الأربعاء، 7 أغسطس 2024

طبّاخة الملك

تأليف : امل شانوحة 

الرهان الصعب


إعتاد إخوّة سارة (المتزوجون) بنهاية كل اسبوع ، الإجتماع في منزل والديها .. ولأنها تعلم مسبقاً بحديثهم المُكرّر معها .. اختبأت بغرفة نومها ، مُدعيةً نعاسها للهرب من ضغطهم المتواصل عليها لدراسة الطب .. فوالداها طبيبان ، وكذلك اختها وأخويها .. لكنها ترفض هذا الإختصاص ، لكرهها للدماء ولدراسته الطويلة المتعبة .. لكنهم لا يقبلون إختلافها عنهم !

وفي غرفتها ، وعلى ضوء نورٍ خافت (كي لا يلاحظوها استيقاظها) إنشغلت بقراءة قصةٍ تاريخيّة ، الى ان غفت امام حاسوبها.. 

^^^


لتستيقظ في زمن الماضي ، وهي مقيّدة اليديّن والقدميّن بالسلاسل في سوقٍ شعبيّة ! ومن حولها تجّار يعاينون جسمها ووجهها ، كبقيّة الصبايا المقيّدات وسط السوق.. فلم تفهم ما حصل ! وصرخت غاضبة :

- من انتم ؟!! وكيف اختطفتموني من بيتي ؟ اريد العودة لأهلي الآن!!!

لتُفاجأ بصفعة من تاجر الرقيق ، وهو يعاتبها :

- من سمح لك بالكلام ، ايتها العبدة الوقحة ؟!!

سارة بدهشةٍ وخوف : لم يعد هناك عبيد في العالم أجمع ! من أيّ عصرٍ انت ، ايها المتخلّف القذر ؟!

فهمس لها بلؤم : والله لولا جمالك ، لجلدتك بالسوط الى أن تتربي جيداً .. لكني علمت أن الآغا (مسؤول الحرملِك) قادمٌ الى هنا ، لاختيار جواري جدد للملك .. لهذا لا تسمعيني صوتك ، يا امرأة !! 


فالتزمت سارة الصمت مُجبرة ، بعد ان نصحتها الفتاة التي بجانبها :

- إن اثرت المشاكل ، فسيجعلونك خادمةً وضيعة .. بينما جارية الملك هو حلم كل فتاةٍ فاتنة ، لتوفيرهم الملابس الجميلة والطعام الفاخر لنا .. وكل ما علينا فعله : هو الرضوخ للملك الذي سيقضي معنا بعض الوقت ، إن سمحت زوجته بذلك

سارة باشمئزاز : انا لا اريد ان اكون تسلية رخيصة لأحد !!

فسمعها تاجر الرقيق : إصمتي ايتها الوقحة !! ستكونين محظوظة ان اختاروك للحاكم ، وإلاّ ستصبحين عبدة في إحدى منازل متوسطي الدخل من المتسوقين


وبالفعل اختارها الآغا مع صبيّتين فاتنتيّن ، قادهنّ بالسلاسل الى القصر

^^^


وبعد قيام كبيرة الخدم بتنظيفهنّ ، وإلباسهنّ فساتين فاخرة .. أوقفهنّ الآغا في الصالة الضخمة للقصر امام عرش الملك البدين الذي أمرهنّ بالرقص امامه ، لاختيار احداهنّ لهذه الليلة .. 

ليتفاجأ بسارة ترفع يدها ، لإيقاف موسيقى العازفين :

- سيدي !! انا لا اجيد هذه التفاهات

الملك بدهشة : ماذا قلتِ ؟!

سارة : أقصد انني لا اجيد الرقص ، لكني بارعة بالطبخ

فأثار الموضوع اهتمام الملك المعروف بحبه الشديد للأكل : 

- أقلتِ الطبخ ؟! 

سارة : نعم ، يمكنني صنع اطعمة لذيذة لم يتذوّقها أحد من قبل

(فهي عرفت من حديث الخدم والجواري انها انتقلت للعصر العثمانيّ !)


الملك باستنكار : لا يوجد طعام لم يعدّه طباخي الماهر

سارة : أستميحك عذراً ، لكن الوصفات في زمانك تعتبر محدودة

الملك مُستفسراً : زماني ؟!

سارة : أعني ان الأكلات التي اخترعتها نساء مدينتي ، لم تصل اليكم بعد 


ولأن الحاكم يحب الطعام ، إتفق معها على طبخ وصفة وحلوى جديدة كل يوم لمدة شهر .. بشرط تعليمهم لاحقاً لطبّاخه الخاصّ.. وإن نجحت بالإمتحان ، تحصل على حرّيتها 

فاشترطت ان تكون وحدها بالمطبخ.. فاعترض الطبّاخ :

- ماذا لوّ وضعت السم في طعامك ، سيدي ؟ 

فنظرت سارة للطبّاخ العجوز بحنق : 

- اذاً سأتذوّق اللقمة الأولى امامك ، قبل تقديم الطبق للملك

الملك : حسناً وافقت على شرطك ... إذهبي للمطبخ ، واصنعي لي وصفتك الجديدة

^^^


وبصعوبة وافق طبّاخ الملك على ترك المطبخ لها.. 

فتساءلت سارة بقلق :((صحيح ان الأكلات التي أعرفها من المستقبل ستُبهر الحاكم البدين ، لكن معظم مكوّناتها غير متواجدة بهذا العصر المتخلّف .. كيف سأدبّر امري ، فهو هدّدني بالقتل ان لم انجح بالإمتحان!))


وهنا دخل الخادم ومعه حقيبتها الجلديّة ، وهو يقول :

- كانت معك بالسوق

وبعد خروجه من المطبخ ، تفحّصتها بدهشة :

- هذه حقيبة حاسوبي ! هل انتقلت معي لزمن الماضي ؟! 

وفتحتها ..

- نعم حاسوبي ، لكن لا انترنت هنا .. ومع ذلك سأجرّب

لتُصدم بأن حاسوبها يعمل بشكلٍ طبيعيّ !

سارة : لا افهم ما يحصل بالضبط ! أهو مجرّد منامٌ غريب ؟!

ثم نظرت لساعة الحاسوب..

- يا الهي ! بقيّت ساعتين على موعد الغداء.. حسناً لأبحث بجوجل عن طريقة صنع الكاتشاب والخردل والمايونيز لإعداد الهمبرغر للملك 


وأضاعت ساعة في صنع الصوّصات الثلاثة التي اعتادت شرائها من السوبرماركت ! ثم طلبت من خبّاز الملك صنع الخبز الدائريّ (الإفرنجي)

فاعترض قائلاً : كيف لا تريديني ان أمّد العجين ؟!

- فقط ضعها كرويّة في الفرن

- ستصبح سميكة

سارة بعصبية : إفعل ما قلته لك ، لا وقت لديّ للجدال !!


وبعد خروج خبزتيّ الهمبرغر من الفرن ، أطعمت إحداها للخبّاز الذي استغرب نضجها من الداخل ..

- ياله من إختراعٍ جميل !

سارة : الآن بقيّ لديّ شواء اللحم وقليّ البطاطا لإنهاء الشطيرة


وبعد صنعها الهمبرغر ، ذهبت مع الطبّاخ (الذي انتظرها خارج المطبخ) الى مكتب الملك لإعطائه غدائه

^^^


وهناك اعترض الطبّاخ : 

- لحظة سيدي ، انا لم اكن معها بالمطبخ .. ربما كانت مسمومة ، فأعدائك كُثر

سارة بضيق : يمكنني تذوّق بعضها ، ان وافق الملك.. 

الملك مقاطعاً : لا داعي لذلك ، فشكلها مُشهيّ .. لكن ماهذه الألوان الغريبة التي بداخلها ؟!

سارة : الكاتشاب : هو طماطم مهروسة .. والأصفر : هو حب الخردل المطحون .. والأبيض : هو صفار البيض مع مكوّناتٍ اخرى

الطبّاخ بقلق : سيدي رجاءً ، لا تخاطر بأكل طعامٍ لا نعرفه

لكن الحاكم البدين سارع بقضم الشطيرة التي أعجبته طعمها في الحال !

- يا الهي ! انها رائعة بالفعل .. ما اسمها ؟

سارة بفخر : همبرغر

الملك : ياله من اختراعٍ رائع .. أحسنت !!

سارة : وهذا عصيرٌ غازيّ 

- خمر !

- لا والعياذ بالله ، يسمّى الكولا .. يساعد في هضم الشطيرة 

فشرب القليل منه :

- ياه ! انه منعشٌ حقاً ..


وبعد انهائه الشطيرة ، سألها :

- اين الحلوى ؟

سارة بنبرةٍ متوتّرة : آسفة سيدي ، الشطيرة أخذت مني وقتاً طويلاً.. أعدك بإعداد الحلوى غداً بجانب الغداء 

الملك : سأسامحك هذه المرة ، لأني مُعتاد على تناول الحلوى بعد الطعام .. إذهبي لترتاحي الآن 

^^^


ثم ضمّوها لبقية العبيد ، لتنام في سريرٍ داخل مهجعٍ كبير .. والجواري تراقبنها بلؤم لعدم قيامها بنفس مهمامهنّ بالقصر ! 

سارة : لا تنظرن اليّ بحقد ، فإمتحاني صعب .. ففي حال فشلت بإرضاء ذوّق الملك بالطعام ، أُقتل على الفور 

فقالت إحداهن : انت اخطأتي بقبول التحدّي لشهرٍ كامل ، فمن المستحيل اختراع ثلاثين طبق طعامٍ وحلوى ! انه بالفعل رهانٌ خاسر

ثم نظرت لزميلاتها : اتركوها وشأنها ، فهي ميتة بجميع الأحوال

وضحكنّ عليها بسخرية !

***


في اليوم التالي .. إكتشت سارة شيئاً عظيماً ، حيث تمكّنت من تحويل صور جوجل الى حقيقة ! لكن ليس الوجبات الجاهزة ، فقط المكوّنات الأوليّة : أيّ يمكنها جلب الفاكهة والخضار والبهارات التي تريدها ، بمجرّد البحث عنها في الحاسوب ! 

وهذا سهّل مشكلة ندرة تلك المواد بالعصر البدائيّ.. ولأنها وحدها بالمطبخ ، جمعت تلك المكوّنات (التي خرجت من حاسوبها) وحوّلتها الى طعامٍ شهيّ 


وبذلك أعدّت البيتزا واللازانيا وبروستت الدجاج والجوانح المتبلّة بالصويا والعسل ..حيث تنوّعت طبخاتها بين الهندي والصيني والعربي والتركي والفرنسي والإيطالي.. عدا عن الحلويات الحديثة : كالدونات والكيك والآيس كريم بعد ان أخرجت من الحاسوب : آلة تبريد تعمل دون كهرباء ، والتي اختفت بعد صنعها المثلّجات التي اعجبت الملك كثيراً ، خصوصاً في ذلك الطقس الحارّ 

***


ومرّت الثلاثين يوماً ، فرح بها الملك بأصنافها الحديثة التي لم يتذوّقها من قبل ! والذي وافق على فكّ أسر سارة ، بشرط تعليمها الأكلات لطبّاخه الخاص ..

وكانت تلك مُعضلةً صعبة ، فكيف ستبرّر لطبّاخٍ خبير بحصولها على تلك البهارات والخضار التي تُزع في بلاد ما وراء البحار ! لهذا اضطّرت لحذف العديد من المكوّنات التي وضعتها سابقاً للملك الذي تضايق من اختلاف الطعم بين اكلاتها وبين أطباق طبّاخه الذي حلف بتطبيقه جميع تعليمات سارة في وصفاتها الجديدة ! 

وبسبب ذلك ، رفض الملك تحريرها .. مُقرّراً توظيفها كطبّاخته الخاصة ، بينما يكون طبّاخه العجوز مسؤولاً عن إطعام العائلة الملكيّة وضيوف القصر .. مما ضايق الطبّاخ الأشهر بالبلد ، الذي سكت ممتعضاً ! بينما حاولت سارة إقناع الملك بتنفيذ وعده لها .. 


واثناء نقاشه معها ، دخل قائد الجيش الى صالة القصر وهو ينادي مذعوراً:

- سيدي !! الثوّار يحاصرون القلعة ، في محاولة للإطاحة بك

الملك بحزم : أطلب من جميع رجال مدينتي ، التصدّي لهم !!

بينما سارعت سارة والطبّاخ العجوز للإحتماء في قبوّ القصر

***


لم تمضي الليلة حتى وقع الملك بالأسر ، بالإضافة لخدمه ومنهم سارة..

فقال قائد الثوّار للملك : لن اقتل سوى جنودك .. اما انت !! فسأكتفي بقتل عائلك امامك ، وأدعك تعيش مذلولاً مع افراد شعبك 

***


بعد انتهاء المعركة وعودة سارة للسوق ، تساءلت بقلق : 

((ما الطريقة التي تعيدني الى بيتي ؟! الم ينتهي هذا الحلم الطويل بعد ؟!))


وإذّ بها تجد الملك حزيناً بطرف السوق ، وهو يستمع لتعليقات المارّة المستفزّة الذين تركوا صغارهم يبصقون عليه ويرمونه بالحجارة ! فلم ترضى ان يُذلّ بعد عيشه طوال حياته في نعيم ، عقب ورثه الملك عن والده.. فاقتربت منه :

- سيدي.. هل انت بخير ؟

الملك بنبرةٍ منكسرة : أهذا انت يا سارة ؟! ارأيتي ما حصل لي ؟ البارحة كنت ملكاً أُطالبك بطعامٍ مختلف كل يوم ، والآن لا اجد ما يسدّ رمقي ! 

سارة : ما رأيك لوّ نفتح مطعماً ؟ 

- مطعم لمأكولاتك الفريدة ؟! 

- نعم سيدي .. انا أطبخ ، وانت تبيع 

الملك بحماس : موافق !!

ثم أخرج حُليّاً ، كان خبّأها في ثيابه بعد نفيه من القصر : 

- بإمكاني بيعهم ، لاستئجار محلٍ صغير بالسوق

سارة : حسناً لنفعل ، ولتكن شراكة بيننا

^^^


وبالفعل إفتتحا المطعم التي وضعت على جانبه لوحةً كبيرة ، كإعلان عن وجبتها الأولى : وهي الهمبرغر (بعد ان رسم الملك الشطيرة بنفسه ، فهي إحدى مواهبه) لكن لم يقترب احد من المحل ، لعدم تعرّفهم على الوجبة الجديدة ! 


فاقترحت سارة على الملك ان يُقسّما الخبز للقيماتٍ صغيرة ، تُقدّم مجاناً للمتسوّقين الذين سارعوا بطلب المزيد من الوجبات بعد إعجابهم بالطعم ! خاصة ان سعرها مقبول ، دون علمهم بخروج المكوّنات من حاسوب سارة التي خبّأته في مكانٍ مغلق داخل المحل .. ولم تسمح لأحد ان يراه ، حتى شريكها الملك الذي احترم خصوصيتها بالعمل ! 

***


وبعد ايام ، إقترحت سارة خدمة توصيل الطلبات 

الملك : ماذا تقصدين بالدليفري ؟!

سارة : يعني يمكن للرجل ان يطلب الوجبة منا ، ونحن نوصلها الى بيته في الوقت الذي يحدّده لنا .. كل ما نحتاجه هو توظيف اولاد على دراية بعناوين الناس


وبالفعل وظّفا غلاميّن يتيميّن ، إعتادا الشحاذة من منازل المدينة الصغيرة .. وهذه الخدمة (الجديدة من نوعها) اراحت النساء من الطبخ ، بسبب اسعار الوجبات الرخيصة المُشبعة التي اعجبت جميع الأذواق 

^^^


وبعدها بدأت سارة بالتنوّع بأكلات المطعم كل اسبوع ، الى ان اعتاد الناس مذاق المعكرونة والدجاج المقرمش وغيرها ، بالإضافة للحلوى التي يعشقها الملك الذي اصبح خبيراً بالحساب والتعامل مع الزبائن الذين احبوا تواضعه ، بعد ان كانوا يخشونه بسبب وزيره الظالم (الذي قُتل في المعركة) والذي اعتاد حبسهم وتعذيبهم ان تحدثوا عن مليكهم بسوء !

***


بعد شهور من نجاح المطعم ، قدّم بقية تجّار السوق الشكوى بهما .. لأنه بسبب طعامهما الرخيص ، لم تعد النساء تشتري الخضار واللحوم بعد اعتيادهنّ على الوجبات السريعة .. 

فحاولت سارة تهدئة التجّار الغاضبين من خسارتهم المتواصلة : 

- ما رأيكم لوّ نشتري حاجيات المطعم من محلاّتكم ؟ كما نرغب بتوظيف اولادكم لمساعدتنا بالمطعم الذي ننوي فتح فروعاً له بأنحاء البلد 


فوافقوا على اقتراحها .. وبذلك لم يعد هناك حاجة لإخراج المكوّنات من حاسوبها بطريقةٍ سرّية ، بعد ازدياد عدد الطباخين والعاملين بتوصيل الطلبات لكل مكان بالدولة ، بعد أن ذاع صيت المطعم في كل مكان .. كما وظّفت محاسبين آخرين ، بينما يعمل الملك على جمع الأرباح من أفرع مطعمه الجديدة .. 

اما سارة : فأشرفت على الطباخين في المطاعم ، بعد ان علّمتهم طرق صنع وصفاتها الجديدة .. وبذلك أصبحا من الأثرياء بعد شهرة مطاعمهما العديدة تحت مسمّى : مطعم الملك للوجبات السريعة 

***


وذات يوم .. اقترح عليها الزواج ، رغم فارق العشرين سنة بينهما ! فاعتذرت سارة بذوّق :

- انت رجلٌ شهم وطموح .. لكن عملي انتهى في مدينتك ، وعليّ العودة الى زماني 

الملك باستغراب : زمانك ؟!

فردّت بارتباك : أقصد مدينتي

- لم تخبريني بعد ، من اين قدمتِ ؟

- من مدينةٍ صغيرة خلف البحار

الملك بنبرةٍ حزينة : اذاً سترحلين ؟

سارة : نعم ، قريباً .. فأنت لم تعد بحاجة اليّ .. فالجميع يحبك ، بعد ان كانوا سابقاً يستهزأون من خسارة ملكك 

- كنت ورثت المُلك عن ابي ، دون ان يكون يوماً شغفي .. وبفضلك عرفت ان الطبخ والتجارة هما هواياتي الحقيقية .. فشكراً لك على كل شيء


فسلّمت عليه ، وخرجت من السوق وهي تحمل حقيبة الحاسوب التي حرصت ان لا يراها احد.. وظلّت تمشي وهي تتساءل :

- والآن ماذا عليّ فعله للعودة للمستقبل ؟! 

***


بعد إحساسها بالتعب ، غفت تحت ظلّ شجرة .. لتستيقظ في غرفتها (بزمن الحاضر) بعد دخول امها وهي تسألها : 

- أمازلتِ نائمة ؟

فحضنتها سارة بشوّق :

- اشتقت اليك ، امي !!

فوضعت الأم (الطبيبة) يدها على جبين سارة : 

- هل لديك حمّى ؟!

- لا ، مجرّد كابوس طويل

- اذاً تعالي للصالة ، فوالدك وإخوتك مازالوا ينتظرون جوابك عن الإختصاص الذي ستدرسينه في الجامعة .. وإيّاك التهرّب هذه المرة !!

فابتسمت سارة بعد معرفتها اخيراً بما تنوي فعله بالمستقبل  

^^^


لتفاجأهم برغبتها دخول معهد الطبخ !

الأب غاضباً : أتريدين فضحنا ؟ انا وامك واخوتك جميعنا أطبّاء ، وانت تريدين ان تصبحي طبّاخة كالطلّاب الفاشلين ؟! 

الأم : اساساً انت لم تطبخي بحياتك !

سارة بحزم : الآن حتى علمت شغفي بالطبخ .. وهذا قراري النهائيّ!!

اختها ساخرة : لا تتوقعي ان نساعدك ماديّاً بالمستقبل ، بعد ان تصبحي أفقر واحدة فينا

سارة : من يدري ، ربما اصبح أغناكم بعد شهرة مطعمي

اخوها باشمئزاز : انت واحلامك التافهة !

الأب : أهذا سقف طموحاتك ؟ مطعمٌ شعبيّ

سارة : لم أقل شعبي ، بل مطعمٌ فاخر .. رجاءً إتركوني اختار مستقبلي بنفسي 

ورغم اعتراض الجميع ، الا انها أصرّت على تعلّم الفندقية..

***


لم تمضي سنتين حتى برعت بأكلاتها الجديدة التي اخترعتها بنفسها ، والتي تعلّمتها من طبّاخ الملك العجوز (وهي اكلات انقرضت مع الزمن) والتي اعجبت أحد زبائن الأثرياء للفندق الذي تعمل فيه ، مُقترحاً عليها العمل في مطعمه الفاخر ، مع السماح لها بتوظيف مساعدٍ لها .. وبذلك أُعطيت الصلاحيّة لامتحان العديد من الطبّاخين لهذه الوظيفة .. لتفاجأ بأحدهم شبيه الملك (في منامها ، لكنه من نفس جيلها) والذي أخبرها بعشقه الكبير للطبخ .. فوافقت على توظيفه كمساعدها الخاص (وبدوره استغرب قبولها السريع ، دون امتحانها له !)  

***


لم تمضي سنة ، حتى اشتُهر المطعم بجودة وصفات سارة مع مساعدها الجديد الذي تجرّأ يوماً على خطبتها .. فأجابته بخجل : 

- كنت رفضتك في الماضي ، لكني اوافق هذه المرة 

فاستغرب من كلامها ، فهو لم يتقرّب منها سابقاً ! 


وتزوجته رغم اعتراض اهلها الذين كانوا يشجّعونها على التقرّب من صاحب المطعم الثريّ العجوز ! لكنها أصرّت على زميلها البدين الذي برع معها باختراع الوصفات الجديدة التي جعلت المطعم وجهةً للعائلات الثريّة وكبار الشخصيّات بالبلد .. وبذلك زاد معاشها ليصبح اضعاف رواتب إخوتها الأطبّاء الذين تقبّلوا مع الوقت شغفها البعيد عن اختصاص عائلتهم .. بل وأصبحوا من زبائن مطعمها الذي اشتهر بطعامه الفريد من نوعه !

***


بعد سنوات ، وفي جلسةٍ عائلية .. إعترفوا اخيراً بنجاحها ، وبفخرهم لإصرارها على متابعة حلمها رغماً عنهم ، وبنجاحها الباهر الذي أصبح حديث الناس والصحافة !


فاكتفت سارة بحضن زوجها ، وهي تقول : 

- لم أكن لأنجح لولا دعم الملك لي 

ولم يفهم احد ما تقصده ! سوى زوجها الذي أخبرته بمنامها الغريب الذي جعلها تتعرّف عليه ، وعلى شغفها الحقيقي في الحياة 


هناك 9 تعليقات:

  1. لي مدة طويلة لم اكتب قصة للأطفال .. وأظن هذه تصلح كرسوم متحرّكة للأولاد فوق سن 12.. اتمنى ان تعجبكم

    ردحذف
  2. هذه من القصص التي ننفخر بها أيما إنفخار ..آي والله ..
    ولو ترجمت ووصلت لديزني لصوروها فيلما ..
    تشبه ساره الى حد كبير ..عبير عبد الرحمن ..بطلة فانتازيا ..
    كنت اراك داءما حالمه ..في زمن غريب ..كل مافيه مؤلم .. وهذه القصه تأكيدا ..
    ولما كان على المؤلف غالبا ..ان يضع شيءا من نفسه ..في قصصه ..حتى ولو لم يدري ..او لو لم يرد هذا ..
    فاعتقد انك لو افتتحتي مطعما ..ليكونن راءجا متميزا ..
    بصدق لا امزح ..
    وحينها نقول لك :
    افيقي من اغماءك ..فانك ستهزمين الجميع ..لقد انتصر بتاح على خصومك ..فلا وجود لهم ..
    برافو ..امل ..نجوم ميشلان الثلاث كامله
    🌟🌟🌟
    🍔🍟🍗🍖🍝🍤🍕🍳🍞🍲

    ردحذف
    الردود
    1. نعم ، الحمد الله اجيد الطبخ حسب آراء من حولي !
      وانا بالفعل تخيّلت القصة كفيلم ديزني ..
      سعيدة جداً ان القصة اعجبتك ، يا عاصم

      حذف
  3. اعادت قصتك اللطيفه الذكريات لي حين كنت مراهقا عملت فتره في مطعم للماكولات الشاميه كالشاورما والمناقيش والكبيبه والحمصيه والفلافل ..
    اعلميني فقط قبل الافتتاح ..
    وذكرتني ايضا بعصر الجواري ..ذاك العصر السعيد ..الذي نتذكره ونحن نتلمظ ..ونقول يا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزا عظيما ..
    😭

    ردحذف
    الردود
    1. حافظ على دينك ، وستحصل على عشرات الحوريّات الفاتنات بالجنة بإذن الله .. وهن اجمل من الجواري بكثير ، على الأقل سيخلقنّ لأجلك فقط .. تحياتي لك

      حذف
  4. ✍️ساهر...
    سلام عليكم،
    صباح الخير على الجميع يارب..
    الإهتمام بالأطفال ليس بشيئ عابر
    ولكن لطالما الإنسان نبضات قلبه رحمه وعطف تجاه أحباب الله ( الأطفال)
    تبحثين عن كل مايبعث الأمل والإبتسامة على ملامح الوجوه البريئة
    فهذا تسخير من رب العالمين وهي من محبة الله فجعل لك قبولاً في الأرض بين الناس،
    { وألقيت عليك محبةً مني }


    تحياتي/ ساهر ،،،







    ردحذف
    الردود
    1. بصراحة لست من الأشخاص الذين يتحمّلون دلع الأطفال وعنادهم .. هم برأيّ كائنات مخلوقة لإثارة الفوضى ، عدا عن اصواتهم الرفيعة المزعجة ..
      لكن رغم انني حازمة معهم ، الا انهم يحبونني ! ربما لأنني افهم عليهم ، وأفهم ما يريدونه .. وعادة ما يتوجهون اليّ بعد حصول مشكلة لهم ، او اذا ارادوا شيئاً من اهاليهم لكيّ اتوسّط لهم !
      ربما لوّ قدّر لي ان اصبح أماً ، لكنت اكثر رفقاً بهم .. من يدري !

      حذف
  5. ✍️ساهر...
    سؤال شغل الكثيرين.. هل السفر عبر الزمن ممكن؟
    هل السفر عبر الزمن ممكن أكان للماضي
    أو المستقبل..
    هذا السؤال كثيراً ما يثير الجدل وسط الناس، وتنشر صحف غربية من فترة لأخرى قصصاً لأناس يدعي بعضهم أنهم جاؤا إلينا من المستقبل أو آخرين يدعون أنهم سافروا إلى المستقبل من زمننا الراهن.

    ومن تلك القصص ما نشرته صحيفة "ميرور" البريطانية مؤخراً عن قصتين: الأولى لرجل يدعي أنه سافر في الثمانينات من القرن العشرين إلى عام 2118 وعاد ليروي قصته، والثانية عن رجل يقول إنه جاء قادمًا إلينا من عام 6491م.
    وقرأت في بعض المواقع أنه من الممكن أن نرىٰ الماضي من الأزمان والعصور اللتي سبقتنا ومضت ،
    فإن السؤال يظل قائماً: هل من الممكن السفر عبر الزمن؟
    ننتظر رأي الأخت والأستاذة أمل!!

    تحياتي/ ساهر ،،،

    ردحذف
    الردود
    1. أظنها محصورة بالأنبياء ، كمعجزاتٍ لهم .. وربما نحن بالجنة ، يُسمح لنا باختيار أيّ عصر نريده ، لنعيش فيه ولوّ بالخيال .. والله اعلم !

      حذف

الأمنيّة الأخيرة

تأليف : امل شانوحة    الأسرار الدفينة دخل الممرّضان (الشاب والصبيّة ، الموظّفان الجدّد) الى غرفة الطبيب النفسي (الخمسيني) بعد طلب رؤيتهما في...