تأليف : امل شانوحة
تمّ مع بداية السنة إفتتاح مختبر فريد من نوعه , يحوي بداخله حديقة إصطناعية جُمعت فيها انواع مختلفة من الحشرات حول العالم , لتعيش بحرّية في بيئةٍ تُشابه بيئتها الأصلية من نباتاتٍ وأعشاب ومياهٍ راكدة وشجيراتٍ رطبة مع درجات حرارة تناسب استمراريّة كل نوع , تحت مراقبة علماء مختبر متخصصين بدراسة نظام تغذيتها وسلوكها ودفاعها ضدّ الحشرات الأخرى , كما يدرسون آفاتها المرضية على الإنسان وعلى البيئة بشكلٍ عام .. مع حفظ الأنواع النادرة من الحشرات داخل أحواضٍ زجاجية في قسمٍ خاص من الحديقة ..
المميز في هذا المختبر انه إفتتح ابوابه للزوّار والسوّاح سواءً من علماء الطبيعة , او عشّاق عالم الحشرات الغامض الذي يُثير حماسهم ! بشرط ان يلبسوا بذلات سميكة تُشبه بذلة مربيّ النحل لحمايتهم من لدغات العناكب ولسعات الدبابير وغيرهما .. حيث يوجد هناك العنكبوت الذئبيّ الذي يصل حجمه لحجم الكفّ , رغم انه بالحقيقة ليس من الحشرات بل من فصيلة العنكبيات , ومع ذلك ضُمّت انواع مختلفة منه الى الحديقة بناءً على رغبة الزوّار !
***
وفي خلال الشهور المتتالية لافتتاح الحديقة , نجح المختبر نجاحاً باهراً ! إستقطب فيه العديد من الزوّار المواطنين والأجانب الذين سعدوا بهذه التجربة الفريدة من نوعها .. الا ان بعضهم خرج وهو يشعر بالغثيان بعد تجربته المريرة مع الدود والنمل والجراد والبعوض وغيرها من الحشرات المقرفة الطفيليّة ..
اما الآخرون فقد أعجبوا بالقسم المظلم من الحديقة التي زيّنتها الحشرات المضيئة بأنوارها الفسفوريّة ..
وكان يتوجّب عند خروجهم من الحديقة ان يدخلوا غرفة التطهير : حيث يُرشّ بخّاخٌ قويّ يعمل على إزالة الحشرات العالقة على بذلاتهم البيضاء , ليعود الموظف هناك بجمعها وإعادتها الى المحميّة ..
***
وفي إحدى الأيام .. إتصل بهم رجل يسألهم إن كان بإمكانه إحضار ابنه (12 سنة) الى المختبر , كمفاجأة عيد ميلاده لأنه من عشّاق الحشرات .. فطلب المدير منه الإنتظار يومين لحين تحضير بذلة صغيرة تناسب طوله , لأن معظم زوّارهم من البالغين ..
***
وفي اليوم المحدّد .. دخل الولد الى الحديقة وهو في قمّة الحماس والسعادة , وأخذ يستكشف الحشرات التي لطالما آثارت اهتمامه , ويلمسها بقفاز بذلته التي خيطت خصيصاً له .. بينما إكتفى والداه بمشاهدته من كاميرات المراقبة في المختبر لاشمئزازهما من خوض التجربة معه
***
وفي داخل غرفة الحشرات النادرة .. إستغلّ الولد إبتعاد كاميرا المراقبة عنه , ليقوم بسرقة جرادة ملوّنة بألوان قوس قزح ! بعد ان فتح سحّاب بذلته (مُخالفاً تحذيرات المسؤولين) ليضع الجرّادة في جيب بنطاله .. ثم خرج من الحديقة .. ولأن الحشرة في ملابسه , لم يؤثّر عليها البخّاخ المطهّر ..
***
وفي بيته , وضع الصبي الحشرة النادرة في حوض زجاجيّ كان اشتراه سابقاً لعنكبوته الذي مات منذ فترة .. وطلب من اخته الصغيرة إخفاء الأمر عن والديه .. ثم وضع الحوض الصغير تحت سريره
***
وفي أمسيّة إحدى الأيام .. بدأ عامل النظافة الجديد (القادم من بلدٍ أجنبي فقير) يومه الأول في المختبر .. ولأنه لا يتقن الإنجليزية كثيراً , لم يفهم بأن عليه تنظيف المختبر فقط .. لذلك قام بالضغط على الزرّ الذي فتح باب الحديقة الإصطناعية ليقوم بتنظيفها بثياب عمله العادية .. ولأن المختبر كان خالياً من الموظفين بمناسبة الأعياد , لم يلاحظ العامل (في ظلّ الإضاءة الخافتة) الحشرات التي كانت مختبئة في بيوتها ..
وحين وصل الى منتصف الحديقة , شعر بحكّة في ساقه .. وفزع حين رأى دودة ام أربع وأربعين تقرصه بعد ان دخلت بنطاله !
فحاول إخراجها لكنه تعثّر بعصاه ووقع بالبركة الضحلة , لتقوم العلقات بمصّ دمه .. فخرج صارخاً .. وقبل وصوله للباب الرئيسي , لدغته إحدى العناكب السامّة .. فصار يُشير لكاميرات المراقبة بهستيريا لفتح باب الحديقة الذي انغلق تلقائياً عليه (رغم علمه بخلوّ المختبر من الموظفين)
واثناء محاولته إبعاد النمل الأبيض الذي تجمّع حول قدميه , إنغرزت مكنسته بعشّ الدبابير الذي فوق رأسه , ليهجموا عليه بعنفٍ شديد ..
فوقع على الأرض محاولاً إنقاذ وجهه من لدغاتها المؤلمة , وهو يصرخ بوجعٍ شديد بعد ان تورّم جسمه..
وعلى الفور !! تجمّعت الحشرات الجائعة حوله (بعد نسيان الموظف وضع طعامٌ إضافيّ لهم بمناسبة العطلة الرسميّة) ليعلق العامل المسكين تحت كومة من الحشرات المختلفة المخيفة التي هجمت عليه لنهش جسده !
***
بعد انتهاء ايام العطلة .. صُعق مدير المختبر بعد رؤيته (من كاميرا المراقبة) بقايا عامل النظافة التي بانت عظامه , والتي مازال النمل يعمل على إنهاء ما تبقّى من اعضائه الداخلية !
ودبّ الرعب بين الموظفين بعد معرفتهم للخبر .. فاضطرّ المدير إخبار رئيس البلدية (المسؤول عن المشروع) بما حصل , والذي طالبه بإخفاء الموضوع عن الصحافة والزوّار !
وبعد إنهاء المكالمة .. أمر المدير أحد الموظفين بلبس بذلته الواقية ودخول المحميّة لإزالة ما تبقّى من اشلاء عامل النظافة ..
والذي بعد خروجه من الحديقة , أخبر مديره وزملائه بضرورة تكثيف سماكة البذلات بعد ان لاحظ زيادة وحشيّة الحشرات , خاصة الطائرة منها والتي حاولت غرز أبرها فيه اثناء تنظيفه بقايا الجثة !
***
وبالفعل تمّ إيقاف الزيارات لحين تغير نوعيّة البذلات , بحجّة الإصلاحات الداخلية في المختبر ..
وبعد اسبوعين .. أعادوا افتتاحه امام الزوّار المتشوقين لرؤية ودراسة الحشرات من جديد
***
بعد عدة ايام ..خرج آخر الزوّار بعد تضايقه من هجوم البعوض المكثّف عليه , رغم ان ذلك لم يحصل معه في زيارته السابقة للحديقة !
وفي غرفة التطهير .. عاد البعوض الى المحميّة (المفتوح بابها) هروباً من دخان البخّاخ ..
لكن ما لم يلاحظه الموظف (المسؤول في غرفة التطهير) إن إحدى البعوضات الخطيرة علقت إبرتها في بذلة الزائر السميكة .. كما لم يلاحظ هروب ذبابة (تسي تسي) من المحميّة والتي استطاعت دخول المختبر والوقوف على سقفها !
اما البعوضة فقد تحرّرت في غرفة تبديل الملابس بعد ان خلع الزائر بذلته هناك , ثم إقتحمت غرفة مراقبة المختبر دون ان يلاحظها أحد !
***
في المساء .. وبعد إقفال الحديقة وخروج الموظفين , بقيّ الموظف الجديد (الذي عيّنته الإدارة العليا للمراقبة المسائية , كيّ لا تتكرّر حادثة عامل النظافة من جديد) والذي إكتفى بالجلوس امام الكاميرات مُنشغلاً باللعب على جواله , لهذا لم يلاحظ سقوط الذبابة تسي تسي في قهوته , والذي ظلّ يرتشف منها .. بينما حلّقت البعوضة الخطيرة في المكان !
***
وفي صباح اليوم التالي .. لاحظ الزملاء التعب الشديد على وجه الموظف الليليّ , فأخذوه الى غرفة الإستراحة ..والذي نام فيها طوال النهار !
وقبل نهاية اليوم .. شعر بعضهم بحكّة في جلده , لكنهم أكملوا عملهم الروتينيّ ..
***
بعد اسبوع .. دخل بعضهم الى المختبر وهم يترنّحون من التعب بعد ان رفض مديرهم طلبات الإجازة بسبب حمّى أصابتهم , لأن رئيس البلدية (مموّل المشروع) يريد الإجتماع بهم لأمرٍ خطير ! والذي فاجأهم بخبر وفاة الموظف الليليّ بعد غيبوبة دامت لأيام , وبأن المستشفى التي قامت بتشريح الجثة أعلنت إن سبب الوفاة هو تعرّضه لسمّ ذبابة تسي تسي
واثناء محاولة مدير المختبر تبرير الأمر لرئيسه الغاضب , تقيّأ أحد الموظفين المرضى فوق طاولة الإجتماعات .. فعاتبه المدير على سلوكه الشائن والمُخجل !
الا ان رئيس البلدية طلب منه (من خلال الكاميرا) ان يقوم طبيب المختبر بفحص الموظفين المرضى في الحال , لخوفه من تسرّب المزيد من الحشرات الضارة من المحميّة .. كما فاجأ المدير وبقيّة الموظفين بإغلاق ابواب الحديقة والمختبر عليهم (من زرّ تحكّم موجود في مكتبه) لحين ظهور نتائج الفحوصات المخبريّة !
وبعد ساعة .. ظهرت النتيجة التي يخشاها الجميع , حين علموا بأن الموظفين الأربعة أصيبوا بالملاريا .. فاستُنفر الباقون للبحث عن حشراتٍ أخرى هاربة من المحميّة , بعد ان لبسوا بذلاتهم الواقية بناءً على طلب مديرهم
في هذه الأثناء .. دار حوار سرّي بين المدير ورئيس البلدية الذي أخبره (بالجوّال) بضرورة إقفال المشروع نهائياً , لخوفه ان يكون بقيّة الموظفين يحملون أعراض المرض القاتل ..
فحاول المدير الإعتراض على قراره التعسّفي مُبرراً ذلك بنجاح المشروع وتزايد أعداد الزوّار كل يوم , بعد ان ذاع صيت حديقتهم الفريدة التي لا يوجد مثيلٌ لها في انحاء العالم
فردّ عليه رئيس البلدية غاضباً :
- بسبب أخطاء إدارتك للمختبر , قُتل عامل نظافة ..واربعة من موظفيك يحتضرون الآن !! وانا بالتأكيد لن أُعرّض بلادي لخطر إنتشار وباءٍ خطير كالملاريا .. لهذا يجب التخلّص فوراً من هذه المحميّة اللعينة !!
المدير بقلق : لكن سيدي ! لقد جمعنا فيه أندر الحشرات حول العالم , بعد عملٍ مضني لعلمائنا الذين أمضوا سنواتٍ طويلة في البحث عنهم في غابات ومستنقعات البلاد النائية والجزر الخطيرة التي ..
الرئيس مقاطعاً : بلادي اهم من أبحاثكم السخيفة !! اساساً لم أكن راضياً تماماً عن هذا المشروع منذ البداية
المدير وهو يمسك جواله مرتجفاً بخوف : ومالذي قرّرت فعله ؟!
فضغط رئيس البلدية على الزرّ الأحمر في مكتبه .. ليخرج دخانٌ مميت من سقف المختبر ومن جوانب المحميّة .. وأخذ يراقب من شاشة حاسوبه : المدير والموظفين وهم يحاولون إلتقاط انفاسهم بصعوبة مُحاولين فتح ابواب المختبر المقفلة عليهم بإحكام , الى ان وقعوا جميعاً على الأرض جثثٍ هامدة !
كما راقب الحشرات وهي تتناثر هنا وهناك , بعد انتشار الدخان السامّ في كل قسم من الحديقة , حتى انقلب معظمها على ظهره دون حراك ..
من بعدها ..إتصل رئيس البلدية ببعض رجاله وأمرهم بدخول المختبر مساءً , لإخراج جثث الموظفين من هناك بسرّيةٍ تامة .. والذين قاموا لاحقاً بلبس أقنعة الأكسجين لدخول الحديقة وتكنيس الحشرات الميتة المتناثرة في كل مكان بإعدادها الهائلة !
وبعد تأكّدهم من تنظيف آثار الجريمة , أُعلن في اليوم التالي إغلاق المختبر نهائياً امام الزوّار الذي أحزنهم هذا القرار المُبهم !
***
لكن ما لا يعرفه رئيس البلدية : هو ان الجرادة الملوّنة النادرة التي سرقها الولد من هناك , إستطاعت الهرب من حوضه الزجاجيّ والقفز من نافذة غرفته المفتوحة مُتوجهة للشاطىء القريب من بيته .. حيث وضعت تحت الرمال آلاف البيوض التي ستُفقص قريباً , لتُخرج نوعاً غريباً من الجراد ليس له دواء مضاد سيُهاجم البلدة والعالم أجمع , مُنذراً بمجاعةٍ عالمية وكارثة إنسانيةٍ لم يرى أحدٌ مثلها من قبل !
مختبر لحشرات العالم
تمّ مع بداية السنة إفتتاح مختبر فريد من نوعه , يحوي بداخله حديقة إصطناعية جُمعت فيها انواع مختلفة من الحشرات حول العالم , لتعيش بحرّية في بيئةٍ تُشابه بيئتها الأصلية من نباتاتٍ وأعشاب ومياهٍ راكدة وشجيراتٍ رطبة مع درجات حرارة تناسب استمراريّة كل نوع , تحت مراقبة علماء مختبر متخصصين بدراسة نظام تغذيتها وسلوكها ودفاعها ضدّ الحشرات الأخرى , كما يدرسون آفاتها المرضية على الإنسان وعلى البيئة بشكلٍ عام .. مع حفظ الأنواع النادرة من الحشرات داخل أحواضٍ زجاجية في قسمٍ خاص من الحديقة ..
المميز في هذا المختبر انه إفتتح ابوابه للزوّار والسوّاح سواءً من علماء الطبيعة , او عشّاق عالم الحشرات الغامض الذي يُثير حماسهم ! بشرط ان يلبسوا بذلات سميكة تُشبه بذلة مربيّ النحل لحمايتهم من لدغات العناكب ولسعات الدبابير وغيرهما .. حيث يوجد هناك العنكبوت الذئبيّ الذي يصل حجمه لحجم الكفّ , رغم انه بالحقيقة ليس من الحشرات بل من فصيلة العنكبيات , ومع ذلك ضُمّت انواع مختلفة منه الى الحديقة بناءً على رغبة الزوّار !
***
وفي خلال الشهور المتتالية لافتتاح الحديقة , نجح المختبر نجاحاً باهراً ! إستقطب فيه العديد من الزوّار المواطنين والأجانب الذين سعدوا بهذه التجربة الفريدة من نوعها .. الا ان بعضهم خرج وهو يشعر بالغثيان بعد تجربته المريرة مع الدود والنمل والجراد والبعوض وغيرها من الحشرات المقرفة الطفيليّة ..
اما الآخرون فقد أعجبوا بالقسم المظلم من الحديقة التي زيّنتها الحشرات المضيئة بأنوارها الفسفوريّة ..
وكان يتوجّب عند خروجهم من الحديقة ان يدخلوا غرفة التطهير : حيث يُرشّ بخّاخٌ قويّ يعمل على إزالة الحشرات العالقة على بذلاتهم البيضاء , ليعود الموظف هناك بجمعها وإعادتها الى المحميّة ..
***
وفي إحدى الأيام .. إتصل بهم رجل يسألهم إن كان بإمكانه إحضار ابنه (12 سنة) الى المختبر , كمفاجأة عيد ميلاده لأنه من عشّاق الحشرات .. فطلب المدير منه الإنتظار يومين لحين تحضير بذلة صغيرة تناسب طوله , لأن معظم زوّارهم من البالغين ..
***
وفي اليوم المحدّد .. دخل الولد الى الحديقة وهو في قمّة الحماس والسعادة , وأخذ يستكشف الحشرات التي لطالما آثارت اهتمامه , ويلمسها بقفاز بذلته التي خيطت خصيصاً له .. بينما إكتفى والداه بمشاهدته من كاميرات المراقبة في المختبر لاشمئزازهما من خوض التجربة معه
***
***
وفي بيته , وضع الصبي الحشرة النادرة في حوض زجاجيّ كان اشتراه سابقاً لعنكبوته الذي مات منذ فترة .. وطلب من اخته الصغيرة إخفاء الأمر عن والديه .. ثم وضع الحوض الصغير تحت سريره
***
وفي أمسيّة إحدى الأيام .. بدأ عامل النظافة الجديد (القادم من بلدٍ أجنبي فقير) يومه الأول في المختبر .. ولأنه لا يتقن الإنجليزية كثيراً , لم يفهم بأن عليه تنظيف المختبر فقط .. لذلك قام بالضغط على الزرّ الذي فتح باب الحديقة الإصطناعية ليقوم بتنظيفها بثياب عمله العادية .. ولأن المختبر كان خالياً من الموظفين بمناسبة الأعياد , لم يلاحظ العامل (في ظلّ الإضاءة الخافتة) الحشرات التي كانت مختبئة في بيوتها ..
وحين وصل الى منتصف الحديقة , شعر بحكّة في ساقه .. وفزع حين رأى دودة ام أربع وأربعين تقرصه بعد ان دخلت بنطاله !
فحاول إخراجها لكنه تعثّر بعصاه ووقع بالبركة الضحلة , لتقوم العلقات بمصّ دمه .. فخرج صارخاً .. وقبل وصوله للباب الرئيسي , لدغته إحدى العناكب السامّة .. فصار يُشير لكاميرات المراقبة بهستيريا لفتح باب الحديقة الذي انغلق تلقائياً عليه (رغم علمه بخلوّ المختبر من الموظفين)
واثناء محاولته إبعاد النمل الأبيض الذي تجمّع حول قدميه , إنغرزت مكنسته بعشّ الدبابير الذي فوق رأسه , ليهجموا عليه بعنفٍ شديد ..
فوقع على الأرض محاولاً إنقاذ وجهه من لدغاتها المؤلمة , وهو يصرخ بوجعٍ شديد بعد ان تورّم جسمه..
وعلى الفور !! تجمّعت الحشرات الجائعة حوله (بعد نسيان الموظف وضع طعامٌ إضافيّ لهم بمناسبة العطلة الرسميّة) ليعلق العامل المسكين تحت كومة من الحشرات المختلفة المخيفة التي هجمت عليه لنهش جسده !
***
بعد انتهاء ايام العطلة .. صُعق مدير المختبر بعد رؤيته (من كاميرا المراقبة) بقايا عامل النظافة التي بانت عظامه , والتي مازال النمل يعمل على إنهاء ما تبقّى من اعضائه الداخلية !
ودبّ الرعب بين الموظفين بعد معرفتهم للخبر .. فاضطرّ المدير إخبار رئيس البلدية (المسؤول عن المشروع) بما حصل , والذي طالبه بإخفاء الموضوع عن الصحافة والزوّار !
وبعد إنهاء المكالمة .. أمر المدير أحد الموظفين بلبس بذلته الواقية ودخول المحميّة لإزالة ما تبقّى من اشلاء عامل النظافة ..
والذي بعد خروجه من الحديقة , أخبر مديره وزملائه بضرورة تكثيف سماكة البذلات بعد ان لاحظ زيادة وحشيّة الحشرات , خاصة الطائرة منها والتي حاولت غرز أبرها فيه اثناء تنظيفه بقايا الجثة !
***
وبالفعل تمّ إيقاف الزيارات لحين تغير نوعيّة البذلات , بحجّة الإصلاحات الداخلية في المختبر ..
وبعد اسبوعين .. أعادوا افتتاحه امام الزوّار المتشوقين لرؤية ودراسة الحشرات من جديد
***
بعد عدة ايام ..خرج آخر الزوّار بعد تضايقه من هجوم البعوض المكثّف عليه , رغم ان ذلك لم يحصل معه في زيارته السابقة للحديقة !
وفي غرفة التطهير .. عاد البعوض الى المحميّة (المفتوح بابها) هروباً من دخان البخّاخ ..
لكن ما لم يلاحظه الموظف (المسؤول في غرفة التطهير) إن إحدى البعوضات الخطيرة علقت إبرتها في بذلة الزائر السميكة .. كما لم يلاحظ هروب ذبابة (تسي تسي) من المحميّة والتي استطاعت دخول المختبر والوقوف على سقفها !
اما البعوضة فقد تحرّرت في غرفة تبديل الملابس بعد ان خلع الزائر بذلته هناك , ثم إقتحمت غرفة مراقبة المختبر دون ان يلاحظها أحد !
***
في المساء .. وبعد إقفال الحديقة وخروج الموظفين , بقيّ الموظف الجديد (الذي عيّنته الإدارة العليا للمراقبة المسائية , كيّ لا تتكرّر حادثة عامل النظافة من جديد) والذي إكتفى بالجلوس امام الكاميرات مُنشغلاً باللعب على جواله , لهذا لم يلاحظ سقوط الذبابة تسي تسي في قهوته , والذي ظلّ يرتشف منها .. بينما حلّقت البعوضة الخطيرة في المكان !
***
وفي صباح اليوم التالي .. لاحظ الزملاء التعب الشديد على وجه الموظف الليليّ , فأخذوه الى غرفة الإستراحة ..والذي نام فيها طوال النهار !
وقبل نهاية اليوم .. شعر بعضهم بحكّة في جلده , لكنهم أكملوا عملهم الروتينيّ ..
***
بعد اسبوع .. دخل بعضهم الى المختبر وهم يترنّحون من التعب بعد ان رفض مديرهم طلبات الإجازة بسبب حمّى أصابتهم , لأن رئيس البلدية (مموّل المشروع) يريد الإجتماع بهم لأمرٍ خطير ! والذي فاجأهم بخبر وفاة الموظف الليليّ بعد غيبوبة دامت لأيام , وبأن المستشفى التي قامت بتشريح الجثة أعلنت إن سبب الوفاة هو تعرّضه لسمّ ذبابة تسي تسي
واثناء محاولة مدير المختبر تبرير الأمر لرئيسه الغاضب , تقيّأ أحد الموظفين المرضى فوق طاولة الإجتماعات .. فعاتبه المدير على سلوكه الشائن والمُخجل !
الا ان رئيس البلدية طلب منه (من خلال الكاميرا) ان يقوم طبيب المختبر بفحص الموظفين المرضى في الحال , لخوفه من تسرّب المزيد من الحشرات الضارة من المحميّة .. كما فاجأ المدير وبقيّة الموظفين بإغلاق ابواب الحديقة والمختبر عليهم (من زرّ تحكّم موجود في مكتبه) لحين ظهور نتائج الفحوصات المخبريّة !
وبعد ساعة .. ظهرت النتيجة التي يخشاها الجميع , حين علموا بأن الموظفين الأربعة أصيبوا بالملاريا .. فاستُنفر الباقون للبحث عن حشراتٍ أخرى هاربة من المحميّة , بعد ان لبسوا بذلاتهم الواقية بناءً على طلب مديرهم
في هذه الأثناء .. دار حوار سرّي بين المدير ورئيس البلدية الذي أخبره (بالجوّال) بضرورة إقفال المشروع نهائياً , لخوفه ان يكون بقيّة الموظفين يحملون أعراض المرض القاتل ..
فحاول المدير الإعتراض على قراره التعسّفي مُبرراً ذلك بنجاح المشروع وتزايد أعداد الزوّار كل يوم , بعد ان ذاع صيت حديقتهم الفريدة التي لا يوجد مثيلٌ لها في انحاء العالم
فردّ عليه رئيس البلدية غاضباً :
- بسبب أخطاء إدارتك للمختبر , قُتل عامل نظافة ..واربعة من موظفيك يحتضرون الآن !! وانا بالتأكيد لن أُعرّض بلادي لخطر إنتشار وباءٍ خطير كالملاريا .. لهذا يجب التخلّص فوراً من هذه المحميّة اللعينة !!
المدير بقلق : لكن سيدي ! لقد جمعنا فيه أندر الحشرات حول العالم , بعد عملٍ مضني لعلمائنا الذين أمضوا سنواتٍ طويلة في البحث عنهم في غابات ومستنقعات البلاد النائية والجزر الخطيرة التي ..
الرئيس مقاطعاً : بلادي اهم من أبحاثكم السخيفة !! اساساً لم أكن راضياً تماماً عن هذا المشروع منذ البداية
المدير وهو يمسك جواله مرتجفاً بخوف : ومالذي قرّرت فعله ؟!
فضغط رئيس البلدية على الزرّ الأحمر في مكتبه .. ليخرج دخانٌ مميت من سقف المختبر ومن جوانب المحميّة .. وأخذ يراقب من شاشة حاسوبه : المدير والموظفين وهم يحاولون إلتقاط انفاسهم بصعوبة مُحاولين فتح ابواب المختبر المقفلة عليهم بإحكام , الى ان وقعوا جميعاً على الأرض جثثٍ هامدة !
كما راقب الحشرات وهي تتناثر هنا وهناك , بعد انتشار الدخان السامّ في كل قسم من الحديقة , حتى انقلب معظمها على ظهره دون حراك ..
من بعدها ..إتصل رئيس البلدية ببعض رجاله وأمرهم بدخول المختبر مساءً , لإخراج جثث الموظفين من هناك بسرّيةٍ تامة .. والذين قاموا لاحقاً بلبس أقنعة الأكسجين لدخول الحديقة وتكنيس الحشرات الميتة المتناثرة في كل مكان بإعدادها الهائلة !
وبعد تأكّدهم من تنظيف آثار الجريمة , أُعلن في اليوم التالي إغلاق المختبر نهائياً امام الزوّار الذي أحزنهم هذا القرار المُبهم !
***
لكن ما لا يعرفه رئيس البلدية : هو ان الجرادة الملوّنة النادرة التي سرقها الولد من هناك , إستطاعت الهرب من حوضه الزجاجيّ والقفز من نافذة غرفته المفتوحة مُتوجهة للشاطىء القريب من بيته .. حيث وضعت تحت الرمال آلاف البيوض التي ستُفقص قريباً , لتُخرج نوعاً غريباً من الجراد ليس له دواء مضاد سيُهاجم البلدة والعالم أجمع , مُنذراً بمجاعةٍ عالمية وكارثة إنسانيةٍ لم يرى أحدٌ مثلها من قبل !
كل عام وانتم بخير .. إشتقت لكم وللكتابة من جديد .. أتمنى ان تنال قصتي هذه إعجابكم
ردحذفكل عام وأنت بألف خير ونحن أيضاً اشتقنا لك ولكتاباتك كثيراً.. أعجبتني قصتك كثيراً كالعادة لا يوجد قصة لك لم تعجبني.
ردحذفابداع الاستاذه امل كالعاده
ردحذفولكن حشرات تنفع فلم عنها
اتمى نرى جديدك مع جاكلين
جميلة جدا
ردحذف