الثلاثاء، 4 يوليو 2017

مصير اطفائي

تأليف : أمل شانوحة


اطفائي,بطولة,نيويورك,برج,انهيار,حريق
لن يموت أحد اثناء خدمتي

و خرج من بين النيران حاملاً الطفل بين يديه وسط تصفيق الجيران وفرحة أهل الصغير و امتنانهم لبطولة هذا الأطفائي الذي اصرّ على انقاذ الجميع من المنزل المحترق رغم يأس رفقائه الإطفائين من نجاة آخر فردٍ من تلك العائلة

وكالعادة وصلت الأخبار الى زوجة الإطفائي التي كانت تنتظره بغضب في المنزل : 
- حبيبتي .. انا عدّت !!
- آدم ..الى متى ستصرّ على ارتكاب الحماقات ؟
قالتها بعصبية , محاولةً إخفاء قلقها الكبير على زوجها
- يا الهي ! الجميع يعدّني بطلاً ما عدا زوجتي 
- لأنهم ليسوا لديهم اربعة ابناءٍ منك .. آدم رجاءً .. متى ستكفّ عن المجازفة في حياتك ؟

الزوج بعصبية : هل تريديني ان اترك احدهم يموت حرقاً يا امرأة ؟!! هذه وظيفتي , وانتِ قبلت الزواج بي و انت تعرفين تماماً ان عملي محاط بالمخاطر 
- نعم , اعرف هذا .. لكنك دائماً تٌقدم على مجازفات لا يجرأ عليها باقي زملائك !
- ربما لأنهم ليسوا شجعان مثلي
- لا ليس هذا هو الأمر .. بل لأن الموضوع يتعلّق بأهلك , اليس كذلك ؟
- ايّاكِ ان تفتحي هذا الموضوع ثانية.. مفهوم !!

ثم تهالك على الأريكة بتعب و حزن , فاقتربت منه زوجته و امسكت يده بحنان
- آدم .. حبيبي .. لم يكن ذنبك .. كنت وقتها صغيراً.. و ما كان باستطاعتك انقاذهم 

فقال بغصّة وهو يتذكّر الماضي :
- الأطفائيون الملاعين !! لم يطفؤوا حريق بيتنا فقط لأننا أفارقة امريكان ! و تركوني اصرخ كالمجنون وانا اشاهد اهلي يحترقون امام عيني وهم يطرقون بأيديهم بيأس خلف القضبان الحديدية للنوافذ
زوجته : بل إحمد الله انك يومها كنت تلعب مع اصدقائك في الشارع ولم تكن معهم

- بل العكس !! ليتني متّ معهم بدل ان اقضي طفولتي وانا اتنقّل في دور الرعاية للأيتام الذين عاملوني ايضاً بعنصرية قاسية 
- دعّ الماضي يا آدم , و توقف عن الأثبات للجميع بأنك قوي..
مقاطعاً : انا لا يهمّني رأي احد , لكني وعدت نفسي بأن لا يموت ايّ شخص بإمكاني انقاذه , حتى لو كان الثمن حياتي

زوجته بغضب : طيب ماذا عنّي وعن اولادك ؟ الا تفكّر بنا ابداً .. (ثم تقف وهي تمسح دموعها) .. اتعرف يا آدم .. انت رجلٌ أناني , و يوماً ما ستقتلك غطرستك وغرورك

ثم ذهبت الى غرفتها تبكي , تاركةً آدم في الصالة يُصارع بأفكاره ماضيه الحزين مُمتزجاً مع قلقه على مستقبل عائلته 
*** 

و بعد شهر .. وقبل خروجه من المنزل , أوقفته زوجته :
- لما انت مستعجلٌ هكذا يا آدم ؟!
- الم تسمعي الأخبار ؟!! هناك طائرة إخترقت برج نيويورك
- ماذا ؟! وهل اضاعت طريقها ؟!
- لا ادري .. لكن هناك استنفار لكل رجال الأطفاء في البلد .. عليّ الذهاب الآن .. إدعي لي يا عزيزتي
ثم ذهب بسرعة , تاركاً زوجته تدعو له وهي تشعر بانقباضة شديدة في قلبها
***

وصل آدم مع فرقته المكونة من 30 اطفائي الى الطابق 22 وهم يلهثون من التعب
آدم : هيا يا اصدقاء علينا المتابعة في صعود الأدراج
صديقه وهو يحاول التقاط انفاسه : ولما لم نأخذ المصعد ؟!
آدم : الحريق إلتهم الطوابق العلوية و احتمال كبير ان الأسلاك تضرّرت وربما تسقط المصاعد في ايّ لحظة .. (ثم يسعل قليلاً) ..هيا علينا الإسراع الى فوق وانقاذ الموظفين المحتجزين
***

وبعد وصولهم للطابق 47 احسّوا جميعهم باختراق الطائرة الثانية البرج المقابل

وبعد ان تأكّدوا من الخبر بواسطة اللاسلكي مع المركز , ايقن الجميع بأنهم امام عملٍ ارهابي مُدبّر
احد الأطفائيون بخوف : انا سأعود للأسفل , لأننا لن نستطيع بكل الأحوال انقاذ مئات الموظفين بكلا الطابقين , لذا الأفضل ان نترك الطوّافات تقوم بهذا العمل

ورغم اعتراض قائدهم آدم , الاّ ان معظم الإطفائين اتفقوا على النزول وترك المهمّة , خاصة بعد ان أُزكمت انوفهم بالدخان الكثيف وانعدمت الرؤية بانطفاء الكهرباء عن الطوابق المتضرّرة  
لكن آدم واثنان من اصدقائه اصرّوا على اكمال الصعود وانقاذ ما يمكنهم انقاذه , رغم ان الحرارة كانت تزداد مع صعود كل درجة الى فوق
***

وصل الأطفائيون الثلاثة الى الطوابق المحترقة لكن بعد فوات الآوان , فالجثث المتفحّمة في كل مكان ! وقبل ان يستوعبوا خطورة الموقف , اهتزّ المبنى بقوة , مما جعل صديقاه يُسرعان ثانيةً الى الأدراج لمغادرة المكان , بينما تجمّد آدم في مكانه بعد ان أعاد الموقف احداث ماضي ومنظر اهله وهم يحترقون امامه , كما انه تخيّل منظر زوجته و اولاده بعد تلقيهم نبأ وفاته , فقال بحزن :
- كان عليّ سماع كلام زوجتي والإستقالة من هذه الوظيفة , يبدو انك فشلت بالنهاية يا آدم .. سامحيني يا حبيبتي .. الوداع يا ابنائي الأعزاء 

ثم تنّهد بصعوبة من خلف قناع الأكسجين , وهو ينظر نظرة أخيرة الى الجثث المتفحّمة حوله .. ثم صرخ فجأة بكل قوته :
- لا !!! لن اموت حرقاً كأهلي !!

ثم ركض بأسرع ما أمكنه وقفز بكل قوته من خلال النافذة المكسورة , ليراه العالم أجمع وهو ينتحر من أعلى برج نيويورك قبل انهياره بدقائق , ضمن حدثٍ عُدّ مفاجأة القرن الواحد و العشرين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...