الأربعاء، 18 يناير 2023

الحارس المتفاني

تأليف : امل شانوحة 

 

الإبن البارّ 


تجاوزت شهرتها العالم العربي بعد غنائها بعدّة لغات ، بسهراتٍ فنّية حول العالم .. إسمها الحقيقيّ سلمى لكنها انشهرت بإسم إليزابيل التي تمتّعت بقوّة صوتها وتعدّد طبقاته التي عجزت عنها فنّانات عصرها ، حتى أصبحت أيقونة الغناء العربي .. 

هذا عدا عن جمالها الخلاّب الذي تغزّل به الشعراء والمؤلفين ، خاصة سمير : المُلحّن الذي رافقها منذ بداية نشاطها الفنّي بعمر المراهقة ، بينما يكبرها بسبع سنوات .. 


ومنذ نجاحها بأغنيتها الأولى التي بيعت منها آلاف الأشرطة بثمانينات القرن الماضي ، أصبح سمير مهووساً بها.. فهو لم يلحّن بحياته لسواها ، ولم يعشق احداً غيرها ! وكان الجميع في الوسط الفنّي يعرف بعلاقتهما البريئة واحترامهما الكبير لبعضهما .. 


لكن هذا لم يمنع الشاب السياسيّ النافذ في عصرها ، من وضعها ضمن لائحة الفتيات اللآتي يرغب بمواعدتهن .. فلا احد من الفنّانات استطاعت رفض طلبه بعد إنتشار صيته ، بتعذيبه وقتل كل من حاولت تجنّبه او التأخّر عن مواعيده المحددّة ! 

حتى المتزوجات منهن ، لم يسلمنّ من شرّه .. وبعضهن إعتزلت الفن رغم نجاحها ، او هاجرت للخارج هرباً منه .. لتجدها الشرطة مقتولة بظروفٍ غامضة ، حتى أصبح حبه لعنة لا يمكن الإفلات منها !

***


وفي ذلك المساء .. تلقّت إليزابيل إتصاله المشؤوم بصوته الأجشّ وهو يبشرّها باختياره لها ، وإرسال رجاله لأخذها اليه .. 

فانهارت باكية امام وليد (حارسها الشخصيّ) الذي فاجأها بإخراج مسدسه ، فور سماعه سياراتٍ تقترب من حديقة قصرها .. آمراً إليزابيل بالإختباء بغرفتها ، وعدم الخروج مهما حصل .. 

فقالت بخوف :

- هل جننت يا وليد ؟! سيقتلك رجاله

- هذا إن لم اقتلهم اولاً .. هيا بسرعة !! ولا ترتعبي من صوت الطلقات .. لن أتركك وحدك ، أعدك بذلك


فصعدت وهي ترتجف بقوة ، وأقفلت بابها بإحكام .. 

بينما خرج حارسها نحو الجنود الخمسة الذين ترجّلوا من سيارتهم العسكريّة ، فور منعهم دخول القصر .. 

قائلاً قائدهم :

- هل جننت ؟ نحن مُرسلون من قبل السيد .. 

وليد مقاطعاً : أعرف اللعين الذي ارسلكم !!

- كيف تتجرّأ على قول ..


وقبل إكمال كلامه .. سقط الواحد تلوّ الآخر برصاصات وليد القنّاص ، حتى قتل اربعة منهم .. 


بينما سارع قائدهم الجريح الى سيارته .. وقبل خروجه من حديقة القصر ، صرخ وليد بعلوّ صوته : 

- إخبر سيدك أنني سأقتل كل من يقترب من السيدة إليزابيل !! 

فتمّتم قائد الجنود غاضباً : ستندم ايها الحقير  


وبعد هروبه .. دفن وليد الجثث الأربعة في الحديقة ، كيّ لا تخاف إليزابيل منهم  

***


بعد ساعة .. وقبل انتهائها من حزم حقيبتها للهرب مع حارسها ، قدِمَ السياسي الشاب بنفسه مع ثلاثة من اقوى رجاله الى القصر !


وكانت إليزابيل مازالت في غرفتها ، اثناء مراقبتها حارسها وهو يُطلق النار عليهم من نافذة صالة القصر .. ولأنه خبير بالسلاح ، تمكّن من قتل الرجال الثلاثة ..مما ارعب السياسيّ الذي حاول الهرب .. 

إلاّ ان وليد أصاب عجلته الأماميّة ، جعلته يفقد السيطرة على سيارته ويصطدم بجدار الحديقة.. 


ثم توجّه وليد نحوه ، ليجده ينزف من رأسه الذي ارتطم بقوة في المقوّد .. وكان رافعاً يديه وهو ينصحه بالهدوء والترويّ ، فوالده رئيس الحكومة وسيعدمه إن لم يعد سالماً..

لكن هذا لم يمنع وليد من إفراغ مسدسه برأس الشاب الفاسد !


فنزلت إليزابيل فزعة اليه ، وهي تبكي بأحضان حارسها الشجاع :

- ماذا فعلت يا مجنون ؟! هو الإبن الوحيد للرئيس الذي سيقتلك مع عائلتك ، وكل من يمتّ لك بصلة !! 

وليد : انا يتيم ، وانت كل عائلتي .. رجاءً اتصلي بالملحّن سمير ، فهو الوحيد القادر على إنقاذك .. احبك جداً ، لا تنسي ذلك


ووضع مسدسه في فمه ، وأطلق النار منتحراً .. وسط صراخ إليزابيل الهستيريّ

***  


في تلك الليلة الباردة .. لم يكترث احد لصوت الطلقات القادمة من رأس الجبل المبني عليه قصر إليزابيل الفخم ، ظناً بأنها إحدى حفلاتها الصاخبة 


اما هي ، فسمعت نصيحة وليد : واتصلت بحبيبها سمير الذي سارع بالقدوم اليها .. وأخذِها الى منزله في الأرياف ، البعيدة عن العاصمة 

***


لم تُعرف الحادثة إلاّ بنهاية الإسبوع .. بعد مرور معجبين بجانب القصر ، واشتمامهم لرائحة الجثث المتحلّلة ! 

ووصل الخبر للإعلام : عن مقتل ابن الرئيس في قصر الفنانة المشهورة التي اختفت عن الأنظار لسنتين ، بعد زواجها من الملحّن 

 

وقبل ولادة طفلها الأول .. سمع احد رجال المخابرات صوت غنائها المميز ، اثناء مروره بين اكواخ المزارعين ! 

وسرعان ما وصل الخبر لمكتب رئيس الجمهورية الذي طالب بإحضارها مع زوجها الى مخزنٍ سرّي مُخصّص لتعذيب معارضيه! 

وكان متواجداً في القبو : الطبيب النسائيّ ، لعلم الرئيس بحملها بالشهر الأخير ..

***


في البداية أخبرتهم إليزابيل بالحقيقة ، وأن حارسها هو من قتل ابنه ورجاله .. 

لكن الرئيس لم يصدّق ذلك ، وأصرّ على معاقبة زوجها بدلاً عنه ! لتشاهدهم وهم يعذّبون حبيبها حتى الموت ..


وكانت رؤيتها لجثته تُرمى بالأسيد ، سبباً في ولادتها المبكّرة .. وفقدان عقلها الذي جعلها تعيش في دار المجانين حتى نهاية عمرها!

***


كل التعذيب الذي ذُكر في المقطع السابق ، شاهده الزوجان من خلال كوابيسهما المتكرّرة .. دون معرفة السبب الذي جعلهما يريان المنام المزعج ذاته ، الذي لم يعيشانه في الواقع !

  

فما حصل بالحقيقة : أن صديق وليد (المنتحر) إستطاع تهريب إليزابيل وزوجها للخارج عن طريق البحر ، قبل دقائق من وصول جنود الرئيس الى كوخهم في الريف (بعد انكشاف مخبأهما)  


وعاشا بالغربة مع ابنهم الوحيد الذي راقبهما كل مساء ، وهما يلحّنان أغاني ألّفاها سويّاً .. وسجّلاها ضمن أشرطة إحتفظا بها ، لأبنهما الذي وعدهما بنشرها يوماً ما.. 

فرغم وفاة رئيس الجمهورية منذ سنوات إلاّ انهما مازالا يخافان من رجاله ، لذا طلبا نشرها بعد وفاتهما !


فهما عاشا بالغربة بهويّاتٍ مزوّرة طوال حياتهما ، دون علم اصدقائهما الأجانب بموهبتهما المميزة .. واعتاشا من بقالةٍ افتتحاها من مالٍ كان بحوزتهما ، لحظة هروبهما من الوطن.. 


وبعد كبرهما في السن ، تكفّل ابنهما الذي أصبح عالماً فيزيائيّ بكل مصاريفهما .. والذي شاهدهما كل ليلة وهما يشكران الله على الحارس وليد وصديقه الّلذين أنقذا حياتهما من السياسي الفاسد ووالده الظالم

***


لكني ايها القرّاء سأكشف لكم السرّ الذي لا يعرفه والدايّ (إليزابيل والملحّن سمير) : وهو أن الكوابيس التي يشاهدانها باستمرار ، هي لذكرياتٍ حصلت بالفعل !


فالحارس وليد ، كان جباناً وهرب فور رؤيته الجنود الخمسة يقتحمون قصرها ! لتصبح رهينة السياسي الفاسد الذي استغلّها لشهور ، قبل قيام ابي الشجاع بتهريبها الى الأرياف

لكن فرحتهما لم تكتمل بعد تمكّن رئيس الجمهوريّة من القبض عليهما  وإذابة جسد ابي امام عينيها ، ممّا أفقدها عقلها .. 


اما انا ، فرماني بدار الأيتام بالخارج .. فتبنّاني استاذٌ جامعيّ حرص على تعليمي ، لأصبح عبقرياً بالعلوم .. 

واستطعت بعد جهدٍ كبير من إختراع جهازين سرّيين : احدهما يعيدني لزمن الماضي ، والثاني يسمح لي بتجسّد أجسام الآخرين ! 

^^^


وبعودتي للثمانينات .. تعمّدت قتل وليد (على هيئة إنتحار) لخذلانه امي وعدم دفاعه عنها ، رغم راتبه الخياليّ ! 


اما الرجل الآخر : فلم يكن صديقه ، بل صحفي شُهر بنقده الّلاذع للدولة دون خوفه من العواقب .. وكنت بحاجة لجرأته لتهريب والدايّ للخارج ..

^^^


بعد عودتي معهما للحاضر .. لاحظت تغيّر ألبوم صورنا بالكامل ، والذي امتلأ بلحظاتنا السعيدة كعائلةٍ متماسكة محبّة ! 

بعكس فترة شبابي السابقة التي قضيتها بزيارة امي في مستشفى المجانين ، لأسمعها مراراً وهي تمدح والدي الذي دافع عن حبها حتى الموت !  

***


((والآن بعد أن علمتم سرّي الذي أخفيته لسنوات : إن كان أحدكم يريد تغيّر ماضيه ، فليتصل بي .. لكن بسرّيةٍ تامّة)) 


هناك 7 تعليقات:

  1. هل اليزابيل هذا اختراع جديد ؟
    كالخواريف يعني ...هههه

    حسنا عم الزمكان حفيد اينشتاين اريدك ان ترجعني لعام 1898 حيث ولد جدي وليكن
    في يوم السبوع فاحمل جدي البيبي ثم القيه في الترعه كده يعني كانه تفلت كي يلقي حتفه ولا من شاف ولا من دري
    ثم تعيدني في عام 2115 في يوم 18 نوفمبر
    حيث سيكون اول يوم لعرض فيلم 100 years the movie you will never see
    حتى ارتاح من الانتظار لان من يوم ما اعلن
    عنه والفضول يقتلني صراحة

    ردحذف
    الردود
    1. آسفة جهازي يعيدك للماضي فقط ، وليس المستقبل .. احفادك سيشاهدون الفيلم ، هذا ان وجد كهرباء في عصرهم ..

      حذف
    2. أحقاً ؟!
      اريد أن اعود للماضي حتى اودع امي قبل وفاتها.. اريد ان احتظنها بكامل قوتي..فهل يمكنك ذلك ؟ ام هذا صعب؟؟!

      حذف
    3. رحمها الله ، .. ذكّرتني بشيءٍ غريب حصل لي ايام الجامعة : كنت ادرس للإمتحان قبيل الفجر ، وبجانبي كوب النسكافيه الساخن .. لم اكن اشعر بالنعاس مطلقاً .. أغمضت عيني لثواني .. وحين فتحتها ، رأيت يديّ وكأني طفلة في السابعة ! فنظرت حولي ، لأجد أنني عدّت لبيتنا القديم .. فخرجت من غرفتي ، لأرى اخوتي يلعبون بالغرفة الثانية وقد عادوا صغاراً .. وامي وابي بالصالة بعمر الشباب .. اول شيء تذكّرته هو جارتي التي كانت بمثابة جدة لي ولأخوتي ، لشدة حنانها علينا .. لكنها توفيت فور سفرنا للسعودية ، حين اصبحت بعمر السابعة والنصف .. ففتحت باب شقتنا ونزلت مسرعة الى بيتها .. وطرقت بكلتا يدي وانا ابكي بشوقٍ كبير .. وما ان رأيتها ، حتى احتضنتها بقوة .. وشممت رائحة الصابون المميز بشعرها المبلول ، وأحسست بدفء حضنها .. وكانت مستغربة من بكائي ..
      وفجأة ! عدت لغرفتي بجانب كتبي الجامعية ، وكوب النيسكافيه مازال ساخناً .. لم اكن مسندةً رأسي على الطاولة او حتى على الكرسي ، مما يؤكد انني لم اكن نائمة .. فهل انتقلت للعالم الموازي خلال ثواني ؟ لا ادري ! مازال هذا لغز كبير في حياتي ..
      اتمنى لك ان تشاهد مثل هذه الرؤية التي تعيدك الى الماضي لتشبع من حنان امك ، صبّرك الله على فراقها

      حذف
    4. أحقا ..هذا جميل جداً. . لا اعلم ربما انتقلت روحكِ حقاً .. او ربما كانت رؤية، فالله لا يترك عباده ابداً.. انا استطيع الصبر، لكن ذكرياتها هي من تحطمني تماماً.. فكل شيء منها حتى هاتفي .. فقد أهدتني اياه قبل سنتين عند تخرجي من الأبتدائية
      رحمها الله.. اتمنى ان يحدث لي كما حدث لك ربما سيخفف عني قليلاً
      تحياتي لك..

      حذف
    5. أتمنى ان يهدئ الله بالك بمنامٍ جميل .. تحياتي لك

      حذف
  2. قصة شيقة ولفتني فيها خيال العودة للزمن بل كثيرا ما تهويني هذه الفكرة الخيالية العودة بالزمن للوراء وتغيير الأحداث التاريخية

    ردحذف

لقاءٌ ساحر (الجزء الأخير)

تأليف : الأستاذ عاصم تنسيق : امل شانوحة  رابط الجزء الأول من القصة : https://www.lonlywriter.com/2024/10/blog-post_4.html مفتاح الحرّية بعد ...