الخميس، 27 يوليو 2017

روحٌ عالقة

تأليف : امل شانوحة


روبوت,جنود,آلي,اسرار
لماذا انا مُختلفة ؟!

وبينما هي تُرتّب أغراضها للأنتقال الى بيتهم الجديد , وجدت صور تخرّجها من الجامعة .. و هنا لفت نظرها شيءٌ غريب ! 
- كيف لم الاحظ هذا الأمر من قبل ؟!

وفي الصالة كان يجلس والدها العجوز , فاقتربت منه وهي تحمل صورتها , وقالت له باستغراب :
- ابي ! انظر الى صورتي في يوم التخرّج

وبعد ان نظر الى الصورة , قال مبتسماً :
- كم كنت فخوراً بك يومها يا جاكلين 
- ليس هذا ما قصدّته .. انظر جيداً الى شكلي في الصورة !
الأب : كنت جميلة و مازلت الى الآن , فما الأمر يا ابنتي ؟
- ابي !! شكلي ما زال كما هو منذ عشرين سنة ! كيف يُعقل هذا ؟!  

فحاول الأب تغير الموضوع وقد بدى على وجه علامات الأرتباك , لكن ابنته اصرّت أن تعرف ما يُخبئه عنها 

جاكلين بحزم : ابي كفّ عن اللفّ و الدوران واخبرني مالعلّة التي في جسمي ؟!! فأنا لا أكبُر ابداً , وجسدي لا يهرم ولا يصيبني التعب , ولا يوجد في رأسي شعرةٌ واحدة بيضاء رغم انني تجاوزت الأربعين ! ولا اذكر انني عانيت من ايّ مرض او حتى خدشٌ بسيط  منذ سنواتٍ عدّة .. كما لما تصرّ دائماً على الإنتقال معك من منطقةٍ الى اخرى واحياناً من ولاية الى ولاية كل خمس سنوات تقريباً , بل وتجبرني على قطع علاقاتي بأصدقائي القدامى وزملائي في العمل .. ما الموضوع يا ابي ؟

الأب بتردّد : لم اكن انوي اخبارك , لكني كنت متأكّد بأن هذا اليوم سيأتي لا محال .. جاكلين حبيبتي .. انت امرأة آليّة 
جاكلين بصدمة : آلية ! اتقصد انني روبوت ؟!
الأب بحزن : نعم , للأسف
جاكلين : لا هذا غير صحيح !! اتذكر يوم الحادث الذي توفيت فيه والدتي عندما كانت تقلّني الى المدرسة , حينها نزفت كثيراً .. فكيف يعقل ان ..

الأب مقاطعاً : نعم .. حينها كنت بشرية , وتوقف قلبك لكن عقلك بقيّ سليماً .. وانا كنت اعمل تقنياً في شركة حكومية سرّية تصنع روبوتات بشرية لأعمالٍ عسكرية , وحينما ماتت امك بينما كنت انت تحتضرين ذهبت الى مديري ورجوته باكياً ان يخضعك لهذه التجربة , ولا ادري كيف تمكنوا من أخذ جسمك من المستشفى الى مختبراتهم , ومن ثم وضعوا عقلك داخل جسد امرأةٍ شابة 
جاكلين مقاطعة وبدهشةٍ كبيرة : الهذا لا اذكر اين ذهبت العشر سنوات من عمري ؟
- نعم , لأن الشركة لم تكن تملك سوى اجسادٍ حديدية لأشخاصٍ بالغين , وانا وقتها كذّبت عليك واخبرتك انك قضيت تلك السنوات في غيبوبة بعد الحادثة .. انا آسف يا ابنتي , لكني لم اردّ ان اخسرك كما خسرت والدتك 

وهي مازالت غاضبة منه : الهذا كنت تجبرني على التنقّل معك من منطقة الى اخرى كي لا يلاحظ أحد جسدي الذي لا يشيخ ابداً ؟
- ليس هذا فحسب , بل كان شرط مديري الأساسي لسماحه بتلك العملية هو ان تصبحي أحد جنود الدولة السرّيين
- اتعني كجاسوسةٍ امريكية ؟!
- شيءٌ من هذا القبيل , لكني هرّبتك من هناك بشقّ الأنفس ومن ثم انتقلنا الى ولايةٍ جديدة 
بغضب : بل قلّ الى خمس ولاياتٍ مُختلفة !!
- ارجوك لا تغضبي مني , كنت مُضّطر لذلك كي احميك منهم

فسكتت جاكلين قليلاً ثم قالت : 
- رغم صدمتي الكبيرة بهذه الحقيقة المرعبة , لكن كلامك يدلّ على ان هناك اشخاص حول العالم يعانون من نفس مشكلتي
- ليس تماماً ..لأنهم بالعادة يحذفون ذاكرتهم القديمة , لكني قمت بالتلاعب في الكمبيوتر المسؤول عن هذه المهمّة وحميت ذاكرتك من النسيان .. ولهذا السبب اظلّ خائفٌ عليك طوال الوقت , فهم ان عرفوا انك عرفتي سرّ شركتهم فسيقتلوننا معاً , لأن هؤلاء الجنود الروبوتات يعتبرون ملفّاً حكومياً في غاية السرّية ولوّ انكشف امرهم للعالم ربما تحدث حربٌ عالمية ثالثة , هل فهمتي الآن لما لا اسمح لك بأن تصادقي أحداً , لا في عملك ولا حتى بوسائل التواصل الأجتماعي ؟

بحزن وخيبة امل : فهمت يا ابي .. لكن ماذا الآن ؟ كيف أكمل حياتي هكذا ؟ 
- اتقصدين حين اموت واتركك بمفردك ؟
- نعم .. فأنت تكبر كأيّ شخصٍ طبيعي , لكن روحي ستبقى محجوزة داخل قفصٍ حديدي , فماذا افعل لوحدي في هذه الدنيا ؟
الأب بحزن : بل الأسوء من ذلك انك لن تستطيعي الأنجاب كباقي النساء لأنهم ازالوا اعضائك الداخلية ..
ابنته مقاطعة بغضب : حسناً فهمت !! يعني انا الآن روحٌ بلا جسد .. شكراً جزيلاً لك 

فسكت الأب حزيناً .. فوقفت ابنته وهي تبكي بقهر :
- ليتك تركتني اموت مع امي , بدل هذه الحياة الكئيبة التي اخترتها لي .. سامحك الله يا ابي 

وذهبت الى غرفتها لتبكي بمرارة بعد ان أنهار عالمها التي كانت تعرفه امام عينيها
***

وبعد سبع سنوات توفي والدها , و عادت هي الى منطقتها التي ولدت فيها 
لكنها سكنت في منزلٍ بعيد عن الحيّ الذي كانت تعيش فيه سابقاً مع والديها , خوفاً من ان يعرفها احد من جيرانهم القدامى

وفي احد الأيام و بطريقها الى العمل في شركتها الجديدة , وقبل ان تقطع الشارع تفاجأت بصديقها (الذي كان معها بالجامعة) واقفاً بالقرب من الأشارة وهو منشغل بجواله .. لكن ما ان التقت عيناهما ببعض حتى تجمّدا في اماكنهما من شدّة الخوف , فهو ايضاً لم يُكبر بعد ! بل مازال يحتفظ بهيئة شابٍ في العشرين من عمره

وبعد ان استجمعت قواها اقتربت منه وسألته :
- الم تكن معي في الجامعة بالولاية المجاورة ؟
فهزّ رأسه موافقاً وهو مازال مرتبكاً 
جاكلين : وهل وجدت عملاً هنا ؟
فقال متلعثماً وهو يمسح عرقه : نعم .. لكن .. كيف يعقل هذا ؟!
فابتسمت واقتربت منه , وهمست في اذنه :
- يبدو انك ايضاً خضعت لتلك العملية الخطيرة , اليس كذلك ؟ 

- ظننت انني الوحيد الذي لم تُمحى ذاكرته من بين.. (وسكت خائفاً)
فأكملت عنه : الروبوتات
فأسكتها على الفور وهو يتلفّت يميناً ويساراً بقلق :
- اخفضي صوتك رجاءً
ثم امسكها من يدها وقال لها : لنجلس في مكانٍ لا يسمعنا فيه احد
***

وفي الحديقة العامة ...اخبر جاكلين بأنه ايضاً خضع لنفس تجربتها لكن الفرق بينهما انه تطوّع بنفسه لهذه العملية
جاكلين بدهشة : هل جننت ؟! من يريد ان يتحوّل لماكينة لا تهترىء ابدأ ؟
- انا , لأني ظننت حينها بأن الأمر مشوّق .. فأنا شابٌ مغامر اهوى القيام بكل شيءٍ خطير سواءً القفز بالمظلاّت و تسلّق الجبال والغوص في المحيطات , لذلك ارتأيت بأن الأمر سيكون اكثر اماناً في حال ضمنت بأن لا اصاب بحادثة تقضي على حياتي

- وكيف عرفت بشأن ذلك المختبر السرّي ؟
- كان اخي الكبير يعمل معهم 
- الهذا لم تفقد ذاكرتك مثل باقي الجنود المُسيطر عليهم من قبل المسؤولين ؟
- نعم , فقد وعدني اخي بذلك لأنه كان المسؤول عن عمليات التطهير كما يسمّونها , ولم يشكّوا به لأنهم لم يعرفوا اصلاً بأنه اخي 
- كيف هذا ؟ الم يطالبوك بأوراقك الرسمية ؟
- نعم لكنه اخي من امي , لذلك اسماء عائلاتنا يختلف
- آه فهمت .. لكن ما لا افهمه , كيف تركوك تعيش حياتك بحرّية ؟

- ومن قال هذا , انا مهدّدٌ بالموت منذ اللحظة التي هرّبني فيها اخي من ذلك الجحيم .. وهذه سابع منطقة اعيش فيها 
- وانا ايضاً اتنقّل من وقتٍ لآخر .. فكما اخبرتك قبل قليل , المرحوم والدي هو من هرّبني من مختبراتهم .. لكن عندي سؤال .. الم يضرّ هروبك بعمل اخيك ؟

فسكت قليلاً , ثم قال بحزن : لقد قتلوه يا جاكلين 
بخوف : قتلوه ! وهل يصل الأمر الى القتل ؟! 
- وهل ظننت بأنهم حين يقبضون علينا سيكتفون بمسح ذاكرتنا واخضاعنا لسلطتهم ؟
- نعم 
- لا طبعاً , سيقضون علينا خوفاً من ان يحدث اّي عطل في المستقبل يعيد الينا ذاكرتنا , فنحن بالنسبة لهم نماذجٌ فاشلة لابد من اتلافها
- لقد اخفتني الآن اكثر من السابق , طيب مالعمل الآن ؟ 

- ما رأيك ان نبقى سويّاً ؟ 
- وماذا نفعل ؟
- تعيشين معي روح المغامرة , و نسافر من بلدٍ لآخر ونجرّب كل المخاطر , فنحن بالنهاية لن نصاب بأذى .. ولا تهتمي بشأن المال , فأنا من عائلة غنيّة وقد ورثت الكثير عن اهلي .. فما رأيك ؟
- والى متى يا آدم ؟
بحزن : الى ان يصدىء معدننا المزروع تحت جلودنا المزيّفة
فتبتسم بحزن : لكني لا اقبل ان اسافر معك بصفتي صديقة وحسب 

فابتسم قائلاً : كنت خائفاً ان اعرض عليك الزواج , لكنك بكل الأحوال لن تجدي شخصاً يعيش معك الى الأبد افضل مني .. فهل تتزوجيني يا جاكلين ؟
تبتسم ساخرة : وهل لديّ خيارٌ آخر غيرك ؟ ... بالطبع اقبل 

وبعد ان تزوجا , تجولت جاكلين مع زوجها آدم في الكثير من الدول وجرّبا سويّاً جميع انواع الرياضة والمجازفات , ومازالا حتى الآن شابان يافعان يجوبان انحاء العالم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...