الثلاثاء، 7 مارس 2023

الحواسّ الخمس

تأليف : امل شانوحة 

 

المسابقة المرعبة


لم يكن من عادة إريك أخذ الإعلانات التي توزّع في المحطّة اثناء انتظاره القطار.. لكن نظرة الشاب الحادّة من خلف قناعه الطبّي ، جعلته يأخذ الإعلان طواعيّةً ! 

والغريب أن الشاب خرج من المحطّة قبل توزيعه جميع الأوراق ، كأن مهمّته إعطاء المنشور خصّيصاً له !  


لم يقرأ إريك المكتوب في الإعلان إلاّ قبل دقائق من وصول القطار الى محطّته التالية ، وكان فيها :

((مسابقة الحواسّ الخمس : إن فزت ، تكسب مليون دولار ..وإن خسرت ، تفقد حياتك !))


كان إعلاناً غريباً ، فمن الغير قانوني التهديد بالموت في مكانٍ عام! 

لكن إريك لم يستغرق التفكير في الموضوع ، بعد نزول الركّاب من القطار .. فوضع الإعلان في جيبه ، مُتوجّهاً لمنزله

***


في منتصف الليل .. شاهد مناماً : ((أنه يعيش في قصرٍ فخم ، ويتصرّف مع خدمه كرجلٍ ثريّ !))

فاستيقظ وهو يتساءل : كيف لمحاسب سوبرماركت أن يصبح غنيّاً في يومٍ وليلة ؟!

وتذكّر الإعلان الغريب المدوّن فيه : الموقع الرسمي للمسابقة


فاغتمره الفضول للبحث في حاسوبه .. ليجد أن مسؤول الموقع رفض توضيح شروط المسابقة ، قبل إشتراكه فيه ! 


وما أن فعل ، حتى وصلته رسالة على جواله :

((اهلاً بك في مسابقة الحواسّ الخمس))

فتفاجأ إريك من معرفتهم رقم جواله الذي لم يطلعهم عليه ! وردّ على رسالتهم بارتباك :

- انا لم أسجّل في موقعكم ، للإشتراك بمسابقتكم المريبة .. فقط لديّ فضول لمعرفة شروطكم


فلم يصله الجواب على جواله ، بل ارسلوا خريطة على حاسوبه توضّح مكان المسابقة التي ستقام بعد اسبوعين .. وأخبروه أنه المتسابق العاشر والأخير لهذا الموسم !

فسألهم : إن كان برنامجاً تلفازيّاً ؟

فأجابوه بغموض :

- لبرنامجنا مشاهدينه الخاصّين


فشعر إريك بأنها مراهنة للأثرياء من خلال الإنترنت المظلم ! ومع ذلك أصرّ على معرفة شروطهم ؟ 

- كل ما عليك فعله هو تنفيذ الأوامر المكتوبة بكل غرفة ، مُعتمداً على حاسّة من حواسّك .. وإن فزت ، تكسب المليون نقداً .. وإن خسرت..

إريك : تقتلونني ؟!

- احسنت !!

- وماذا تستفيدون من موتي ؟!

- هذه شروط لعبتنا ، فهل ستشارك ؟

إريك بخوف : لا طبعاً !! ورجاءً إمسحوا رقم جوالي


وقبل خروجه من الموقع المشبوه ، وصلته رسالةً اخيرة :

- ستترجّانا قريباً للإشتراك في مسابقتنا

فأطفأ حاسوبه وجواله وهو يشعر بالضيق ! 

***


ما حصل لإريك بالأيام التالية أشبه بالكابوس ! فقد اتُهم ظلماً بسرقته صندوق محاسبته ، من خلال ظهور شبيهٍ له بكاميرا المراقبة وهو يُدسّ رزمة المال في جيبه .. ويلبس ثياباً تُشابه ملابس إريك المُعتادة ، مُخفياً وجهه بالكمّامة الطبيّة ! 

فعوقب بحرمانه من تعويضه بعد عشر سنوات من عمله الجادّ ، وطُرد ذليلاً امام زملائه القدامى المصدومين مما حصل !  


وبسبب خسارته الراتب الأخير ، لم يستطع دفع إيجار غرفته .. فهدّده المالك بطرده قبل نهاية الشهر ! 

ولأن تهمة السرقة سُجّلت في ملفّ عمله ، لم يقبل احد توظيفه لعدّة ايامٍ من البحث المتواصل.. مما تسبّب بخلافٍ مع خطيبته التي انفصلت عنه .. 


فعاد إريك حزيناً الى شقته ، ليجد رسالةً على حاسوبه :

((ماذا قرّرت الآن ؟ هل ستشارك في مسابقتنا ، أمّ نستمرّ في تدميرك ؟))


فجنّ جنونه ، وأخذ يطبع سؤاله على موقعهم بعصبية :

- هل الشاب الذي سرقني بالعمل من طرفكم ؟!!

- نعم ، وهو ذاته الذي أعطاك الإعلان بالمحطّة

إريك بصدمة : لما تفعلون ذلك ؟!

- لأننا نختار مشتركينا بعناية .. وانت رجلٌ اربعينيّ وعازب ، وعملك متواضع ، وتعيش في شقةٍ مستأجرة بحيٍّ شعبيّ ، ويتيم الأهل ، ولا اصدقاء لديك .. فخسارة روحك لن تُحزن الكثيرين


إريك باستغراب : وكيف عرفتم كل هذه المعلومات عني ؟!

- كما اخبرناك : نختار متسابقينا من الأشخاص المُهمّشين في المجتمع ، كيّ لا نثير ضجّة حولنا .. فهل تريد أن تصبح مليونيراً ، وتغيّر حياتك للأفضل ؟

فسألهم بيأس :

- ذكّروني بشروط مسابقتكم اللعينة ؟ 


فأرسلوا عنوان منزلٍ مهجور موجود في اطراف قريةٍ زراعيّة ، بطريقٍ مليء بالحفريات المُهملة ..لا يمكن الوصول اليها إلاّ من خلال حافلةٍ مُرسلة من مسؤولي المسابقة ، لأخذه غداً الى هناك !


فنام إريك مهموماً بانتظار قدره المجهول في يومه التالي ، وربما الأخير من حياته !

***


في الموعد المحدّد ، مساءً .. صعد إريك الى حافلةٍ صغيرة ، أقلّته من الشارع العام.. ليجد تسعة اشخاص يجلسون في مقاعد متفرّقة .. يبدون من الطبقة الكادحة ، بوجوههم الشاحبة الحزينة ! 

فعلم أن حياتهم تدمّرت بعد بحثهم عن موقع المسابقة ، كما حصل معه !


لهذا التزم الصمت مثلهم ، حتى وصلوا في وقتٍ متأخّر الى كوخٍ مهجور مُضاء بأنوارٍ خافتة ..

حيث توجّب عليهم الدخول على التوالي ، دون علمهم بما ينتظرهم !


اما المتواجدون في الخارج  : فركّزوا بصرهم على الأنوار الحمراء العشرة المُعلّقة على جانب الكوخ ، التي ستُطفأ بموت كل متسابق ! 


وكان الأمر مُفزعاً مع سماع الصريخ المؤلم للمتسابقين بالداخل ، والتي انطفأت انوارهم الواحد تلوّ الآخر في وقتٍ قصير !


وقبل وصول دور إريك ، إستغلّ إنشغال الحارسين بتفرقة الشجار بين متسابقين رفضا الدخول اولاً .. 

وهرب مسرعاً باتجاه حقل الذرة اليابس ، الموجود خلف المنزل المهجور..


وظلّ يركض مُتجاهلاً طلقات النار من الحارسين .. الى ان وصل لشارعٍ فرعيّ ، ينام مُتشرّدٌ عجوز على رصيفه ! 

فطلب منه الماء ، وهو ينهجّ بتعبٍ شديد .. ورغم قذارة القارورة ، إلاّ ان إريك شرب القليل منها .. ليتفاجأ بسؤال العجوز :

- هل هربت من مسابقة الحواسّ الخمس ؟

إريك بصدمة : كيف عرفت ؟!

- برأيّ لا تفوّت فرصة الثراء السريع .. عدّ الى هناك ، فهم سيجدونك حتماً كما فعلوا مع الهاربين السابقين ، ويقتلونك على الفور

- اساساً لا اعرف ما ينتظرني داخل الكوخ !


العجوز : كل ما عليك فعله بالمسابقة ، هو إستخدام احد حواسّك لحلّ الألغاز المتواجدة في كل غرفة.. ولأني مشعوذٌ محترف ، سألقي عليك تعويذة تجعل الحاسّة المطلوبة لكل امتحان ، تقوى عشرة اضعاف .. مما يجعلك تفوز بالمسابقة بسهولة .. لكن عندي شرط !! في حال فزت بالمليون ، فلي نصف الجائزة

- طالما تعرف حلّ الغاز الكوخ المهجور ، فلما لا تقدّم على المسابقة وتربح  المليون كاملةً ؟

العجوز : لأنهم يختارون رجالاً في منتصف العمر ، وليس عجوزاً مثلي .. عليك أخذ قرارك فوراً ، فهم بالطريق اليك الآن


وهنا لاحظ إريك انوار الكشّافات داخل الحقل التي تقترب من مكان تواجده! 

إريك بيأس : لا اظن لديّ حلٌّ آخر


فألقى العجوز تعويذته عليه ، ليشعر إريك بالطمأنينة والحماس لتجربة المسابقة المريبة !

العجوز : الآن انت مستعد ، إذهب اليهم

ثم صفّر العجوز بأصبعيه ، لتتسارع الأنوار صوبه !

العجوز : لا تخفّ ، ستصبح غنيّاً بعد ساعة.. (ثم ابتسم بحماس) .. او بالأصح ، سنصبح ثريّن بالقريب العاجل 


وهنا قبض الحارسان على إريك ، فأسرع العجوز قائلاً :

- هو موافق على تجربة المسابقة .. فالثريّ الذي راهن عليه ، سيغضب إن قتلمانه قبل إستمتاعه بالمراقبة من خلال الكاميرات .. فالأفضل إعطائه فرصة لحلّ الألغاز ، لربما كان الفائز لهذا الموسم

الحارس : اذاً هيا بنا !!


وأعاداه الى الكوخ ، ليجد إريك بأن الأنوار التسعة مُطفأة ! فعلم انه لم يتبقّى غيره..  

***


دخل إريك الغرفة الأولى مُتردّداً ، ليجد مكتوباً على الجدار : 

((عليك إيجاد الإبرة في كومة القشّ ، خلال خمس دقائق))

ثم بدأ العدّ التنازلي من ساعة الحائط ، وكان في زاوية الغرفة : كومةٌ كبيرة من القشّ الجافّ


وهنا شعر إريك بقوّةٍ خارقة ، جعلت نظره يتضاعف عشر مرات ، كما اخبره المشعوذ .. وبسهولة لمح لمعة الإبرة ، اسفل الجهة اليمنى من القشّ!


وبالفعل استطاع إخراجها خلال دقيقةٍ واحدة .. مُتجنّباً الحريق الذي كان سيندلع بالقشّ وفي جسده ، في حال فشل بحلّ اللغز (كما كُتب بخانة العقاب على الجدار المقابل)


وما أن وضع الإبرة في الصحن الحديديّ القريب من الباب ، حتى فُتح وحده

***


بدخوله الغرفة المجاورة ، وجد مكتوباً على جدارها الّلغز الثاني :

((عليك سماع الرسالة من خلال الضجيج))


وفجأة ارتفعت اصوات ابواق السيارات من مذياعين ضخمين في زاويتيّ الغرفة !

فكاد إريك إن يغلق اذنيه ، لكن قوّته الخارقة جعلته يسمع بوضوح صوت امرأة تقول بين الأبواق المزعجة : 

((إخترّ المفتاح الأحمر))


فبحث مُسرعاً في مجموعة المفاتيح الملوّنة .. واختار الأحمر لفتح الباب المُقفل ، مُتجنّباً طلقة البندقية الموجّهة صوبه !

***


في الغرفة الثالثة : كان عليه معرفة مقادير الطعام من تذوّقه لملعقةٍ واحدة ، لكل طبقٍ من الأطباق الثلاثة ! 

ورغم عدم خبرته بالطبخ ، لكن قوّته الخارقة جعلته يميّز المكوّنات بسهولة بأقلّ من خمس دقائق ..

مُتجنّباً إبرة السمّ التي كانت ستُطلق عليه ، في حال فشل بالإجابة  !

***


اما الغرفة الرابعة : فتعتمد على حاسة الشمّ ، من خلال إطلاق رائحة جميلة لمرةٍ واحدة .. وعليه شمّ عشرين زجاجة عطر ، لمعرفة النوع الذي أُطلق منه الرائحة السابقة !

ولولا القوّة الخارقة التي اعطاها له المشعوذ ، لما استطاع تميّزها بسهولة .. فهو لم تكن لديه علاقة بالنساء ، سوى خطيبته الفقيرة (زميلته بالسوبرماركت ، التي نادراً ما تشتري العطور) 

وبحلّه الّلغز ، تجنّب الوقوع في قبوٍ مليء بالرماح الحادّة !

***


اما الغرفة الخامسة والأخيرة : فكان عليه لمس عدّة اشياءٍ داخل صناديق مغلقة بالكامل ، إلاّ من جانبها .. لمعرفة ما بداخلها 

واستطاع بواسطة قوّته المضاعفة ، تميّز انواع الأقمشة والحبوب والحشرات التي لمسها من بين ١٥ صندوقاً مغلقاً ، بأقل من الوقت المحدّد 

وبذلك أفلت من لدغة العقارب السامة التي كانت ستُرمى عليه من السقف !

***


بعد انتهاء المسابقة المخيفة ، خرج من باب الكوخ الجانبيّ .. ليجد الحرّاس الثلاثة المُقنّعين يصفّقون له ، بجانب سيارةٍ فارهة ! 

وأخبروه ان الثريّ الذي راهن عليه ، اهداه إيّاها بسبب فوزه بالمسابقة بزمنٍ قياسيّ

فسألهم إريك عن جائزة المليون ، فأخبروه انها موجودة في حقيبةٍ بالمقعد الأماميّ 

فدخل السيارة متحمّساً وهو يفتّش رزم المال في الحقيبة ، دون أن يصدّق ما يراه !


وما أن سمحوا له بالذهاب ، حتى قاد سيارته مسرعاً داخل الحقل الجاف .. الى ان وصل للشارع الفرعيّ الذي فيه العجوز .. لكنه لم يتوقف امامه ، بل اكمل طريقه نحو المدينة !

فقال المشعوذ غاضباً :

- سأجعلك تندم على إخلافك الوعد ، ايها الملعون !!

***


نام إريك تلك الليلة في غرفة الفندق الفاخرة ، وهو يحتضن حقيبة المال ..بعد تناوله وجبةً مشبعة من أشهى الطعام والحلويات التي حلم بها طوال حياته


ليستيقظ ظهراً على طنينٍ شديد بالأذن !

وسرعان ما شعر بصعوبة النطق !

وعندما فقد حاسّة الشم .. أسرع لخارج الفندق ، حاملاً حقيبة المال ..وهو خائف أن يكون المشعوذ انتقم منه بإفقاده حواسّه الخمس ..

وظن ان سفره للخارج ، سينجيه من لعنة تعويذته .. 


لكنه صرخ متالماً قبل صعوده القطار المتوجّه للمطار ، بعد فقده البصر ! حيث مرّ الناس بجانبه ، مُعتقدين بأنه متسوّل .. دون علمهم بأن الحقيبة التي يحتضنها ، تحوي ما يقارب المليون دولار !


وحاول إريك تلمّس طريقه للوصول الى الهاتف العام ، بعد سقوط جواله فوق سكّة الحديد إثر تعثّره بسبب الم قدميه المفاجئ ! 

إلاّ انه فقد قدرته على المشي ..فظلّ واقعاً على أرضيّة المحطّة ، مُحتضناً ماله بكل قوته ..


وقبل فقده حاسّته التالية ، سمع شخصاً يهمس في اذنه :

- كان عليك مقاسمتي المال ..فهآ انت ستموت جائعاً متالماً ، دون ان يشفق عليك احد


وسحب الحقيبة من يديه الّلتين تخدّرتا فجأةً ، بعد فقدانه حاسّة اللمس والسمع ايضاً

وخرج المشعوذ من المحطّة ، تاركاً إريك يتلوّى بألمٍ شديد بعد فقدانه حواسّه الخمس ، والتي تُنذر بموته القريب بأسوء طريقةٍ ممكنة !


هناك 4 تعليقات:

  1. هذه من القصص الفخورة بها ، أتمنى ان تعجبكم

    ردحذف
  2. من قريب قبضوا على ساحر اعترف بانهم يستدرجون الضحايا من الانترنت والاعلانات والالعاب ويستخدمون القرين في الغالب والجن الطيار المتنصت وبعض الجن اقر بانهم يستخدمون وساءل الاتصال الحديثه لانها وسيلة اتصال ماديه عن طريق الموجات

    ردحذف
  3. استمرييي 👍🏻👍🏻

    ردحذف
  4. قصه جميله..

    ردحذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...