الأحد، 6 مارس 2022

الذاكرة المشوّشة

تأليف : امل شانوحة 

 

اصوات ذهنيّة


- ريمي استيقظي !!

كان صوتاً يشبه صوت أختها ! سمعته ريمي واضحاً في أذنها وهي تعدّ قهوتها الصباحيّة ، حتى اوشك الفنجان على السقوط من يدها من فزعها ! فهي تعيش وحدها في شقتها الصغيرة في سكن المعلّمات .. 

فتساءلت بقلق:

- هل باتت شقتي مسكونة ؟!


وبعد انهاء قهوتها.. إنشغلت بإعداد فطورها الصحيّ..

- كم الساعة الآن ؟

ونظرت لساعة الحائط ، لتجد عقاربها غير واضحة !

- يبدو نظري ضعف بعد سن الأربعين .. عليّ زيارة طبيب العيون في أقرب فرصة

***


وأكملت يومها بترتيب غرفتها ومتابعة وسائل التواصل الإجتماعي في يوم عطلتها ، فهي معلّمة فنون في مدرسةٍ ابتدائية .. 


وبحلول العصر .. ارادت إستغلال وقت فراغها للحديث مع خطيبها المغترب الذي سافر قبل ست سنوات لتوفير الأقساط الشهريّة لمنزلهما (الذي فرشته على ذوقها) .. كما دفع تكاليف عرسهما الذي قارب موعده ، لهذا حرصت على طعامها ولياقتها البدنيّة لتبهره بجمالها .. 


وبعد عدّة إتصالات ، قالت باستغراب :

- لما لا يردّ عليّ ؟! أمازال في عمله حتى الآن ! .. اذاً سأتصل بصديقتي ندى للذهاب للمول ، وشراء بقيّة الجهاز


وقبل الإتصال بها .. سمعت صوتاً آخر في أذنها ، يقول باكياً :

- لينتقم الله من الخائنين الّلذين حطّماك حبيبتي 


فوقع الجوّال من يدها ! فهي تكاد تجزّم انه صوت امها التي لم ترها منذ شهرين بسبب ضغوطات العمل .. 


وقد ضايقها سماعها للأصوات الذهنيّة ، فصرخت بعلوّ صوتها غاضبة :

- هل يراقبني احد من كاميرا خفيّة ؟ هل تخفون مكبّر صوت في مكانٍ ما ؟ هذا ليس مضحكاً ابداً !!


وبحثت في ارجاء منزلها عن جوّال او مسجّل ، أخفته إحدى المعلّمات اللآتي قدمن قبل فترة في زيارةٍ جماعيّة لتهنئتها بقرب موعد زفافها.. لكنها لم تعثر على شيء !


فغيّرت ملابسها للخروج من شقتها ، بعد أن ضاق صدرها بما حصل !

***


وكان الوضع اكثر غرابة خارج المبنى ! فقد تحوّلت السماء الى ضبابيّة وغائمة ، رغم نهاية فصل الربيع .. كما اصبحت وجوه الناس شاحبة بشكلٍ مُقلق !

فقالت ريمي بخوف :

- يا الهي ! عليّ الذهاب لطبيب العيون في الحال ..


ثم توجهت للشارع العام لإيقاف سيارة اجرة .. لتلاحظ أن الشارع أصبح طويلاً للغاية ، والذي خلا من السيارات والمارّة .. كما أغلقت جميع المحال التجاريّة ابوابها على التوالي !  

- مالذي يحصل معي ؟ هل أُصبت بالهلوسة ؟!


وهنا سمعت صوتاً مألوفاً يناديها من الخلف :

- رجاءً ريمي ، إفتحي عينيك

لترى معلّم الرياضة البدنيّة (زميلها في المدرسة) يبكي بقهر !


فاقتربت منه ، لتسأله :

- لما تبكي يا فؤاد ؟!

فلم يجبها ، بل اكمل كلامه الحزين :

- لم يكن يستحقك ذلك التافه ، هو باعك بالرخيص ..وكذلك صديقتك الخائنة .. هما يتشابهان بالخبث ، لهذا أبعدهما الله عنك.. رجاءً إستيقظي لأجلي ، فأنا أحببتك منذ البداية


وجاء كلامه صادماً ! فهي لم تتوقع مشاعره نحوها .. فهي لطالما اعتبرته اخاً وصديقاً وفياً ، دون علمها بحبه الذي أخفاه لسنوات.. ولماذا يخبرها الآن بعد اقتراب موعد زفافها ؟!


وفجأة ! شعرت بألمٍ شديد في يدها .. فرفعت كمّ القميص ، لتُصعق بدماءٍ تخرج من جرحٍ عميق في معصميها ، حوّلا فستان عرسها للون الأحمر


ريمي بصدمة : لحظة ! لم البس الفستان اليوم ولم اكن في الحمام ، بل بالشارع العام ، فكيف عدّتُ الى شقتي ؟ ومن جرح يدايّ ؟ واين فؤاد ؟! كان هنا قبل قليل !


وإذّ بها تشعر بقبلةٍ دافئة على وجنتها ، تبِعتها دمعةً ساخنة سقطت على جبينها !

فحاولت فتح عينيها بصعوبة ، وكأن احدهم ألصق جفونها بالصمغ القويّ !


وخلال ثوانيٍ تغيّر كل شيء .. حيث امتلأت شقتها بالمياه ! وهي تشعر بثقلٍ في قدميها منعها من الحِراك او السباحة للأعلى ..الى أن غرقت ببطء اسفل الماء ، مُحاولةً الحفاظ على ما تبقى من انفاسها ..

 

وحين نظرت لقدميها ، وجدتهما مقيدتيّن بالسلاسل التي تمسك طرفهما صديقتها ندى ! اما خطيبها فكان يطفو على سطح الماء .. فمدّت ذراعها نحوه .. فالتفت اليها بوجه المهرّج المخيف ، وصار يضحك بصوتٍ مرتفع وهو يغرقها بقدميه للأسفل !


وحين أوشكت على الموت ، رأت صديقها فؤاد يسبح نحوها .. ويفكّ السلاسل للصعود بها الى السطح !


وهنا سمعت تنهيدات حزينة واصوات بكاء تملأ غرفتها ، فقرّرت فتح عينيها بكل ما اوتيت من قوة ..  

وما أن فعلت ، حتى صرخ والدها منادياً الطبيب بفرحةٍ عارمة :

- دكتور !! ابنتي استيقظت اخيراً من غيبوبتها


لتجد نفسها في غرفة العناية المركّزة ! ومعصميها مُضمّدتين بالشاشّ الطبّي .. 

فأزالت قناع الأكسجين عن فمها ، وهي تسألهم بتعب : 

- اين انا ؟ مالذي حصل ؟!

فأجابت اختها الصغرى بحزن :

- حاولتي الإنتحار بقطع شرايين يدك 

ريمي بصدمة : ولماذا انتحر قبل ايام من زواجي ؟!

فسكتوا جميعاً..


فإذّ بذكرياتها تعود اليها ! وتذكّرت خطيبها الذي فاجأها بقدومه من السفر ، لحضور حفلتها في سكن المعلّمات .. واتصل بها مساءً ليخبرها بإعجابه بزميلتها ندى التي حصل على رقم جوالها ، وانه سيكلّم اهلها لتحديد موعد زفافهما !

فسألته بقلق عن الصالة والمعازيم ومنزلهما التي جهّزته بنفسها ؟ 

فأجابها بلؤم : 

- لن يتغيّر موعد العرس ، فقط ستتغير العروس.. سأرسل اختي غداً لأخذ الهدايا التي ارسلتها لك سابقاً .. كما سأغيّر قفل منزلي ، فلا تحاولي زيارتنا ..


فاتصلت سريعاً بندى لمعرفة رأيها بهذه المهزلة ؟ 

فأخبرتها أنها لحقت به الى المصعد بعد خروجه من الحفلة .. وتكلّما اسفل المبنى لساعتين ، وقرّرا الزواج بعد التخلّص منها .. 


وكانت خيانتهما صادمة لريمي ! لدرجة انها لم تعيّ بنفسها وهي تأخذ المُشرط الى الحمام لقطع معصميها ، بعد كتابة ما حصل في ورقة الإنتحار .. 

ولم تجدها الناظرة إلاّ صباحاً وهي غارقة في دمائها .. وبسبب خسارتها الكثير من الدماء ، إستمّرت غيبوبتها ثلاثة اسابيع ! 


وهنا انهارت ريمي بالبكاء امام اهلها الذين طالبوا الممرّضة بإعطائها ابرة مُهدئ.. 

ففاجئهم فؤاد بقوله لها بحزم : 

- كفى يا ريمي !! هما لا يستحقان دموعك .. انا من احببتك لخمس سنوات دون علمك .. واريد الزواج بك في اقرب وقتٍ ممكن ، لأنه لا يمكنني العيش دونك لحظةً واحدة

ثم نظر لوالدها الذي كان مصدوماً ممّا سمعه :

- عمي ، انا اطلب يد ابنتك .. ومنزلي جاهز ، وسأهتم بها لحين شفاء يديها وتحسّن نفسيّتها تماماً


فسألته امها بدهشة : أتحبها لهذه الدرجة ؟!

فؤاد : أحببتها منذ اليوم الأول لتعيّنها في مدرستي .. لكنها كانت مخطوبة ، فكتمت حبها في صدري لأعوام .. وعندما علمت بما حصل ، زرتها في المستشفى كل ليلة بعد رحيلكم .. 


فتذكّرت ريمي كيف أنقذها من الغرق في غيبوبتها .. كما دفاعه المستميت عنها بمشاكلها مع ادراة المدرسة وزميلاتها ، دون ادراكها بحبه الكبير لها!


فنظرت لوالدها :

- وانا موافقة .. (ثم نظرت اليه) .. لكن ليس الآن يا فؤاد ، احتاج بعض الوقت لشفاء نفسيّتي المحطّمة  

فؤاد بحنان : سأنتظرك العمر كلّه

ريمي : فقط شهر او شهرين .. كما قرّرت ترك العمل 


فؤاد : لا بأس ..اساساً وصلني عرض عمل في دولةٍ عربية ، وكنت متردّداً بقبوله ..

ريمي : السفر جيد ، فأنا لا استطيع مواجهة الناس لإخبارهم بسبب إنفصالي عن خطيبي السابق

الوالد : أيعني هذا انك موافقة على السفر مع فؤاد بعد الزواج ؟

ريمي : نعم ابي ، اريد الإبتعاد لفترة عن ذكرياتي السيئة هنا .. رغم انني سأشتاق اليكم

الأم : لا بأس حبيبتي ، المهم صحّتك وسعادتك 

***


بعد شهر من شفائها ، أقيم عرسٌ عائليّ .. وسافرت مع زوجها فؤاد للغربة .. 

بينما تطلّق خطيبها السابق وصديقتها بعد عام من زواجهما ، بسبب خيانته المتكرّرة لها ! 

وهذه المرة لم تهتمّ ريمي لأمرهما .. وتابعت حياتها مع زوجها المحبّ ، وهما ينتظران ولادة طفلهما بفارغ الصبر ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...