الخميس، 14 ديسمبر 2017

الزواج في الغربة

تأليف : امل شانوحة


 
كان إرتباطي به خَاطِئاً !

في إحدى الليالي وفي بلدةٍ صغيرة بإلمانيا .. عرف احمد بأن ابنته المراهقة (18عام) ذهبت ثانيةً الى البار مع اصدقائها رغم انه عاقبها في المرّة الأولى .. لكنه يدرك تماماً بأن امها الأجنبية (طليقته) تحاول إفسادها بالسماح لها (في وقت مبيتها عندها) بمواعدة الشباب وشرب الكحول كنوع من الإنتقام من والدها الملتزم دينياً !

فذهب غاضباً الى هناك لإعادة ابنته السكرانة الى بيته , وهناك رأى شيئاً غريباً ! فقد وجد امرأة محجبة تبكي داخل البار بعد ان التفّ حولها ثلاثة من الشبّان الإلمان الحاقدين (بوشومهم النازيّة) وبدأوا يضايقونها باللمس والشتائم العنصرية .. وبدت له خائفة جداً , وهي تتلفّت حولها بقلق وكأنها تبحث عن شخصٍ ما ! 
فطلب احمد من ابنته انتظاره بالسيارة , وقد رضخت للأمر لأنها لا تريد إغضابه أكثر ..

ومن بعدها توجّه ناحية المرأة المحجبة ليُبعد عنها الشباب المشاكسين , وقد تركوها بعد رؤيتهم لجسم أحمد الرياضي الضخم  
ثم اقترب منها وسألها باللغة الإلمانية :
- مالذي احضرك الى هذا المكان القذر ؟!
لكنها نظرت اليه والدموع في عينيها , وكأنها لم تفهم ما قاله ! 
فعاد وسألها باللغة العربية :
- هل انت عربية ؟
فابتسمت بارتياحٍ شديد وقالت له :
- نعم !! نعم انا عربية .. الحمد الله انني وجدت أحداً يتكلّم بلغتي !

- ومالذي أتى بك الى البار ؟!
فقالت بحزن : زوجي دخل الى هنا منذ ساعتين , وتركني وحدي في السيارة .. وقد خفت كثيراً بعد اغلاقه لجواله ! فدخلت لأناديه , لكني لم أجده بالداخل ! والمشكلة انني أتيت معه الى المانيا منذ مدّةٍ قصيرة , ولا أتقن لغتهم بعد  
- سامحه الله .. متزوج بكِ حديثاً , ويأتي الى هنا لمصاحبة البنات !
- لا !! فزوجي قال بأنه سيحضر بعض السجائر من هذا المحل
- هنا لا يوجد سوى خمور ونساء رخيصات .. تعالي معي لأسأل لك عنه .. هل لديك صورة له على جوالك ؟
- نعم .. 

ثم سأل احمد نادل البار عن زوج السيدة .. وبعد ان رأى النادل الصورة من جوالها , قال لهما :
- رجلٌ بملامح عربية .. نعم عرفته .. كان هنا منذ قليل , لكنه ذهب مع إحدى فتيات البار الى فندقٍ ما , ولا ادري ان كان سيعود الى هنا او سيبيت معها حتى الصباح

ففضّل احمد ان لا يخبر السيدة العربية بما قاله النادل الإلماني , بل قال لها : زوجك خرج من هنا .. فاعطيني عنوان منزلك كيّ اعيدك اليه 

فاجتاحت المرأة مشاعر مختلطة بين الغضب والقهر والقلق الشديد , وقد لاحظ احمد إرتباكها فأسرع قائلاً :  
- ابنتي المراهقة ستكون معنا في السيارة , فاطمئني .. فقط إخبريني بعنوان منزلك ؟
السيدة بقلق : انا لا اعرف سوى اسم المنطقة التي اعيش فيها 
- الا تعرفين اسم الحيّ ؟!
- اعرف شكله الخارجي فقط .. وإذا أخذتني الى هناك , فأظنّني سأعرف الطريق الى بيتي
***

وما ان وصلوا لذلك الحيّ , حتى قالت السيدة بارتياح :
- نعم هذا هو بيتي .. هناك !!
احمد : غريب ! انه قرب بيتي .. يبدو اننا جيران
- أحقاً ! من جيد ان جارنا عربيٌّ مثلنا .. تشرّفت بمعرفتك أخ احمد
وقبل ان تنزل من سيارته , قال لها :
- سيدة هدى .. زوجك ليس بالشخص الجيد , فانتبهي على نفسك .. وان حصل شيءٌ مماثل فلا تلحقي به , فقط اتصلي بي وانا سأبحث لك عنه .. هذه بطاقتي , وإعتبريني اخوك في الغربة

فأخذت بطاقته وهي تشكره لطيب اخلاقه , ثم ودّعته وعادت الى بيتها مكسورة الجناح ..

اما هو فقد انشغل بمساندة ابنته التي كانت تترنّح من السِكر حتى أوصلها الى فراشها , وهو يقول لها :
- عقابك سيكون في الصباح .. (ثم تنهّد بغضب) .. ولي حديث مطوّل مع امك الغبية !!
***

في ظهر اليوم التالي .. وأثناء مرور احمد من منزل هدى سمع بالصدفة صراخها بعد ان عاد زوجها الى بيته , ويبدو انها عرفت بأنه خانها البارحة .. فصارت تشتمه وتطلب منه ان يُعيدها الى اهلها , وبأنها أخطأت كثيراً حين قبلت الزواج منه .. وكلام من هذا القبيل !
فقال احمد في نفسه : كان الله في عونك , سيدة هدى .. (وتنهّد بضيق).. وعوني انا ايضاً 
ثم ذهب الى طليقته ليُعاتبها على تربيتها الخاطئة لإبنتهما ..
*** 

وفي إحدى الأمسيات الباردة .. استيقظت هدى على ضحكات زوجها وهو يتكلّم مع فتاةٍ ما على الهاتف .. وبعد ان انهى مكالمته , قدمت اليه لتتكلّم معه عن مشاكلهما التي تزايدت في الآونة الأخيرة .. 
- لؤيّ .. لابد ان نتحدّث
فأجابها بتأفّفٍ وضجر : ليس ثانيةً !
- اسمعني اولاً .. الا تذكر كيف أحببنا بعضنا لسنتين على الفيسبوك ؟ وأخبرتني وقتها : انك بعد الزواج ستهتم بي فقط وتترك جميع صديقاتك 
- وقد فعلت ذلك لشهرين كاملين .. لكن ما ذنبي ان كنت أمِلُ بسرعة .. فأنا كالطائر المهاجر لا يحب السجن

- وانا لا أسجنك ! اذهب مع اصدقائك الذكور الى النوادي الرياضية او في نزهاتٍ برّية .. لكن لا داعي ان تصاحب البنات ! اصلاً مالفرق بين فتاةٍ واخرى ؟!
بابتسامةٍ ماكرة : الفرق كبير يا عزيزتي , فكل واحدة منهنّ تتميز عن الأخرى بشيءٍ ما , وانا أحب تجربة كل ملذّات الحياة .. لا تنظري اليّ هكذا !! لقد أخبرتك منذ بداية تعارفنا ان لديّ الكثير من العلاقات , ولم أكذب عليك بهذا الشأن

- صحيح , لكنك وعدّتني ان تتغير
فيضحك ساخراً : وهل تصدّقين بهذه الخرافة ؟! لا أحد بالدنيا يُغير طباعه , وبالتأكيد ليس انا .. (ثم قال بنبرةٍ آمرة مُستفزّة) ..والآن اذهبي فوراً واحضري لي القهوة !!
- قهوة في المساء !
- نعم .. فصديقتي ستكلّمني بعد قليل على النت , وسأسهر معها حتى الصباح
هدى بغضب : وتقول هذا دون حياء ؟!!!
فأجابها بلؤم : الم أتعرّف عليك انت ايضاً بهذه الطريقة ؟ فلا تدّعي الطهارة أمامي

فردّت بعصبية : انت تعرف تماماً انك الشخص الوحيد الذي حادثته في حياتي !
- ربما .. لكنك لست الوحيدة في حياتي , وهذه حقيقة عليك تقبّلها .. 
وهي تمسح دموعها : كان عليّ موافقة اهلي عندما رفضوك 
- لكنك لم تفعلي , أتدرين لماذا ؟ لأنك فتاةٌ غبيّة , واصطيادك كان متعةً بالنسبة لي .. لكنّي مللت منك الآن .. وان كنت تريدين العودة لأهلك , فلا مانع عندي 
- انت تعرف انهم لا يكلّمونني بعد أن غصبتهم عليك !!

فاقترب منها صارخاً : اذاً لماذا تفتحين هذا الموضوع دائماً , طالما انك تدركين بأنك عالقةً معي ؟!! لذا عليك تقبّل كل أفعالي بصمت وطيب خاطر.. وأحمدي ربك انني أعود في كل مرّة الى هذا البيت الكئيب ! 
فذهبت هدى الى غرفتها باكية , وهي تلعن اليوم الذي تعرّفت به عليه
***

وبعد شهر , وفي ليلةٍ باردة  .. أيقظت الفتاة المراهقة والدها وهي تقول بفزع :
- ابي !! هناك شباب يكسرون نوافذ جارتنا هدى !

فخرج احمد بسرعة ناحية منزلها وهو يحمل العصا .. وقد وصل اليهم باللحظة الحاسمة بعدما استطاعوا كسر قفل الباب الخارجي .. لكن وقبل ان يقتحموا منزلها , صرخ احمد في وجههم بغضب :
- ابتعدوا من هنا , والاّ ضربتكم بالعصا !!!
فقال له احد الشبان الثلاثة بحقد : سيأتي يوم ونخرجكم جميعاً من بلادنا , ايها الطفيليون العرب !!
احمد وهو يلوّح بالعصا : قلت ابتعد من هنا , ايّها النازيّ الحاقد !!

وبعد ان ذهبوا وهم يلعنون احمد ويشتمون العرب .. دخل الى منزل هدى فوجدها تبكي في ركن غرفتها .. وما ان رأته واقفاً امامها , حتى صرخت بخوف :
- لا تؤذيني ارجوك !!
فقال احمد مُهدّئاً : هذا انا سيدة هدى !
- احمد ! الحمد الله انك أتيت

- اين هو زوجك ؟!
وهي تمسح دموعها : سافر منذ اسبوع في رحلة عمل 
- وتركك وحدك ؟!
فعادت الى البكاء ..فأمسك يدها بحنان قائلاً : 
- إهدئي ارجوك .. هيا تعالي معي الى بيتي , فالعاصفة على وشك ان تبدأ ومعظم زجاج منزلك مُحطّم .. وأنا لن أتركك وحدك , خوفاً من عودة المشاغبين الى هنا
فقالت بتردّد : لكن ..
- ابنتي معي في المنزل وستنامين في غرفتها .. هيّا بنا
***  

وفي منزله .. وبعد ان قدّمت لها ابنته الشايّ لتتدفأ قليلاً , سألها احمد :
- الم اعطك بطاقتي لتتصلي بي في غياب زوجك ؟
- هو وعدني ان يعود منذ ثلاثة ايام , لكن الرحلات تعطّلت بسبب العاصفة , ولهذا سيبقى هناك لإسبوعٍ آخر ! والمشكلة ان جوالي تعطّل البارحة عندما برقت السماء وانا أشحنه , ولا أعرف أيّاً من محلاّت الصيانة !
- طالما انك لا تعرفين اللغة الإلمانية , ولم يعلّمك زوجك الأرعن قيادة السيارة ولا تعرفين عناوين الأسواق , فكيف يتركك لوحدك ؟! ماذا لوّ انتهى الطعام عندك ؟
- لقد انتهى فعلاً البارحة 
- الم تأكلي شيئاً ؟!
- فقط الشايّ وبعض الكعك 
بشفقة : يا الهي ! ... اذاً سأحضّر لك الطعام
ثم طلب من ابنته مساعدته في تحضير العشاء..

وبعد ان تناولوا طعامهم .. ذهبت هدى مع ابنته لتنام في غرفتها .. بينما ذهب احمد الى غرفته وهو يفكّر بحلّ لمشكلة جارته المسكينة 
***

وفي اليوم التالي .. إستفاق احمد على رائحة الفطور العربي الذي لم يتناوله منذ سنوات بعد ان قامت هدى بتحضيره , وقد أسعده ذلك كثيراً 

وبعد حضور عمّال الصيانة .. ذهب احمد معهم لترميم ما تهدّم من منزل هدى بعد ان حطّمت العاصفة بعضاً من أثاثها عبر مرورها من الزجاج المكسور ..ولم يقبل ان تدفع له هدى قرشاً , بل قام أحمد بإصلاح ما تضررّ على حسابه الخاص !
*** 

وعندما عاد قبيل غروب الشمس الى منزله , تفاجىء بأجمل منظر شاهده في حياته ! حين رأى ابنته لأوّل مرة تصلي مع هدى التي يبدو انها أمضت النهار كلّه بتعليمها بعض الأمور الدينية .. 
وبعد ان انتهيا من الصلاة .. اقترب منهما وقد اغرورقت عيناه بالدموع , وقبّل رأس ابنته وهو يقول لها بفخر :
- كم انت جميلة يا جاكلين بالحجاب ! لطالما تمنّيت رؤيتك بهذا المنظر يا ابنتي العزيزة  
ثم قال لهدى :
- شكراً لك , لقد حقّقتِ أغلى أمنياتي
هدى بابتسامة : لا داعي للشكر أخ احمد .. 
احمد باستغراب : لكن كيف تفاهمتما ؟! 
هدى : من الجيد ان ابنتك تتكلّم الإنجليزية , وانا أتقن بعضها .. فتفاهمنا بهذه الطريقة

احمد : هذا جيد .. تفضلي المفاتيح , لقد اصلح العمّال منزلك قبل قليل , لكني لن اسمح بذهابك الى هناك قبل عودة زوجك من سفره .. وتفضلي هذا ايضاً !! لقد اصلحته لك بعد ان وجدته في صالون منزلك
واعطاها جوّالها بعد ان اشترى لها بطارية جديدة.. 
هدى بامتنان : لا ادري كيف اشكرك .. لقد ارسلك الله لي لتساعدني بهذه الغربة القاسية
احمد بقلق : كما انني فعلت شيئاً آخر , لكني خائف من ردّة فعلك

ثم أخبرها انه اثناء تواجده في منزلها مع عمّال التصليح وجد رسالة ورقية من امها , وعرف منها عنوان عائلتها .. فقام باتصالاته مع صديقه الذي يعمل في السفارة العربية بإلمانيا .. وبخلال ساعات , اعطاه رقم هاتف عائلتها .. ومن ثم تكلّم احمد مع والد هدى وأخبره بما تعانيه ابنتهم مع زوجها الفاسد 
هدى بضيق : لما فعلت ذلك سيد احمد ؟! أكيد سيتشمّتون بي الآن!  
- يبدو انك لا تعرفين أهلك جيداً 
- ماذا تقصد ؟!
- هم سيرسلون لك قريباً تذكرة طائرة وبعض المال كيّ تعودي اليهم 
- لكن زوجي لن يوافق ابداً

- هم يريدونك ان تعودي قبل عودته من السفر , وعندما تصلين منزل اهلك سيرفعون عليه قضيّة خلع .. وبرأيّ عليك ان توافقي على ذلك فزوجك ليس بالإنسان الجيد فهو يسكر ويخونك طوال الوقت .. كما انه تركك وحدك في بلدٍ لا تعرفين لغته , ولم يترك معك المال او الطعام , ولولا لطف الله وانقاذي لك من النازييّن في الوقت المناسب لكانوا اعتدوا عليك او حتى قتلوك .. لهذا من الأفضل ان تعودي الى بلدك يا هدى .. اسمعي كلامي 
- انا خائفة ان يؤذيك زوجي اذا عرف انك ساعدتني على الرحيل !
- لا تقلقي عليّ , فأنا استطيع حماية نفسي جيداً .. فكّري في نفسك فقط
***

وقد أمضت هدى عدة ايام تفكّر بإيجابيات وسلبيات زوجها , لكن دائماً كانت ترجّح كفّة السلبيات : فرغم انها عاشت معه أقل من سنة الاّ انه لم يكن جيداً معها سوى بأول شهرين , ومن بعدها ظهر على حقيقته الفاسدة 

فبدأت هدى تتساءل في نفسها بقلق :
((هل هذا هو الرجل الذي سأقضي معه بقيّة عمري ؟! وهل في إمكاني الوثوق به كلما خرج من المنزل او تأخّر في المساء ؟! وهل سيكون قدّوةً حسنة لأطفالي ؟! ..(ثم تنهّدت بضيق) .. آه كم انا مشتاقة لأهلي وبلدي ولغرفتي الصغيرة وحياتي الهادئة , ولصوت القرآن خارجاً من مذياع امي , ولصلاتي مع اخوتي خلف ابي .. اشتقت لتلك الروحانيات في بيتي ولطهارة معيشتنا .. (ثم قالت بتصميم بعد ان إتخذت قرارها النهائي) .. نعم سأعود !! واللعنة على حب وسائل التواصل الإجتماعي المزيّف ! فالحب الحقيقي لا يأتي الا بالزواج التقليدي .. كان كلامك صحيح يا امي .. كم اخطأت بحقكما يا والديّ الحنونين ! 
***

وقبل يومين من عودة زوجها من سفره , كانت هدى واحمد وابنته في طريقهم نحو المطار .. لكن هدى كانت صامتة طوال الطريق ودموعها تسيل على خدّيها..
وبعد ان رآها احمد بهذه الحالة , قال لها مُهدّئاً : 
- هدى ارجوك لا تحزني , فطلاقك منه هو خيرٌ لك
لكنها لم تجيبه ! فقالت له ابنته بالإلمانية :
- ابي .. هي طلبت مني هذا الصباح ان آخذها الى الصيدلية , وقد اشترت شيئاً لم أره .. وبعد عودتنا الى منزلها , تغيّر حالها فجأة ! 

فسأل هدى : هل انت مريضة ؟
هدى وهي تمسح دموعها : لقد اشتريت فاحص الحمل
احمد بقلق : هل انت حامل ؟!
فأجابته هدى بحزن : نعم للأسف 
احمد بجدّية (وباللغة العربية كيّ لا تفهم ابنته الكلام) : ايّاك ان تخبري زوجك بالأمر والاّ أخذ طفلك منك .. انظري الى حالتي .. فزوجتي الأجنبية تربّي ابنتي عكس ديني فقط لتغيظني , وهي لا تدرك بأنها تؤذي اخلاق ابنتنا .. لا تفعلي مثلي , فهو لن يكون والداً جيداً لإبنك  

هدى بتردّد : من يدري ؟ لربما تغيّر بعد ان يصبح والداً ؟!
احمد بحزم : هذا النوع من الرجال لا يُغيّره ايّ شيء !! فهناك الإنسان الفاسد الذي يستحي من ذنوبه , وهذا ممكن اصلاحه ..لكن زوجك من النوع الآخر الذي يتفاخر بأعداد النساء اللآتي إستغلّهنّ في حياته , وهذا صعبٌ توبته .. سافري لأهلك يا هدي , وحاولي هناك إجهاض جنينه 
- لا لن افعل !! هذا ابني وسأربّيه بمفردي
احمد وهو يتنهّد بضيق : ماذا عسايّ ان اقول ؟ ... كان الله في عونك
***

وبخلال أشهرٍ قليلة , تغيّر كل شيء .. فهدى عادت الى حياتها الطبيعية بعد ان وافق زوجها أخيراً على خلعِها , لكن هذا كلّف اهلها مبلغ كبير من المال .. 
وبالنسبة لطليقها لؤيّ : فهو إرتاح من زنّها المتواصل وكآبتها الغير محتملة , وعاد أخيراً الى حرّيته (على حسب كلامه في آخر مكالمة بينهما) .. 
***

لكن بعد شهرين .. تفاقم الأمر بعد ان أخبره صديقه العربي داخل البار بخبر ولادة طليقته (لأن اهله جيران اهلها في البلد) .. 
فقال لؤيّ بغضب : الملعونة ! لما لم تخبرني بحملها قبل الطلاق ؟!
فقال صديقه وهو يربت على كتفه : لا تفرح كثيراً , فهو ليس ابنك
فهجم عليه لؤيّ بغضب : ماذا تقصد ؟!.. تكلّم !! 
فقال صديقه بمكر : سمعت انها باتت في منزل جارك احمد , وربما لهذا هربت قبل عودتك من السفر 
لؤيّ بغضب : ولما لم تخبرني بالأمر ؟! 

فأجابه : قلت بما انك طلقتها فلا داعي لإخبارك .. لكني لا اريد ان يأتي يوم من الأيام ويبتزّونك اهلها كيّ تصرف على ولدٍ ليس بإبنك .. لا تنظر اليّ هكذا ! ان كنت لا تصدّقني , فسأل جيرانك عن الموضوع .. جميعهم شاهدوا جارك الشهم وهو يصلح بيتك بعد العاصفة
***

وعلى الفور !! انطلق طليق هدى الى منزل احمد كالمجنون .. وبدأ يتشاجر معه .. وقد حاول احمد إفهامه الأمر , لكن لؤيّ بادره بطعنةٍ غادرة في بطنه .. ثم لاذ بالفرار

ومن بعدها تعالت صرخات جاكلين بعد رؤيتها لوالدها ينزف على الأرض بغزارة !
***

وفي اليوم التالي .. وبعد ان انتهت هدى من إرضاع طفلها وصلها اتصال على جوالها من ابنة احمد , والتي قالت لها بالإنجليزية بغضب :
- طليقك طعن ابي !! 
هدى بصدمة  : ماذا تقولين ؟!
الفتاة وهي تبكي : كلّه بسببك .. سمعته يقول لأبي انه والد ابنك
- اللعنة ! كيف عرف الحقير بحملي ؟! 
الفتاة بقلق : هل كلامه صحيح ؟ هل كنتِ تزورين والدي اثناء مبيتي عند امي ؟!
هدى بعصبية : ماهذا الكلام يا جاكلين ؟! انا لم آتي الى بيتكم الاّ مرةٍ واحدة , بعد ان عرفت بوجودكِ هناك .. ولوّ كان والدك يعيش وحده , لكنت فضّلت البقاء  في منزلي المحطّم , ولوّ اثناء العاصفة  

- آسفة سيدة هدى , لكني غاضبة جداً 
- وكيف حال والدك الآن ؟
- خرج قبل قليل من غرفة العمليات , بعد ان قطّب الطبيب معدته المجروحة 
- شافاه الله وعافاه .. الم تبلّغوا عن طليقي اللعين ؟!
- بلى .. وقد قبضت الشرطة عليه , وهو الآن في السجن .. وأظنّه سيُحبس من سبعة الى عشر سنوات في محاولته للقتل 
- هو استحق ذلك .. (ثم تنهّدت بضيق) .. ارجو يا جاكلين ان تطمأنيني عن والدك دائماً 

وبعد ان اغلقت الهاتف , قالت هدى في نفسها : 
((سامحني يا احمد , لقد ورّطك في مشاكلي التي لا تنتهي !)) 
ثم نظرت لطفلها النائم وقالت بحسرة : 
((ليت هذا الشهم كان والدك الحقيقي))
***

لكن كما يقولون : ((رُبّ ضارةٍ نافعة)) .. فالشهر الذي ظلّ فيه احمد بالمستشفى تحسّنت علاقته بإبنته المراهقة التي وعدته أن تطيع اوامره , كما طلبت منه ان يُعلّمها أكثر عن دينهما .. حتى انها فاجأته برغبتها في ارتداء الحجاب فور تخرّجها من الجامعة , وكم أسعده هذا الأمر 
***

وبعد اربع سنوات .. تفاجأت هدى بأحمد قادماً الى بلدتها لخطبتها بعد ان تخرّجت ابنته من الجامعة , وقبولها بالعيش معه في بلدٍ عربي .. 

وقد وافقت هدى الزواج منه بكل سرور , لأنه الإنسان الوحيد الذي ساعدها بأسوء مرحلة مرّت في حياتها ..
والأجمل ان طفلها تعلّق كثيراً بجاكلين وكأنها اخته الكبيرة بالفعل ! وهي بالمقابل أحبّته كأخيها الصغير ..
***

وفي إحدى الليالي .. أمسكت هدى يد زوجها احمد , وقالت له بحنان : 
- لقد وضعك الله في طريقي لحمايتي , فماذا كنت سأفعل هناك لولا وجودك بجانبي ؟!
- بل انا الذي كنت بأشدّ الحاجة الى حنانك , بعد الذي عانيته في الغربة
- أتدري يا احمد .. لطالما تساءلت في نفسي : مالحكمة من زواجي من طليقي الأحمق ؟ لكني عرفت الآن ان سفري الى المانيا لم يكن سوى للقاء بك , لأنك كنت منذ البداية .. قدري ونصيبي
فأجابها بابتسامةٍ حنونة : بل انتِ الحبّ الذي طال انتظاره
***

وقد عاشت هدى وابنها مع احمد وابنته في تفاهمٍ وسعادةٍ غامرة , بعيداً عن قساوة الغربة ومتاعبها 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...