الأحد، 11 فبراير 2024

الإمتحان الربّانيّ

تأليف : امل شانوحة 

طرد إبليس من الجنة


تجمّع الجن تحت الغيمة السوداء التي ظهرت فجأة ، بعد ان أخبرهم جني مُتخصّص بالتنصّت على احاديث الملائكة من بوّابة السماء : عن طرد إبليس مع آدم وحوّاء والثعبان من الجنة ، بعد فشلهم بالإمتحان الربّاني ! 

وشاهد الجن نزول كل واحدٍ منهم في مكانٍ مختلفٍ عن آخر : حيث هبط آدم في الهند ، وحوّاء في جدة .. والثعبان في جزيرةٍ بالبرازيل ، سُميّت لاحقاً بجزيرة الأفاعي !


اما إبليس : فكانت الجن في انتظاره ، رغبةً بالشماتة منه او الإنتقام ! فهو سابقاً قاد الملائكة بحربٍ ضدّ قومه ، وطرد العديد منهم للبحر .. وبذلك أوجد تاراتٍ بينه وبين اقوام الجن المختلفة : من النوع الترابي والمائي والهوائي والناري .. عدا عن شماتة اصدقائه القدامى وأقاربه الذين عاملهم بغرور وكبرياء في زيارته الأخيرة قبل موعد نقله للجنة ، باعتباره الجني الوحيد الذي فاز بتلك الجائزة الضخمة بعد سجوده لله في كل بقعةٍ من الأرض ، ليس تضرّعاً وزهداً بل رغبةً بالعلوّ والرفعة على ابناء شعبه !

***


بعد هبوط إبليس .. لاحظ نظرات الإنتقام في عيون العديد منهم ، ممّن قتل أقاربهم بالحرب المدمّرة الأخيرة .. وسمع تعليقات بعضهم الساخرة بعد طرده من النعيم ، قائلين بشماتة :

- هآقد عدّت قبيحاً يا إبليس ، كما ولدتك امك

- خسرت الحوريّات الفاتنات بغرورك وغطرستك

- لا تتوقع المساعدة من احد ، بعد تفضيلك الملائكة على ابناء شعبك ، ايها الخائن !!

***


فتركهم دون المبالاة بسخرياتهم وتهديداتهم ، متوجهاً لمنزل ابيه الذي كان يشعر بالعار منه :

- كم كنت فخوراً بين قومي ، عندما رأيت الملائكة تزفّك كعريس الى الجنة .. والآن عدّت إليّ مذلولاً و..

إبليس مقاطعاً : ابي توقف !! لوّ رأيت ذلك الصلصال الأجوف ، لما عاتبتني على عدم السجود له


وهنا اقترب اخوه مُعاتباً :

- ومن انت لتعترض على امر ربك ؟!! لما لم تسجد لآدم ، وتريحنا جميعاً ؟ فبسبب عصيانك ، سنصبح غير مرئيين على الأرض..

إبليس بعصبية : وهذا سبب غضبي من الأساس !! فآدم وذرّيته سيحكمون العالم الذي استوطنّاه اولاً !! من هو ليأخذ مكاننا ؟ نحن مخلوقين من نار ، بينما هو من طين !!

اخوه ساخراً : ولما كل هذا الفخر على كونك دخان ؟!


فأراد إبليس ضربه ، لكن والده اوقفه :

- اخوك كان فخوراً بك ، لدرجة اقتياده بأفعالك السابقة .. ليصبح الجني الأكثر تديّناً لله في الوقت الحاليّ

فقال إبليس لأخيه بلؤم : وهل تظن الملائكة ستطلب من الله ثانيةً ، بإحضار جني الى الجنة ؟ لا يا عزيزي ، الجنة خُلقت لآدم ونسله .. هم نقلوني الى فوق لأكون درساً لآدم ، بعدم سماع وسّوستي انا وذريّتي الذين لعنوا قبل ولادتهم ! كل ذلك خوفاً على ذرّيته المباركة من النار التي ستكون من نصيب الجن وحدهم .. لهذا أخطّط لرميّ معظم نسل عدوي بالجحيم ، وغداً أثبت لكم ذلك .. (ثم اقترب من اخيه) .. يعني لا جن في الجنة ، إنسى موضوع التديّن تماماً

اخوه بإصرار : لا !! سأبقى عابداً لله ، فهو أعدل من حرمان قومنا الصالح من الجنة

إبليس : انت تحلم ، لن ترى الجنة في حياتك ولا بعد مماتك .. لذا الأفضل ان تدعمني في.. 

اخوه مقاطعاً : لن أتّبع سوى خالقي !!

إبليس بتهديد : اذاً سأعتبرك انت وذريّتك من اعدائي حتى تستردّ صوابك

^^^


فخرج اخوه غاضباً من المنزل.. فسأل إبليس والده بقلق :

- ماذا عنك يا ابي ؟ هل ستكون مُتديّناً كأخي الغبي ؟ فكما ترى ، ديني لم ينفعني بعد حرماني الأبديّ من الجنة ، وكلّه لرفضي السجود لمن هو أدنى مني !

الأب : انا على حيّاد من هذا الموضوع .. كل ما اريده منك ان تكون حذراً ، فقبائل الجن تتوّعد بقتلك

- قتل من يا ابي.. فأنا سأبقى حياً الى يوم القيامة ، بعد موافقة ربي على طلب الخلود

- انت تظنها نعمةً الآن ، لكن بعد قرون ستعرف إن خلودك هو لعنة عليك.. المهم !! لديّ موضوع آخر اريد مفاتحتك فيه .. ابنة عمك

إبليس بامتعاض : لا تقلّ انها مازالت حيّة !


فسمعا طرقاً على الباب .. فقال الأب : 

- أظنها وصلت

ودخلت الجنيّة السمينة بحماس : 

- إبليسووو !! اشتقت اليك.. كيف حالك يا عريسي الوسيم ؟

فهمس لإبيه بضيق : رجاءً ابي ، جهنم أهون من زواجي من هذه المتخلّفة

والده : ابنة عمك اولى بك ، وهي نصيبك منذ أن كنت تبلّل فراشك كل ليلة 

إبليس معاتباً : ابي !! لا تفضحني امامها

العروس : لا تقلق حبيبي .. سأنجب لك العديد من الشياطين الذين سيكونون أدهى وأخبث من بقية الجن ، كما أخبرت الجميع بالساحة 

إبليس بدهشة : أحقاً تقبلين بإنجاب ذريّةٍ فاسدة ؟! فهذا معناه خلودك انت وابنائك في الجحيم معي ! 

فردّت بابتسامة : مصيرنا معاً ، اعدك بذلك.. المهم أخبرني !! من أجمل ، انا ام الحوريّات ؟

إبليس بحزم : أنصحك لمصلحتك الشخصيّة أن لا تسأليني هذا السؤال ثانيةً .. فأنا بالكاد أتقبّل قرونك المعّوجة واسنانك الحادة كالمنشار .. (ثم تنهّد بصوتٍ منخفض) الله المستعان !


العروس : لم تخبرني بعد ، اين سنعيش بعد الزواج ؟

إبليس : في جزيرة برمودا وسط البحر

الأب بدهشة : البحر يا بنيّ ! ألم تطرد اسرى الحرب من الجن الى هناك؟!

إبليس بغضب : فليعودوا لباطن الأرض ، او يحلّقوا بالسماء !! فأنا اخترت البحر ليكون مقرّي انا وأولادي

العروس بحماس : يا سلام !! سننجب العديد من الشياطين هناك ، فحلمي ان اعيش معك في جزيرةٍ لوحدنا

فخرج من منزل والده ممتعضاً ، وهو يتمّتم : 

- لا غرابة أن تكون الغبيّة واولادها في الجحيم ! 

***


بعد العرس .. تفرّغ إبليس لتفرقة آدم قدر الإمكان عن حوّاء ، بتتويه طريقه كيّ لا ينجبا ذريّتهما التي ستسود الأرض بدل الجن الفاسدين! 

لكن بالنهاية اجتمع الزوجان في عرفات ، وأنجبا قابيل وهابيل.. وبالطبع لم يهنأ إبليس حتى قتل الأخ اخاه !


واستمرّ طغيانه حتى هابه كل الجن .. فمن يرفض طاعة اولاده الشياطين ، يُعذّب حتى الموت !

***


بعد ظهور الإسلام .. زاره اخوه لأول مرة منذ خلافهما السابق ! 

إبليس بدهشة : مالذي أتى بك الى جزيرتي ؟!

اخوه بحماس وسعادة : الم تصلك أخبار النبي محمد الذي ارسله الله للجن والإنس على حدٍ سواء .. بل هناك سورة عنا بالقرآن ! وهذا يدلّ ان عبادتي لربي كل القرون الماضية لم تذهب سدى ، وسأدخل الجنة التي حُرمت منها ايها المتغطرس.. وسأتعمّد هناك إختيار حوريّاتك السابقات ، بعد احتلال قصرك الفخم 

إبليس بغضبٍ شديد :

- أتغيظني ايها الحقير ؟!!


ووجّه عصاه السحريّة نحوه ، مُطلقاً شعاعاً حراريّ.. جعلت أخوه يحتضر على الأرض بألمٍ شديد ، وهو يقول :  

- لا غرابة ان تقتلني بعد دفعك قابيل لقتل هابيل .. لكني لست خائفاً من الموت ، لذهابي مباشرةً الى الجنة .. اما ذريّتي من الجن المسلم ، فوصيّتهم قبل قدومي الى هنا ، بمتابعة فكّ اسحار شياطينك ضدّ البشر المؤمنين ، خاصة بعد حرمان السحرة من معرفة اخبار السماء

إبليس : اذاً ستبقى العداوة بين نسلي ونسلك للأبد .. فلتذهب للجحيم!!

فردّ بألم : بل جهنم لك ولأتباعك  


ثم تشاهد قبل تحوّل جثته الى رماد ، نثره إبليس بقدمه بغيظ :

- بينما انا عالقٌ مع زوجتي الغبية ، هو في طريقه للحوريّات الفاتنات .. كم انا مقهور ! ولوّ كانت لي فرصةً ثانية ، لتخلّيت عن ذرّيتي كلها للّحاق به

ثم تذكّر كلام والده .. فقال بحزن :

- معك حق يا ابي ، فالخلود هي لعنتي ! ليتني متّ قديماً ، وارتحت من تأنيب الضمير بعصياني أمر ربي ! 


ثم مسح دموعه بعصبية : 

- كلّه بسبب آدم !! حرمني من السلطة والنعيم .. لذا لن يرتاح قلبي قبل حرق معظم ذريّته بالنار .. فأنا لن أُعذّب وحدي هناك ، أعدك بذلك يا عدويّ الّلدود.. فمازال في جعبتي العديد من الخطط المُدمّرة للبشريّة ، سأدوّنها بالحال !!

وجلس على مكتبه ، لكتابة خططه القادمة وهو يبتسم بخبثٍ ومكر !


هناك 8 تعليقات:

  1. اممم مو كتير عجبتني محسيتها قصه حسيتها كانها مقدمه لروايتك "يوميات ابليس" .. خصوصاً من اجتي زوجته الغبيه ..
    من قريت القصص القديمة بمدونتك ختمت 2018 .. و2017 قليل واكملها و2020 عجبني اقرا منها وقريت منها 20 قصه بس يمكن ..
    المهم شفت هواااي قصص كُلش حلوه اتعجبت لانها مو من ضمن قصصك الفخوره بها رعب الهالوين -بغض النظر عن انها مطوله جداً- والمتهمه الصغيره كانن روعه حرفياً .. وغيرهن
    على شنو تستندين من تخلين قصه بقائمة قصصك الفخوره بها؟🤔

    ردحذف
    الردود
    1. اعتمد على فكرة القصة ان كانت جديدة ومبتكرة ، وعلى احداث القصة ان كانت مشوّقة كفاية لشدّ انتباه القارئ .. الكاتب باستطاعته تميّز قصصه بين : لا بأس بها ، وجيدة ، وممتازة

      حذف
  2. ✍️ ساهر....
    السلام عليكم،
    أهلاً أمل، قصة رائعة تتناول الحياة منذ عهد إبليس، وماقبل خلق آدم ومنذ خلقه وإلى يوم يبعثون....

    قالها إبليس{ لأملأن جهنم }
    خلقه الله خصيصاً ليختبر ثباتنا على الدين، فجعل الله الإنسان محاط بين ثلاثة إختبارات،
    ١ـ وسواس الشيطان ٢ـ وسوسة النفس ٣ـ وشهوات الدنيا،
    "حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره"
    وجعل الله رسلاً مبشرين ومنذرين،
    وهذا من كمال عدل الله كما جعل الجنة درجات فجعل للنار درجات أيضاً،

    رب العباد يعلم بعباده من في الجنة ومن في النار فلماذا كل هذا الكم من الإختبار وإرسال الرسل....؟!
    (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما)

    أما الشيطان سيقول{ إني بريئ منك إني أخاف الله رب العالمين}
    فبعد أن تنتهي الغاية اللتي خلقه الله من أجلها، أن إبليس يقف يوم القيامة خطيباً في جهنم على منبر من نار يسمعه الخلائق جميعاً وسيلقي الخطبة  تسمى خطبة إبليس

    الخطبة:
    "وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي، إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذابٌ أليم"

    شكراً ياأخت أمل، قصة مفيدة أخذتينا في جولة ورحلة منذ عهد إبليس وماقبل خلق آدم ومنذ خلقه وإلى يوم يبعثون....

    تحياتي/ ساهر،،،

    ردحذف
    الردود
    1. تعليقك لخّص القصة بطريقةٍ سلسة .. شكراً جزيلاً لك

      حذف
  3. اعتقد ان هذه الايام ابناءه من البشر يقومون بما لم يحلم او يجروء على فعله ويمهدون الارض
    م م ع ع ع والبشر اضل ففرعون ادعى الربوبيه بينما ابليس لم يفعلها

    ردحذف
    الردود
    1. لهذا سيكون ابليس في الطبقة الوسطى من جهنم (والله اعلم) بينما المنافقين بالدرك الأسفل من النار

      حذف
  4. انا دائما اتابع قصصك المذهلة و اول مرة اعلق هنا لكن استوقفتني قصتك اسمعي عزيزتي انا ولدت مسلما لكن لست مؤمن ابدا لا بالاسلام و لا بأي دين آخر لكني مطلع و مثقف سأسألك موضوعيا و انا اعلم انه مهما سألتك سيكون لديك جواب واضح ام فقط كي تسبتي ان الدين دائما على حق و له دائما مبررات و لا احب الجدال مع شخص متعمق جدا في دين مهما كان دينه لكن سؤال اسألي نفسك فقط انت كإمراة هل الله في الجنة لديه بيوت دعارة يوجد في هذا المكان العديد من الحوريات لشخص واحد و لماذا هذا اذ مارس الجنس هنا على الارض يصبح زاني لكن في الجنة حلال ما الفرق اسألي نفسك فقط و اذ كان هذا منطقيا و الله عادلا كما تقولين لماذا المرأة في الجنة لا يحق لها ايضا بالحوريين كي تتمتع بهم كما الرجال ام هي دائما اقل قيمتا من الرجل في الارض و الجنة و لا يحق ان يكون اديها ما للرجل و اذا كان الله يحب التستر لماذا فرض الحجاب للمرأة لكن الرجل يحق له ارتداء ما يشاء لماذا هو ايضا لا يتحجب و يخفي عروته و مفاتنه اليس لديه عروة كالمرأة و يجب اخفائها لا اريد جواب لي او جدال صدقيني لكن انت اجلسي بينك و بين نفسك و إسألي وفكري ربما ليس كل ما زرعوه بعقولنا هو دائما على حق في النهاية انا لم اقل كي تشكي او تتركي ايمانك لكن ان تفكري في بعض الامور في الدين لربما تكون مخطئة لك الخيار

    ردحذف
    الردود
    1. كم يحزنني تزايد عدد المسلمين على الهويّة فقط !
      الزواج في الجنة مختلفٌ عن الدنيا ، كل شيءٍ هناك يختلف عن مفاهيمنا المعتادة .. المرأة تتزوّج زوجها بالدنيا الذي يُحسّنه الله لها ، يعني تختفي جميع عيوبه الجسديّة والأخلاقيّة .. ويصبح تماماً كما تتمناه ، لهذا يكفيها رجلٌ واحد بالجنة ..
      اما العزباء فتختار من تشاء من اهل الدنيا .. يعني من احبته ولم يكن معه نصيب ، يمكنها ان تختاره بالجنة .. فالخيار بيدها ..
      كما اذا ماتت المرأة عزباء وهي محافظة على نفسها تكون برتبة الشهيدة ، ويمكنها الشفاعة لأهلها بدخول الجنة ..

      وحتى لوّ كان للرجل العديد من الحوريّات ، فزوجته ستكون اجمل منهن جميعاً .. ولا غيرة بينهن بالجنة ..
      اما الحجاب فهو وقاية للمرأة ، فقد اثبت العلم ان رائحة شعرها هو اول ما يجذب الرجل اليها .. لذلك حماها الله من الذئاب البشريّة بغطاء الرأس
      والرجل ايضاً عليه ستر نفسه ، من قال ان السترة للنساء فقط ! وعليه ايضاً غضّ بصره عن المحرّمات

      لا تحرم نفسك من هذا النعيم يا خالد ، وحاول التفقّه اكثر بالدين .. هدانا الله وإيّاك لما يحب ويرضاه

      حذف

العقد الأبدي

كتابة : امل شانوحة  العاشق المهووس رغم وسامة إريك إلاّ أن الطلّاب تجنّبوا مصاحبته في مدرسته المتوسطة ، لغرابة طباعه ! فوالداه وأخوه الكبير م...