الخميس، 11 مايو 2023

محطّة الصحراء

كتابة : امل شانوحة 

المعركة الدمويّة 


كان (بوكاسا) سعيداً بحصوله على الإقامة الأمريكيّة ، بعد هروبه من المعارك الدائمة في بلدته وسط إفريقيا ! ليواجه مشكلةً أخرى بإيجاد عملٍ ، بسبب لغته الإنجليزيّة الركيكة .. 


وبعد شهرين من البحث المتواصل ، أصبح مسؤولاً عن محطّة وقودٍ في طريقٍ صحراويّ بين ولايتيّن .. وعليه العيش وحيداً في غرفةٍ داخل بِقالة ، بالإضافة لاهتمامه بخزانيّ : البنزين والديزل ! 


وكان عمله روتينيّاً وغير متعباً ، فنادراً ما تمرّ سيارات من هناك .. واقتصر الأمر على بعض شاحنات البضائع والنقل ! 

***


كل هذا تغيّر ذلك المساء ، بعد قدوم راكب درّاجةٍ ناريّة .. 

وقبل قيام بوكاسا بتزويده بالوقود ، شهر المسدس في وجهه وهو يدفعه بقوّة باتجاه البِقالة ! 


وما أن أصبحا داخلها ، حتى أمره بإغلاق بابها الحديديّ !

فقال بوكاسا برعب ، وبلغته البسيطة : 

- سيدي ! لا يوجد الكثير من المال

فصرخ الرجل بارتباكٍ واضح : فقط إقفل الباب اللعين .. بسرعة !!


وسارع بوكاسا بإنزال الباب وقفله ، فور رؤيته عشرات الدرّاجات الناريّة قادمة من جهتين مختلفتين باتجاه المحطّة ! 

بوكاسا بخوف : ماذا يحصل ؟!

فأجابه الرجل : تعاملت مع كلا العصابتين (العقرب والثعبان) .. وانكشف أمري ، ويريدان قتلي ..


ثم أخرج مسدساً آخر ، وضعه بيد العامل الأفريقيّ :

- دافع عن نفسك ، فبعد قليل ستحصل معركةٌ عنيفة  

بوكاسا بضيق : أهربت من معارك إفريقيا ، لأموت هنا ؟! 

الرجل : لا وقت لندب حظّك العاثر .. حاول عدم إطلاق النار إلاّ بعد اختراقهم الباب .. حينها لا ترحم أحداً ، فجميعهم مجرمين .. مفهوم ؟!! 


فارتجف بوكاسا بعد سماعه صراخ إحد القائديّن ، الذي بدى من صوته انه كبيرٌ في السن (رئيس عصابة العقرب) وهو يعاتب القائد الثاني (رئيس عصابة الثعبان) الذي لمحه بوكاسا من فتحة الباب الحديديّ : بأنه رجلٌ أعور يضع عصابةً سوداء على عينه !  


العجوز غاضباً : لما أتيت الى هنا ؟!! فرأس الخائن جاك من نصيبنا !!

الأعور : إسمع ايها الخرِف !! هو تسبّب بموت عشيقتي ، ولابد من قتله بيديّ

العجوز : مستحيل !! هو قتل ابني البكر ، وانا الأولى برأسه


ثم سمع المُختبئان ، صوتاً يقول : 

- درّاجة جاك هناك !! أكيد هو داخل البِقالة .. فلنطلق عليه النار ، إلى أن يتحوّل جسمه لمصفاة

العجوز بحزم : اذاً ترجّلوا من درّاجاتكم ، واصّطفوا هنا !! ولا تطلقوا النار إلاّ بعد أمري .. مفهوم !! 

ثم نادى بصوتٍ عالي :

- جاك !! سلّم نفسك ايها الخائن


فأجاب جاك من الداخل :

- كيف تعاقبني بعد تنفيذي أمرك بالحرف الواحد : بقتل محبوبة قائد الثعبان لرفضها علاقةٍ عابرة مع ابنك الفاسق ؟!! 

قائد الثعبان بدهشةٍ وغضب : أأنت أمرته بذلك ؟!

فشعر زعيم العقرب بارتباك ! 


فأكمل جاك قائلاً :

- وأنت ايها الأعور !! أمرتني بقتل ابنه البكر ، بعد علمك بملاحقته المستمرّة لحبيبتك  

العجوز غاضباً : يا لعين !! أنت أمرته بذلك !


جاك : انا مجرّد قاتلٌ محترف ، لم اردّ الإنتماء لأيّ العصابتين ! فعملي مُستقلّ.. لهذا نفّذت طلبكما مقابل المال .. وعليكما حلّ مشاكلكما بعيداً عني!!

العجوز بعصبية : دفعت لك الكثير من الدولارات لتصبح من رجالي ، وفي المقابل تعاملت مع عدويّ الّلدود !!

الأعور : بل نحن من أعطيناه منزلاً ودرّاجةٍ فخمة ، ليخون ثقتنا به!

فالتزم جاك الصمت !

^^^


بهذه الأثناء .. همس جاك للعامل :

- سيطلقون النار علينا لا محالة ، هل يوجد مُخبأٌ هنا ؟

بوكاسا : هناك قبوٌ صغير ، أُكدّس فيه بضائع المحل 

جاك : وماذا تنتظر ؟! دعنا نختبأ فيه بسرعة !!


ففتح العامل باباً صغيراً بالأرضيّة ، ونزلا درجتيّن .. محاولان الإختباء من المجرمين الذين حاصروا البِقالة من الخارج ! 

^^^


بهذا الوقت ، إتفق الزعيمان على الإنتقام من جاك ..


ونادى العجوز بعلوّ صوته : 

- سأعدّ للرقم ثلاثة !! إن لم تخرج مُستسلماً من البقالة ، سنُرديك قتيلاً بمئات الرصاصات .. هل تسمعني يا جاك ؟!!

ثم عدّ بصوتٍ عالي : 

- 1....2...3 !!!!


لينطلق وابلٌ من الرصاص ، حطّم كل شبرٍ بالمحل الصغير !

***


بعد ربع ساعة من المعركة المتواصلة ، نادى العجوز :

- توقفوا يا شباب !! .. دعونا نكسر الباب ، لسحل جثة الخائن الى وكرنا

الأعور بعصبية : لن أسمح لك بأخذه !! فجثته هو انتصارٌ لي امام عشيقاتي 

العجوز : اذاً لنقسم جثته لنصفين : لي الرأس وانت الجسم

الأعور بإصرار : جسمه لن يُثبت هويّته ، اريد رأسه !!

العجوز غاضباً : انا الأكبر سنّاً ، وأكثر خبرةً منك في عالم الإجرام!!


الأعور : وانا الأغنى !! وتجارة الدعارة والرقيق مُنتشرة في حارات الفقراء ، أكثر من مخدّراتك الرخيصة  

العجوز بعصبية : لم أعدّ استطيع تحمّل تفاهتك ، ايها المُعاق !! 

الأعور بغضبٍ شديد : أتسخر مني امام عصابتي ! .. هجوم يا رجال !!


وسرعان ما انقلبت المعركة بينهما ! محاولاً كل فردٍ من العصابتيّن الإحتماء خلف حائط المحطّة ، او وراء درّاجته .. ليموت عددٌ كبير منهم بعد انفجار إحدى الخزانيّن التي أحرقتهم احياءً .. بينما أُصيب الباقين بالرصاص الطائش ! 


وفي القبو ، إستمع جاك وبوكاسا لشجار العصابتيّن بقلقٍ شديد 

***


بعد نصف ساعة ، عمّ الهدوء المخيف !

جاك : هل تسمع شيئاً ؟!

العامل : لا .. أظنهم رحلوا !

- بل أفنوا بعضهم ، فلا صوت للدرّاجات التي تعطّلت حتماً بالرصاص

- هل نخرج الآن ؟

جاك : اساساً يظنّون بموتنا.. دعنا نخرج بحذرٍ شديد

***


بعد صعودهما من القبو .. صُدم العامل بمنظر البقالة التي لم يتبقّى فيها مُنتجاً سليماً ! ومشى مع جاك فوق شظايا الزجاج والرصاصات الفارغة 


ثم فتحا الباب الحديديّ المثقوب بمئات الرصاصات .. ليجدا عشرات الجثث بالخارج .. بعضها مازال يحترق ! 

فأسرع العامل بإطفائهم بالعبوّة المخصّصة لذلك 


اما جاك ، فتوجّه للقائد العجوز (يتلوّى بألمٍ شديد) والذي قال بدهشة ، بعد رؤيته الخائن سليماً :

- ألم تمت ايها اللعين ؟! 


فنظر جاك الى جراح العجوز الخطيرة التي تؤكّد إحتضاره ، هامساً في إذنه :

- على فكرة .. لست قاتلاً مأجوراً ، بل شرطي مُتخفّي .. تعمّدت العمل مع كلا العصابتين ، للقضاء عليكما .. وأنا من نشرت إشاعة خيانتي وعملي للفريق الآخر ، لجعلكما تلاحقاني الى منطقةٍ مهجورة مُفخّخة بالديناميت ، تبعد كيلومترين من هنا... لكن للأسف فرغ بنزين درّاجتي ! ولحقتماني قبل تزوّدي بالوقود.. المهم !! خطتي نجحت بجميع الأحوال : وقضيتما على رجالكما برصاصكما ، بعد أن لوّثتما سمعة منطقتنا الريفيّة لسنوات ! واريد إعلامك بأن الحكومة ستزوّدنا بالأطباء لعلاج الإدمان ، الذي نشروه رجالك بين شبابنا .. كما سنُغلق دور الدعارة ، ونُعيد الرقيق المخطوفين لأهاليهم .. ومن بعدها تُمحى عصابة العقرب والثعبان من ذاكرة منطقتنا للأبد !! اما جثثكم ، فستتكفّل الشرطة برميها في المحرقة ، لعدم إستحقاقها الدفن كبقيّة البشر .. عدا عمّا ينتظركم من عذاب الجحيم .. والآن متّ ايها المجرم الخرِف!!

وخنقه بقوة ، الى ان مات العجوز بين يديه ! 


من بعدها اتصل جاك بمركز الشرطة لإخبارهم بنجاح خطّتهم ، وتنفيذه للمهمّة السرّية الخطيرة ..وأعطاهم عنوان المحطّة ..

 

ثم زوّد درّاجته (التي من حسن حظّه ، أوقفها بعيداً عن المعركة العنيفة) بوقود الخزّان (الوحيد الذي بقيّ سليماً في المحطّة) !

^^^


قبل ذهاب جاك .. إقترب من العامل ، لإعطاه حقيبةً صغيرة مليئة بالمال: 

- أقترح عليك ترك كل شيءٍ خلفك ، والرحيل من هنا .. فالشرطة قادمة بعد قليل لإزالة الجثث .. وأمامك حلّ من إثنين : إما أن تعطي رُزم المال لصاحب المحطّة كتعويض عن دمارها ، وبذلك تبقى عاملاً بسيطاً لديه !.. أو تركب درّاجة زعيم الثعبان (الوحيدة التي سلمت من الرصاص ، من درّاجات العصابتيّن) لفتح محلٍ خاصٍّ بك في المدينة ، بثروتك البسيطة.. ففي جميع الأحوال سيظنّ مديرك بموتك بتلك المعركة الطاحنة .. والقرار قرارك !!

فأعاد العامل المسدس لجاك ، وهو يقول : سأفكّر بالأمر

***


بعد رحيل جاك بساعة ، سمع بوكاسا صافرات الشرطة من بعيد !

وبدون تفكير ! سارع بحمل حقيبة المال .. مُنطلقاً بالدرّاجة الفخمة ، للإبتعاد عن المحطّة المُدمّرة .. وهو يطمح بحياةٍ هادئة ، تليق بأحلامه البسيطة !  


هناك 14 تعليقًا:

  1. ربما أتوقف عن الكتابة الفترة القادمة ، فغداً لدى امي فحصاً طبّياً .. فإن تأخّرت اسبوعاً عن النشر ، اكون مرافقة لها بالمستشفى بعد عمليّة المصران .. دعواتكم يا اصدقاء

    ردحذف
  2. محمد بيومي آل غلاب11 مايو 2023 في 8:04 م

    أسأل الله أن يكلل عملية والدتنا بالنجاح وأن يسبغ عليها نعمة الصحة والعافية ويلبسها لباس الشفاء العاجل

    ردحذف
    الردود
    1. سلّمك الله يا استاذ محمد ، شكراً لذوقك .. غداً سيكون يوماً طويلاً .. كان الله في العون

      حذف
  3. اتمنا ان تكون بالف خير . انا ايضا ارافق ابي المريض وهوه في حالة قيبوبة بسبب جلطة. وصدقيني لا يوجد حتي الانسلين. بسبب الحرب ونزوح سكان الخرطوم الي الولايات

    ردحذف
    الردود
    1. كان الله في عونكم جميعاً .. واتمنى الشفاء العاجل لوالدك ..

      حذف
  4. نسأل الله لها الشفاء التام ولكي العون على امرها

    ردحذف
    الردود
    1. سلمت أخي عاصم .. لدى امي فحصاً جديداً يوم الإثنين ، ومن بعدها نحدّد موعد العمليّة .. اتمنى لها الشفاء العاجل .. سأحاول الكتابة قدر المستطاع في هذه الفترة الصعبة ..

      حذف
  5. اسال اللة العلي العظيم ان يشفي والدتك وان يحفظها لك
    فراق الام صعب جدا
    الله يحفظها لك

    ردحذف
    الردود
    1. ان شاء الله خير ، شكراً لك .. اما التنويم المغناطيسي ، فكتبت عدة قصص عن الموضوع ، لا ادري ان كنت سأكتب عنه ثانيةً في المستقبل ! لندعها للأيام

      حذف
    2. هذا واجبي
      احقا كتبتي ؟ في اي سنة وهل تذكرين عنوانها ؟
      اذن لما لا تكتبي قصة وبنهايتها نصيحه
      واكتبي عن فتى يجادل والدية في كل مرة ينصحانه .. وايضا يجادل جميع الكبار واضيفي من افكارك الجميلة وابني بها نصيحه تليق بالأشخاص الذين يجادلون الكبار،لاني ارى الكثير من الشباب الصغار يجادلون الكبار فقلت ربما هناك نصيحه لهم

      حذف
  6. افضل كتبه في تاريخ امل شنوحه من يوم ماقراءت أليك قصة الحفلة في موقع كابوس وانا اتبعك يريت متركتي الموقع ياأستاذ

    ردحذف
    الردود
    1. انا اراقب موقع كابوس من وقت للآخر ، لكني حقاً ليس لديّ الوقت للمشاركة معهم .. بالكاد استطيع النشر في مدونتي .. سعيدة ان القصة اعجبتك

      حذف
  7. حلوة القصة ، ربي يشافي والدتك وكل امهاتنا

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...