الثلاثاء، 18 يونيو 2019

حُب إفتراضي

تأليف : امل شانوحة


وقعتُ في شباكه ! 

قام ابن سعاد بعمل صفحة لها على الفيسبوك في عيد ميلادها الخمسين , وضمّها الى جروب لعشّاق الأدب والشعر التي تهوى قراءته .. 

ومع الوقت .. إندمجت امه في المشاركة والتعليق على القصص والأشعار مع اصدقائها الجددّ , ممّا خفّف من قسوة حياتها مع زوجٍ جلِف الطباع 

وفي إحدى الأيام .. نشرت نثرٍ حزين قامت بتأليفه , آثار إعجاب المشتركين .. وبدورها شكرتهم على تعليقاتهم اللطيفة ودعمهم لها 
ومع استمرار نجاح أشعارها في موقعٍ مُتخصّص للكتّاب المبتدئين , إزداد عدد متابعيها على صفحتها الخاصة , ممّا قوّى ثقتها بالنفس التي كانت مهزوزة بعد ثلاثين سنة من زواجٍ خاليٍ من أيّةِ مشاعر!

وكان أكثر الداعمين لها : رجلٌ من جيلها لديه اهتمامات ادبيّة , والذي شجّعها على مواصلة الكتابة التي لم تُهمّ يوماً والد إبنيها الذي بات يعاتبها على قضاء وقتٍ طويل على جوّالها 
***

وفي إحدى الأيام .. تفاجأت سعاد برسالةٍ قصيرة من هذا المتابع يطلب محادثتها على صفحته على الفيسبوك , لأخذ رأيها بشعرٍ ألّفه قبل نشره في الموقع المشتركان به

فكلّمته على الخاص ..لتمتدّ المحادثة بينهما لساعتين , تطرّقا فيها لمواضيع الأدب , ومصاعب الحياة بشكلٍ عام 

وبعد إنهاء المكالمة .. شعرت سعاد بفرحةٍ ممزوجة بالمرارة , حيث قالت في نفسها بقهر:((كم هو جميل ان نجد شخصاً يشاركنا أحلامنا وطموحنا .. لكن حياتي لم تكن يوماً عادلة !)) 
*** 

مع الأيام .. تطوّرت الصداقة بينها , حيث شاركها الكاتب أحمد همومه مع زوجته النكدية التي يتحمّلها فقط من أجل ابنه !  
فنصحته سعاد بالصبر على مصابه , رغم إحساسها برغبةٍ دفينة لتشجيعه على قرار الطلاق المتردّد في اتخاذه ! 

ومع الوقت .. وجدت نفسها تشاركه تجاربها القاسية مع زوجها الذي  يعتبرها خادمة له ولأبنائه !
فصار أحمد يشجّعها على الإنفصال , بعد تزويجها ابنتها وسفر ابنها للخارج ..

لكنها برّرت رفضها خوفاً من كلام الناس , وخسارة ولديها بعد صبرٍ دام طويلاً ! 
***

في عيد الأم .. ارسل احمد بطاقة تهنئة الى سعاد التي شكرته لأنه تذكّرها , بعكس زوجها الذي لم يؤمن يوماً بفرحة الأعياد ! 
***

بعد أشهر من بدء صداقتهما .. إنقطعت اخبار سعاد فجأة ! 
وحين فتحت صفحتها من جديد , وجدت عشرات الرسائل من احمد يريد الإطمئنان عليها ! 

فأخبرته انها كانت في المستشفى بعد ان ضربها زوجها بعنف لأنها تأخّرت بتقديم العشاء له .. لكنها الآن بخير , ورضوضها بدأت تتشافى ! 

فغضب احمد غضباً شديداً , وطلب منها تطليقه على الفور !! 
فحاولت تهدأته بأنها ليست المرة الأولى , وأنها تعوّدت على مشاجراته العنيفة .. فالمجتمع بالنهاية لا يُحبّذ طلاق المرأة , خاصة في مثل عمرها  

ففاجأها أحمد قائلاً : اللعنة على الناس جميعاً !! الا تخافين ان يقتلك ذلك الحقير , او يصيبك بعاهة مستديمة في ثورة غضبه القادمة ؟.. طلقيه يا سعاد وانا سأتزوجك 

فارتبكت سعاد كثيراً بعد قراءتها جملته الأخيرة ! 
وبتردّدٍ شديد , كتبت له (على الجوال) : 
- أحقاً تنوي الزواج بي يا احمد ؟!
- بالتأكيد !! فقد وجدّت بك كل شيء أبحث عنه منذ مدةٍ طويلة 
- أخاف بعد ان أخرب بيتي , تتراجع عن كلامك
أحمد : سامحك الله يا سعاد ! نحن لسنا بمراهقيّن .. ولكيّ أثبت لك حسن نوايايّ , قرّرت تطليق زوجتي في نهاية هذا الأسبوع .. ثم أتزوجك فور انتهاء عدّتك , ما رأيك ؟  

سعاد باستغراب : وكيف أخذت هذا القرار المصيريّ دون رؤية صورتي؟! 
أحمد : حين رفضّتِ طلبي المرة الماضية , لم أردّ الضغط عليك ثانيةً .. ثم أنا رجلٌ عقلاني ولا تهمّه المظاهر ..وما أعجبني بك هو روحك الطيبة وذكاءك ..كما موهبتك الأدبية المميزة , وهذا يكفيني يا سعاد 

سعاد بارتياح : انت لا تدري كم كنت بحاجة لسماع ذلك .. شكراً لك .. لكني مازلت خائفة من ردّة فعل ابنائي بعد اتخاذي لهذه الخطوة الجريئة؟
أحمد : هما لم يعودا صغاراً يا سعاد , وانت ضحيّت الكثير لأجلهم ..وحان الوقت لتعيشي حياتك , فنحن لا نحيا في الدنيا سوى مرةً واحدة .. الا تريدين ان تكوني سعيدة ؟ .. وإن كنت قلقة بشأن المال , فأنا رجلٌ ميسور الحال واستطيع الإهتمام بك .. وربما نسافر سويّاً لرؤية العالم .. فما رأيك؟
- دعني أفكّر قليلاً , فالموضوع ليس سهلاً عليّ

أحمد : حسناً , خذي وقتك .. اساساً سأكون مشغولاً هذه الفترة بإجراءات الطلاق .. وبعد إنهاء علاقتي بتلك الشيطانة , أتصل بك لأعرف الجواب .. ولا اريدك ان تشعري بالذنب لقرار إنفصالي عن زوجتي , فنحن كنّا سنتطلّق عاجلاً ام آجلاً , فزواجي بها كان أكبر غلطة في حياتي , وأشكرك لأنك كنت السبب في اتخاذي القرار لإنهاء هذه المعاناة ... ألقاكِ قريباً عزيزتي

وأنهى المحادثة , تاركاً سعاد في قمّة الحيرة والإرتباك !

بهذه الأثناء .. دخل زوجها الغرفة غاضباً , بعد عودته من العمل :
- أمازلت على جوالك اللعين ؟!! قومي يا امرأة , وجهزي لي غدائي 
فأجابته سعاد بقوة : 
- إفتح البراد وكلّ ما شئت , فأنا لست خادمتك !!
الزوج بدهشة : ماذا قلتي ؟!

وقبل ان ينزع حزامه ليضربها كعادته , صرخت بغضب :
- أقسم بالله إن لمستني ثانيةً , أقطع يديك .. هل فهمت ؟!! 
فتراجع للخلف وهو لا يصدّق ما سمعه , فهي المرة الأولى التي تواجهه فيها منذ زواجهما ! 
- هل جننتِ يا امرأة ؟!
- نعم !! واريد الطلاق منك حالاً 
- أبهذا العمر ؟

سعاد بحزم : لم يعد يهمّني شيء !! فأنا لا اريد الإجتماع بك في الأخرة , يكفي حياتي التي دمّرتها لي .. والآن طلقني ودعني أخرج من هذا السجن اللعين !!
فقال لها باستهزاء : يبدو ان رأس البقرة الغبية نضج وصار يتخذّ القرارات المصيريّة ..
مقاطعة بغضبٍ شديد : لا تناديني هكذا !! أنا أذكى منك ومن كل عائلتك , ايها الجاهل المتخلّف !!

واشتدّ النزاع بينهما , الى ان قالت :
- ان كنت رجلاً , طلّقني .. انا أتحدّاك !!
وهنا لم يعد باستطاعته تحمّل وقاحتها , فقال لها : 
- أخرجي من بيتي !! ..أنت طالق يا سعاد

فأسرعت بتوضيب حقيبتها وهي تشعر براحةٍ لا مثيل لها .. 
ثم راقبها طليقها وهي توقف سيارة أجرة , وتبتعد عن منزله التي عاشت فيه معظم سنوات عمرها !
***

فتحت العجوز باب منزلها , لتتفاجىء بإبنتها تحضنها بفرح ! 
الأم بقلق : لما حقيبتك معك ؟! هل تشاجرتما من جديد ؟
فأجابتها سعاد بابتسامةٍ عريضة : 
- بل طلّقت الحقير يا امي , وانتهى أمره أخيراً !!
***

مع مرور الوقت .. حاولت الأم كثيراً إعادتها عن قرارها , لكن سعاد أصرّت على إكمال اوراق الطلاق التي ارسلتها لها المحكمة بعد ايام , دون الإكتراث بغضب ولديها من قرارها الذي أذى سمعة العائلة .. حيث قدِمَ ابنها من السفر على عجل , لزيارة امه برفقة اخته المتزوجة  

وفي بيت الجدة , عاتبتها ابنتها قائلة :
- لقد وضعتني يا امي في وضعٍ حرج امام زوجي وأهله !
فأجابتها سعاد بهدوء : وما دخلهم بالموضوع ؟ ...انا تحمّلت قساوة والدك من أجلك انت واخيك .. والآن بعد ان أطمأنيّت عليكما , إنتهى دوري .. وحان الوقت لأرى مستقبلي
ابنها بغضب : عن أيّ مستقبل تتكلمين يا امي بعد بلوغك سن الخمسين ؟!!

فأجابته بحزم : تأدّب يا ولد !! فأنا لم أمت بعد .. (ثم تنهّدت بضيق) .. لا داعي للقلق , فلن أطلب منكما مالاً واستطيع الإهتمام بنفسي جيداً  
ابنتها بقلق : ومن اين يا امي ؟ انت لا تعملين ولم تكملي دراستك
سعاد بغضب : لم أكمل الجامعة لأني حملت بكِ .. ولأن والدكِ الأحمق.. 
فقاطعها ابنها بعصبية : رجاءً لا تشتمي ابي !!

سعاد : لطالما كنت تشبه اباك .. لكن لا يهم , قريباً سيتحسّن وضعي.. ولا تسألاني كيف .. (ثم وقفت قائلة) .. يمكنكما الآن الذهاب الى بيتكما , فأنا متعبة واريد النوم 

فخرجا من منزل جدتهما غاضبين , وهما يظنان بأنها فقدت عقلها!
***

ولم تقبل سعاد بنصائح امها العجوز وصديقاتها القدامى , كما لم ترضى بتدخل أحد من الأقارب للصلح بينها وبين طليقها .. 
واستطاعت إيقافهم عند حدّهم بعد مناقشاتٍ حادّة دارت بينهم , أدّت الى مقاطعة الجميع لها ! 

وبعد هدوء العاصفة .. أرسلت ملخصاً بما حصل لحبيبها أحمد , تُبشّره بتنفيذها رغبته , على أمل ان يجتمعا معاً في القريب العاجل  
***

بعد يومين .. ظهر على صفحة سعاد بأن أحمد قرأ رسالتها أخيراً , بعد غيابه طوال الشهر الفائت .. وانتظرت ردّه بفارغ الصبر .. الا انها تفاجأت به يحظرها من صفحته , دون ان يقول شيئاً ! 

ورغم انه كان واضحاً تهرّبه منها , الا ان سعاد لم تستوعب الأمر ! وبدأت تختلق له الأعذار الوهميّة  
***

بعد إسبوع , بدأ اليأس يسري داخل روحها المُحطّمة ! 
وذهبت الى صديقتها لتخبرها بما حصل , والتي قالت مُعاتبة :
- لا أصدق يا سعاد انك إنخدعتِ بأحد ذئاب الإنترنت ! فالخبيث هدم بيتك وهرب 
- لا يا مروى , أحمد ليس رجلاً طائشاً .. وأعتقد ان زوجته قرأت كلامي , فقامت بحظري
- لا يعقل عزيزتي إنه لم يلاحظ ذلك طوال المدة الماضية  

فتنهّدت سعاد بضيق : أعرف ذلك .. لكن رجاءً يا مروى لا تضغطي عليّ انت ايضاً , يكفيني مقاطعة ابنائي واصحابي والأقرباء .. حتى ان امي وقفت ضدّي ! ..الأسوء ان مالي بدأ ينفذ , ومعاش ابي التقاعدي بالكاد يكفي والدتي 
- رجاءً لا تبكي .. (وقامت بإعطائها بعض المال)..

سعاد بغضب : كلّه من اللعين أحمد !! فبالرغم من مساوىء طليقي الا انه لم يقصّر يوماً بشأن المال , وهذا ما جعلني أتحمّل قساوته .. ولولا ان أحمد وعدني بالزواج , لما تجرّأت على طلب الطلاق منه.. (ثم تنهّدت بضيق) ..الأسوء ان ابنائي قاطعوني , وهذا يُجبرني على إيجاد وظيفة في أسرع وقتٍ ممكن ..(ثم تسكت قليلاً) .. أفكّر في تدريس الطلّاب اللغة العربية التي أتقنها , لكن أخشى أن لا يقبلوني لأني لا أحمل شهادةً جامعية

مروى : سأحاول حلّ مشكلتك بعد عودتي من زيارة اهلي
- هل ستسافرين قريباً ؟
- نعم , وسأبقى في القرية قرابة شهرين .. آه صحيح !! ما رأيك لوّ تبقين في بيتي الى حين عودتي .. فربما بُعدك عن الناس , يُحسّن من نفسيتك المُرهقة  
سعاد : والله لا تدرين كم انا محتاجة لذلك .. شكراً جزيلاً لك .. 
- اما عن صديقك احمد .. فعندي الحلّ لتأكّد من نواياه 
سعاد باهتمام : وكيف ؟

وأخبرتها مروى أنها ستفتح لها حساباً جديداً , تضع على غلافه : صورة فتاةٍ فاتنة بملامح شرقية , تختارها من النت .. ثم ترسل منه طلب صداقة تخبره فيها : إنها أُعجبت بوسامته الظاهرة في صورة صفحته ..
كما أطلعتها على الأسلوب الجديد التي يجب ان تحادثه فيه .. 

سعاد بعصبية : ما هذا الكلام يا مروى ؟! أبهذا العمر تريديني ان أغازله بكلامٍ لا يناسب أخلاقي وعمري ؟!! 
- ربما لن تضّطرين لذلك , لأني سأختار صورة لفتاة بثيابٍ فاضحة .. فإن كان محترماً كما تقولين , سيُلغي رسالتها على الفور .. ولنعتبره إمتحاناً لإخلاصه لك 

بعد تردّدٍ كبير , قبلت سعاد إرسال طلب صداقة له من صفحتها الجديدة 
ثم عادت الى بيتها وهي قلقة بأن يقوم أحمد بمغازلة الصبية التي انتحلت صفتها !
***  

في المساء .. أجاب احمد على الرسالة قائلاً :
- اهلاً آنسة ريم .. وانا ايضاً أعجبتني صورتك , تبدين كعارضة ازياء ..كم عمرك ؟
فأجابته سعاد بيدين مرتجفتين : 26 سنة
- ألست كبيراً عليك ؟
- أحب الرجال الناضجين .. هل يمكننا التعرّف ؟
- بالطبع عزيزتي ريم

فسقط الجوّال من يد سعاد , وقلبها يرتجف بسرعة .. فهو قبِلَ بسهولة التعرّف على فتاة تبدو من صورتها انها سيئة السمعة ! رغم انه في السابق أخبرها بأنها اول امرأة يكلّمها بالإنترنت بعد إعجابه بموهبتها الأدبية , وحُسن أخلاقها بالردّ على متابعيها 

ومرّت ساعات .. تابع فيها أحمد مغازلة ريم بكل أريحيّة , كأنه متعوّد على فعل ذلك !

بعد انتهاء المكالمة .. حاولت سعاد ان ترسل له رسالة من صفحتها القديمة , لكنه لم يزيل الحظر عنها بعد !
***

ومع مرور الأيام .. أخبر أحمد ريم إنه رجل مطلّق بلا اولاد ,  ومعلوماتٌ أخرى مُغايرة لما أخبرها به في الماضي ! 
***

وفي إحدى الليالي , كتب لها : 
- ما رأيك يا ريم لوّ نتزوج في الصيف القادم ؟ 

فانهارت أحلام سعاد بعد تأكّدها من خبث نواياه التي أدّت الى هدم بيتها , واحتقار الناس لها !
فكتبت بحزن (على لسان ريم) :
- اولاً أصدقني القول .. هل أحببت امرأة قبلي على الإنترنت؟ 
فأجاب : لم يكن حباً .. لكني حاولت مساعدة امرأة للهروب من حياتها البائسة .. وحين قامت بذلك , إنتهى دوري معها ..
فكتبت سعاد والدموع على وجنتيها : الم تكن مميزة بالنسبة لك ؟
- كانت امرأة عجوز , وأنا أحب الفاتنات امثالك عزيزتي

فرمت سعاد جوالها على الأرض , لتنهار باكية فوق سريرها بعد ان تحطّمت جميع آمالها !
***

بعد ايام من التفكير المطوّل , حادثته من جديد ..
فأجابها بلهفة : اين كنت يا ريم ؟ لما قطعت إتصالك بي فجأة ؟ الا تعلمين بأن النوم جافاني من شدة قلقي عليك ! 
فقالت سعاد بنفسها بغيظ : ((يالا قلبك المرهف , ايها الخائن اللعين !!)) 

ثم كتبت : كنت اريد التأكّد بأنك ستشتاق اليّ , في حال غبت عنك فجأة .. 
- ما هذا الكلام يا ريم , انا لا أطيق صبراً لرؤياك .. ولن أُنهي هذه المكالمة قبل ان تعطيني موعداً أقابلك فيه 

ففكّرت سعاد قليلاً .. ثم كتبت له عنوان مطعمٍ قريب , يلتقيان فيه غداً بعد الظهر .. 
فوافق بحماس !! بينما كتمت سعاد غيظها بصعوبة .. 

وأمضت ليلتها وهي تخطّط للإنتقام منه !
***

في اليوم التالي .. سبقته سعاد الى هناك , وجلست في آخر المطعم  

وبعد نصف ساعة , رأته يدخل وهو في قمّة أناقته ! ثم جلس وطلب كوب قهوة .. 

ومرّ الوقت بطيئاً على كلاهما .. حاول فيها احمد الإتصال مراراً على ريم , لكن خطها ظلّ مُقفلاً ! 

وبعد ساعة .. بدأ أحمد يتململّ وهو يلتفت يميناً ويسارا , ونحو الطريق الظاهر من واجهة المحل .. حتى ان عيناه إلتقتا اكثر من مرة مع سعاد (التي لا يعرف شكلها) التي حاولت عدم لفت انتباهه 

ثم رنّ جواله , وسمعته سعاد من بعيد وهو يحادث زوجته التي يبدو انها تريده ان يحضر ابنه من المدرسة لأنها ستتأخر في العمل .. فحاول التهرّب بحجّة إنشغاله بموعد عملٍ مهم .. لكنه أغلق المكالمة وهو يتأفّف بغضب , بعد موافقته مُرغماً على فعل ذلك .. 
***

وفور خروجه من المطعم , لحقته سعاد بسيارتها ..الى ان عرفت عنوان المدرسة .. وكانت تنوي اللحاق بهما الى المنزل , لكن الإشارة الحمراء حالت بينهما .. لتعود الى بيتها وهي تخطّط ليوم الغد
***

في ظهر اليوم التالي .. ذهبت سعاد باكراً الى مدرسة ابنه (10 سنوات) لتجده واقفاً في انتظار امه التي يبدو ان من عادتها التأخّر عليه .. 
فاقتربت منه وهي تقول :
- انت مروان ابن المهندس أحمد ؟ 
- نعم , من انت ؟
سعاد : انا معلمتك الجديدة , سأبدأ بتدريسكم غداً .. ولأني أعيش بجوار منزلكم , فقد طلبت مني امك إحضارك لإنشغالها في العمل .. لذلك اشتريت الكثير من الحلوى لنتسلّى بها في الطريق .. هيا بنا 

في بادىء الأمر تردّد الصبي في الذهاب معها , لكن بعد رؤيته الكيس المليء بالحلوى , ركب سيارتها ! 
وأخذته الى منزل صديقتها (التي تعيش فيه هذه الفترة) .. 

وهناك عرفت منه رقم جوال امه .. 
فاتصلت بها لتخبرها : بأنها معلمته الجديدة , وأنها اضطّرت لأخذه الى بيتها بعد ان أصيب بوعكةٍ صحيّة .. وأعطتها عنوان المنزل  
***

بعد ساعة .. وصل فيديو لأحمد من جوّال زوجته .. 
وحين فتحه : رأى زوجته وولده مقيدان بالكرسي , وهما مُكمّما الفم ! 

ثم رأى امرأة تلوّح بسكينٍ ضخم امامها , وهي تقول : 
- هل عرفتني يا أحمد ؟ انا سعاد .. قمت بخطف زوجتك وابنك .. وهما الآن في قبو منزلي .. وان أردّت رؤية ابنك من جديد , عليك ان ترسل على جوال زوجتك , صورة لورقة الطلاق .. سأمهلك يومين فقط للذهاب الى المحكمة وتطليقها .. من بعدها أطلق سراحهما .. وعلى فكرة !! جعلتها تقرأ جميع رسائلك القديمة لي , وكلامك المُسيء عنها , وكيف أوهمتني بالزواج لتخرب بيتي .. كما أريتها رسائلك الغرامية الفاضحة مع ريم , التي هي انا ايضاً .. وباتت تعرف انك رجل غير جدير بالثقة ..(ثم وجّهت الكاميرا اليها) .. أنظر الى المسكينة كيف تبكي بقهر ..

ثم ظهر بالفيديو سعاد وهي تسألها : الا تريدين الطلاق من هذا الخائن ؟
فأومات زوجته برأسها إيجاباً , وهي تبكي بخوف 

وتابعت سعاد كلامها : 
- ارأيت يا أحمد , هي لا تمانع ذلك .. لهذا لا أريد المماطلة في الموضوع .. إرسل صورة عن وثيقة الطلاق , لأدعهما وشأنهما ..لكن في حال اتصلت بالشرطة , سيصلك اول أصبع من ابنك الصغير.. 

وانتهى الفيديو , لينهار احمد من شدة خوفه على عائلته من تلك المجنونة ! 

وأسرع الى سيارته .. لكنه لم يصل للمحكمة في الوقت المناسب لتأخّر الوقت.. فحاول الإتصال على جوال زوجته , لكنه كان مغلقاً! 

وطوال تلك الليلة لم يستطع النوم وهو يفكّر بطريقة للخروج من هذا المأزق 
***  

في ظهر اليوم التالي .. وصلت سعاد صورة لورقة الطلاق (على جوال المخطوفة) والتي أرتها لزوجته التي ما زالت مقيدة مع ابنها في القبو 
حيث قالت سعاد بفرحٍ وارتياح : 
- هاهو طلّقك عزيزتي , وصار بإمكانكما الذهاب
ثم فكّت رباطهما ..

وقبل ان يسرعا بالخروج , نادتها قائلةً :
سعاد : على فكرة !! عليك ان تعلّمي ابنك أن لا يُحادث الغرباء , فهو أخبرني بإسم الشركة التي تعملين بها .. وعنوان اهلك .. ومحل خاله في وسط البلد .. لهذا ان حاولتي الإتصال بالشرطة , فلن يكون صعباً عليّ إختطافه من جديد , حتى لوّ غيّرتِ مدرسته .. وحينها لن أضمن عودته اليك حيّاً  

فردّت الأم وهي ترتجف :  لن أخبر أحداً بما حصل .. أحلف لك!! 
سعاد : أحسنتِ !! كما أريدك ان تنسي أحمد تماماً , فهو أصبح ملكاً لي .. ولا تقلقي عزيزتي , سأعاقبه على خيانته لنا .. الآن خذي ابنك , وإغربي عن وجهي !! 

فأسرعت مع ابنها للخارج , لتقود سيارتها مُبتعدة عن المكان
***

في هذا الوقت .. إتصلت سعاد بأحمد , لتطلب لقاءه في الحديقة العامة..
فصرخ عليها غاضباً (من الجوال) : 
- اين زوجتي وابني ؟ اريد ان أكلّمهما في الحال !!!
سعاد بحزم : هما في مكانٍ آمن ..لكن لن أخبرك بعنوانه , قبل ان نلتقي وجهاً لوجه .. سأكون في الحديقة بعد ساعة .. كُنّ على الموعد !!
***

ووصل الى هناك بأسرع ما يمكنه ..
وركبت سعاد معه بكل هدوء , وكأن شيئاً لم يكن ! وحين أصرّ أحمد على معرفة ما حصل لعائلته , شعر بنصل السكين في خاصرته بعد ان أخرجته من حقيبتها .. وهي تأمره بالذهاب مباشرةً الى المحكمة لعقد قرانهما ! 
فقاد سيارته الى هناك مُجبراً , خوفاً من تهوّرها 
***

وفي الطريق .. قالت له بعصبية , وهي تمسح دموعها : 
- تحمّلتُ عذاب زوجي الحقير ثلاثين سنة ! قبل ان تأتي وتقنعني بالطلاق الذي خسرت به اولادي وجميع معارفي .. لتعود انت الى حياتك مع زوجتك التي تخونها يومياً بمغازلة الأخريات ! .. فهل ظننت إنني لن أعاقبك على خذلانك لي ؟!! 
فأجابها بلؤم : أتدرين .. كان زوجك مُحقّاً بضربه لك , فأنت امرأةٌ مجنونة 

وقد استفزّها كثيراً بهذا الكلام , فقامت بجرح ذراعه بالسكين .. فنشب عراكٌ بينهما , إستطاع فيه أحمد أخذ السلاح بالقوة , ورميه في الشارع .. لتحاول بعدها السيطرة على المقود , رغم سرعة السيارة التي بدأت تترنّح يميناً ويسارا ..وهي تصرخ بهستيريا :
- ستتزوجني غصباً عنك يا أحمد !!!

وظلاً يتشاجران على المقود , الى ان صدمت السيارة بعنف عامود الكهرباء !
*** 

في تلك الليلة .. جلست طليقته وابنه بجوار سريره في المستشفى , وهما يستمعان للطبيب الذي طمّأنهما قائلاً :
- بعد قليل يستيقظ السيد أحمد من العملية .. وستتشافى رضوضه وكسوره خلال شهرين .. عافاه الله

وبعد خروجه , سأل الولد امه بقلق :
- امي .. هل سنعود الى بيتنا بعد شفاء ابي ؟
فأجابته بقهر : ربما .. وربما لا
***

بعد شهر .. عادت مع ابنها وزوجها أحمد (الذي يتوكّأ على عكازه) الى المنزل الذي كتبه بإسمها كشرط عودتها اليه .. وذلك بعد ان قدّم لها الكثير من الإعتذارات والوعود بعدم مغازلة الفتيات على الإنترنت من جديد 
*** 

وفي التُربة .. وقف طليق سعاد امام قبرها , وهو يقول بازدراء :
- ضيعتِ عِشرة 30 سنة , وخسرتِ ولديك وسمعتك امام الناس من اجل حب إنترنت , ايتها المُتصابية العجوز ! .. كم كنت محقاً حين لقّبتك بالبقرة الغبية 

وخرج من المقبرة , وهو يلعن اليوم الذي تزوّجها فيه ! 

هناك 7 تعليقات:

  1. آسفة لتأخري بالنشر لظروف عائلية .. أتمنى ان تعجبكم القصة

    ردحذف
  2. روعة كالعادة❤
    موفقة ❤

    ردحذف
  3. القصة جميلة جدا ...

    ردحذف
  4. ابدعتي استاذه امل
    القصه والنهايه كنت اتمنى تكون نهايه سعيده
    ولكن حب افتراضي متوقع
    نهايته رغم ايمان الزوجه رغم ظلم زوجها به
    لانبرر قسوة الزوج دائما علينا بالحياه التريث بالالتخاذ القرار
    تقبلي احترامي
    اكبد تعرفيني
    نتظر جاكلين وحب افتراضي سعيد مع بعض الاثاره

    ردحذف
  5. قصة غريبة عجيبة مليئة بالأحداث والتشويق سلمت يداكِ أستاذة أمل.

    ردحذف
  6. لازم نحنا معشر النساء نتعظ من العلاقات الافتراضية دائما الخاسر الأمبر فيها نحنا.. هي أحمج رجع لبيتو ومرتو ونجي من الحادث وسعاد خسرت كلشي ليش لنقبل نكون الحلقة الأضعف ونخسر حياتنا وسمعتنا وتتحطم نفسيتنا كرمال أوهام.. النهاية قاسية بس هي الواقع وأكتر علاقات النت نهايتا كسرة قلب وخيبة والقليل بس نهايتو سعيدة.

    ردحذف
  7. يسلم ايديك .. فعلاً قصة تفتح العقول

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...