تأليف : امل شانوحة
الوعد المؤجّل
في ذلك العصر .. قاد احمد سيارته الأجرة في الطريق العام ، قبل رؤيته عجوزاً يمشي بسرعة ، وهو يتلفّت حوله بارتباكٍ شديد !
فتوقف بجانبه ، ليسأله :
- هل تريدني أن أوصلك لمكانٍ ما ؟
فأسرع العجوز بفتح باب السيارة ، والجلوس في المقعد الخلفيّ .. مُتنهّداً بارتياح :
- مشيت لساعتين ، دون توقف سيارة واحدة لمساعدتي !
احمد : واين تريد الذهاب ؟
- إكمل سيرك للأمام ، يا بنيّ
***
في الطريق .. سأله احمد :
- نحن نسير منذ ساعة ، وقريباً سنصل للطريق الصحراويّ..فأين منزلك يا عم ؟ هل تريد ..
وقبل إكمال سؤاله ، شعر بنصل سكينٍ حادّ يوضع على رقبته ! لدرجة جعلته ينحرف بالسيارة يميناً ويساراً .. فصرخ احمد غاضباً:
- أتهدّدني بالسلاح ، وانا احاول مساعدتك ؟!!
العجوز بحزم : إسمعني جيداً !! اريدك أن تتعمّق بالصحراء
- سنعلق بالرمال !
- ليس قبل قطعنا مسافةً جيدة فوق الكثبان الرمليّة
احمد بعصبية : ماذا تريد بالضبط ، هل انت مجنون ؟!!
العجوز : لا أنصحك بإثارة أعصابي ، فأنا مستعد لارتكاب جريمة لإنقاذ عائلتي
- وما دخل عائلتك بالأمر ؟!
فأبعد العجوز السكين عن رقبة أحمد ، قائلاً بضيق :
- حسناً ، سأخبرك القصة منذ البداية .. كنت بمثل عمرك حينما سمحت لعسكريّاً تائهاً بالطريق ، بالركوب معي .. ففي زماني لم يملك الكثيرون السيارات..
أحمد بعصبية : إكمل يا عم !!
- كان صامتاً طوال الوقت .. قبل أن يُفاجأني بلكمةٍ قويّة ، أفقدتني الوعيّ ! وحينما استيقظت ، وجدّت نفسي بالصحراء ، وسيارتي مسروقة .. وربما خطّط لبيعها قطعاً ، فهي أفضل من رواتب العسكريين القليلة !
احمد باهتمام : ثم ماذا حصل ؟
- مشيت مسافةً طويلة في الظلام الدامس ، الى ان رأيت مواقد النار لخيام البدو .. ومن شدة جوعي ، إقتحمت مجلس النساء بعد اشتمامي رائحة طعامهن .. مما أغضب رئيس القبيلة الذي لم يرضى بسماع حجّتي ، وأمر برميّ في بئرهم الجافّ الذي أمضيت فيه ثلاثة ليالي مع العقارب .. وعندما أوشكت على الموت ، خطرت ببالي فكرة : وهي الإستفادة من قطعتي الخشب المرمية في قعره .. فصرت أحشر كل قطعة بفراغات حجارة البئر ، ثم أقف عليها .. لأعود وأحشر القطعة الثانية فوقها..
احمد : يعني حوّلتهما الى ادراج ؟
- بالضبط !! إلى أن خرجت من قبري ، آخر الليل .. واستغلّيت نوم الملاعين لسرقة إحدى الخيول .. وحين وصلت للشارع العام في الصباح ، أطلقت سراح الحصان ..وركبت في شاحنة ، أعادتني الى منزلي
احمد : حسناً ، وما دخلي انا بالموضوع ؟
- لم أنهي قصتي بعد .. لسوء حظي سرقت حصان ابن زعيمهم ، ويبدو احدهم إقتفى أثري ..
احمد : وهل عرفوا عنوان منزلك ؟
- وأحرقوه بالكامل
- وماذا عن عائلتك ؟
العجوز : كنت أعيش وحدي أنذاك ..
- وهل انت متأكّد أن البدو فعلوا ذلك ؟
- ليس لديّ اعداء غيرهم
احمد : قصتك حزينة
- هذه الحادثة أصابتني بالنحس ، فلم أتوفّق بعدها ابداً ! وخسرت عدة اعمالٍ متتالية ، حتى أصبحت مشرّداً بالشوارع .. الى ان ساعدني اهل الخير ، ووظّفوني كحارس عمارة .. وزوّجوني من امرأةٍ يتيمة ، أنجبت لي طفلاً قبل ايام
احمد : اذاً تحسّنت حياتك ، فلما خطفتني ؟!
وهنا ! انغرزت السيارة بالرمال ، فصرخ أحمد غاضباً :
- هل انت سعيدٌ الآن ؟!!
فعاد العجوز يهدّده بالسكين : ترجّل من السيارة
- ماذا تريد مني يا رجل ؟ عدّ لزوجتك وطفلك
- هذا ما اريده بالفعل .. هيا إنزل دون جدال
***
بعد أن مشيا مسافةً طويلة على الأقدام ، وصلا لبئرٍ مهجور .. فقال العجوز وهو مازال يضع السكين في ظهر الشاب :
- هنا رموني الملاعين
احمد : واين افراد القبيلة ؟
- الحادثة حصلت منذ عشرين سنة ، أكيد انتقلوا لمكانٍ آخر
- وماذا تريد مني ؟
العجوز : اريدك أن تنزل للأسفل بهدوء .. وسأحاول إخراج سيارتك من الرمال ، للعودة الى عائلتي
احمد بعصبية : ومن قال اتني سأفعل ؟!! ولماذا تعاقبني على شيءٍ لم افعله؟!
- وهل حقاً صدّقت قصّة الخشبتين اللتيّن حوّلتهما لأدراج ؟
- وكيف اذاً نجوّت من البئر ؟
العجوز : ظهر ملك الجان الذي يعيش في البئر .. فترجّوته أن لا يقتلني .. فطلب من اولاده حملي الى فوق ، بشرط إحضاري قرباناً يحلّ مكاني.. لكني فرّرت من الصحراء ، عائداً لحياتي النحسة .. وبعد إنجاب ابني ..رأيت تهديداً مكتوباً بالرماد على جدار غرفته : ((إحضر قرباناً ، او نأخذ طفلك مكانه)) .. وما أن دخلت زوجتي ، حتى اختفت العبارة ! فعرفت انها رسالة من ملك الجان ، لعدم إيفائي الوعد .. فخرجت كالمجنون وانا ابحث عن ولدٍ او امرأة تمشي وحدها بالشارع ، لخطفها بالسكين الذي احمله .. لكني فضّلت خطف شخصٍ يقود سيارة ، لأصل سريعاً لبئر الصحراء .. ومن سوء حظك انك توقفت لمساعدتي.. والآن إسرع بالنزول ، وخلّصني من الكابوس الذي دام عشرين سنة !
وحاول العجوز غرز السكين في خاصرة الشاب ، لإجباره على القفز بالبئر .. لكن الشاب أقوى منه جسدياً ، وتعارك معه بقوة .. حتى تمكّن من إسقاط السكين من يد العجوز ، ودفعه بقوة للخلف ..
ليسقط العجوز بالبئر المهجور من جديد ! ويسمع احمد صرخته المدويّة بعد انكسار قدميه ..
لكن صرخته لم تكن مرعبة ، بقدر الصدى الذي ظهر من الأسفل :
- أخبرتك منذ البداية بأنك قرباني .. يا اولاد !! خذوه لباطن الأرض
فبكى العجوز في قعر البئر : رجاءً سيدي ، أعطني فرصة جديدة
- أعطيناك عشرين سنة ، وحان وقت تسديد دينك
وتراجع احمد خائفاً للوراء ، بعد خروج لهيب النار من فوهة البئر ! متزامناً مع صرخات العجوز المتألمة وهو يحترق بالأسفل ..
ثم ركض باتجاه سيارته التي حاول جاهداً إخراجها من الرمال .. الى أن أعادها للطريق العام ، بعد عقده العزم على ترك مهنة سائق الأجرة للأبد!
حل قطعتي الخشب هذا يذكر بمعضلة الخروج من البءر دون اي وسيلة مساعدة
ردحذفوالذي يتوصل لها يكون من النوادر المجانين
ومثله ايضا معضلة عمل ثقب في حاءط
سمكه 3 امتار باستخدام مطرقه صغيره ومسمار