الأحد، 18 أغسطس 2024

الحوريّة الطاهرة

تأليف : امل شانوحة 

المرض النادر


في عيد ميلاد جاكلين العشرين ، أهدتها صديقتها حاسوباً صغيراً .. فأخفته في غرفتها ، لرفض والدها (الطبيب) حصولها على جوّال او لابتوب ، خوفاً عليها من مشاهدة فيديوهات البالغين بالإنترنت !

فسألتها صديقتها عن سبب إصرار الوالد على تعلّمها في المنزل على يد معلّمات او اساتذة كبار بالسن ؟ 

فأجابتها جاكلين بحزن :

- لأني ولدت بعيبٍ خلقيّ بالقلب ، بمرضٍ يُسمّى : الطهارة الدائم

صديقتها باستغراب : لم اسمع به من قبل !

جاكلين : لأنه نادرٌ جداً

- وما أعراضه ؟

- باختصار ، قلبي لا يتحمّل الأمور العاطفيّة

- تقصدين انه لا يمكنك الزواج ؟


جاكلين : إن كان المشهد الرومانسي يقتلني ، فكيف الزواج .. ولهذا تلفاز منزلنا مُراقب ، وكذلك المجلاّت والكتب.. حتى نافذة غرفتي جلّدها والدي بالأسود ، كيّ لا أتعلّق بأحد الجيران او الشباب المارّين بجانب منزلنا ! وكما تعلمين ، قضيّت كل دراستي في غرفتي.. حتى الإمتحانات أُجريها بغرفة المديرة بعيداً عن الطلاّب ، بحجّة مرضي النادر !

صديقتها : لكنك تلعبين الرياضة ، ولديك نشاطٌ ملحوظ !

- اخبرني ابي بأن فرط نشاطي هو تعويض من الله على حرماني من الأمور العاطفيّة .. لذلك وظّف مُدرّبة متقاعدة ، لتدريبي في المسبح الصغير الذي بناه بقبوّ منزلنا ..

- يعني لا يوجد امل بشفائك ، للخروج للعالم ..

جاكلين مقاطعة : لا ، فهو مرضٌ وراثيّ .. أُصيبت به عمتي التي أصرّت على الزواج بحبيبها ، فتوفيّت ليلة عرسها قبل بلوغها الثلاثين ! لذلك يحرص ابي ان لا تكون لي علاقة بالجنس الآخر

- هذا محزنٌ حقاً .. فأنت جميلةٌ جداً ، وحلم كل شاب ! 

- ولهذا السبب لا اخرج من المنزل إلاّ برفقة ابي الذي يصرّ على إخفاء وجهي بنظارةٍ سوداء كبيرة وقبعة وشالّ وملابس فضّفاضة ، حتى لا الفت انظار الشباب اليّ


صديقتها : والدك كرّس حياته لأجلك بعد طلاقه عن امك الأجنبيّة ، اليس كذلك ؟

- نعم فهي تركتني بعمر الثلاث سنوات وعادت لأوروبا ، وانقطعت اخبارها عنا !

- ربما لوّ علمت بمرضك ، لعادت..

جاكلين مقاطعة بحزن : لم يعد يهمّ .. فوالدي يهتم بي جيداً ، حتى انه اخبرني بأسطورة مرضي للتخفيف عني

- وماذا تقول الأسطورة ؟

- ان حوريّة من الجنة ارادت التميّز عن بقيّة الحوريّات ، فهربت الى الأرض بعد تحوّلها لبشريّةٍ جميلة .. وعندما علم الملاك المسؤول عنها بهربها ، عاقبها بهذا المرض كيّ لا تفتن الشباب.. لهذا دائماً يناديني ابي : بحوريّة الجنة

صديقتها : يالها من اسطورةٍ حزينة !

- ماذا أفعل ؟ هذا قدري

- وهل تعب قلبك من قبل ؟


جاكلين : كلما مرضت ، يتهمني والدي بمشاهدة شيءٍ غير لائق بجوّاله دون علمه ، او خروجي من المنزل اثناء نومه ! حتى انه يُجبرني على قول احلامي ، لخوفه من رؤيتي لحلمٍ مثير ، يؤثّر سلباً على قلبي المريض

- هذا كثير ! وكأنك في سجن

فتنهّدت جاكلين بقهر : لقد وهبني الله الجمال والنشاط البدنيّ ، وفي المقابل حرمني من الحب وتكوين اسرةً سعيدة ! .. (ثم انهارت باكية) .. حياتي مملّةٌ للغاية  

صديقتها : إهدأي رجاءً.. يمكنك إضاعة الوقت على حاسوبك الجديد.. لكن لا تشاهدي فيديوهات تؤذي صحتك ، فوالدك وصّاني ان لا اخبرك بأمور البالغين وإلاّ سيمنعني من زيارتك

جاكلين بعصبية : انت جارتي وصديقتي الوحيدة ، ولن اسمح له بحرماني منك !!

فاحتضنتها صديقتها بحنانٍ وشفقة !

***


لم يعلم والد جاكلين (الذي انشغل على مدار اسبوعين بمؤتمرٍ طبّي) عن تعرّف ابنته على شاب بالإنترنت ! والذي فُتن بجمالها ، بينما أحبّت خفّة دمه .. ورغم إخباره بمرضها ، إلا انه أصرّ على مقابلتها خارج المنزل.. 

فانتظرت نوم ولدها عصراً للهرب من نافذة غرفتها ، ولقاء حبيبها في الحديقة العامة.. ولعلم جارهم العجوز بمرض جاكلين (الذي شاهد الحبيبيّن صدفة) إتصل بالوالد للحاق بإبنته ، قبل إصابتها بعارضٍ مرضيّ !


فجنّ جنون الأب الذي سارع الى هناك.. والذي قام بصفع الشاب بقوة ، وإلزامه على ترك ابنته المريضة .. غير آبه بتوسّلات جاكلين وبكائها ، وهو يسحبها من ذراعها امام الجميع ، لإعادتها الى المنزل  


ولم يكتفي بذلك .. بل حطّم حاسوبها ، وهو يصرخ مُعاتباً :

- الا تفهمين يا مجنونة بأنك إن وقعتي بالغرام ، ستموتين فوراً؟!!

جاكلين وهي تمسح دموعها : لا اريد العيش عزباء طوال حياتي ، هذا ليس عدلاً يا ابي !! 

والدها : انا لم اتزوّج بعد امك ، للإهتمام بك .. أهذا جزاتي ؟!! أتريدين الموت وتركي وحيداً ؟!

- انا لم امانع زواجك !! فلا تحاسبني على قرارك ، حيث كان بإمكانك إنجاب اولاد اصحّاء غيري

- لا اريد سماع شكواك ، عودي للدراسة فوراً !!

جاكلين : وما فائدة شهادتي ان كنت ستمنعني من العمل ، حتى لا أختلط بزملائي الشباب ؟!

- حرصي الزائد ، هو خوفاً عليك من الموت !!

جاكلين بقهر : والله الموت أهون من هذه الحياة الكئيبة


لكنه سارع بإقفال غرفتها من الخارج ، حتى لا يسمع بكائها المرير .. وعاد الى غرفته للإنشغال بأبحاثه الطبيّة ، في محاولة لنسيان المشكلة

***


في المساء .. طرق باب غرفتها ، وهو ينوي أخذها برحلةٍ كشفيّة بنهاية الأسبوع للتخفيف عنها

- جاكلين !! هل انت نائمة ؟

لكنها لم تجيبه !

ففتح القفل ، وهو يتساءل :

((ترى هل ستسامحني بعد النزهة الجبليّة ؟!))

وإذّ به يقع على الأرض مذهولاً بعد رؤيتها مشنوقة وسط الغرفة ، وقد فارقت الحياة !

***


بعد انتهاء العزاء ، جلس باكياً امام قبرها :

((جاكلين ، حبيبتي .. اريد الإعتراف بسرٍّ أخفيته لسنوات.. لقد كذبت عليكِ.. فأنت ولدتِ طبيعيّة ، وقلبك سليم تماماً .. ولا يوجد مرض اسمه الطهارة الدائم .. انا اختلقته ، كما فعلت بالأسطورة الكاذبة.. وكلّه بسبب خوفي عليك.. فعمتك لم تمت ليلة عرسها ، بل هربت مع عشيقها .. فلحقتها انا وجدك الى منزله .. لكن الجبان هرب من النافذة ! تاركاً اختي تواجه غضب ابي الهستيريّ الذي لم استطع سحب السكين من يده ، فظلّ يطعنها حتى غرقت بدمائها ! ثم مات جدك بالسجن قبل انهاء محكوميّته.. اما امك فلم أطلّقها لأمورٍ مالية كما اخبرتك ، بل لرغبتها العودة الى صاحبها الأوروبيّ ! مما زاد كرهي للنساء .. ولأن جمالك فاتن ، خفت عليك من خبث الرجال .. فأوهمتك بأن كل مرضٍ اصابك ، هو بسبب قلبك الذي يتأثّر سلباً بالعواطف ! وليتني زوّجتك الشاب الذي أحببته ، لانشغلنا الآن بترتيبات عرسك.. سامحيني يا صغيرتي ، اردّت بقائكِ فتاةً طاهرة.. (ثم نظر للسماء ، وهو يقول بحسرة) .. وهاهي حوريّتي البريئة ، عادت الى الجنة !))


ومسح دمعته اثناء خروجه من المقبرة ، وهو يشعر بذنبٍ كبير يُثقل كاهله!


هناك 29 تعليقًا:

  1. ملاحظة : جاكلين هي فتاةٌ عربية ، لكن امها الأجنبية سمّتها بهذا الإسم .. فجرائم الشرف (ما حصل للعمة) لا تحدث الا في بلادنا العربية

    ردحذف
  2. كنت انتظر قصه مبهجه تخفف وتهون علينا قليلا ..لكن لا بأس فالقادم اسوأ على كل حال ..هذه القصه اظن انها من افضل القصص وتلمس القلب ..والقلب يحدث انها كذا وكذا ..
    والاشارة انجع واسلم ..فقد يتلبس الكاتب برداء البطل حتى لا يعلم.. بضم الياء .. ايهما الاصل وايهما الظل والانعكاس ..
    وكنت قد صدقت انها مريضه بذاك المرض النادر ..فاذا بك تفجعينا وتفجعيها قهرا ..
    لقد عانت جاكلين معك على مر سنوات من شتى صنوف العذاب ..
    وكأنها تناجي ..يتساقط المطر فوق رأسي ولا يعلم أن الحريق بداخلي ..

    ألا أيتها القبور ..كم أنت جميله ..لا ينقصك الا انا ..💔
    عظم الله اجركم جميعا ..
    ربما يكون باطن الارض احن عليها ..
    تقييم نادر واستثناءي لتلك النجوى الحزينه ..
    🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟

    ردحذف
    الردود
    1. نعم ، جاكلين تعذّبت في مدوّنتي .. ذنبها انكم اخترتموها بطلةً دائمة لقصصي المرعبة الحزينة ..
      سعيدة ان القصة نالت اعجابك ، سيد عاصم

      حذف
  3. انا بالبدايه صدقت المرض وبحثت عنه😂
    قصه كتير حلوه احس تستحق تكون ضمن القصص الفخوره بها .. هي وقصة طباخة الملك

    ردحذف
  4. لا اله الا الله هل الغباء يورث ابدعتي استاذه يحرام جاكلين الجميله
    الاب قاسي وندل حب نفسي ما يتكرر معك لن يتكرر مع غيرك الا اذا انت زرعته فيه
    ابدعتي بالقصه نتظر جديدك مع جاكلين
    كيف الوضع عنكو لبنان

    ردحذف
  5. ✍️ ساهر...
    السلام عليكم أستاذة أمل، طابت أيامكم بكل خير،
    لدي طلب..
    لو ارسلت فكرة عبارة عن قصة أخ وأخته، سأكتب لك قواعد القصة فقط وأنت تكتبيها وتصيغيها بأسلوبك وبقلمك الساحر، هل هذا ممكن؟!
    تحياتي/ ساهر,,,

    ردحذف
    الردود
    1. إرسل فكرتك ، وانا سأقرأها دون نشر التعليق .. ان كانت الفكرة جديدة ومميزة ، اكتب القصة بإسمك .. وأن كانت الفكرة مكرّرة ، اعتذر عن كتابتها

      حذف
    2. ✍️ ساهر...
      شكراً جزيلاً أمل،
      أبشري ولا يهمك سأبذل مجهودي قدر المستطاع والتوفيق بيد رب العالمين،
      أشكرك على إهتمامك وتشجيعك يعطيك الف عافية يارب ،،
      تحياتي/ ساهر...

      حذف
    3. نحن بالخدمة يا ساهر ، فأنت صديق المدوّنة

      حذف
  6. حسنا ..لندع المرحومه جاكلين في قبرها ترتاح
    و من هنا وقادم نختار اسماء وقور كاسماء النساء في زمن الحزن الجميل مثلا مثلا .. عندك ..فتحيه او جميعه او ست ابوها او بخاطرها او خضرا او زيناهم او تفاحه او مبروكه ..
    هذه اسماء حقيقية في الريف عندنا ..
    سأترك لك اختيار اسم البطل 😭
    بلاها ناديه وخد سوسو ..

    ردحذف
    الردود
    1. لم يخطر ببالي ان اختار اسماء قديمة ! ربما افعل ان كانت الأحداث تستدعي ذلك

      حذف
  7. بالأول صدقت قصة المرض وفكرت أبحث عنه لما أخلص القصة
    آه يا جاكلين مش مكتوب لك تفرحي
    ولازالت جرائم الشرف في بلداننا تتعدد الحكايات والشخوص والمصير واحد
    رحم الله كل النساء المغدورات وانتقم من كل من هو السبب
    سيدة النور 🕊🤍

    ردحذف
    الردود
    1. يرأيّ المذنب بجرائم الشرف ليس الأب او الأخ الذي يقتل اخته او ابنته تطهيراً لشرف العائلة .. بل الذنب كله يقع على الحبيب الماكر الذي استغلّ حب الفتاة له ، لتوسيخ سمعتها وسمعة عائلتها .. هو من يستحق القتل ..اما هي ، فتستحق التأديب القاسي فقط

      حذف
    2. أوافقك الرأي، لو كانت العائلة تربي الولد يحترم بنات الناس ويخاف عليهن كأنهن أخواته وتخصص نفس الجهد الذي تخصصه فتربية البنت ويحافظ على نخوته ورجولته
      في مجتمعاتنا عقلية ذكورية للاسف انه الولد يفعل ما يحلو له ولما يريد أن يتزوج تختار له أمه أخرى أو هو يبحث عن فتاة لم يلمسها غيره
      (إن لم يقع في نصيبه حبيبة شخص آخر تركها )
      في رأيي العائلة تساهم بشكل كبير إلى حد ما كيف تكون شخصية الولد

      حذف
    3. كلام صحيح .. يجب عدم التفرقة بالتربية بين الذكر والأنثى .. كلاهما عليهما عدم تجاوز الحدود مع الآخرين .. تحياتي لك

      حذف
  8. استاذة أمل كيف لي أن أعلق باسمي أو لقبي دون كتابة لقبي أسفل التعليق في بعض الأحيان أنساه كيف عملت منذ قليل فاخر تعليق
    حاولت تسجيل اسم لكن الأمر لم ينفع
    سيدة النور 🕊🤍

    ردحذف
    الردود
    1. لو كنت اعرف ، لعلّقت بإسمي .. لكني حقاً لا دراية لي بالأمور التقنيّة !
      يكفي ان تكتبي اسمك مع التعليق

      حذف
  9. ✍️ساهر...
    السلام عليكم أخت أمل، هل وصلت القصة؟!
    تحياتي/ ساهر ،،،

    ردحذف
    الردود
    1. نعم وصلت فكرة قصتك .. سأرى ان كان بإمكاني تنسيقها ام لا

      حذف
    2. ✍️ ساهر...
      السلام عليكم أمل،
      لا تكلفي على نفسك أكثر من
      طاقتك، إن وجدتي أن القصة
      تحتاج لتنسيق خير وبركة
      وإن لم يكن فإنتي الخير و البركة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها،
      يكفي تواصلنا معكم وتفاعلك مع الرواد ووجودكم يكفينا ،
      يعطيك ألف عافية بيض الله وجيهكم الطيبة ،

      حذف
    3. سأضيف فكرة من عندي ، تتضمّن قصتك .. يعني سنتشارك التأليف .. سأنشرها قريباً بإذن الله

      حذف
    4. ✍️ساهر...
      شكراً لكِ أمل وشكراً لكل لبنان وأهل لبنان،
      الله يسعدك🕊️

      حذف
    5. لم افعل شيء ، لتشكر كل لبنان عليه !
      سأحاول نشرها قريباً بإذن الله

      حذف
  10. اعترض على جزء من كلامك من أنه ان القاتل كان اب ام ابن لا يلام لأنه قتل من اجل شرفه فالقاتل قاتل مهما كان السبب و جرائم الشرف هي حجة نابعة من عقلية ذكورية فمثلا لماذا لا يحق لي مثلا ان اقتل اخي اذا اكتشفت انه مارس علاقة مع فتاة اخرى و ادافع عن شرف العائلة انا بذلك اعطي مثل من الناحية المغايرة و لا اقول يجب ان اقتل لكن هدفي القول ان جرائم الشرف فقط نابعة من عقلية ذكورية و لا علاقة لها بالدين نهائيا

    ردحذف
    الردود
    1. انا اخبرك من الناحية القانونية .. فحسب ما درسته ، ان الزوج والأب والأخ يحصلون على حكم مخفّف إن كان القتل لأجل الشرف .. ربما ليس عدلاً ، لكنه الواقع !

      حذف
  11. بلى قلت في التعليق الاول ان الاخ و الاب غير مذنبون لأنهم يطهرون شرف العائلة المجرم مجرم و يجب إعدامه ليس هنالك شي يسمى جريمة شرف بل ذلك نابع من فكر ذكوري في مجتمعتنا العربية لا ذنب للفتاة لأنها احبت شخص ان المذنب هو الشاب الذي كذب عليها

    ردحذف
    الردود
    1. صحيح .. لوّ الأهالي تربي ابنائها ان بنات الناس بمقام اخواتك وشرفهن من شرفك ، لكنا بألف خير

      حذف

العرش اللاصق

تأليف : امل شانوحة  يوم الحساب إتصل بيدٍ مرتجفة بعد سماعه تكبيرات الثوّار في محيط قصره : ((الو سيدي .. لقد انتهى امري .. جنودي الجبناء هربوا...