الاثنين، 4 ديسمبر 2017

اللصّ والرهينة

تأليف : امل شانوحة

قُدّ سيارتك بسرعة والاّ قتلتك !!

وصل جاك (الرجل الأربعيني) قرابة الظهر الى البنك وهو يشعر باكتئابٍ شديد , فاليوم عليه دفع قسطاً آخر من ديون المنزل الذي اشتراه بقرضٍ بنكي بفائدة مرتفعة .. وقد ارتكب هذه الغلطة بسبب رغبته في الزواج من حبيبته بأسرع وقتٍ ممكن .. الاّ ان الأمر تحوّل الى جحيم بعد غرقه بالديون , والذي أدّى بالنهاية الى تدهور علاقته بزوجته بعد سنة واحدة من الزواج .. حتى انها هذا الصباح , هدّدته بالإنفصال عنه اذا لم يجد حلاً لهذا الدين الذي لا ينتهي ! 
لكن وقبل ان يُطفىء محرّك السيارة , تفاجأ بشابٍ مُقنّع (يحمل حقيبةً سوداء) يقتحم سيارته , مُوجّهاً المسدس في وجهه ! وهو يصرخ عليه بارتباك :
- قُدّ سيارتك بسرعة , والاّ قتلتك !!!

وقبل ان يستوعب جاك الموقف ! إنطلق (مُجبراً) بأسرع ما يمكنه للإبتعاد عن البنك الذي أطلق صافرات الإنذار .. 
فهاهو الحظّ السيء يجمعه مع سارق بنكٍ متهوّر , وكأن حياته بحاجة الى المزيد من المشاكل ! 

وماهي الا دقائقٍ معدودة .. حتى لحقت بهما ثلاث سيارات شرطة .. فحاول جاك الهرب منهم على حسب توجيهات السارق الغاضب والخائف في نفس الوقت :
- توجّه ناحية الجبل !! هيّا إسرع يا رجل !!!

لكن المشكلة في طريق الجبل انه لم يُعبِّد بعد , كما انه مليء بالحفر والمطبّات والإنعطافات الخطرة , خاصة مع وجود غابةٍ صغيرة في بدايته , طُرقها أشبه بالدهاليز ! لذا كان من التهوّر الإسراع في هذا الطريق الوعر المسكون من قِبَل حيواناتٍ شاردة , قد تظهر امامك في أيّةِ لحظة ! 
لكن لم يكن هذا هو الشيء الوحيد الذي يُقلق جاك , بل خوفه الأكبر هو ما سيحصل بعد هروبهما من قبضة الشرطة , فهل الشاب سيتخلّص منه ليُكمل طريقه وحده بعد سرقته للسيارة ؟!  

فبدأ جبين جاك يتصبّب عرقاً بعد شعوره بقرب أجله , وإذّ بشريط حياته يمرّ امام عينيه : وكيف كان في الماضي شاباً طموحاً قبل ان يتعرّف على صديقته في العمل التي ألحّت عليه بشراء ايّ بيت يجمعهما قبل الزواج , وهاهو الآن اصبح رجلاً فاشل مُثقلاً بالديون التي أثّرت على تركيزه كما على علاقته بزملائه ورئيسه في العمل , فهو لم يكن فقط على وشك الطلاق من الإمرأة الوحيدة التي أحبها , بل ايضاً قد يُطرد من عمله بسبب تقصيره , وربما يُسجن في حال لم يُوفيّ بديون البنك .. 

وهآقد إكتملت مصيبته اليوم بعد تواجده في الوقت والمكان الخطأ ليتحوّل بثواني الى رهينة , مرهونةً حياته بيد شابٍ أخرق قد يقضي عليه في أيّةِ لحظة ! 
فتمّتم جاك في نفسه قائلاً : ياله من يومٍ جميل .. بصراحة لا أمانع من الموت الآن , لربما ارتاح من هذه الحياة التعيسة 

لكن أفكاره إنقطعت مع ارتفاع ضحكات الشاب الذي كان ينظر الى الزجاج الخلفي بنشّوة المنتصر , وهو يقول :
- أخيراً أضعنا الشرطة وأصبحنا احراراً يا رجل !!!

ويبدو بالفعل ان الشرطة لم تلحق بهما بعد توغّلهما داخل الغابة الخطِرة ! 
ففكّر جاك في نفسه : لربما كانوا يخطّطون الى كمينٍ لنا في الجهة المقابلة من الجبل !  

بينما كان الشاب في هذه اللحظات يتحدّث مع صديقه (بالجوال) بغضبٍ شديد : 
((ايها الجبان !! لما هربت وتركتني ؟! اليس من المفترض ان تنتظرني خارج البنك ! .. لكن من حسن حظّك انني وجدّت وسيلة هروب أخرى , والاّ لكنت قتلتك !! .. ماذا ! بالطبع أخذت رهينة .. وقبل قليل حتى استطعنا الفرار من مطاردة الشرطة لنا .. ماذا قلت ؟ .. لا طبعاً !! لن أتقاسم المال معك , لأنك لم تنفّذ الجزء المطلوب منك بالخطة , لهذا سيكون المال كلّه لي .. ومن الآن فصاعداً , لم نعد اصدقاء .. ايها الخائن اللعين !!)) 
ثم اغلق هاتفه بعصبية .. 

وبعد ان هدأ قليلاً , تنّهد بضيق ..ثم قال لجاك :
- لقد أصبحنا في زمنٍ لا يمكنك الوثوق فيه حتى بصديق طفولتك .. أتصدّق هذا يا رجل ؟! 

فأومأ جاك برأسه مُوافقاً , خوفاً من جنون الشاب المقنّع الذي فاجئه بفتح الحقيبة امامه , والتي أُمتلأت برزم النقود التي يبدو إنها تقارب المليون دولار ! 
ثم قال لجاك , وهو يحمل رزمة منها :
- انظر يا رجل الى هذه النقود , كلّها اصبحت لي !! .. ولوّ انني استمعت لكلام والدتي وعملت في وظيفةٍ روتينية طوال حياتي لما كنت جمعت رزمة واحدة من هذا المال الرا..  

فقاطعه جاك قائلاً : لكنك على الأقل كنت ستعيش براحة بال
فابتسم الشاب ساخراً : ماذا قلت ؟! .. أستحدّثني الآن عن راحة بال والضمير وتلك الخزعبلات العقيمة .. حسناً إخبرني انت .. ماذا فعل الضمير لك ؟ هل أغناك مثلاً ؟ 
فسكت جاك , بينما أكمل الشاب كلامه التهكّمي قائلاً :
- يبدو من هيئتك انك موظفٌ حكومي , اليس كذلك ؟
- نعم
- وكم راتبك ؟
- الف دولار في الشهر
- وهل يكفيك ؟
- لا للأسف , فأنا أدفع نصفه لدينٍ عليّ للبنك

فضحك باستهزاء : طالما انك فقير ومديون , فلما اذاً تعطيني نصائح بالضمير والمال الحلال ؟ .. كان الأجدر بك ان تشاركني في سرقة البنك الذي يُرهقك بفوائده الجائرة 
وهنا لاحظ الشاب تعابير جاك الحزينة , فقال له :
- لم اقصد ان أهينك يا سيد .. فحياتك تبدو سيئة بما فيه الكفاية

لكن بالحقيقة كان هناك شيئاً آخر يشغل تفكير جاك , حين فاجئه بسؤاله : 
- هل تنوي قتلي ايها الشاب ؟ 
السارق بدهشة : ماذا ! لا ولم اقتلك .. فقط أوصلني لأول محطة , ثم اذهب في طريقك
جاك باستغراب : الن تسرق سيارتي ؟!
- هم بالتأكيد الآن قاموا بتوزيع رقم سيارتك ومواصفاتها على جميع مراكز الشرطة , لهذا من الأفضل ان أجد وسيلة هروب جديدة 
جاك بقلق : وهل ستأخذ معك رهينةً أخرى ؟
فابتسم الشاب بغرور : يا عزيزي .. بالمال الذي معي , استطيع شراء ايّ سيارة اريدها ..وطيارة ان أحببت .. لا تقلق يا رجل , سأدبّر اموري

ثم عمّ السكوت لبعض الوقت , الى ان سأله جاك :
- هل تصدّق ايها الشاب بالجنة والنار ؟
ورغم ان السؤال فاجأ السارق ! الاّ انه فكّر به قليلاً قبل ان يُجيبه:  
- نعم أصدّق بوجود الجنة , لكن الجحيم موجوداً هنا في الدنيا 
- يبدو انك عشت مراهقةً صعبة ؟
الشاب (المقنّع) بحزن : حياتي كلها كانت مليئة بالآلام والمشاكل 
- طيب إخبرني اكثر 

وهنا تغيّرت نبرة الشاب , وقال بلهجةٍ حادّة : 
- يبدو انك تريد التعرّف عليّ , كيّ تسلّمني لاحقاً للشرطة .. اليس كذلك ؟
- لا لم يخطر ببالي ذلك ! اصلاً انت بكل الأحوال ستضطّر لإزالة هذا القناع عن وجهك بعد إجتيازنا للجبل 
- ومن قال لك انني سأفعل ؟
- وهل تظن انه يمكنك التجوّل داخل المحطة بقناعك المخيف هذا ؟ فالموظفون هناك إمّا سيبلغوّن عنك الشرطة , او يطلقون عليك النار 

ففكّر الشاب قليلاً , ثم قال : اتدري .. لم افكّر في هذا !
وأزال قناعه .. ثم رفع مسدسه في وجه جاك , وقال بنبرة تهديدٍ مخيفة :
- والله ان حاولت وصف شكلي للشرطة , فسأبحث عنك وأقتلك بيديّ هاتين .. أسمعت ؟!!
- لا تقلق .. سأخبرهم بأنك بقيّت مُقنّعاً طوال الطريق , ولم تتفوّه معي بأيّةِ كلمةٍ 
- نعم , هذا أفضل 

- والآن دعنا نتكلّم قليلاً , طالما الطريق أمامنا طويلة 
- عن ماذا ؟!
- عن حياتك .. الم تخبرني بأن ماضيك كان سيئاً ؟
- وكيف سيكون غير هذا وانا ولدّت في أسوء حيٍّ في امريكيا , حيث الفقر والمخدارت وعصابات الأسلحة .. والله لا ابالغ ان قلت لك : انه لم يخلوّ اسبوع من سقوط قتيل او مصاب بطلقٍ ناري في شارعنا 
- وهل تمكّنت في ظلّ تلك الظروف السيئة من إكمال دراستك؟ 
- تعلّمت حتى مرحلة المتوسطة .. ثم انضممّت الى احدى العصابات , لكني تركتها بعد قتلهم لصديقي المقرّب بعد تقصيره في توصيل شحنة مخدارت الى أحد التجّار  
- إحمد الربّ انهم لم يقتلوك انت ايضاً , او يقتلوا اهلك 

الشاب بحزن : اساساً انا ليس لديّ أب , فأمي لا تعرف من اغتصبها بتلك الليلة المشؤومة ! اما هي , فقد تخلّت عنّي بعد انضمامي لتلك العصابة
- واين كنت تعيش وقتها ؟!
فأجابه بضيق : مع صديقي الجبان
- الذي تخلّى عنك اليوم !
- نعم .. 
- برأيّ لا تلومه , فالموقف كان مخيفاً بالنسبة له .. يكفي انه استقبلك في بيته لسنوات عدّة , فلا تنسى له هذا المعروف

فسكت الشاب قليلاً , ثم قال :
- نعم هو شابٌ جيد , لهذا لم يستطع مسايرتي بأفعالي الشريرة
- ليست شريرة , بل كنت تحاول فقط التأقّلم مع هذا العالم الموحش 
فاستغرب الشاب من تفهّمه للموقف ! .. ثم اكمل جاك قائلاً :
- اتدري انني كنت اليوم على وشك الإفلاس والطلاق والطرد من العمل , وربما السجن ايضاً 
فمازحه الشاب : لكني قلبت يومك الى مغامرةٍ مثيرة
- لنقلّ .. مغامرةٌ تخطف الأنفاس

فضحك الشاب .. فقال له جاك :
- المهم .. الذي كنت أودّ إيصاله لك .. انني ومع تردّي ظروف حياتي الاّ انني لم افكّر يوماً بالسرقة او القتل , لأن هذا يُغضب الربّ..
الشاب مقاطعاً : أمازلت تصدّق بهذا الكلام ؟
- بالتأكيد !! لأن الحياة ستكون اسوء بكثير ان لم نصدّق بأنه سيأتي يوم يُحاسب فيه الأشرار عن الأذى الذي تسبّبوه لنا 
- وماذا لو كنّا نحن الأشرار ؟
- الربّ سيحاسبنا على حسب الظروف التي أجبرتنا على الإنحراف , فلا تيأس ابداً من رحمته , لأننا دائماً بحاجة الى غفرانه 
***

وهنا قاطع الصحفي كلام جاك (الرجل الأمريكي المليونير في المكسيك) :
- عفواً سيد جاك .. لكني سألتك : عن كيفية جمعك لثروتك ؟
جاك (بعد ان اصبح عجوزاً) : 
- نعم , وانا كنت أخبرك الآن عن اليوم الذي غيّر حياتي
الصحفي بارتباك : أتقصد ان ذلك الشاب أعطاك جزءاً من المال الذي سرقه ؟! 
- لا تقاطعني ثانيةً , وستعرف كل الحقيقة

- آه عفواً , إكمل لو سمحت .. ماذا حصل بعد ان نصحته بتسليم نفسه؟  
- لم يقتنع طبعاً 
- يعني ذهبت نصائحك أدراج الرياح 
- بل تدحرجت في وادٍ عميق
- لم افهم !
- قمّ بإبحاثك عن تلك الحادثة , ثم عُدّ اليّ بنهاية الأسبوع لنُكمل المقابلة الصحفية , فطبيبي سيأتي بعد قليل لعلاجي الكيماوي 
- آه آسف .. (ثم وقف قائلاً) .. اذاً سأتركك ترتاح قليلاً.. واعدك بأن اقوم بالبحث والتحرّي عن تلك الحادثة كما طلبت مني
***

وبعد اسبوع .. عاد الصحفي الى قصر جاك (الذي كان قد خصّص إحدى غرفه بكل الأدوات الطبيّة اللازمة لعلاجه من السرطان) ليتفاجىء بأن حالة العجوز الصحيّة ازدادت سوءاً بعد ان يأس طبيبه من شفائه , خاصة ان عمره قارب السبعين عاماً
الصحفي : سيد جاك ..ان كنت مرهقاً , فيمكنني العودة في وقتٍ آخر 
جاك وهو مستلقي على سريره الطبّي بتعب : لا , دعنا نُكمل المقابلة 
- حسناً كما تشاء ...(وبعد ان جلس قرب السرير)....لقد قمت بأبحاثي عن تلك الحادثة

- وماذا وجدت ؟
- قرأت مقالاً في صحيفة امريكية قديمة تقول : بأنك في عصر ذلك اليوم توجّهت الى الشرطة وأخبرتهم : بأن السارق رمى بك في الطريق قبل صعوده الجبل بعد ان سرق سيارتك .. وقد وجدته الشرطة لاحقاً ...(ثم سكت) .. 
- إكمل لما توقفت .. وجدوا السارق ميتاً في اسفل الوادي , اليس كذلك ؟
- نعم .. لكنهم لم يجدوا المال المسروق رغم انهم مشّطوا المنطقة جيداً , ولأسابيع طويلة !
جاك بابتسامة : وهآقد حصلت على إجابتك

الصحفي : لا ! فأنت لم تجيبني بعد : عن سرّ ثروتك ... الاّ اذا ..
فابتسم جاك بخبث قائلاً : نعم .. ما تفكّر به صحيحاً
الصحفي بدهشة وبقلق : هل سرقت المال منه , ثم رميت به في الوادي ؟! 
- لا ليس تماماً .. لكن ظهر فجأة كلبٌ امامنا ! فحاولت الإبتعاد عنه , فتدحرجت سيارتي لأسفل الوادي .. لكني كنت محظوظاً لأنني طرت من خلال نافذتي المفتوحة , لأقع فوق الأعشاب الرطبة .. بينما أكمل الشاب سقوطه بعد ان علق داخل السيارة

- وماذا عن المال ؟!
فأجابه بابتسامةٍ وهو يتذكّر الماضي : آه .. لكم تفاجأت وقتها حين وجدت الحقيبة على بعد خطواتٍ منّي !  
- فقمت بأخذها ؟!
- طبعاً .. لكن كان عليّ تخبئتها اولاً , كيّ لا تجدها الشرطة 
الصحفي بصدمة : انا لا اصدّق ما اسمعه !

جاك بلا مبالاة : لا تقاطعني يا ولد !! .. المهم .. كنت اعرف انهم سيحضرون الكلاب وفرق التفتيش بعد ان أدلّهم على آخر مكان رأيت فيه السارق ..ولذلك مشيت امتاراً كثيرة رغم آلام جروحي , وكنت محظوظاً للغاية حين وجدت شجرة كبيرة بداخل جدول ماءٍ صغير
- والكلاب لن تشتمّ شيئاً بوجود الماء حولها
- صحيح .. والأجمل انه كانت هناك حفرة عميقة داخل تلك الشجرة المهترئة , فخبّأت فيها الحقيبة .. امّا الباقي , فأنت قرأت عنه بالصحيفة .. 

- ومتى عدّت الى هناك لأخذ المال ؟ 
- بعد شهرين تقريباً
الصحفي بدهشة : شهرين كاملين !
- نعم , لأنهم كانوا يراقبون كلّ تحرّكاتي .. وبصراحة لا الومهم .. فالمبلغ اختفى تماماً , وهو اكثر من مليون دولار .. لكن اعتقد انني ابتعدت تماماً عن الشبهات بعد معرفة الشرطة بأن البنك قام ببيع منزلي في المزاد العلني بعد ان تأخّرت بتسديد ديوني له  

- وماذا عن زوجتك ؟
- طلقتني بعد ان أفلست .. (ويبتسم).. الغبية .. (يتنهّد ثم يقول).. بكل الأحوال كنت انوي الإنفصال عنها , لأني أردّت تغير نمط حياتي بالكامل , فآخر ما اريده هو ان أثير شكوك أحد من معارفي القدامى
- ولهذا أتيت الى المكسيك ؟
- نعم فبعد ان استخرجت المال من مخبئه , دفعت منه بعض الرشاوي لأشخاص اوصلوني الى المكسيك .. ثم قمت بشراء منزلٍ ومحل تجاري هنا .. امّا باقي ثروتي فكانت من مجهودي الشخصي  

- الهذا أوصيت بثروتك للجمعيات الخيرية في اميركا بعد وفاتك ؟
- بل أوصيت بها لفقراء المنطقة التي سُرق بها البنك تحديداً , فهي اموالهم بالنهاية .. 
فسأله الصحفي بتهكّم : وماذا عن كلّ تلك النصائح التي قلتها للسارق ؟!
جاك بابتسامةٍ ساخرة : تبخّرت جميعها , لأني بصراحة سأكون في غاية الغباء لو لمّ أقم باستغلال تلك الفرصة التي سنحت لي بعد طول انتظار 

- الا تخاف ان تقبض الشرطة عليك في المستقبل ؟ 
- وهل ستقبض على رجلٍ يحتضر ؟ 
- وهل عشت مرتاح الضمير وانت تحمل هذا السرّ الخطير ؟
- لنقلّ ... عشت ثلاثين سنة من النعيم المطلق 
الصحفي بنبرة غاضبة : يبدو انك مستعد تماماً للذهاب الى الجحيم؟ 
جاك بابتسامةٍ لئيمة : مستعدّ في حال كنت معي 

ثم اخرج جاك رزمة كبيرة من المال (من شنطة التي سلّمها له حارسه الشخصي) ورماها امام الصحفي (على طرف سريره الطبّي) .. قائلاً :
- هي لك !! خذّها كلها .. لكن اولاً عليك حذف هذه المقابلة , لأنني لن اسمح لك بتشويه سمعتي .. ليس بعد ان لقّبني الجميع ((بصاحب القلب الكبير))
- ولما اذاً اخبرتني بالحقيقة , طالما انك لا تريد نشرها ؟!
- يعني .. أحببت ان أفضّفض لأحدهم , كيّ يرتاح ضميري قليلاً 
الصحفي بغضب : وهل ارتاح الآن ؟

ثم وقف الصحفي ناويّاً الذهاب .. الاّ ان حارس جاك الشخصي الضخم قام بإجلاسه ثانية على الكرسي بالقوة , قائلاً :  
- اجلس مكانك !!
فشعر الصحفي بالخوف , بعد ان أظهر الحارس مسدسه (الموجود على خصره) وكأنه يهدّده بالقتل !
وهنا قال جاك للصحفي : برأيّ .. خذّ المال , ودعّ نصائحك لنفسك
الصحفي وهو يبلع ريقه بخوف : طيب ماذا اقول لرئيسي في العمل , فهو ينتظر قراءة مقالتي لهذه المقابلة ؟

- والله سأترك ذلك لمخيلتك العظيمة .. لكن ايّاك ان تكتب عنّي ايّ شيء سيء , فرجالي يعرفون بيتك ومدرسة ابنتك ايضاً
الصحفي بخوف : أتهدّدني ؟! 
العجوز جاك بلؤم : إفهمها كما تشاء .. والآن إعطي حارسي شريط التسجيل وجوالك 
- ولما جوّالي ؟!
- وما يدريني , لربما سجّلت صوتي في جوّالك ايضاً ..لهذا اعطه كل التسجيلات التي معك , ولا تتعبني اكثر يا ولد !! 
فأعطى الصحفي كل ما طلبه (مُجبراً) للحارس المخيف .. 

لكن قبل ان يذهب , أوقفه جاك من جديد :
- هاى انت !! لم تأخذ مالك ؟
الصحفي مُقطّب الحاجبين : لا اريد شيئاً منك 
وإذّ به يتفاجأ بالحارس الشخصي يصوّب المسدس في رأسه , مما ارعب الصحفي تماماً والذي إرتعدت فرائصه بشدّة .. 
فقال له جاك بنبرة تهديد :
- خذّ المال , ولا تدعني أُعيد كلامي مرتين

فأخذ الصحفي رزمة المال بيده التي كانت ترتجف بقوة , ووضعها في جيبه (مُجبراً) وهو مازال لا يصدّق ما يحصل معه !

وهنا ابتسم جاك بخبث قائلاً :
- ارأيت كم هو سهل ان يبيع الإنسان قيمه .. لكن لا تقلق يا عزيزي , فستتعوّد على المال الحرام مع الأيام .. والآن اخرج ولا تريني وجهك ثانيةً !! مع اننا حتماً سنلتقي مجدّداً في الجحيم , ايها المرتشي القذر !!!

فخرج الصحفي وهو يشعر بتأنيب ضمير شديد بعد أخذه لمال جاك الوسخ , بينما إرتجّت الغرفة العلاجية بضحكات المليونير الساخرة والشريرة !!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...