السبت، 8 يوليو 2023

جزيرة الأوهام

تأليف : امل شانوحة 

الدراما الواقعيّة


قبل صعود ريم للطائرة ، لمحت ممثلها المفضّل (باسم) مع زوجته وولديه.. وتمنّت لوّ تحظى بصورةٍ معه .. لكنه حتماً سيجلس في الدرجة الأولى ، وهي بالدرجة السياحيّة.. كما لا ترغب في مضايقة زوجته المعروفة بغيرتها الشديدة ، ومنعها المعجبات من الإقتراب منه ! ولديها الحقّ في ذلك ، فهو وسيم بشكلٍ مُغري.. كما انه ثريّ وموهوب ، حيث يُعدّ من أهم الممثلين الشباب على الساحة الفنيّة .. خاصّة مع زيادة نجوميّته بعد نجاح مسلسله الأخير .

^^^


من حسن حظها أن مقعدها كان قريباً من الستارة الفاصلة بينها وبين ركّاب الدرجة الأولى.. حيث لمحته من وقتٍ لآخر وهو يتصوّر مع المضيفات ، او يتحدّث مع ركّاب درجته من الأثرياء.


وقبل تقديم وجبات الطعام للركّاب ، لاحظت ريم دخاناً يخرج من الجناح الأيمن للطائرة ! 

فأخبرت المضيفة التي سارعت لكابينة الطيّار.. وسرعان ما دبّ الرعب بين الركّاب ، بعد سماعهم الطيّار يُخبرهم عن هبوطهم الإضّطراري فوق جزيرةٍ وسط البحر .


وبعد التزام ريم كغيرها بوضع حزام الأمان.. نظرت سريعاً من النافذة .. لترى الجزيرة التي لا يتناسب صغر حجمها ، ليكون مُدّرجاً لطائرةٍ كبيرة.


ومع انخفاض الطائرة ، شعر الجميع بقرب أجلهم ! ورفعوا اصواتهم بالدعاء والبكاء

***


خلال ثوانيٍ ! تطاير جسد ريم في الهواء ، عقب تحطّم النافذة بجانبها.. 

وأول ما خطر ببالها : هو فكّ حزامها ، قبل غرقها مع المقعد الثقيل في البحر


وفقدت وعيها لبعض الوقت ، قبل الشّعور بخدّها يلامس تراباً دافئاً ! مع سماعها صراخ رجلٍ من بعيد ، جعلها تفتح عينيها بصعوبة.. لتجد نصف جسمها على شاطىء الجزيرة ، بينما الأمواج تحاول سحبها مجدّداً للبحر


وبصعوبةٍ بالغة نظرت للرجل الذي ركض نحوها ، بعد ان وجدها مستلقيّة هناك.. لتجد ممثلها المفضّل ينهار امامها ، بعد علمه بأنها ليست زوجته (كما كان يأمل)

فنهضت متعبة ، وهي تسأله :

- سيد باسم ، ماذا حصل ؟!

فرفع يده باتجاه البحر ، وهو يبكي بقهر :

- لقد ماتوا جميعاً

فنظرت الى حيث أشار ، لترى الطائرة تغرق ببطء في الماء !

وأكمل بصوتٍ مُتهدّج :

- زوجتي وولدايّ لم ينجوا من الحادثة


وشعرت بالأسى عليه ، فهي المرّة الأولى التي تراه بهذا الضعف ! فهو عُرف بأدواره الرجوليّة القويّة.. وأرادت احتضانه لتخفيف مصابه ، لكنه لم يكن الوقت المناسب .. 


فاقترحت عليه صعود التلّ (اعلى مكان في الجزيرة الصغيرة) لرؤية إن كانت الأمواج سحبت الضحايا للجهة المعاكسة .

لكن لم يكن لديه القوّة لذلك ، فصعدت وحدها

***


من فوق .. تفحّصت المكان ، لتعلم بأنهما الناجيان الوحيدان ! وانه لا يوجد في الجزيرة سوى بضعة شجيرات جوز الهند ، بالإضافة لحفرةٍ عميقة قرب حافّة التلّ مليئة بالماء.. 

وقبل الشرب منها ، سمعته يقول (بعد صعوده خلفها) :

- انتبهي !! ربما تكون ضحلة

ريم : او تجمّعت فيها مياه المطر .. فقد رأيت طيراً يشرب منها قبل قليل ، وهذا يعني انها ليست مالحة

باسم : اذا تسمّمتِ ، لا علاج لك هنا

- علينا المجازفة ، فلا حلّ آخر امامنا


وسمّت الله ، ثم ارتشفت قليلاً .. لتقول بارتياح :

- الحمد الله ، المياه عذبة.. تعال إشرب قليلاً ، لتخفيف روعك

فردّ بحزن : لا شيء يُخفّف مصابي


وقبل معاودته البكاء ، سألته :

- أعرف انك تدخن ، فهل مازالت الولاّعة في جيبك ؟

فبحث في جيوب بنطاله :

- يبدو انها سقطت مع محفظتي في البحر

ريم : هذه مشكلة ! علينا القيام بإشارة ، لترانا طائرة الإنقاذ التي سيرسلونها لتتبّع الصندوق الأسود لرحلتنا المشؤومة

ثم نظرت للسماء ، قائلةً :

- ستغيب الشمس بعد قليل ، لنُسرع بإشعال النار


وقبل نزولهما من التلّ ، لمحت حقيبة سفرٍ تقترب من الشاطىء ! 

فأسرعا نحوها.. وكسرا قفلها ، وهما يتمنّيان إيجاد شيءٍ يساعدهما في محنتهما

لكنهما لم يجدا سوى : بطانيّة كبيرة ، وفستان ازرق مزركش


ريم : يبدو انها حقيبة عروس !

باسم : البطانيّة لن تنفعنا بهذا الحرّ

- ما يدريك ؟ ربما انخفضت الحرارة في المساء .

- وماذا عن الفستان ؟ هل ستلبسينه ؟

ريم : مُحال !! فهو شفّاف وقصير .. على كلٍ سنحتفظ بهما ، فنحن لا ندري كم سنبقى هنا

- عن نفسي ، لن أتحمّل البقاء كثيراً .

- اذاً علينا إشعال النار فوراً

***


بعد ساعة من محاولاتهما الفاشلة ، شعرا بحماسٍ وسعادة فور خروج الدخّان من الخشبيتين الّلتين حكّاها معاً

وعلى الفور استخدما الشعلة لإيقاد مجموعة من اوراق الشجر ، رتّبوها على كلمة (HELP)

^^^


بعد دقائق ، انطفأت النار .. 

ريم : ما كان علينا إشعالها الآن

باسم : لكن الشمس غربت ، وحلّ المساء

ريم : كان علينا الإنتظار ، ريثما نسمع طائرة الإنقاذ تحوم فوقنا

- وهذا ما استغربه ! فطائرتنا مليئة بالأثرياء ، فلما لم يرسلوا من يتعقّب أثرها حتى الآن ؟!

- الله اعلم .. (ثم سكتت قليلاً) .. كنت لمحت شقّاً أسفل التلّ .. دعنا نستخدم ذلك الكهف الصغير للمبيت فيه ، فالجوّ يزداد برودة كل ساعة

باسم : اذاً سأحضر البطانيّة معي

***


كانت ليلة صعبة على كليهما .. فجوزة الهند الوحيدة التي تمكّنا من إسقاطها بالحجارة بعد ساعة من محاولاتهما الفاشلة ، لم تكفي لسدّ جوعهما .. كما انهما مُجبران على مشاركة البطانيّة ، في مكانٍ لا ينيره سوى نور القمر بعد انطفاء شعلة نار التي عليهما إيقادها كل يوم ، لحين خروجهما من الجزيرة !


وكان الوضع مُحرجاً لريم كونها عزباء ، لا يفصل بينهما سوى نصف متر في ذلك المكان الضيّق.. لكن هذا ليس ما شغل بالها ، بل تنهيداته الحزينة ودموعه اثناء نومه ! كأنه يحلم بعائلته التي فقدها بالحادثة .. 

فشعرت بالحزن عليه ، ودعت الله أن يخفّف ألم الفراق على ممثلها المفضّل

***


مرّت الأيام دون أثرٍ لطائرة الإنقاذ او سفنٍ تجاريّة ، تعلّما فيها إشعال النار واصطياد السمك برمحٍ مصنوع من غصن شجرة ، وطريقة شوائها 


وطوال تلك الفترة ، تشاركا معاً ذكريات الطفولة .. فكلاهما من ذات الجيل ، بعكس زوجته التي تصغره ب ١٣ سنة.. 

كما لديهما طموحاً وأحلاماً مستقبليّة كبيرة .. الفرق انه نجح بتحقيق ذلك بوقتٍ قياسيّ ، بينما ريم مازالت تحاول النجاح بهوايتها الغنائيّة.

حيث أُعجب (باسم) بصوتها الفريد من نوعه.. ووعدها أن تغني شارة مسلّسله القادم ، لمعرفته الواسعة بالمنتجين والمخرجين .

***


وذات يوم ، واثناء شوائها السمك .. ناداها من بعيد ، وهو يقول :

- إيّاك أن تسخري مني !!


وما أن التفت اليه ، حتى انفجرت ضاحكة بعد رؤيته بالفستان الأزرق القصير !

باسم : غسلت ثيابي ونشرتهم على الصخرة.. يحتاجون وقتاً ليجفّوا ، لذا لا اريد سماع تعليقاتك الساخرة لحين تغيريّ الفستان الضيّق


ثم جلس بجانبها لتناول الغداء..

فرفعت كمّ فستانه المزركش ، وهي تقول :

- لا مزيد من الإغراءات ، يا عروستنا الفاتنة

باسم : استهزأي كما تشائين ، فالله وحده يعلم كم سنبقى هنا .. وحتماً ستحتاجين غسل ملابسك ، ولبس الغيار الوحيد المتوفّر لدينا

ريم : هذا محال !! سأسبح بملابسي ، وستجفّ بعد حين 

- سنرى ذلك

***


بعد يومين ، قامت بما قالته .. لكن ملابسها لم تجفّ بسرعة ، ونامت وهي مبلولة ! رغم انه نصحها بلبس الفستان الأزرق بعد برودة الجوّ مساءً ، لكنها رفضت بإصرار


ليستيقظ آخر الليل على صوت أنينها ! فوضع يده على جبينها ، وهو يعاتبها :

- يالك من عنيده !! حرارتك مرتفعة


وأسرع بحملها للخارج.. ورغم الظلام ، تمكّن من إشعال النار التي وضعها بجانبها .. وغطّاها جيداً بالبطانيّة ، لكنها ظلّت ترتجف بقوة .. قبل أن تمسك يده ، وهي تترجّاه بطلبٍ غريب :

- اريدك ان تعدني بشيء

باسم : ماذا ؟

- إن مُتّ ، تدفنني اسفل شجرة جوز الهند..

مقاطعاً : توقفي !! لن تموتي .. هي مجرّد حمّى بسيطة


ريم بتعب : إسمعني رجاءً .. إن مُتّ ، سويّ الأرض تماماً.. ولا تحفر اسمي على الشجرة ، كشاهدٍ لي.. وفي حال عُدّتَ سالماً الى المدينة ، لا تخبر اهلي بأني كنت حيّة طوال اسبوعين على الجزيرة .. دعهم يظنون بوفاتي مع بقيّة ركّاب الطائرة

- ولما كل هذا ؟!

ريم : لأن لا احد سيصدّق انه لم يحصل شيئاً بيننا طوال تلك المدة ، خاصة انك معروف بأدوارك الرومنسيّة الجريئة

- سأخبرهم انني كنت مخلصاً لذكرى زوجتي ، وانك بنتٌ محافظة

- لن يصدّقك احد .. وسيتحدثون عن شرفي ، وهذا سيضرّ بسمعة اهلي.. رجاءً عدني أن تفعل ما طلبته منك

فمسح دمعته ، وهو يقول :

- إن شاء الله تمرّ الليلة على خير

وظلّ يدعو لها بالشفاء ، الى ان نامت اخيراً

***


في الصباح ..إستيقظ على صوتها ، وهي تناديه قرب الشاطىء :

- باسم !! تعال الى هنا فوراً 

وكانت بكامل نشاطها ! كأنها لم تكن تحتضر البارحة..

 

وما أن نظر للمكان التي أشارت اليه ، حتى وجد حطام الطائرة يطفو من جديد على سطح البحر ! وعشرات الركّاب يخرجون من بوّابتها المحطّمة ، وهم يسبحون باتجاه الشاطىء..

باسم بصدمة : كيف نجوا بعد اسبوعين من الحادثة ؟! 

والأغرب ان اعدادهم كبيرة ، كأنه لم يُصبّ أحدٌ منهم بأذى ! 


وما أن لمح زوجته وهي تضع ابنها الصغير على ظهرها .. وتمسك بيد ابنها الثاني ، وهي تسبح بكل قوتها باتجاه الشاطىء ! حتى قفز نحو البحر لمساعدتهم .. 


ليتفاجأ بعد وصوله اليهم ، بأنها مرّت من خلال جسده كأنه غير موجود !

وراقبها بذهول ! الى ان وصلت مع ولديه ، وبقيّة الركّاب سالمين للجزيرة


حتى ريم صُعقت عندما لم تتمكّن من مساعدة فتاةٍ صغيرة للوصول للشاطىء ، كأن يدها تحوّلت لشفّافة !


ووقف كلاهما مصدوميّن ، وهما يستمعان الى تعليقات المسافرين :

- أخيراً نجونا !!

- كانت ساعةً مرعبة


فنظر باسم الى ريم بدهشة :

- كيف ساعة ، بعد مرور كل تلك الأيام والليالي ؟!


ثم سمعا المضيفة تنادي بعلوّ صوتها :

- هل هناك ركّاب مفقودين ؟!!

فصرخ ابن باسم باكياً :

- لم نجد ابي بعد !

وقال عجوز :

- كانت هناك راكبة تجلس بجانبي ، هي غير موجودة معنا 

ريم بذهول : يقصدني انا ! 


ثم بدأ الطيّار بعدّ الركّاب الناجين من الحادثة .. وبعدها اتصل بالّلاسلكي (الذي أخذه من الطائرة قبل غرقها) وتحدّث مع المطار لإخبارهم عن مكان سقوط الطائرة ، وهو يقول :

- جميعنا بخير .. لكن للأسف خسرنا راكبيّن ، احدهما الممثل الشهير


وبعد سماع باسم لإسمه ، نظر لريم بصدمة : 

- يبدو اننا الوحيدين الّلذين لم ينجيا من الحادثة !

ريم بخوف : أتقصد اننا اشباح ؟!

ثم نظر باسم لعائلته بحزن :

- كيف سيكملون حياتهم من دوني ؟!


ثم اقترب من ابنه الصغير ، هامساً في اذنه :

- إخبر والدتك وأخيك انني بخير

فقال الصغير بارتياح : ابي بخير !! سمعت صوته قبل قليل

الأم بحزن : نعم حبيبي ، هو الآن بالجنة


فاقتربت ريم من باسم : 

- هل نحن بالجنة ؟!

فسمعا صوتاً من السماء يقول :

- ليس بعد !!


ونظرا للأعلى ، ليجدا ملاكاً يمدّ جناحه نحوهما :

- ستتوجهان معي لعالم البرزخ.. وهناك تتحاسبان عن اخطائكما الدنيويّة

باسم بقلق : يا الهي ! اخطائي كثيرة .. فهناك مشاهد أخجل منها.. اما انت يا ريم ، ففتاةٌ بريئة ..وسيكون حسابك بسيطاً

الملاك : لا تخفّ من الحساب.. فطالما انت مُوحّدٌ لله ، ستنجو ولوّ بعد حين


فنظر باسم لعائلته للمرّة الأخيرة ، قبل أن يطفو هو وريم خلف الملاك باتجاه السماء في انتظار يوم الحساب !


هناك 5 تعليقات:

  1. كنت اتوقع العكس وجاءت النهايه صادمه
    ولكن ان كان هذا شكلا من اشكال البرزخ فنعما هو .. امرأة واحده فقط في عالمه تعدل امة كامنا حواء ..

    ردحذف
  2. ما هذا !! ظننت بأن الركاب اشباح وليس ريم وباسم!!!
    حقا هي صدمه !!
    لما لا تكتبي قصة عن شخص لا يراه الناس ويستطيع ان يدخل لبيوت الناس وقتلهم وسرقتهم وربما الاصلاح بينهم
    وسبب جعلة لا احد يراة هو ذنب قد ارتكبة او شيء قد وضعه على جسدة ولن يعود لطبيعتة الا ان يعثر على شخص يساعده او سبب اختفائة هو حتى يساعد شخص ويبقى يبحث بين البيوت كي يعثر علية وتستمر القصه
    ان اعجبتك الفكرة فخذيها وان لم تعجبك فاتركيها ، ما رأيك؟!

    ردحذف
    الردود
    1. هذه الفكرة كتبها بإسهاب الأستاذ محمد فيوري بقصة (المخلوق الأثيري) بعدة اجزاء في موقع كابوس .. إطّلع عليها ، هي تحفة فنيّة بحقّ

      حذف
    2. عندما اتفرغ سأطلع عليها..
      تبدو حقا رائعه

      حذف
  3. نهاية غير متوقعه ، قصه جميله

    ردحذف

العقد الأبدي

كتابة : امل شانوحة  العاشق المهووس رغم وسامة إريك إلاّ أن الطلّاب تجنّبوا مصاحبته في مدرسته المتوسطة ، لغرابة طباعه ! فوالداه وأخوه الكبير م...