الخميس، 29 مايو 2025

العذاب الطويل

تأليف : امل شانوحة 

عقوبة السّحرة


في الجزائر ، وبآخر الليل .. قدمت امرأة ستينيّة الى منزل زميلتها التي سألتها باستغراب :

- لما هذه الزيارة المتأخرة ؟!

- اعلم جيداً انك تسهرين الليل مثلي ، فعملنا يتطلّب ذلك

- ومالذي اتى بك اليّ ؟

- تبدين هادئة ! الم تسمعي بقرار الحكومة بتنظيف جميع القبور .. والذي سيبدأ غداً صباحاً مع مجموعة متطوعيّن ، بالإضافة لمشايخ مُتخصّصين بفكّ الأسحار ؟

بقلق : اذاً الإشاعة صحيحة ؟!

- نعم !! وهذه مصيبة .. لأنهم سيعثرون على اسحارنا القديمة التي يعود بعضها لعشرين سنة !

- المشكلة ليست بفكّ الأسحار فحسب .. بل إحتمال كبير ان نُسجن ، كوننا أشهر مشعوذتيّن بالبلد.. خاصة ان منازلنا قريبة من المقبرة الأكثر إزدحاماً بالموتى ! 

بخوف : هذا إن لم يقتلنا الأهالي الغاضبون ، بعد رؤية صور ابنائهم المسحورين .. (ثم تنهّدت بضيق).. قرار الحكومة المُفاجئ سيضيّع كل تعبنا ومجهوداتنا ..

مقاطعة : وهل ضاعت بالسنوات الماضية ؟

- ماذا تعنين ؟!

- الم تتسبّب اسحارنا بموت وتشويه وتمريض الأشخاص الذين قمنا بسحرهم ، حسب طلبات اعدائهم ؟

- بلى ، لكني مقهورة على تحرّر المصابين بسحر التعطيل..

- يكفي ضيّعنا شبابهم بعد تجاربهم الفاشلة وخيبات الأمل ، مع كل فرصة خسروها بسبب الجن والعفاريت التي سلّطناها عليهم


فسألتها باستغراب : ما بالك تتكلّمين ، كأنك نويّتي التوبة ؟!

بحزن : وهل لنا توبة ؟ فقد سمعت مقاطع كثيرة لمشايخ بالإنترنت ، يأكّدون ان السّحرة مخلّدون بالنار !

- هل جميع المشايخ متفقون على ذلك ؟!

- ماعدا واحد ، قال يمكن قبول توبتنا بشرطيّن

باهتمام : وماهما ؟!

- أن نفكّ جميع الأسحار التي قمنا بها .. وأن نعتذر من كل المسحورين عن الضررّ الذي تسبّبنا به

- هاذيّن شرطيّن تعجيزيّن ! فهناك اسحار رميناها بالبحر ، او علّقناها بالعصافير.. كما إن حصولنا على مغفرة المسحورين ، لمن سابع المستحيلات!

- اعرف هذا .. وهذا يعني أننا ضمِّنا عذاب القبر والآخرة !

- تبدين نادمة على تعلّم السحر ؟!

- انا دخلت هذا المجال بالصدفة

- هل بسبب حقدك من امرأةٍ ما ؟!

- اعرف قصتك .. وانك تعلمتِ السحر بسبب عقمك ، وحمل جارتك من زوجك الذي تزوّجها سرّاً .. فأردّتِ عقاب ضرّتك بأسوء الطرق .. اما انا !! فتعلّمته لحماية نفسي من السحر

- نحن زملاء عمل منذ سنوات ، ولليوم لا اعرف قصتك .. رجاءً إخبريني بها؟


فتنهّدت بضيق : 

- في شبابي ، تقدّم لي عريسٌ ثريّ .. فرفضه والدي ! مما أغاظني ، فقد كنت احلم بالثراء منذ صغري.. وبعد وفاة ابي ، إتصلت به وأخبرته بموافقتي ..فعاد لخطبتي

- وهل تزوّجته بالفعل ؟

- وليتني لم افعل .. فقد تفاجأت بعد انتقالي لقصره ، بوجود زوجتيّن قبلي !

- الم يخبرك عنهما ؟!

- ربما اخبر ابي ، لهذا رفضه .. فهو يعلم بغيرتي القوية من اخوتي

- خطأ والدك انه لم يفهمك سبب الرفض

- هذا صحيح .. رحمه الله

- إكملي قصتك ؟

- لأني عروس جديدة ، تعشّمت بتطليقهما لأجلي .. لكنه رفض طلبي ، لأن لديه اولاد منهما.. ويبدو إن إلحاحي عليه ، وصل اليهما .. فسحراني بقطعة دهن ، علّقاها في شجرةٍ يابسة بالصحراء .. وبذوبانها بالحرارة ، اموت دون علاج ! 

بصدمة : لم أكن اعرف انك سُحرت يوماً ؟! 

- هذا ما حصل.. وبعد شهر ، اوشكت على الموت بعد ان هزل جسمي بشكلٍ مخيف.. فطلبت الطلاق ، وعدّت لأهلي وانا مريضة للغاية ونفسيّتي مُحطّمة تماماً .. وللأسف اخطأت امي بأخذي الى جارتها..

مقاطعة : أتقصدين إستاذتنا الشهيرة التي علّمتنا السحر ؟ 

- نعم ، وليت امي أخذتني الى الشيخ لعلاجي .. فالجارة بعد تحريري من السحر .. إقترحت تعليمي الشعوذة ، لحماية نفسي من الأشرار

- وكيف تورّطتي بالموضوع ؟! 

- بعد زواجي الثاني ، تضايقت من زيارة اهله المتكرّرة لبيتي.. ويبدو ان الجني (الذي سخّرته المشعوذة لي) عرف بالأمر ، فاقترح سحر زوجي لفصله عن اهله.. وبالفعل أشربته السحر ، ليقوم بمخاصمتهم جميعاً.. مما ادّى لقطيعةٍ كبيرة ، خلّصتني منهم للأبد.. ثم شجّعني الجني على أذيّة بعض الأشخاص الذين اكرههم ، مقابل نقوداً ذهبيّة كمكافئة لي .. ولم اجد نفسي إلاّ وانخرطت بهذا المجال القذر ، خصوصاً بعد وفاة زوجي وسفر ابني الوحيد للغربة !


فسألتها : الم تفكّري بالتوبة من قبل ؟

- بلى ، بعد ثالث عملٍ سحريّ قمت به .. رأيت عذابي بجهنم في المنام ، فعقدّت العزم على التوبة .. دون الإكتراث بتهديد الجني الذي اصابني بعدّة امراضٍ غريبة ومؤلمة.. لكن بعد أذيّته طفلي ، عدّتُ مُجبرة لأعمال السحر .. وكلّه بسبب الجني اللعين الذي ظننته مخلوقاً لخدمتي ، لكني بالحقيقة كنت عبدةً له ! فهو أقنعني بأن الله لن يسامحني على اعمالي السابقة.. ففكّرت بأنه طالما خسرت الجنة ، فلأكمل للنهاية .. الى ان اصبحت من اهم مشعوذي البلد !

فقالت الأخرى بحزن : اما انا ، فكرهي لضرّتي التي تفاخرت بدلال زوجي لها ولإبنها ، هو ما جرّني لهذا المهنة القذرة.. (ثم تنهّدت بضيق).. المهم الآن ، مالعمل بالمصيبة القادمة ؟ فأسحارنا على وشك ان تُكشف امام الملأ !

- ليس امامنا سوى إنتظار النتيجة غداً : فإما ان يتمكّن الجن من إعماء عيون الباحثين عن مكان الأسحار المدفونة ، او نُعاقب على جريمتنا بأبشع الطرق.. ولنتمنى ان تسجّننا الشرطة ، بدل الموت حرقاً من الأهالي الغاضبين

***


في اليوم الثاني ، ظهراً.. إستيقظت إحدى الساحرتيّن (في بيتها الأرضيّ) على صوت طرق بابها بعنف ! من ابٍ ماتت ابنته الوحيدة بالسرطان ، بسبب السحر الذي وجدوه بين المقابر صباحاً ..


فحاولت الهرب من النافذة ..

لتتفاجأ بأم المغدورة تنتظرها هناك ، والتي انهالت عليها طعناً بالسكين.. لينضم اليها الوالد ، ويُجهز عليها.. ثم الهرب مع زوجته قبل قدوم الشرطة!

^^^


اما المشعوذة الثانية .. فتمكّنت الشرطة من كسر باب شقتها ، للقبض عليها بناءً على طلب الأهالي الغاضبين .. ليجدوها تحتضر بنوبةٍ قلبيّة من شدّة فزعها.. وماتت قبل وصولها للمستشفى !


فتنفّس اهالي المسحورين الصعداء ، بعد علمهم بموت اهم ساحرتيّن بالمنطقة .. وإن كان هذا لم يشفي غليلهم ، بعد مقتل بعض ابنائهم او تشوّههم او إنتحارهم يأساً بسبب اسحارهما اللعينة !

***


وانتشرت اخبار الجزائر لجميع الدول العربية التي شجّعت الأشخاص المنحوسين او من يعانون من امراضٍ مُزمنة على نبش القبور والخرابات والأماكن المهجورة .. وصولاً للصحاري ، مع بحث الغطّاسين عن الأسحار الغارقة قرب الشواطئ .. 


والغريب هو تكرّر الأحداث في كل مكان ، بعد كشف آلاف الأعمال الشيطانيّة ! 

مع نشر صور المسحورين على وسائل التواصل الإجتماعي الذي ضجّ ببكائهم وهم يشاركون الناس قصص معاناتهم لسنواتٍ طويلة..

^^^


وبعد إفتاء كبار المشايخ : بأنه من ثبت بالدليل القاطع إمتهانه السحر ، حسب الأغراض الشيطانية التي عثرت عليها الشرطة في داره .. فإن الحكم الشرعي هو قتله .. كما أفتوا : بأن موت السحرة سيفكّ جميع اسحارهم ، مهما كان نوعها 


مما جعل الناس تتطالب بقتل جميع السحرة والمشعوذين .. وعندما لم ترضخ الحكومات لطلبهم .. ضجّت العواصم العربيّة بالمظاهرات ، مُهدّدين بإسقاط الحكم في حال لم يعاقبوا السحرة .. 


وبعد الضغط لأسابيع ، رضخ الحكّام لطلبهم .. 

وتجمّع الأهالي في يومٍ حُدّد بجميع الدول العربية ، لحرق السحرة كما العصور الوسطى .. ورغم غرابة الحدث ، الا أن المحاكمات العلنيّة نُقلت عبر وسائل الإعلام المحلي والعالمي !

 

ومع موت السّحرة البطيء والمؤلم ، إنفكت بقيّة الأسحار الخفيّة..  

لتمتلأ المساجد بالشاكرين لله على الفرج الذي طال انتظاره ، وهم يلعنون السحرة الذين عوقبوا بنار الدنيا ، وخلودٍ في جهنم لأبد الآبدين !

***


لكن ما تناسوه الناس ان اعدائهم الحقيقيين : هم من سرقوا صورهم وأغراضهم الشخصيّة وقدّموها للسحرة ، وعادةً ما يكونوا اقارب اكثر من الغرباء .. والذين لزموا منازلهم وهم يشاهدون إعدام السحرة (بجوالاتهم) بصمت ، وقلوبهم الحاقدة خائفةً من الفضيحة والعقاب .. 

فهل سيتوقفوا عن الأذيّة بعد موت السحرة ، ام سيبحثون عن وسيلةٍ اخرى لإيذاء المسحورين من جديد !


هناك 4 تعليقات:

  1. aقصه مخيفه ومقبضه .بإعتقاد العلماء ان الحسد والجن العاشق اشد ضررا من السحر. عندنا منذ اشهر وجدوا مءات الصور والاعمال بالمقابر. الحذر الاكبر يجب ان يكون من المعالجين والرقاه انفسهم فأغلبهم كفره يستحلون اي اذى .
    احسنت استاذه امل.

    ردحذف
    الردود
    1. برأي يجب تنظيف المقابر بشكلٍ دوريّ بكل الدول العربية .. وان توضع كاميرات ليليّة بالمقابر ، متصلة بمركز الشرطة .. للقبض على السحرة متلبّسين اثناء تواجدهم هناك

      اما المقبرة الجزائرية التي وجدوا بها هذا الكمّ الهائل من الأسحار ، فيجب مساءلة حارس المقبرة اولاً .. اكيد اخذ رشاوي من الساحرات ، للسماح لهم بالحفر بين القبور

      حسبيّ الله ونعم الوكيل فيهم .. وكأن صعوبات الحياة لا تكفي ، حتى نُبتلى ايضاً بالساحرين الحاقدين !

      حذف
    2. قبل فترة بالأردن انتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي مكالمة بين امرأة و رجل كانت تظن أنه شيخ يتعامل بالسحر و كانت تريد عمل سحر لضرتها و لكنه هدد بفضحها على الملأ و بتسليمها للشرطة هي و الشيخ

      حذف
    3. لعنة الله عليها وعلى الساحر ، وحمى الله ضرّتها من كل شرّ

      حذف

التلاعب بالمشاعر

تأليف : امل شانوحة  خطّة العقوبة  كتب لها على الفيسبوك ، وهو مزّهواً بنفسه :  - يكفي هذا القدر من التواصل ، فغيرك ينتظر دوره الصبيّة بقلق ...