها وهي تمسك سمّاعة الهاتف الأرضيّ ، لتسأله بارتباك: 

- ماذا تريد من الأطفال ؟ رجاءً لا تؤذيهم 

جاك بمكر : لا يهمّني أمرهم .. اريد منك الإتصال بالأهالي لإخبارهم عن فدية مليون دولار لكل ولد

المديرة بصدمة : مليون !

جاك بحزم : نعم !! وإلاّ لن يروهم ثانيةً .. وإيّاك الإتصال بالشرطة وإلاّ أحرقت الحافلة بمن فيها ، مفهوم !!

وأنهى المكالمة ، تاركاً المديرة في حيرةٍ شديدة !

***


سمع إريك وصديقه مكالمة جاك مع المديرة ، لتتأكّد شكوكهما بالخطف !

فوقف إريك وسط الحافلة ، وصرخ امام الأطفال : 

- السائق خطفنا !! لن نرى أهالينا من جديد 

وسانده جيم قائلاً : عليكم الصراخ بعلوّ صوتكم ، قبل أن يقتلنا !!


وعلى الفور صرخ الطلّاب دفعةً واحدة ، مما أربك جاك ! خاصة بعد سماع المارّة وسائقي السيارات صراخ الطلّاب ، وبدأوا بإطلاق أبواقهم لإجباره على الوقوف جانباً .. 


ولم يكن امام جاك سوى القيادة بأقصى سرعته .. مما أرعب الأولاد الذين تمسكّوا بمقاعدهم ، خوفاً من حادثٍ مؤكّد ..

وبسبب تصرّفه الطائش ، وصلت عشرات المكالمات للشرطة تبلّغ عن رقم الحافلة المدرسيّة بسائقها المجنون ! 

***


بهذه الأثناء .. أيقظت المديرة روبرت العجوز الذي أخبرها بسرقة حافلته  ..لتصلها مكالمة من الشرطة تستفسر عن سائق الحافلة المتهوّر.. 

فأطلعتهم على مكالمة الخاطف الذي هدّد بقتل الأولاد إن لم يحصل على الفدية !

***


بأقل من ساعة .. أُذيع الخبر في نشرات الأخبار ، مُحدثةً ضجّة كبيرة في المدينة بعد فزع أهالي الطلّاب 15 الذين طالبوا الشرطة بالقبض على الفاعل قبل إيذائه اولادهم 

***


بعد سماع جاك صافرات الشرطة تقترب من الحافلة ! علم أن خطته فشلت ، وأن عليه الإبتعاد عن الطريق العام بأسرعٍ وقت ممكن .. 

لهذا انحرف في طريقٍ فرعيّ باتجاه غابةٍ مهملة ، مُتجاهلاً صراخ الأولاد المزعج من خلفه 

***


قاد جاك الحافلة في طريقٍ مجهول لم يجرّبه من قبل ! وهو ينظر الى مؤشّر البنزين من وقتٍ لآخر ، تحسّباً لطريق العودة .. 

ولم يهتم بإريك وجيم اللذين رمياه بالكراريس والأقلام ، لمنعه من متابعة المسير

فالتفت اليهما صارخاً :

- إن لم تتوقفا حالاً !! سأرميكما في الغابة ، وأكمل طريقي دونكما

فنظرا من النافذة وهما يراقبان الغابة التي تبدو مرعبة عصراً ، فكيف مساءً ! وعادا الى مقعدهما بعد خوفهما من تهديده.. 


بينما ظلّ الصغار يسألون جاك عن وجهتهم : 

- ياعم !! الى اين نحن ذاهبون ؟

- هذا ليس طريق بيتي !

- انا جائع !!

- وانا اريد دخول الحمام

- انا أشعر بالغثيان


ولوّث ملابسه بعد تقيّؤه ! فنظر جاك اليه باشمئزاز .. ثم رمى منشفة السائق روبرت باتجاه إريك ، وهو يأمره بتنظيف الأرض.. 

فصرخ إريك معترضاً : 

- انا لست خادمك !!

جاك غاضباً : إمسح الأرض وإلاّ رميتك خارجاً !!

فنظّف إريك أرضيّة الحافلة مُجبراً ، مُمسكاً دموعه بعد شعوره بالذلّ !


بينما تابع الطالب البدين صراخه :

- انا جائع !!

جاك بضيق : إن كان مع أحدكم بقايا شطيرة او حلوى ، فليطعهما لهذا الدبّ قبل رميه لذئاب الغابة

فأعطى جيم نصف شطيرته للولد البدين الذي كان مرتعباً من تهديد جاك.. 

ثم سأل جيم السائق بخوف : أرجوك !! إخبرنا فقط الى اين تأخذنا؟ 

جاك غاضباً : الى الجحيم !! إصمتوا جميعاً ، اريد التحدّث مع مديرتكم


وبالكاد استطاع الإتصال بها ، لابتعاده عن الشبكة .. وحين ردّت عليه ،أحسّ أن هاتفها مُراقب ! فقال بلؤم :

- يعني خالفتني واتصلت بالشرطة ؟

المديرة بخوف : ليس انا ! بل سائقيّ السيارت في الطريق العام .. أحلف لك !!

- لا يهم ، هل أهالي المختطفين بجانبك ؟

- نعم ، جميعهم في مكتبي

جاك بلا مبالاة : إذاً إرفعي الصوت ، لتسمعني الشرطة ايضاً


وبعد رفعها الصوت ، قال بحزم :

- اريد مليون دولار عن كل ولد ، وإلاّ لن تروهم مجدّداً !!

فقال أحد الآباء بقلق : نحتاج وقتاً لتحضير المبلغ

وصرخت أم باكية : رجاءً لا تؤذي ابني !!

جاك : معكم حتى الصباح قبل رميّ أول طالب من الحافلة ، أثناء قيادتي السريعة  

الأب بخوف : ارجوك لا !! سنحضّر المبلغ في الحال


وهنا ظهر صوت رجلٌ صارم : ما اسمك ؟

جاك : آه ! يبدو انك الشرطي المتابع لعملية الإختطاف ؟

الشرطي : نعم !!

جاك ساخراً : وهل تظنني سأخبرك بإسمي ايها المغفل ؟

الشرطي : أنت تعلم جيداً إن البنوك مغلقة بعد الظهيرة 

جاك بحزم : وهذا واجبك !! عليك الإتصال بمدير البنك لسّماح للأهالي بسحب اموالهم نقداً ، وسأتصل لاحقاً لإعطائكم وقت ومكان التسليم .. معكم حتى الصباح لتحضير المبلغ المطلوب ..

الشرطي : وهل لديك طعاماً كافياً للأولاد ؟ 

جاك : سندبّر أمورنا ، أتصل بكم غداً

وفور إنهائه المكالمة ، إنهار الأهالي ببكاءٍ مرير

***


وضع جاك جواله في جيبه ، ثم التفت للأولاد : 

- سنخيّم هنا الليلة !!

إريك : وهل معك خيم ؟

جاك : لا يا ذكي ، سنخيّم داخل الحافلة

جيم : وماذا عن الطعام ؟

جاك : هناك محطّة بنزين في نهاية الغابة ، سأقفل عليكم الباب لشراء الطعام .. وإن حاول أحدكم الهرب او الصراخ ، أقتله فوراً!!

وأراهم مسدسه..


وقبل نزوله من الحافلة ، أوقفه إريك : 

- دعني اساعدك بحمل الطعام  

جاك : لا !! اريدك أن تراقبهم ، بما أنك الكبير

وهنا صرخ أصغر الطلّاب : 

- اريد دخول الحمام !!


جاك بضيق : ماهذه الورطة ؟! .. حسناَ سأنزلكم الواحد تلوّ الآخر لدخول الحمام خلف الشجرة .. ثم أقفل الباب ، للذهاب الى المحطة .. (ثم نظر لإريك) ..وأنت !! لا بأس بقدومك معي .. لكن في حال حاولت لفت أنظار عمّال المحطة اليك ، أقطع لسانك دون تردّد !! 

إريك : لن أفعل ، صدّقني 

ثم قال جاك لجيم : وأنت !! عليك مراقبتهم ريثما نعود 

فأومأ جيم برأسه موافقاً 

***


اثناء توغّلهما في الغابة ، سأله إريك :  

- لما فعلت ذلك ؟ لما اختطفتنا ؟ 

جاك بحزم : لا تسمعني صوتك طوال الطريق !!

- على الأقل إخبرني ، لربما شهدّت لصالحك بعد قبضهم عليك

- لن تقبض الشرطة عليّ !!

إريك : وكيف ستهرب بالمال ؟ أكيد الشرطة تراقب الطريق

- سأجد حلاً

- هل قلّة المال جعلك تخطفنا ؟

جاك ساخراً : لا يا عزيزي .. انا ثريٌّ جداً ، وأملك قصراً وطائرة مثل والدك .. لكني أردّت المخاطرة بحياتي لحبّي للمغامرة .. ماذا تظن ؟!!

- أحقاً لا تملك شيئاً ؟!


فتنهّد جاك بضيق :

- أعيش منذ فترة على فتات الخبز ، وحصلت على إنذار بالطرد من غرفتي القذرة بنهاية الشهر .. ومع هذا فكّرت بعدم دفع الأجار من معاشي الذي قبضته قبل يومين ، والمجازفة بهذه الخطة حتى لا أصبح مشرّداً في المستقبل القريب 

إريك بشفقة : والآن ستصرف راتبك على طعامنا ؟!

- لا بأس ، فغداً يعوّضني آبائكم بأضعاف ما ملكته طوال حياتي 

- وماذا ستفعل بمال الفدية ؟ 

جاك بحماس : أحقّق بها احلامي !! 


إريك : وماهي ؟ 

- اشياء لا تهمّك

إريك : تقصد الزواج وإنجاب الأولاد ؟

- لا أريد إسعاد نفسي اولاً  

- تعني ملاهي وحلويات ؟

جاك : ربما ، لما لا 

- ظننتها أحلامنا فقط !

- انا لم أعشّ طفولةً سعيدة


إريك : هل كان والدك قاسياً معك ؟

- لا أعرف من هو والدي ! فأمي عملت في الحانات ، ولم تهتم لأمري حتى عندما اعتقلوني في سجن الأحداث ، بسبب رفقاء السوء الذين هربوا بعد سرقتهم البقالة وتوريطي بالجريمة ! 

إريك : واين امك الآن ؟ 

- ماتت بجرعة مخدراتٍ زائدة 

- وكيف أكملت الحياة وحدك ؟! 


جاك حزيناً : بعد تسريحي من السجن ، أصبحت مشرّداً بالشوارع .. الى أن انضممّت لعصابة سرقة سيارات ، وبسببهم سُجنت مرة ثانية .. ولأن لديّ سوابق ، لم يقبل أحد توظيفي .. فالمجتمع لا يغفر ذنوبك .. لهذا قرّرت المجازفة بكل شيء : فإمّا أن أخرج من عملية الإختطاف مليونيراً ، او أُقتل وأرتاح من حياتي البائسة.. 

ثم نظر للصبي باستغراب :

- كيف جعلتني أخبرك بقصة حياتي ؟! فأنا نادراً ما أثقّ بأحد !


إريك : طبيبتي أخبرتني إنه لا بأس من التحدّث عن مشاكلنا ، لأن بقائها داخلنا تزيد عقدنا النفسيّة

- ولما تعالجت نفسيّاً ؟!

إريك : صرت إنطوائياً بعد وفاة امي وإهمال ابي ، المهتمّ فقط بسفريات أعماله ! صدّقني حتى الأغنياء لديهم مشاكل وأحزان

جاك بقهر : مهما كبرت مشاكلكم لن تكون أصعب من الإحساس بالجوع والخوف من المستقبل ، كما هي حالتي الآن 

 

فحزن إريك على جاك ، وأخرج نقوداً من جيبه وهو يقول :

- كنت أنوي شراء هدية لمعلمتي من المحل القريب من قصري .. خذها واشتري الشطائر على حسابي 

جاك بدهشة : أهذا مصروفك ؟! إنه يساوي نصف معاشي !

- هو لك

- حسناً ..سأشتري به صفيحة بنزين ، كيّ لا نعلق في الطريق .. شكراً لك

ومسح على رأس إريك بحنان !

***  


بعد عودتهما الى الحافلة ، وتناول الأولاد طعامهم .. أمرهم جاك بالنوم على أرضيّة الحافلة بعد حلول المساء..

فوضع كل واحداً منهم رأسه فوق حقيبته ، محاولاً النوم .. ماعدا صغيرهم الذي كان خائفاً من صوت الحشرات خارج الحافلة .. 

ففاجأهم جاك قائلاً :

- أتريدون سماع قصة جميلة ؟


فوافق الأولاد بحماس .. فأخبرهم عن قصة سمعها من جاره العجوز حين كان 

بعمرهم : وكانت عن رحلة بحّارٍ في المحيط ، والصعوبات التي واجهته من أعاصير وحيتان واسماك قرش ، ومخاطر الغرق ونفاذ الطعام ، ومشاكله مع البحّارة والقراصنة وغيرها .. 

مما شدّ إنتباه الأطفال الذين غفى معظمهم قبل انتهاء القصة الطويلة المشوّقة 

***


بعد نوم جاك .. أيقظ جيم صديقه إريك ، وهو يهمس في إذنه :

- لقد شحنت جوالي

إريك بصوتٍ منخفض : كيف ؟!

- كنت رأيت روبرت (السائق القديم) يُخبئ شاحنه (الذي يعمل على البطّارية) في درجه الأمامي.. وبعد شحنه ، إتصلت بأبي لإخباره عن لافتة الطريق التي دخلنا منها الى هنا ..كما أخبرته عن محطّة البنزين الموجودة بآخر الغابة ..وأظن الشرطة ستصل الينا قبيل الفجر 


إريك معاتباً : لما فعلت ذلك ؟ 

- ماذا تقصد ؟!

- جاك بحاجة للمال لتغير حياته البائسة  

جيم معاتباً : وما ذنب الطلّاب الصغار ليرعبهم هكذا ؟

إريك بقلق : خوفي أن يتهوّر بإيذائنا بعد محاصرته من الشرطة  

جيم : أخبرني والدي أنهم سيقتربون منّا بحذر ، فهم يدركون خطورة الموقف .. والآن تصبح على خير

إريك : كيف ستنام مع هذه المصيبة ؟!

- الأفضل أن نرتاح الليلة ، فنحن لا نعلم ما سنواجهه غداً 


وعاد جيم للنوم على الأرضيّة ، تاركاً إريك قلقاً على مصير جاك المسكين

***


إستيقظ الأولاد في الصباح الباكر بعد شعورهم بتحرّك الحافلة السريع ، لينتبهوا أنهم عادوا للطريق العام !

فسأل إريك السائق : ماذا حصل ؟!

فصرخ جاك غاضباً ، وهو يقود الحافلة بتوترٍ واضح :

- من منكم يا ملاعين أخبر الشرطة بمكاننا ؟!! أعطوني جوّالاتكم فوراً ، وإلاّ رميت حقائبكم من النافذة !! 

إريك : لا تغضب يا جاك ، ربما عرفوا مكاننا من كاميرات الطرق.. ثم لوّ كان معنا جوّالات ، لاتصلنا بأهالينا البارحة  

فتنهّد جاك مطوّلاً ، قبل أن يقول : 

- معك حق ! آسف لصراخي عليكم 


فاقترب إريك منه ، ووضع يده على كتفه : هل نمت جيداً ؟

جاك بتعب : ساعتين فقط ، وحين نزلت لقضاء حاجتي .. سمعت سيارات تقترب منّا ، فأسرعت بإخراج الحافلة من الغابة 

إريك : أحسنت !! 

فنظر جاك اليه باستغراب ! وقبل سؤاله عن سبب دعمه له ؟ 


صرخ الولد الصغير من خلفه : 

- اريد دخول الحمام !!

جاك بضيق : لا ! هذا ليس وقته 

الولد البدين : وأنا جائع !! ألن تشتري لنا الفطور ؟ 

جاك : يا الهي ! الجلوس مع الأطفال مرهقٌ للغاية

طالبٌ آخر : انا أشعر بالمللّ .. عم جاك !! هل لديك ألعاب في جوالك ؟ 

فصرخ جاك غاضباً : وهل سأعطيك جوالي لتفرغ بطاريته على العابك ، أيها المدللّ ؟!!

فبكى الصغير خوفاً : أريد العودة لمنزلي وألعابي !! 

وقال ولدٌ آخر : وانا اشتقت لأمي !!

وصاروا يبكون معاً ..


فنظر جاك لإريك وهو مازال يقود الحافلة :

- ارجوك إسكتهم ، فرأسي يكاد ينفجر

إريك : ليتك اخترت طلّاباً أكبر سنّاً 

- الكبار سيقاومونني ، وظننت خطف الصغار عمليةً سهلة .. رجاءً هدّأهم ، ريثما أكلّم مديرتكم

 

وبعد قيام إريك بإسكاتهم ، قال جاك للمديرة بعصبية : 

- انت خالفتي وعدنا !!

المديرة بخوف : لا دخل لي وللأهالي بما حصل ! فهم حضّروا مال الفدية ، وينتظرون أن تخبرهم عن مكان التسليم 

جاك بارتياح : ممتاز !! إنتظري مكالمتي التالية

المديرة : لحظة قبل أن تقفل !! كيف حال الأولاد ؟

جاك : بخير .. يفقدونني أعصابي ، لكنهم غير مشاغبين .. سأتصل لاحقاً

***


بعد ساعتين ..توقف جاك قرب الحديقة العامة ، ونزل من الحافلة وهو يضع المسدس برأس إريك بعد أن همس في أذنه :

- أفرغت مسدسي من الرصاصات .. لا تخف ، لن اؤذيك يا صديقي

إريك بصوتٍ منخفض : لا تقلق ، لن أقاومك ..


وقبل دقائق من حصوله على حقيبة المال من الشرطي ، لمع شيئاً في عينه ! فنظر جاك للأعلى ، ليشاهد شرطياً فوق المبنى ! فعرف إنه وقع بالفخّ  


فشدّ ذراع إريك للعودة الى الحافلة ، قبل صراخه بألم بعد إصابة ذراعه برصاصة القنّاص ! 


ورغم ألمه الشديد ، إلاّ انه استطاع إبعاد الحافلة عن المكان .. لتلاحقه سيارات الشرطة من جميع الجهات .. قبل توقفها عند مدخل حيٍّ شعبي فقير ، ملكاً للعصابات والمشرّدين


فسأل الأب الشرطي عن سبب إيقافهم الملاحقة ، فأجابه بالّلاسلكي:  

- نحتاج خطة مدروسة لمداهمة الحيّ الخطير الذي تسبّب في خسارتنا العديد من رجالنا .. إخبر الأهالي أننا سنجد حلّاً لإعادة أولادهم قريباً

***


وفي الوقت الذي عادت فيه سيارات الشرطة للمركز ، صفّق اهالي الحيّ الفقير للسائق البطل ، بعد سماعهم أخبار الطلّاب المختطفين في اليومين الفائتين .. 

بينما أسرع جاك المصاب مع الأولاد بالصعود الى شقته الصغيرة ، بعد طلبه من جارته بإرسال طبيب الحيّ لعلاج ذراعه ..


وبعد إقفال باب شقته ، قال لإريك : 

- لا تفتح الباب إلاّ للطبيب المجنون

إريك بقلق : وهل هو مجنون بالفعل ؟!

جاك بألم : تخلّى عن مهنته ، بعد موت زوجته بالعملية التي أجراها لها .. هو رجلٌ طيب ومحترف ، ولا خوف منه ..


ودخل غرفته .. بينما تجوّل اريك داخل الشقة الصغيرة التي لا تحوي سوى كنبة قديمة وتلفاز محطّم ، وثلاجة وفرن مستعملين .. فشعر بالشفقة عليه !

***  


وكانت بالفعل تصرّفات الطبيب مُقلقة ! إلاّ انه استطاع ببراعة إزالة الرصاصة من ذراع جاك وتضّميدها ، ووصّاه بالراحة بعد حقنة المخدّر 


وبعد ذهابه .. زارته جاراته ومعهنّ طناجر الطعام لمساعدته بأزمة الأولاد ..وأخبروه أن رجالهم يراقبون الطرقات لإخباره باقتراب الشرطة من الحيّ ، ليتسنّى له الهرب قبل قبضهم عليه 

***


بعد تناول الأولاد الطعام .. فرشوا الأرض بالملاءات التي استعاروها من الجيران ، ليناموا بعد يومٍ طويل .. بينما كان جاك يأنّ بصمت في فراشه من ألم ذراعه المُصاب  

***


أمضى الأطفال إسبوعين في شقة جاك ، بمساعدة الجيران الذين أعطوهم غيارات ملابس أولادهم التي تناسب مقاساتهم .. 

في هذا الوقت ساعد الطلّاب جاك بتنظيف منزله .. واستلم إريك مسؤولية تنظيف جرحه ، كما علّمه الطبيب المجنون .. اما جيم فطبخ لهم بناءً على إرشادات جاك الذي لديه موهبة الطبخ.. 


وخلال تلك الأيام .. علّمهم جاك بعض الألعاب التي لعبها في صغره مع اولاد الحيّ ، كما أخبرهم قصصاً جميلة كل مساء .. وأعطاهم نصائح جيدة حول مستقبلهم .. وطلب من إريك وجيم تعليم الصغار ما فاتهم من دروس 


كل هذا والأهالي على أعصابهم ، في انتظار دخول الشرطة الى المنطقة المشبوهة .. بينما كان مدير الشرطة يؤجّل إقتحام الحيّ ، على أمل أن تحلّ الأزمة سلميّاً دون وقوع ضحايا من الطرفين

***  


وذات يوم ، أخبره إريك بخطته التي فكّر فيها طوال الليل :

- ما رأيك أن تعيد الأولاد الى اهاليهم ، وتبقيني معك ؟ فوالدي أغنى الآباء ، وبإمكانه دفع الفدية بسهولة .. صحيح لن تكون 15 مليون ، لكن مليون دولار كافية لتغير حياتك .. خذها وسافر للخارج ، وافتح مطعمك الذي حلمت به دائماً 

جاك : اليس ظلماً أن تدع والدك يدفع الفدية عن الجميع ؟

- هو دائماً مشغول عني بعمله ، دعني على الأقل أشعر بأبوّته واهتمامه بي  


جاك : وكيف أصل للمطار ومعي المبلغ الضخم ؟ 

إريك : جاكلين تساعدك 

- ومن جاكلين ؟

- مربّيتي .. طردها والدي بعد أن هدّدته بإبلاغ الشرطة عن تحرّشه بها ..وهي تكرهه جداً ، وستساعدك بالهرب من الشرطة .. ومازلت أحفظ رقمها ، فما رأيك بخطتي ؟

جاك : وكيف سأمرّ بحقيبة المال من تفتيش المطار ؟

- جاكلين ذكية وستجد الطريقة .. أعطني جوالك .. سأرفع الصوت لتتأكّد انني أتصل بها ، وليس الشرطة

***


وبالفعل أعاد جاك الأولاد الى اهاليهم عند مدخل الحيّ ، وهم يبكون لرغبتهم البقاء معه بعد تعوّدهم عليه ! 


ولاحقاً حصل جاك على المليون دولار ، بعد اشتراطه على والد إريك القدوم وحده الى مكانه السرّي لتسليمه المبلغ وحصوله على ابنه (الرهينة الأخيرة) ..

***


في الصباح التالي .. أوصلته جاكلين الى المطار من طريقٍ فرعيّ ، بعيداً عن كاميرات الطرق... وأخبرته بالطريق :

- لا تقلق سيد جاك ، لم يظهر وجهك في نشرات الأخبار بعد أن أخفيته بالشال .. حتى الصغار لن يستطيعوا وصفك جيداً ، ولا أظنهم سيأذوك بعد أن أحبّوك .. لهذا لن يعرفك موظفوا المطار ، بشرط أن لا تظهر إرتباكك أثناء تفتيشهم حقيبتك .. ولا تقلق بشأن المال ، فقد تكفّلت بالموضوع 


((وكانت تقصد إنها من خلال بطاقتها الخاصة بموظفيّ قصر والد إريك (التي نسيّ سحبها منها بعد طردها) تمكّنت من إبلاغ إدارة المطار : بأن محاسبه الخاص (جاك) سيسافر اليوم لإيداع مليون دولار في بنك الثريّ في بريطانيا .. لهذا لن يوقفوه بعد رؤيتهم المال في حقيبته (خاصة أن والد إريك من الشخصيات المهمّة في البلد)) 

***


وبالفعل مرّت عملية التفتيش بسلام .. ليجلس جاك في مقعده وهو يمسك حقيبة المال بكلتا يديه اثناء إقلاع الطائرة ، وهو يحلم بمطعمه الجديد بعد أن منحه إريك الصغير فرصة ثانية للحياة !


هناك 3 تعليقات:

  1. هذه قصة حصلت فعلاً بالبرازيل ، حيث قام المختطف بتسليم نفسه في آخر النهار ، بعد إنزعاجه من صراخ وإلحاح وطلبات الطلّاب الصغار التي أفقدته أعصابه !
    لكني حوّلتها الى قصّة درامية ، أتمنى أن تعجبكم

    ردحذف
    الردود
    1. الغبي لا يعرف معاناة الجلوس مع الاطفال😂

      حذف
  2. نعم بالفعل اعجبتني ...ولكني متعجب من الخاطف حينما نفسه بعد انزعاجه من الطلاب

    ردحذف

العرش اللاصق

تأليف : امل شانوحة  يوم الحساب إتصل بيدٍ مرتجفة بعد سماعه تكبيرات الثوّار في محيط قصره : ((الو سيدي .. لقد انتهى امري .. جنودي الجبناء هربوا...