السبت، 10 أغسطس 2024

الجثث العائمة

تأليف : امل شانوحة 

 

الليلة الدمويّة


إستيقظ احمد فزعاً بعد ان اوشك على الغرق ! رافعاً انفه فوق الماء لالتقاط انفاسه وهو يشعر بألمٍ شديد خلف رأسه.. ليجد نفسه في غرفة تبدو كمكتب شركة ، بإنارةٍ خافتة قادمة من خلف بابها المغلق .. فلم يفهم ما حصل ! ولم يكن امامه الاّ السباحة باتجاه الأدراج الثلاثة التابعة للقبوّ العالق فيه.. 

وقبل وصوله الى هناك .. إنتفض جسمه رعباً بعد ملامسته جثةً تطفو فوق الماء ، تبدو لموظفٍ بطقمه الرسميّ ! وعلى قميصه شيءٌ لزجّ كالدماء ، فعرف انه قُتل بالرصاص..


فأسرع بالخروج من الغرفة المظلمة ، ليصل الى ممرّ المكاتب الغارق بالمياه القادمة من صنابيرٍ مفتوحة بدورة مياه الموظفين ! فدخل لإغلاقها ، ليتفاجأ بجثة موظفٍ آخر مقتول برصاصةٍ في قلبه.. 

وخرج مرتعباً بعد سماعه صرخة امرأة من الطابق العلويّ تطلب النجدة ! فنادى بعلوّ صوته :

- اين انتِ ؟!!

الصوت : انا هنا !! في المكتب العام .. رجاءً ساعدني !!!

فصعد السلالم التي تنزل عليها المياه كالشلاّل !

وهو يتساءل في نفسه بخوف :

((كيف يُعقل ان تتعطّل جميع الصنابير دفعةً واحدة ؟! لابد ان القاتل فتحها لإغراق المكان ..لكن من ذلك المعتوه ؟ ولما لا اتذكّر ما حصل ؟!))

^^^


وقبل وصوله لغرفة السيدة .. عثر على جثة موظفٍ آخر مقتول بطلقةٍ في الرأس بأعلى السلّم ! 

فأكمل طريقه باتجاه صوت الإستغاثة .. ليجد سيدة مُصابة بطلقٍ ناريّ بكتفها ، وعاجزة عن الحركة بسبب الخزانة الحديديّة الواقعة على قدميها ! فحاول إبعاد الخزانة بصعوبة ، بينما تبكي بألم :

- انتبه يا احمد .. لا اريد لأطراف الخزانة الحادّة ان تمزّق قدمايّ 


وعندما سمع اسمه ، تذكّر بأنها الموظفة الجديدة اميرة.. كما عادت لذاكرته بعض احداث ما جرى :

حيث عمل بإرشيف دائرةٍ حكوميّة لسنوات.. وبهذا اليوم لم يحضر سوى ستة موظفين ، بالإضافة للمدير الذي وعدهم بزوّدةٍ ماليّة إن قدموا ليلة العطلة الرسميّة التي ستستمرّ لثلاثة ايام ، لإنهاء الأعمال المتأخرة..ولهذا لم يتواجد مراجعين في هذا اليوم العصيب


وبحلول المساء ، وقبل انتهاء دوامهم .. تفاجأوا برجلٍ قصير مُقنّع يُطلق النار عليهم ، وهو يشتم غاضباً ! والذي تمكّن من قتل موظف الإرشيف (زميل احمد) بالإضافة لجثتيّ السلّم والحمّام .. وايضاً زميلة اميرة المُضرّجة بالدماء اسفل مكتبها ! 


اما احمد : فكان محظوظاً بأن الرصاصة لم تصبه ، بعد تعثّره اثناء هربه من القتل الجماعيّ.. مما ادّى لارتطام رأسه بطرف المكتب بقوّة ، أفقدته الوعيّ وجزءاً من ذاكرته ! فتركه القاتل ، ظنّاً بوفاته  

بينما نجت اميرة بعد احتمائها خلف الخزانة الحديديّة التي أوقعها عليها القاتل قبل فراره من مكتبها ، عقب إصابة كتفها برصاصةٍ عشوائيّة .. 


ويبدو ان الملثّم المجهول بعد قتله جميع المتواجدين هذه الليلة ، اطفأ انوار المكاتب (ماعدا الممرّات) وفتح صنابير المياه لحمّامات الشركة بطوابقها الثلاثة ، لإغراق الأوراق الرسميّة الخاصة بفيّز السفر والتهجير !

^^^


واثناء نزول احمد واميرة على الأدراج باتجاه بوّابة الشركة ، وهي تتكئ عليه بألم ..قال لها بقلق :

- علينا الذهاب للمستشفى بالحال ، قبل ان يتصفّى دمنا

اميرة : هل علمت من ذلك اللعين الذي أطلق النار علينا ؟

احمد : والله لا ادري ! فذاكرتي مشوّشة بسبب إصابة رأسي

- احلف ان صوته بدى مألوفاً !

- دعينا نخرج من هنا اولاً ، ثم تحقّق الشرطة بما حصل

اميرة : آه لحظة ! ماذا عن المدير ؟

- أظنه بغرفته ..هل يمكنك صعود الأدراج للإطمئنان عليه ؟

اميرة بألم : سأحاول


واستندت عليه.. لكن بعد بضعة ادراج ، أوقفته بتعب :

- لا توقف !! فالألم شديد .. إذهب وحدك ..

احمد بقلق : لكن اميرة..

مقاطعة بحزم : ماذا تنتظر ؟!! إسرع ، لربما المدير بحاجة لمساعدة

احمد بيأس : هذا إن كان ما زال حيّاً


فأخرجت جوّالها من جيب فستانها للإتصال بالمدير ، والتأكّد من وجوده بالشركة او خروجه قبل المجزّرة..

اميرة بضيق : اللعنة ! لا يوجد ارسال

احمد : يبدو ان القاتل تلاعب ايضاً بإنترنت الشركة ، كما فعل بالإضاءة وصنابير المياه

- هيا اذهب الى مكتب المدير ، سأنتظرك هنا

- اخاف ان يعود القاتل اليك

اميرة : لا اظنه سينتظر غرقه معنا ، بعد إنهاء جريمته ! فقط أُعثر على المدير ، لنخرج من هنا معاً

^^^


وصعد احمد الى فوق .. ليجد المدير غارقاً ببركة من دمائه ، بعد مقتله طعناً بالسكين التي مزّقت كل جزء من جسمه !

احمد بصدمة : يا الهي ! يبدو ان القاتل لديه ثأر شخصيّ مع المدير.. لأعود لأميرة

^^^


وقد أحزنها خبر وفاة المدير بطريقةٍ وحشيّة ، لكنها مضّطرة للنزول مع احمد الى الباب الرئيسيّ الذي وجداه مقفلاً ببوابته الحديديّة التي لا يملكان مفتاحه ! 

فقام بإجلاسها على إحدى الكراسي ، لترتاح ..وتوجّه لمنصّة الإستقبال ، للإتصال من الهاتف الأرضيّ .. لكن يبدو ان القاتل حرص على قطع اسلاك الهواتف ايضاً ! مما يؤكّد خبرته بمكاتب الشركة ، وحفظه لكل تفاصيلها !


واثناء تفكير احمد بحلّ للخروج هو وزميلته من هذا المأزق ، لمح ذراعاً ممدودة خارج غرفة الساعي ! 

احمد بدهشة : غريب ! ابو عبدو لم يأتي اليوم للوظيفة.. أمعقول انه قدِمَ صدفة ، ليكون من ضمن الضحايا ؟!

^^^


وتوجّه الى هناك .. ليجد جثة الرجل المقنّع وبيده المسدس ! ويبدو انه انتحر في الغرفة الصغيرة ، بعد انهاء جريمته..


وبيدٍ مُرتجفة ازاح القناع المُبتلّ بالدماء ، لتتحقّق اسوء شكوكه ! فالقاتل هو الحارس العجوز ابو عبدو ، المعروف بطيبته وحسن اخلاقه !


فسارع الى اميرة ليخبرها باكتشافه هويّة القاتل ، بعد سحبه مفاتيح البوّابة من جيب المُنتحر..

ورغم صدمتهما بما حصل ! الا انهما خرجا من الشركة مباشرةً للمستشفى التي اتصلت ادارتها بالشرطة للتحقيق بالجريمة

***


ليكتشف المحقّق إعتراف ابو عبدو الذي سجّله في جواله قبل انتحاره ، قائلاً بنبرةٍ يائسة :

((عملت ثلاثين سنة في هذه الدائرة الحكوميّة ، للصرف على ابني الوحيد الذي ربيّته بعد وفاة امه.. وكل املي ان يعود لي مهندساً من الغربة .. وقبل حفلة تخرّجه أُصيب بمرضٍ شديد ، وترجّاني ان ازوره .. لكن المدير اللعين رفض التوقيع على فيزا سفري ، بحجّة ان عليّ الإنتظار شهراً للحصول على الإذن ، حسب القوانين ! ولم يكترث باحتضار ابني الذي عرفت بوفاته البارحة.. فجنّ جنوني ، وخطّطت طوال اليوم لقتل الجميع : بدءاً بالمدير الذي طعنته حتى الموت.. ثم بقتلي الموظفين المتواجدين يوم العطلة.. وسأنتحر بعد قليل ، لأني لن أقضي بقيّة عمري في السجن بسبب قانونٍ ظالم ، أضاع كل حياتي))

***


لاحقاً أثارت هذه الحادثة ضجّةً اعلاميّة كبيرة ، حيث تضامن البعض مع مأساة ابي عبدو الذي فقد وحيده.. وبسبب الضغط المتواصل على الحكومة ، عبر وسائل التواصل الإجتماعي ، تم إضافة إستثناء يسمح بإعطاء فيزا سريعة في حال المرض او الموت


ففرح الناس بالقانون الجديد ، وهم يترحّمون على ابي عبدو الذي اختار طريقةً خاطئة للتعبير عن يأسه واستيائه من النظام الجائر ، والذي تمكّن بنهاية المطاف من تغيّره ، مُسهّلاً جانباً مهمّاً من حياة المواطنين الصعبة !


هناك 4 تعليقات:

  1. أظن فكرتها جديدة ، لذلك سأعتبرها من القصص الفخورة بها .. اتمنى ان تعجبكم

    ردحذف
  2. لا اعتقد ان القاتل اختار طريقه خاطءه ولكن كان عليه قتل المدير فقط ..يقولون ان الدروس التي تكتب بالدماء هي وحدها التي تؤتي أكلها ..القصه تعلمنا وترسخ وتؤكد انه لا فاءده ترتجى ..وان ما هو في نهاية النفق ليس نورا وانما عدة صرم تفدغ رؤوس البلهاء

    ورحمة الله علي جدي لما رآني حزينا بسبب اول مصيبه حطت فوق رأسي ..فقربني وأدناني وقال لي لا تبتءس وتسخط يا بن ولدي ..الايام امامك طويله ..وما لم تحققه اليوم ..فصدقني لن تحققه في اي يوم من الايام ..ولن تحقق اي شيء اصلا ..فاسترح كان فلح ابوك لتفلح انت 😈

    فكره جديده امل ..برافو ..

    ردحذف
    الردود
    1. اعطاك جدك ملخّص الحياة (الزبدة كما يقولون) .. القلّة منا من يحقق احلامه ، وهذا واقع الحياة مع الأسف !

      حذف
  3. ابو عبدو قضى ضحية الروتين وتملل القوانين ولكن اجرام بحق بغيره

    ردحذف

الأمنيّة الأخيرة

تأليف : امل شانوحة    الأسرار الدفينة دخل الممرّضان (الشاب والصبيّة ، الموظّفان الجدّد) الى غرفة الطبيب النفسي (الخمسيني) بعد طلب رؤيتهما في...