كتابة : امل شانوحة
الفرصة الثانية
ذات يوم .. قدِمَ الشرطي عزيز الى منزله ، ومعه صبيّة.. فتفاجأت اخته الكبرى :
- من هذه ؟!
- هذه أليف .. ومن اليوم ستعتني بوالدنا دون مقابل
(وكان والده مصاباً بالشلّل)..
فأخذته اخته جانباً :
- لم افهم ! لما ستعمل بالمجّان ؟!
فأفهمها ان والد الصبيّة مُدمن قمار.. وكان على وشك بيعها ! فالتجأت لمركز الشرطة لحمايتها من صاحب الكازينو الذي أصرّ على اخذها ، بدل ديون والدها ! ولأنها مازالت بريئة وفاتنة الجمال ، قام عزيز بدفع ديون الكازينو
الأخت بدهشة : هل جننت ؟! أصرفت كل مالك الذي ادّخرته لزواجك القريب ؟
عزيز : لم استطع التخلّي عنها.. فقد استشعرتُ نيّة صاحب الكازينو بتوظيفها بالدعارة .. وهي كما ترين ، فتاةٌ محجبّة ومتديّنة .. بعكس والدها الفاسق الذي هرب لجهةٍ مجهولة بعد تخلّصه من دين القمار ، دون اهتمامه بمصير ابنته !
- وما حاجتنا لها ؟ فأنا اهتم بكل شيءٍ هنا !
- إهتمي انت بالمطبخ ، ودعيها تهتم بوالدنا .. بالنهاية ستبقى معنا ، الى ان تُوفّي الديّن الذي دفعته عن والدها .. يعني قرابة الستّة أشهر
اخته بقلق : اخاف ان تضايق خطيبتك من وجودها بيننا.. خاصة بعد صرفك الدفعة الأولى لمنزلكما الجديد !
- سأستأجر شقّة ، لحين جمعي ثمن منزلٍ آخر
^^^
فبدأت أليف بالعمل لديهم دون اعتراض.. فوجودها كمرافقة لعجوزٍ لطيف ، أفضل من عملها القذر بالكازينو.. وكانت مُمتنّة لذلك ، حيث اعتاد عزيز على سماعها كل ليلة (من خارج غرفتها) : بأن يحفظ الله شرفها من الرجال السيئين
***
وبمرور شهرين على تواجدها بينهم ، بدأ قلب عزيز يميل لها .. خاصة لتعاملها الرحيم مع والده المشلول الذي تصرّ على اخذه بنزهةٍ كل صباح (على كرسيه المتحرّك) مما حسّن نفسيّته كثيراً ، فهو اعتبرها كإبنته الصغرى .. وهي بدوّرها عاملته كالوالد الذي تمنّته طوال حياتها ، بدل ابيها المُنحرف ذوّ السمعة السيئة ! وكان واضحاً حنانها ولطفها وهي تُطعم والده ببطءٍ واهتمام ، كأنها ممرّضته .. بعكس خطيبته التي تتأفّف من وجوده في الصالة ، خلال زيارتها لعزيز
حتى ان والده نصحه بالزواج من أليف ، بدل خطيبته التي لم تعجبه يوماً .. وهذا جعله يُراقبها على الدوام ، لتأكّد من اقتراح والده : بأنها الزوجة الأفضل له ! فهو من البداية أُعجب بحيائها وعزّة نفسها ، بعكس خطيبته التي تتعمّد كسر كلمته بزينتها المُتبرّجة وثيابها الغير مُحتشمة
وكان بالفعل على وشك إلغاء خطوبته .. إلاّ ان رئيسه (بمركز الشرطة) رفض تقرّبه من أليف ، بعد ان وصلته اخبار بتورّط والدها بمقتل مُقامرٍ بكازينو آخر ! وعليه مهمّة القبض عليه ، دون تعاطفه مع حماه المستقبلي
فقرّر عزيز تأجيل الموضوع لحين رميّ الفاسق بالسجن ، وإبعاده تماماً عن حياة ابنته التي أخفى عنها جرمه الثاني !
لكن قرار رئيسه جاء متأخراً ، بعد ان مال قلب أليف لعزيز ايضاً .. مما اثار غيرة خطيبته التي أصرّت إمّا الإستعجال بالزواج او طرد المسكينة من المنزل !
ولأن مهمّة عزيز (القبض على والدها الهارب) التي ربما تطول لشهور ، توجّب عليه الحدّ من إنجذابها له ! لهذا اتفق مع خطيبته على إقامة العرس ، بشرط عدم بدء شهر العسل قبل إنهاء مهمّته السرّية .. فوافقت مُرغمة على طلبه الغريب !
(دون علمها بنيّته إنهاء المهمّة سريعاً لتطليقها ، والعودة لحبيبته المُتديّنة)
وكان قرار زواجه القريب ، كفيلاً بكسر قلب أليف التي شعرت بالأسابيع الماضية بمشاعر متبادلة بينها وبين عزيز !
ومازاد الطين بلّة ، هو إنجذاب صديق عزيز لأليف فور رؤيتها بزيارةٍ عابرة ..مما اثار غيرة عزيز ، خصوصاً بعد رؤية صديقه يعطيها رقم جواله !
وعندما علم بتحدّثه معها طوال الليل (بالجوّال) جُنّ جنونه.. فأخبرته بنيّة صديقه الزواج بها ..
فرفض بشدّة ، مُعلّلا ذلك : بديّن والدها له !
ويبدو انها اخبرت صديقه بالموضوع.. لأنه قدِمً في اليوم التالي ومعه شيك بمبلغ الديّن ، قائلاً بحزم :
- حرّر حبيبتي يا عزيز !!
عزيز بصدمة : حبيبتك ! انت لم ترها سوى البارحة..
- وأعجبتني على الفور.. خُذّ دينك ، واتركنا وشأننا
ورمى الشيك امامه !
وقبل ان يردّ عليه بقسّوة ، تفاجأ بأليف تخرج من غرفتها بكامل اناقتها وهي تحمل حقيبتها :
عزيز بقلق : الى اين ؟!
فأجاب صديقه : الى المحكمة الشرعيّة .. سنتزوج بالحال
فصرخ عزيز غاضباً : لن اوافق !!
صديقه باستغراب : انت عرسك بنهاية الإسبوع ، فما دخلك بخطيبتي ؟!!
أليف وهي تكتم حزنها : قمت بتوديع والدك قبل قليل ، وهو تمنّى لي الخير والسعادة .. رجاءً أوصل سلامي لأختك بعد عودتها من السوق .. الوداع استاذ عزيز
ثم حمل صديقه حقيبتها ، وخرجا من المنزل .. مما أفقد عزيز اعصابه!!!
فلحقهما بسيارته الى المحكمة ، دون معرفته برقم المكتب الذي هما فيها ..
وعندما وصل ، كان متأخراً بعد سماعه الشيخ يقول :
- أُعلنكما زوج وزوجة !!
فعاد الى سيارته وهو منهار تماماً .. وأكمل طريقه نحو مركز الشرطة ، مُقتحماً مكتب مديره بغضبٍ شديد :
- هل انت سعيدٌ الآن !! بسبب مهمّتك السرّية ، خسرت حبيبتي!!
واستقال من عمله ، مُتجهاً للمطار ..
وهناك اتصل بإخته ليُخبرها بسفره لبعض الوقت ، قبل فقدان عقله .. وطلب منها إخبار خطيبته ، بإنهاء موضوع الزواج بها !
***
وكان المفترض عودته بعد اسبوعيّن .. لكن غيبته طالت لسنة ، بعد توظّفه في مدينةٍ اخرى !
وفي يوم .. إتصل بأخته للإطمئنان على احوال ابيه ، فأخبرته برؤيتها لأليف بالسوق ، وهي حامل بشهرها الأخير .. فصرخ غاضباً :
- لا اريد معرفة شيء عنها ، مفهوم !!
وأغلق الهاتف ، والدموع في عينيه
***
بعدها بأسبوع ، إتصل بوالده ليخبره بزواجه من زميلته الشرطيّة ! مما اسعد اخته لقراره بإكمال حياته ، لكنه بالحقيقة تزوّجها لنسيان أليف
إلاّ ان زواجه لم يدم عاماً ، بعد ان أكّد الطبيب عقم زوجته.. والتي طلبت الطلاق ، فوافق دون تردّد !
^^^
بعدها عاد الى بلدته.. فألحّت عليه اخته للزواج ثانيةً ، خاصة ان خطيبته القديمة (التي لا تعلم بعودته) مازالت عزباء .. لكنه رفض الموضوع تماماً
وذات يوم .. مرّ بالصدفة بجانب منزل صديقه ، ليراه يتحدّث مع زوجته أليف وهي تحمل طفلهما الجميل ..
فقال عزيز في نفسه ، بقهر :
((كم انت محظوظاً بها))
***
لم يمضي شهر ، حتى وصله خبر موت صديقه وطفله بحادث سير ! بينما نقلوا أليف الى المستشفى وهي تعاني من فقد الذاكرة..
فانطلق مسرعاً الى هناك للإطمئنان عليها ، ليُخبره الطبيب بفقدان جنينها..
عزيز باستغراب : أتقصد انها كانت حاملاً بالطفل الثاني ؟!
الطبيب : نعم ، كانت بشهرها الخامس .. وللأسف فقدّت كلا ولديّها !
^^^
وما ان رأت أليف عزيز في غرفتها بالمشفى ، حتى سألته بابتسامةٍ خجولة:
- ألم تحدّد بعد يوم عرسنا ؟!
ففهم عزيز انها نسيّت أمر صديقه وطفلها وجنينها ، لكنها مازالت تتذكّر قصة حبهما البريئة التي لم تكتمل يوماً !
فطلب منها الإنتظار ، ريثما يُجري مكالمة مهمّة
وخرج من غرفتها للإتصال بقريبه الشيخ ، الذي اجابه :
- طالما أسقطت جنينها ، فهذه عدّتها .. يعني يمكنك الزواج بها فوراً
فطلب منه القدوم للمستشفى لعقد زواجهما .. وبعدها أخذها للفندق ، وهما في قمّة السعادة لتحقّق حلمهما اخيراً
وهذا الخبر اسعد والده (الذي احبها كإبنته) ..لكنه لم يُعجب اخته ، بسبب صيت والدها السيء ، والذي قُتل بشجاره مع إحدى العصابات!
ولخوف عزيز أن تُذكّرها اخته بزوجها وولدها المتوفيّن ، استأجر بيتاً بعيداً عن اهله .. دون ان يخبرهما عنوانه ، بينما يزورهما وحده من وقتٍ لآخر
***
وبعد شهرين من حياته الجميلة مع عروسته .. مرّا بالصدفة امام حديقة اطفال .. ليتفاجأ بأليف تمدّ رأسها من نافذة السيارة وهي تنادي ابنها مراراً ، قبل ان تسأله بفزع :
- عزيز ! اين ابني ؟ لا اراه مع الأطفال .. هل خطفه احد ؟!!
فركن سيارته جانباً .. وأخذ يتكلّم معها بهدوء ، وهو يُصبّرها على مصيبتها .. وبصعوبة شديدة تقبّلت وفاة ابنها ، وجنينها التي كانت تنتظر ولادته .. فأعادها عزيز الى منزله ، وهي منهارة بالبكاء
^^^
وفي ذلك المساء ، أمسكت يده بقوّة :
- عزيز !! انت مدينٌ لي بعائلة
- ماذا !
- اريد اطفالاً يا عزيز .. لا استطيع العيش دون اولاد !!
- حسناً اهدأي حبيبتي .. فلم يُمرّ ثلاثة اشهر على زواجنا ، وإن شاء الله تحملين قريباً
فارتمت في حضنه باكية ، وهي مشتاقة لإبنها المتوفيّ..
***
لم تنتهي السنة ، حتى أنجبت ولديّن توأميّن.. وقد وافق عزيز على تسميّة البكر ، بإسم ابنها المرحوم ..
وبعد بلوغهما الستة اشهر ، أخذها (بناءً على طلبها) الى المقبرة.. وكانت تحمل ابنها البكر ، وهو يحمل ابنه الآخر..
أليف : أنظر بنيّ .. هنا قبر اخوك الكبير الذي تحمل اسمه .. وأريدك عندما تكبر انت وأخيك ان تزوراه دائماً ، ولا تنسياه ابداً
ثم مسحت بيدها على شاهد قبر ابنها ، وهي تبكي :
- سامحني لأنني نسيتك لشهور ، لكني اعدك بأن تبقى في قلبي دائماً
ثم نظرت لقبر زوجها :
- رحمك الله ، فقد كنت زوجاً رحيماً
فشعرت بضيق عزيز ! فسألته باستغراب :
- أمازلت تغار منه بعد وفاته ؟!
- هو كسر قلبي بزواجه منك
أليف : وانا وافقت عليه ، بعد علمي بموعد زواجك من خطيبتك .. يعني انت كسرت قلبي اولاً !
- أخبرتك ان رئيسي أجبرني على ذلك .. وكنت أخطّط لتركها بعد انتهاء المهمّة .. لكنه (وأشار الى قبر صديقه) خطفك مني !
أليف : المهم بالنهاية تزوّجنا ، فلما مازلت غاضباً من المرحوم ؟!
فأجاب بقهر : لأني تمنّيت لوّ لم يلمسك احد سوايّ
- هذا قدرنا : ان تكون انت زوجي الثاني ، وانا زوجتك الثانية ..ربما بذلك نعرف قيمة حبنا اكثر
عزيز بحزن : كان بالفعل أصعب درسٍ بحياتي !
ورفع يديه لقراءة الفاتحة على روح صديقك ، ثم قال :
- أشكرك على رعايتك لأليف ، وحنانك معها .. وأعدك بالحفاظ عليها طوال حياتي
ثم خرجا من المقبرة مع طفليّهما ، وهما يحمدان الله ان جمعهما بعد لياليٍ طويلة من القهر والحرمان !
قصة اليف وعزيز مازالت تُعرض حتى الآن في المسلسل التركي الأسيرة .. بعد ان قمت ببعض التغييرات بالقصة .. ولا ادري ما نهاية قصتهما ، وهل سينجح صديق عزيز بالزواج من اليف ام لا ؟ لكني تخيّلت النهاية بهذه الطريقة ، اتمنى ان تعجبكم
ردحذفأيا أليف ويا عزيز_ يؤسفني أن أخبركم الا تفرحا بشده لان غداكم اسود من قرن الخروب غير ان الكاتبه قد ارتأت اسعاد قلبيكما قليلا قبل الثكل والفقد واليتم والفراق والنفي والطرد والعجز والبؤس والالم وكل هذه الاشياء اللطيفه التي ستلقونها غدا بإذن الله في حياتكم اللعينه القصيره _مبارك ايها العروسين💐
ردحذفشكرا امل 🌵هذه صبارة الحياه اهديكي اياها تذكرة لمن كان له قلب او الفى النحس وهو كظيم
اهلاً بالمتشائم عاصم .. وشكراً على الصبّارة .. سأحاول بإذن الله نشر المزيد من القصص الكئيبة ، لإرضاء ذوّقك الغريب !
حذف