الاثنين، 17 يوليو 2023

الوريثة الفقيرة

تأليف : امل شانوحة 

النادلة المحظوظة


في اوائل الخمسينات.. واثناء إجتماع الأقارب في قصر العم جاك (المتوفي حديثاً) لمقاسمة ورثِه ، بوجود المحامي.. تفاجأوا بقدوم صبيّة الى اجتماعهم العائليّ ، وهي تقول :

- قرأت بالصحيفة ان اليوم هو توزيع الميراث ، ومن حقي الوجود بينكم .. بما إنّي الإبنة الوحيدة لعمكم جاك


وجاء كلامها صادماً للجميع ! فالعم جاك لم يتزوج طوال حياته التي أمضاها بالعمل بالميناء ، الى ان أصبح اكبر تاجرٍ لنقل البضائع بالمرفأ آنذاك..

ورفض الجميع تصديقها ، خاصة لعدم وجود اثبات قانونيّ على ذلك


فرفعت الخاتم العاجيّ الخاصّ بوالدها ، وهي تقول :

- أظنكم تعرفون خاتمه الذي يعده فألاً حسناً في حياته ، ومن المستحيل إزالته من اصبعه .. ومع ذلك أهداني إيّاه بزيارته الأخيرة قبل وفاته ، كنوع من الإعتذار عن عدم زواجه من امي بعد حملها ، خوفاً من إلتزامه بعلاقةٍ طويلة ، ولرفض والده إرتباطه بفقيرة.

فسألها أحدهم : أتقصدين انك الإبنة الغير شرعيّة لعمي ؟!

- للأسف نعم .. وعشت انا وامي في فقرٍ مُدقع ، رغم ان والدي من اثرياء البلد الذي رفض مراراً أبوّته لي !

- ولماذا اعترف بكِ قبل وفاته ، وأعطاك خاتمه الثمين ؟


فأجابت : انا أعمل نادلة قرب الميناء.. وتفاجأت بقدومه ليلاً ، حينما كنت وحدي بالمحل قبل إغلاقه ! وعرفته على الفور ، فأمي أرتني صورته من الصحيفة .. وبعد تقديمي القهوة له .. أمسك يدي ، وطلب مني الجلوس لمحادثتي بموضوعٍ مهم.. وأخبرني عن خيبة امله بكم ، لتقاسمكم الميراث قبل وفاته !

- نحن لم نفعل ذلك !

فقالت : سمعكم بالصدفة اثناء حديثكم بالحديقة ، لظنكم أنه نائم .. وقد آلمه ذلك كثيراً .. فحسب كلامه ، لم يقصّر معكم ماديّاً طوال حياته

فطأطأوا رؤوسهم خجلاً..


فأكملت حديثها :

- وأخبرني ايضاً بندمه على عدم زواجه من امي ، التي ملكت المطعم الذي اعمل فيه حالياً قبل إفلاسها ، وبيعه لمديري الذي وافق على عملي فيه .. أتدرون لما أفلست ؟ لأنها خسرت زبائنها بعد إنجابي دون زواج.. فتنمّروا عليها بألقابٍ مشينة.. حتى أخبرتني إنها كانت ستُجهضني لوّ علمت بخذلانه مُسبقاً ! وعندما أخبرته عن عذابها.. إعتذر عن ذلك .. وقال أن الربّ عاقبه بحرمانه الشعور بالأبوّة ، لاعتقاده بأن لديه الوقت الكافي للعثور على امرأة مناسبة يُنجب منها الأولاد.. الى ان مرّ به العمر ! ووعدني بإثبات نسبي بالأوراق الرسميّة في أقرب وقت ، بعد أن تخفّ وعكته الصحيّة.. ومن بعدها أهداني خاتمه ، وذهب باتجاه الميناء .. ولم أعلم بوفاته على الكرسي المواجه للبحر في نفس الليلة ، إلاّ من الصحف..(ثم تنهّدت بضيق).. ليتني بقيت معه في ساعاته الأخيرة !


فاقترب منها شاب ، وهو يتمعّن في وجهها :

- أتدرين ؟ .. لولا شبهك الكبير بأمي ، لما صدّقت انك قريبتنا

فأجابت بابتسامة : أتقصد العمة ديانا ؟ أخبرني بذلك فور رؤيته لي ، وأنني أشبه اخته الكبيرة في صباها

الشاب : بالفعل ! لديّ صورة زواجها بأبي .. وانت تشبهينها اكثر من اختي!

ثم نظر لبقيّة الورثة :

- أظنها تقول الحقيقة

فردّ احدهم بعصبية :

- لا تدخل انت !! .. (ثم قال للصبيّة).. طالما لا تملكين اوراق رسميّة ، فلن ترثي معنا


وهنا تدخل المحامي : 

- في حال أثبتتّ انها ابنة جاك الوحيدة ، فلن تحصلوا على فلسٍ واحد

فنظرت الى الأقارب بثقة : 

- لديّ مليون طريقة لإثبات علاقة امي بأبي اثناء شبابه ، فهناك العديد من الشهود : كموظفيّ امي القدامى بالمطعم ، وجيران منزلنا القديم.. عدا عن صورتها معه اثناء حملها.. وهذه وحدها تكفي لإثارة البلّبلة في حال سلّمتها للصحافة .. لكني أحتاج بعض الوقت للبحث عن الصور ، في اغراض امي القديمة..

فقال احدهم بقلق :

- لا داعي لذلك ، فنحن لا نريد فضيحة في عائلتنا


فنظرت اليه بعتاب :

- أنسيت انني من نفس العائلة ، وسمعتكم تُهمّني.. بجميع الأحوال ، لم آتي الى هنا لحرمانكم من الميراث .. كل ما اريده هو هذا القصر وراتبٌ شهريّ.. ويمكنكم الحصول على شركة النقل الخاصة بأبي

الورثة بصدمة : أحقاً ما تقولين ؟!

- نعم ، فأنا لا افهم بأمور التجارة.. وحلمي بهذه الحياة : أن اعيش بكرامة دون حاجتي للعمل الشاقّ ، هذا كل شيء

***


ولأنه في بداية الخمسينات لم يكن هناك فحص (DNA) ، وافقوا على اقتراحها .. خوفاً من خسارتهم الميراث ، في حال أثبتتّ أبوّة جاك لها.. كما ان وجود الخاتم الثمين معها ، هو اثباتٌ كافي على صدقها.. فهو وصّاهم سابقاً بدفنه معه لشدّة إعتزازه به ، كونه هديّه من والده .. بالإضافة لشبهها الكبير بعمّتهم ديانا ، خاصّة الشامة فوق فمها ونظرتها الحادّة الذكيّة !


اما ابن ديانا ، فتودّد اليها بنيّة الزواج .. مُتحجّجاً باشتياقه لأمه التي تذكّره بها ! ورغبته في البقاء بالقصر الذي تربّى فيه منذ صغره.. 

وبذلك حصلت النادلة على القصر وراتبٍ شهريّ مُحترم ، بالإضافة لزوجٍ وسيم !

***


في ذلك المساء واثناء نوم زوجها ، كتبت السطور الأخيرة من مذكراتها :

((لا احد يعلم بأن العم جاك ليس والدي الحقيقيّ .. بل مجرّد زبون قدِمَ الى مطعمي قبل إغلاقه ، بعد ان لمحني من الواجهة .. حيث أخبرني بكل ما قلته للورثة : كغضبه من طمعهم ، وشبهي الكبير بأخته المتوفاة (وكنت محظوظة بهذا الشأن)  لكن لا احد يعلم بأني وضعت سمّ الفئران (الخاص بالمحل) في قهوته.. 

وعند شعوره بالدوّار.. أسندته ، وأخذته قرب البحر.. ووضعته على كرسي الميناء .. وبعد تأكّدي من وفاته ، سرقت خاتمه الثمين .. وانتظرت يوم توزيع الميراث لأفاجئهم بكذبتي.. 


ولشدّة خوف أقاربه من خسارة الميراث ، وافقوا على اقتراحي (الغبي ، حسب رأيهم) وهم لا يعلمون انني تفوّقت بذكائي عليهم ! 

حتى زوجي يظن انه استغلّ طيبتي لبقائه في القصر ، دون علمه بأنني تزوجته كيّ أنتمي لعائلةٍ راقية بعد أن أتعبني الفقر.. 

وكل تنازلاتهم لي ، خوفاً من الفضيحة الإعلاميّة .. رغم عدم امتلاكي للصور والشهود ! 


وذنبي الوحيد : انني شوّهت سمعة امي المرحومة.. لكن ماذا افعل ؟ الغاية تبرّر الوسيلة..

لا تلوموني ، لست قاتلة محترفة.. انا مجرّد نادلة فقيرة ، إستغلّت غباء الثريّ العجوز الذي أطلعني على معلوماتٍ مهمّة يُمكن إستغلالها.. 

وليكن هذا درساً للجميع : إيّاكم والفضّفضة للغرباء)) 

وأغلقت دفترها ، وهي تبتسم بخبث !


هناك 14 تعليقًا:

  1. توقعت انها نصابة ولها دور في قتل العم جاك ورجحت ان تكون استعانت بعشيق لها لقتله وبعد ذلك تقتله لاحقا لكي لا يفضحها واستغربت اول الأمر عدم المطالبة بفحص الحمض النووي قبل أن انتبه ان القصة تعود للخمسينات

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة ان افكارنا متشابهة ، وان نوعيّة قصصي تعجبك .. تحياتي لك يا ربيع

      حذف
  2. حسنا ربما نالوا مايستحقون جزاءا وفاقا

    واليوم اذ تحل الذكرى ال 45 لميلاد الأمل..
    كما نظن فلا يسعنا إلا أن نقول عيدا سعيدا
    لتلكم الكاتبة التي نجت في زمن الهرج والمرج...
    فكانت الراحلة الفقيده رحمها الله وطيب الله ثراها اصبرنا صبرا واكثرنا زهرا

    وإليكي نزجيكم ب 45 شمعة سوداء في التورتة السوداء في الليلة الظلماء... وان العين لتدمع وان القلب ليحزن ولا نقول الا مايرضي ربنا في هذا اليوم الفءيد
    ورثاء
    الامل واجب وتابينه حاجب... وكل من عليها فان... وانا لله وانا اليه راجعون...
    ولا حول ولاقوة الا بالله ..
    انك ميت وانهم ميتون ثم انكم يوم القيامة تبعثون ..
    ولتطفءوا كل الشموع تحرزا
    ابت النفاءس ان تعود ايابا
    ( السخريه شديدة التطرف من الوان الكتابة الساخره النادره ..خاصة في هذه الازمنه الحالكه الغبراء... حتى لا يتعقبنا متعقب فسنتدرك على انفسنا )

    وعيد ميلاد سعيدا امل



    ردحذف
    الردود
    1. فاجأتني يا عاصم ! كيف عرفت ان اليوم عيد ميلادي ؟ .. نعم 45 عاماً من النجاحات والإنجازات المتواصلة .. (ضحكة ساخرة).. شاهدت مرة مناماً ان عمري سينتهي في 53 .. يعني الحمد الله ، قاربنا على الفرج .. احاول ان انافسك بالتشاؤم .. على امل ان في 8 السنوات الباقية ، تصل قصصي الى السينما العربية او الأجنبية كما أحلم دائماً .. وان كنت اعتقد ان شهرتي ستكون بعد موتي ، كما حصل مع أغلبية الموهبين المنحوسين في العالم ! لا يهم ، تحملون الشعلة عني بعد رحيلي .. المهم ان نكمل المسيرة بقصصٍ هادفة وتربويّة .. وشكراً على المعايدة الكئيبة ، يا بومة المدونة بلا منافس.. تحياتي لك وللجميع

      حذف
    2. عرفت من قصه سابقه لكي بالطبع
      فلم اعد استخدم الجن الطيار لاغراض شخصيه ههههه
      وتصلين لل 530 عاما بإذن الله بأتم صحه وعافيه وثكلتنا أمهاتنا لو حملنا بعدك شيئا ههههه

      حذف
    3. حتماً الجن الطيّار تستخدمه لمساعدتك بأشعارك وأفكارك المميزة .. تحياتي لك يا مشعوذنا المتشائم

      حذف
  3. عطفا على الغايه تبرر الوسيله هنا هي ضحة بامها من اجل نفسها كم موجوده النادله بينا على مواقع الميديا يظهر هو زوجتها ليجنو الارباح ديكور بيتنا لبستنا عملية عمليه شو اكلنا /ولكن النادله كانت بزمن ماضي جرئيه والورثه طماعين وهي نصابه
    طنجره ولقت غطاءها/استاذه امل ابدعتي كالعاده وحمد الله رجعت قصص استاذ اسمى القصه ماضيه جميله ومثيره وتصلح فيلم وحتى هاي تصلح غالب قصصك تصلح اما مسلسل او فيلم يارب تجد طريق النجوميه
    ////زمان عن جاكلين وجوزفين واستاذه سلمى او اسمى //// او ابليسو هههه

    ردحذف
  4. بما اني عرفت اليوم عيد ميلادك إستاذة امل ينعاد عليك بكل خير وصحة وسلامة انشالله مزيد من التوفيق والإبداع مستقبلا وانا متاكد ينتظرك مستقبل باهر وسوف تستعين فيك شركات إنتاج افلام لتكتبي لها القصص مرة أخرى ينعاد عليك تحياتي 🌷🌷🌷

    ردحذف
    الردود
    1. وانت بألف خير استاذ ربيع .. ان شاء الله يحصل هذا ، ونُنتج افلاماً تناسب ديننا واخلاقنا بدل تقليدنا للأفلام الأجنبية والتركية دون وعيٍّ او إدراك .. سلمت اخي

      حذف
  5. لافيكيا سنيورا
    مرحبا اخت امل. قصه حلوه.كما توقعت النادله نصاابه ...

    عيد ميلاد سعيد

    أتمنا أن لا يصل عمرك الى 53 عام إلا وقد اشتهرتي وصرتي كاتبه عاالميه مشهورة وشركات الافلام والمسلسلات تأتيك من كل حدب وصوب لعمل عقود اتفاق معك بشأن قصصك.حينها ستكونين من الاثرياء.

    أتدرين لماذا هذه الإمنية؟

    ليس حُبا فيك 😁😁😁 وانما طمعا في ثروتك لكي ارثك هههه

    ماذا وكيف سأعمل ساعتها بشأن خطتي؟
    مازال لديا متسع من الوقت ثمان سنين كافيه لكي افكر واخطط بشأن عملية النصب والاحتيال التي سأتدبرها لكي احتال على ثروتك😁


    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
    الردود
    1. وانت بخير .. لك مدة طويلة لم تعلّق على قصصي يا ابن اليمن ، مرحباً بعودتك .. المهم أنشهر وبعدها ترثوني جميعاً ، لا يهم .. انتم اصدقاء مدونتي المخلصين ، وتستحقون كل خير .. لافيكيا سينيورا ، ابن اليمن

      حذف
  6. كل عام وانت لله اقرب العمر بسرعه استاذه امل 45 عام والله مو مبين كيف مرت
    الله يرزقك خير كله زوج واولاد وان جاءت متاخره /مكتشفة جاكلين ووزفين وجاك
    تقبلي احترامي وودي كل عام وانت بالف خير

    ردحذف
    الردود
    1. وانت بألف خير .. نعم العمر يمضي بلحظة .. المهم ان يكون مستقبلنا افضل من ماضينا البائس .. الحمد الله على كل شيء .. تحياتي لك

      حذف

مسابقة الفيلم الدموي

تأليف : امل شانوحة  الزومبي الكومبارس  فور دخول الشباب 12 الى المسرح (الذي سيقام فيه احداث الفيلم المرعب ، والذي بُنيّ على شكل قبّةٍ زجاجيّة...