الأربعاء، 9 مارس 2022

كوخ المحبة

كتابة : امل شانوحة

القاضي الشرعي


إجتمع اهل العروس والعريس عند القاضي في المحكمة الشرعيّة لطلاق ولديهما بعد شهرٍ واحد من زواجهما !


ليلاحظ الشيخ المشاعر الغاضبة من الآباء ، والتزام الزوجان اليافعان الصمت وعيونهما تفيض من الدمع ، كأنهما مُجبرين على إطاعتهم بالإستعجال بالطلاق ..


وبعد سماع الشيخ شكوى الأهالي التي تلخّصت بمشاكل ماديّة وعدم الإيفاء بوعود الزواج ، طلب منهم التحدّث بانفراد مع العريسين .. فخرجوا وهم ينظرون لولديهما بنظراتٍ قاسية مفادها ((إيّاكما التراجع عن القرار المتفق عليه)) !


وبعد خروجهم اخيراً من مكتبه ، سأل الشيخ العريس اولاً :

- بنيّ ، أتريد فعلاً تطليق زوجتك ؟

فردّ الزوج : هي أغضبت امي ..

الشيخ مقاطعاً : بنيّ توقف !! صحيح لديك واجبات اتجاه أهلك ، لكن زوجتك ايضاً لها حقوق عليك : ومنها استقلالها في بيتها دون تدخل اهلك بكل كبيرةٍ وصغيرة .. وهذا واجبكما انتما الأثنين ، لا تخبرا اسراركما لوالديكما فهم عاشوا حياتهم ، وحان دوركما لبناء عائلةٍ سعيدة


فطأطأ العريس رأسه بحزن ، فوجّه الشيخ سؤاله للعروس :

- وماذا عنك ؟

فأجابت العروس : هو اتفق مع والدي على دفع بقيّة المهر بعد الزواج ، ولم يفي بوعده حتى اليوم !

الزوج : شيخي .. كنت أخذت إجازة من عملي بمناسبة زواجي ، وهذا يعني انني لن احصل على راتبي هذا الشهر .. ثم المبلغ الذي طلبه عمي كبير ولا يمكنني دفعه إلاّ بالتقسيط ، فأنا موظفٌ بسيط بالدولة

الزوجة مُعاتبة : ما كان عليك الموافقة بشرط والدي منذ البداية

الزوج : خفت أن يرفض زواجي بك

الشيخ : ارأيتِ ابنتي .. هو وافق على كتابة الشرط المالي كيّ لا يخسرك ، وهذا دليل على حبه لك 


العروس بحزن : والآن ماذا افعل ؟ والدي مُصرّ على عودتي الى منزله

الشيخ : شرعاً عليك طاعة زوجك اولاً

الزوج : هذا ما حاولت إفهامها إيّاه

الشيخ : وانت ايضاً .. لا تخبر والدتك بأسرارك الشخصيّة ، فتفضح زوجتك امامها

الزوج : امي ارادت الإطمئنان بأن زوجتي لم تقصّر بحقوقي عليها

فتنهّد الشيخ بضيق : يبدو انكما تصرّان على حشر اهلكم بالموضوع ، دون أن تستوعبا خسارة الفرصة بنموّ حبكما بالعشرة الطيبة والأبناء الصالحين

فسكتا كلاهما بحزن ..


فأكمل الشيخ كلامه : يبدو عليّ التدخل لحلّ مشكلتكما بنفسي .. سأؤجل الحكم للغد

الزوج : الن تطلقنا اليوم ؟!

الشيخ : لا ، اريدكما الحضور غداً لوحدكما ..فإن قدمتما مع اهلكما ، سأؤجّل الجلسة لأجلٍ غير مسمى .. اريد امتحان قدرتكما على كتمان السرّ

الزوج بقلق : لكنهم سيسألوننا عن قرارك بعد خروجنا من مكتبك !

الشيخ بحزم : إخبروهم إن الجلسة تأجّلت ، وأنني سأحدّد موعدها التالي بعد اتصالي بكما .. المهم ان تأتيا غداً بمفردكما ، هل كلامي مفهوم ؟!!

فردّ كلاهما : حاضر شيخي


وفور خروجهما من المكتب .. سحب الأب ابنته من ذراعها بعنف ، لأخذها الى بيته (رغم اعتراض عن زوجها) !

***


في الصباح التالي .. إستطاعت العروس الخروج من منزل اهلها بحجّة شرائها بعض الحاجيات .. والتقت بزوجها للذهاب معاً للشيخ الذي استقبلهما في مكتبه ، وقدّم لهما الشايّ اثناء مناقشته مشكلتهما الراهنة

***


بعد ساعتين .. إستيقظ العريسان وهما يجلسان على أريكتين امام المدفأة في صالةٍ صغيرة ، بكوخٍ جبليّ بعيداً عن بقيّة المنازل المجاورة !


فحاول الزوج الخروج من الكوخ لمعرفة المنطقة المحتجزين فيها ، ليجده مقفلاً بإحكام من الخارج !

زوجته بخوف : مالذي يحصل ؟! كيف وصلنا الى هنا ؟

زوجها : لا ادري ! كل ما اذكره انني شعرت بدوار في مكتب الشيخ

- وانا كذلك .. من برأيك احضرنا الى هنا ؟ ولماذا ؟

- لا اعلم شيئاً

زوجته : الا يمكنك كسر الباب ؟

- حاولت ، يبدو انه مقفل بالسلاسل من الخارج !


وبعد عجزهما الهرب من المأزق ، لم يعد امامهما سوى اكتشاف الكوخ الصغير.. وتساءلت الزوجة بقلق :

- ترى هل يوجد طعامٌ هنا ؟!


ودخلا المطبخ الصغير ، ليجدا الثلاجة مليئة بالمنتجات الأساسيّة ! كما وجدا شوالات الحبوب والزيت والعسل في المخزن .. وهذا يعني ان باستطاعتهما البقاء في الكوخ لشهرين على الأقل ..

كما وجدا الأخشاب المقطّعة المخصّصة للمدفأة التي ستحميهما من برد المساء ..


ولم يتواجد في الكوخ سوى غرفة نومٍ واحدة .. حتى الصالة ليس فيها كنبة طويلة او سجّاد على الأرض ، وهذا يعني إن عليهما مشاركة الغرفة ..

***


مرّ الوقت ببطء دون وجود تلفاز ، او جوّالاتهما التي يبدو انهما نسوها في مكتب المحكمة الشرعية !


وعندما شعرا بالجوع ، تشاركا في تحضير الغداء وهما يتذكران حماسهما اثناء فرش منزلهما قبل حفلة الزفاف .. وكيف الأمور ساءت بعد اسبوعٍ واحد من عرسهما ! وتساءلا إن كان حقوداً سحرهما ، او كانت عينٌ حاسدة أفسدت حياتهما الزوجيّة ؟!


وأمضيا السهرة امام المدفأة وهما يتسامران عن طفولتهما واحلامهما .. وعن اجمل واسوء الحوادث التي مرّا بها في حياتهما ، كأنهما يتعرّفان على بعضهما للمرة الأولى !

***


بحلول المساء اشتدّت البرودة ، فاضّطرا مشاركة الفراش بعد اسبوعٍ من انفصالهما عن بعضهما .. لتتلاقى اعينهما التي فاضت بالدمع من الشوق والحنين ، لكنهما لم ينسيا مشاكل اهلهما وتهديداتهم إن فكرا بالعودة ! فخافا التصالح دون إذنهم .. 

ولإعتقادهما أن احدهم سينقذهما غداً ، فضلا الإلتزام بمساحتهما الضيّقة على السرير الصغير.. وأدارا ظهورهما ، محاولان مسك دموعهما ومشاعرهما الجيّاشة اتجاه بعضهما !

***


في الصباح ، لم يصل احد للكوخ كما توقعا .. واستغربا بأن اهلهما لم يسألا الشيخ عن غيابهما ! وهل هو من قام بخطفهما ؟ ام انهما خرجا من مكتبه ، وتمكّن سائق الأجرة من تخديرهما بطريقةٍ ما ؟ .. فهما لا يتذكران شيئاً !


ومرّت الأيام .. ومازال الحبيبان يتجنّبان البوح بمشاعرهما العاطفيّة المكبوتة ! حيث اكتفيا بمساعدة بعضهما بالطبخ واعمال المنزل وإجراء محادثات هادئة بينهما ..

***


في الإسبوع التالي ، لم يستيقظ الزوج باكراً كعادته ! فاقتربت زوجته من  سريره ، لتجده ينهج بتعب .. فوضعت يدها على جبينه ، لتشعر بحرارته المرتفعة .. فخافت أن يكون أُصيب بالحمّى ، وحاولت كسر النافذة للخروج منها وجلب المساعدة ، لكن الزجاج ضدّ الكسر !


فلم يكن امامها سوى الإهتمام به طيلة اليوم عن طريق إعدادها الحساء الصحّي ، وتغيّر الضمّادات الباردة على جبينه الساخن


وبدوره استشعر حنانها ولطفها وخوفها عليه ، وتذكّر إعجابه بها منذ النظرة الأولى ليوم خطبتهما التقليديّة .. كما تذكّر نصائح الشيخ بأن عليه تسيير حياته بعيداً عن تدخل الأهل ، فهو قائد منزله والمسؤول عن رعيته


واثناء اهتمامها به ، فاجأها بمسك يدها بحنان وهو يغازلها بكلامٍ لطيف .. ووعدها بالمحافظة على اسرار بيته ، ووضع الحدود لتدخل الأقارب في حياتهما ، وأن يحميها من ظلم الناس وقساوة الحياة..

وبدورها وعدته بالتنازل عن مؤخّرها الذي يُطالب به والدها ..

وتعاهدا انه مهما كبرت المشاكل بينهما ، أن يحلاّها بمفردهما ..


ومنذ تلك الليلة عادت الأجواء الرومنسيّة بينهما ، ليعيشا شهر عسلٍ جديد بعيداً عن تنغيصات الأهل بزياراتهم المتكرّرة واسئلتهم الفضوليّة المدمّرة .. ويعود الوئام بينهما اقوى من السابق بعد اتفاقهما على اساسيات الزواج ، ورسم الحدود الواضحة للأقوال والأفعال التي يكرهانها في تصرّفاتهما القادمة ، حتى انهما اتفقا على اسماء ابنائهما المستقبليّة !


وكلما تحدثا سوياً ، اكتشفا صفاتهما المشتركة ! وبهذا لم يعدّ الكوخ سجناً كما كان في اﻷيام الماضية ، بل بات جنتهما التي انقذتهم من قرارهما المتهوّر الذي سيندمان عليه بمرور الوقت

***


بعد شهر .. إستيقظ الزوجان ، ليجدان ورقة معلّقة فوق المدفأة ! مكتوباً فيها :

((الباب مفتوح ، يمكنكما الذهاب .. ستجدان سيارة مستأجرة بالخارج ، فيها وقود يكفي لأعادتكما الى منزلكما الزوجيّ .. والأفضل أن لا اراكما في مكتبي ثانيةً ، مفهوم !! .. التوقيع : شيخ المحكمة الشرعيّة))

***


في مكتب الشيخ ، سأله مساعده :

- ما اخبار العريسين العنيدين ؟

- إنصلح حالهما والحمد الله

- كيف عرفت يا شيخي ؟!

الشيخ : لأن اهلهم قدموا إليّ غاضبين ، بعض رفض ابنائهما متابعة اجراءات الطلاق .. فلم يكن امامي سوى نصحهم بتركهما وشأنهما ، خوفاً من عقاب الله

- وهل فهموا ذلك ؟

- لا طبعاً .. لهذا هدّدتهم بفرض ضريبة على مخالفة اوامر المحكمة ، وحينها وعدوني بعدم التدخل بحياة الزوجين  


المساعد : الجميع يخاف العقوبة الماليّة.. أتدري يا شيخي ، لديّ فضول لمعرفة كم عائلة أنقذتها من الطلاق بحيلة الكوخ ؟

- ثلاثون زوجاً حتى الآن ، جميعهم خدّرتهم بالشايّ .. ليقوم حارسي الضخم بوضعهم في السيارة المظلّلة ، وأخذهم الى كوخي الجبليّ المجهّز بكل شيء .. فهم بالعادة يتصالحون خلال شهرٍ واحد ، بعد أخذ جوّالاتهم لمنعهم من الإتصال بأهلهم وأصدقائهم

- وهل ستتابع فعل ذلك ؟

الشيخ : فقط بالحالات التي ارى فيها فرصة للصلح .. فالسجن المؤقت أفضل من اتخاذهم قراراً يندمون عليه العمر كلّه 

المساعد بفخر : بارك الله فيك ، وكثّر من امثالك يا شيخيّ الجليل


هناك تعليق واحد:

  1. هههههههه امممممممممم احم احم .....................................................................................................................

    للاسف الشديد الكثير من زوجين عاشقين محبين يفترقا بسبب تدخل ابائهم .....

    ردحذف

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...