الجمعة، 20 يناير 2023

البئر المهجور

تأليف : امل شانوحة 

الوعد المؤجّل


في ذلك العصر .. قاد احمد سيارته الأجرة في الطريق العام ، قبل رؤيته عجوزاً يمشي بسرعة ، وهو يتلفّت حوله بارتباكٍ شديد !

فتوقف بجانبه ، ليسأله :

- هل تريدني أن أوصلك لمكانٍ ما ؟


فأسرع العجوز بفتح باب السيارة ، والجلوس في المقعد الخلفيّ .. مُتنهّداً بارتياح :

- مشيت لساعتين ، دون توقف سيارة واحدة لمساعدتي !

احمد : واين تريد الذهاب ؟

- إكمل سيرك للأمام ، يا بنيّ

***


في الطريق .. سأله احمد :

- نحن نسير منذ ساعة ، وقريباً سنصل للطريق الصحراويّ..فأين منزلك يا عم ؟ هل تريد ..


وقبل إكمال سؤاله ، شعر بنصل سكينٍ حادّ يوضع على رقبته ! لدرجة جعلته ينحرف بالسيارة يميناً ويساراً .. فصرخ احمد غاضباً:

- أتهدّدني بالسلاح ، وانا احاول مساعدتك ؟!!

العجوز بحزم : إسمعني جيداً !! اريدك أن تتعمّق بالصحراء 

- سنعلق بالرمال !

- ليس قبل قطعنا مسافةً جيدة فوق الكثبان الرمليّة 

احمد بعصبية : ماذا تريد بالضبط ، هل انت مجنون ؟!!

العجوز : لا أنصحك بإثارة أعصابي ، فأنا مستعد لارتكاب جريمة لإنقاذ عائلتي

- وما دخل عائلتك بالأمر ؟!


فأبعد العجوز السكين عن رقبة أحمد ، قائلاً بضيق :

- حسناً ، سأخبرك القصة منذ البداية .. كنت بمثل عمرك حينما سمحت لعسكريّاً تائهاً بالطريق ، بالركوب معي .. ففي زماني لم يملك الكثيرون السيارات.. 

أحمد بعصبية : إكمل يا عم !!

- كان صامتاً طوال الوقت .. قبل أن يُفاجأني بلكمةٍ قويّة ، أفقدتني الوعيّ ! وحينما استيقظت ، وجدّت نفسي بالصحراء ، وسيارتي مسروقة .. وربما خطّط لبيعها قطعاً ، فهي أفضل من رواتب العسكريين القليلة ! 


احمد باهتمام : ثم ماذا حصل ؟

- مشيت مسافةً طويلة في الظلام الدامس ، الى ان رأيت مواقد النار لخيام البدو .. ومن شدة جوعي ، إقتحمت مجلس النساء بعد اشتمامي رائحة طعامهن .. مما أغضب رئيس القبيلة الذي لم يرضى بسماع حجّتي ، وأمر برميّ في بئرهم الجافّ الذي أمضيت فيه ثلاثة ليالي مع العقارب .. وعندما أوشكت على الموت ، خطرت ببالي فكرة : وهي الإستفادة من قطعتي الخشب المرمية في قعره .. فصرت أحشر كل قطعة بفراغات حجارة البئر ، ثم أقف عليها .. لأعود وأحشر القطعة الثانية فوقها..


احمد : يعني حوّلتهما الى ادراج ؟

- بالضبط !! إلى أن خرجت من قبري ، آخر الليل .. واستغلّيت نوم الملاعين لسرقة إحدى الخيول .. وحين وصلت للشارع العام في الصباح ، أطلقت سراح الحصان ..وركبت في شاحنة ، أعادتني الى منزلي 

احمد : حسناً ، وما دخلي انا بالموضوع ؟

- لم أنهي قصتي بعد .. لسوء حظي سرقت حصان ابن زعيمهم ، ويبدو احدهم إقتفى أثري .. 

احمد : وهل عرفوا عنوان منزلك ؟

- وأحرقوه بالكامل 

- وماذا عن عائلتك ؟

العجوز : كنت أعيش وحدي أنذاك .. 

- وهل انت متأكّد أن البدو فعلوا ذلك ؟

- ليس لديّ اعداء غيرهم 


احمد : قصتك حزينة

- هذه الحادثة أصابتني بالنحس ، فلم أتوفّق بعدها ابداً ! وخسرت عدة اعمالٍ متتالية ، حتى أصبحت مشرّداً بالشوارع .. الى ان ساعدني اهل الخير ، ووظّفوني كحارس عمارة .. وزوّجوني من امرأةٍ يتيمة ، أنجبت لي طفلاً قبل ايام  

احمد : اذاً تحسّنت حياتك ، فلما خطفتني ؟! 


وهنا ! انغرزت السيارة بالرمال ، فصرخ أحمد غاضباً :

- هل انت سعيدٌ الآن ؟!!

فعاد العجوز يهدّده بالسكين : ترجّل من السيارة 

- ماذا تريد مني يا رجل ؟ عدّ لزوجتك وطفلك

- هذا ما اريده بالفعل .. هيا إنزل دون جدال

***


بعد أن مشيا مسافةً طويلة على الأقدام ، وصلا لبئرٍ مهجور .. فقال العجوز وهو مازال يضع السكين في ظهر الشاب :

- هنا رموني الملاعين 

احمد : واين افراد القبيلة ؟

- الحادثة حصلت منذ عشرين سنة ، أكيد انتقلوا لمكانٍ آخر

- وماذا تريد مني ؟

العجوز : اريدك أن تنزل للأسفل بهدوء .. وسأحاول إخراج سيارتك من الرمال ، للعودة الى عائلتي 

احمد بعصبية : ومن قال اتني سأفعل ؟!! ولماذا تعاقبني على شيءٍ لم افعله؟!

- وهل حقاً صدّقت قصّة الخشبتين اللتيّن حوّلتهما لأدراج ؟ 

- وكيف اذاً نجوّت من البئر ؟ 


العجوز : ظهر ملك الجان الذي يعيش في البئر .. فترجّوته أن لا يقتلني .. فطلب من اولاده حملي الى فوق ، بشرط إحضاري قرباناً يحلّ مكاني.. لكني فرّرت من الصحراء ، عائداً لحياتي النحسة .. وبعد إنجاب ابني ..رأيت تهديداً مكتوباً بالرماد على جدار غرفته : ((إحضر قرباناً ، او نأخذ طفلك مكانه)) .. وما أن دخلت زوجتي ، حتى اختفت العبارة ! فعرفت انها رسالة من ملك الجان ، لعدم إيفائي الوعد .. فخرجت كالمجنون وانا ابحث عن ولدٍ او امرأة تمشي وحدها بالشارع ، لخطفها بالسكين الذي احمله .. لكني فضّلت خطف شخصٍ يقود سيارة ، لأصل سريعاً لبئر الصحراء .. ومن سوء حظك انك توقفت لمساعدتي.. والآن إسرع بالنزول ، وخلّصني من الكابوس الذي دام عشرين سنة !


وحاول العجوز غرز السكين في خاصرة الشاب ، لإجباره على القفز بالبئر .. لكن الشاب أقوى منه جسدياً ، وتعارك معه بقوة .. حتى تمكّن من إسقاط السكين من يد العجوز ، ودفعه بقوة للخلف .. 

ليسقط العجوز بالبئر المهجور من جديد ! ويسمع احمد صرخته المدويّة بعد انكسار قدميه .. 


لكن صرخته لم تكن مرعبة ، بقدر الصدى الذي ظهر من الأسفل : 

- أخبرتك منذ البداية بأنك قرباني .. يا اولاد !! خذوه لباطن الأرض

فبكى العجوز في قعر البئر : رجاءً سيدي ، أعطني فرصة جديدة

- أعطيناك عشرين سنة ، وحان وقت تسديد دينك


وتراجع احمد خائفاً للوراء ، بعد خروج لهيب النار من فوهة البئر ! متزامناً مع صرخات العجوز المتألمة وهو يحترق بالأسفل .. 


ثم ركض باتجاه سيارته التي حاول جاهداً إخراجها من الرمال .. الى أن أعادها للطريق العام ، بعد عقده العزم على ترك مهنة سائق الأجرة للأبد! 


هناك تعليق واحد:

  1. حل قطعتي الخشب هذا يذكر بمعضلة الخروج من البءر دون اي وسيلة مساعدة
    والذي يتوصل لها يكون من النوادر المجانين
    ومثله ايضا معضلة عمل ثقب في حاءط
    سمكه 3 امتار باستخدام مطرقه صغيره ومسمار

    ردحذف

العرش اللاصق

تأليف : امل شانوحة  يوم الحساب إتصل بيدٍ مرتجفة بعد سماعه تكبيرات الثوّار في محيط قصره : ((الو سيدي .. لقد انتهى امري .. جنودي الجبناء هربوا...