فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة
بصمة الدمّ !
طلبت المديرة من ريما (معلّمة الرسم) تزيّن جدار حديقة المدرسة..
وبعد ذهاب الطلاّب والمدرّسين الى منازلهم.. وضعت ريما علب الألوان امامها ، لرسم لوحةٍ على الجدار ..
واثناء تخيّلها الرسمة النهائيّة ، نادتها خادمة المدرسة (زوجة الحارس) برفقتها ابنها الصغير (الذي يبدو في العاشرة من العمر) وهي تقول :
- يمكن لأبني ان يساعدك ، فهو رسامٌ بارع
فسألت ريما الصغير :
- أحقاً يمكنك الرسم ؟
فأجابها بثقة : طبعاً !! فقط إخبريني بما تنوين رسمه ؟
ريما : أفكّر بأشجارٍ وورود .. واولادٌ يلعبون بالمراجيح ، كشيءٍ يُشبه فناء مدرستنا
الولد بحماس : سأبدأ حالاً !!
المعلمة بقلق : اولاً إرسم لي قطة على هذا الجزء من الجدار ، لأقيّم رسمك
وبأقل من دقيقة ، رسم قطة تبدو حقيقة لشدّة موهبته !
ريما بذهول : هذا رائع ! موهبتك تفوق عمرك بكثير
الخادمة : دعي ابني يُنهي الرسمة ، ولنتحدّث سويّاً بموضوعٍ مهم
ثم انضمّ اليهما الحارس الذي أخذهما الى الحديقة الخلفيّة (المُغلقة من الإدارة السابقة)..
فسألت ريما الحارس باستغراب :
- لم اكن أعلم إن معك مفتاح الحديقة ! فمديرتنا لم تُخبرنا عن السبب الحقيقي لإغلاق الحديقة بدل إستفادتنا منها ، بتحويلها لملعبٍ للصغار
الحارس : تمّ إغلاقها بعد عدّة إصاباتٍ للطلّاب
ريما : هذا بسبب الأعشاب الضارّة .. ولوّ أحضرنا مزارعاً بارعاً ، سيسوّي العشب ليصبح ملعباً إضافيّاً للطلّاب !
الخادمة : دعينا الآن من موضوع الحديقة ، واخبرينا عن حلمك ؟
ريما بدهشة : ماذا تقصدين ؟!
الخادمة : هل تتمنّين أن تصبحي أفضل رسّامة بالبلد ؟
ريما : طبيعي أن احلم هكذا
الحارس : ونحن يمكننا تحويل حلمك الى حقيقة
ريما باهتمام : كيف !
الحارس وهو يشير الى الشجرة الضخمة :
- بمجرّد دخولك عالمنا ، تصبحين موهوبة بشكلٍ خياليّ
ريما بقلق : عالمكم !
فقرأ الحارس تعويذةً غريبة امام الشجرة ! أظهرت باباً خفيّاً داخلها ، يخرج منه شعاعٌ احمر !
فتراجعت ريما للخلف بخوف ، بعد رؤية عينيّ الزوجيّن المضاءة !
الحارس : لا تخافي ، فنحن سكّان هذه الأرض قبل تحويلها الى مدرسة ..ومنزلنا اسفل منها .. ونعدك أن تصبحي أفضل رسّامة ، بعد زيارتك عالمنا
الخادمة : لا تخافي يا صغيرتي ، فعالمنا لا يختلف كثيراً عنكم
ريما وهي ترتجف بخوف : رجاءً لا تأذونني !!
الحارس مُطمّئناً : لم نكشف سرّنا ، كيّ نؤذيك
الخادمة : أنظري الى رسمة ابني
فنظرت ريما خلفها .. لتُصعق برؤية اجمل لوحةٍ جداريّة ، باتقان رسّامٍ محترف يفوق عمر الصبي بأعوام !
ريما بذهول : هل رسمها بخمس دقائق ؟!
الخادمة : ويمكنك بسهولة التفوّق عليه
الحارس : كل ما عليك فعله ، هو الدخول الى عالمنا
الخادمة : وسنعيدك الى هنا بغضون ثوانيٍ ، فزمننا ابطأ من عالمكم
وعادت ريما تتمعّن الّلوحة الجداريّة ، والصبي يقول لها :
- سيظن الجميع إنها رسمتك ، فأنا لا اظهر في الصباح إلاّ كشبحٍ خفيّ
فسألته ريما بعد وقوفه بجانبها :
- وهل كنت تلعب بمراجيح الملعب اثناء وجود الطلبة في صفوفهم ؟! فقد أرعبني تحرّكها وحدها أكثر من مرة !
الصبي : احياناً أشعر بالمللّ في عالمنا ، فآتي للعب عندكم .. اساساً ملعبكم كان ساحة بيتنا قديماً
الحارس : هآ يا آنسة ريما ، هل توافقين على زيارتنا ؟
ريما بقلق : إلحاحكم يُخيفني ! فأنا لا اعرف ماذا تستفيدون من زيارتي لعالمكم ؟!
الخادمة بابتسامةٍ غريبة : ستعلمين لاحقاً
وبترددٍ شديد ، دخلت ريما مع عائلة الجن لداخل الشجرة .. لتفاجأ بعالمٍ كبير وضخم ، مليئاً بأنواع الجن المختلفة : من الزاحف والطائر والعملاق والقزم ! حيث يبدون كقصةٍ خياليّة .. اما زمانهم : فكأنهم يعيشون بالقرن الماضي ، بعربات الخيول وقناديل الزيت تضيء شوارعهم الترابيّة .. أما الأكثر غرابة ، فهو زيّ نسائهم ورجالهم الموحّد : فجميعهم يلبسون الثوب الأبيض الطويل ، بشعورهم التي تغطي معظم وجوههم ، وهم يطفون كنسمة هواءٍ باردة !
وكانوا جميعاً يراقبونها بابتسامةٍ عريضة أخافتها ، دون أن يأذوها ! وظلّت تمشي برفقة عائلة الحارس ، الى ان وصلت لساحتهم .. التي في وسطها ، كتابٌ كبير مفتوح على عقدٍ بإسمها ، على النحو التالي:
((انا المعلمة ريما .. أتعهّد بتنفيذ اوامر الجن ، مقابل موهبة رسمٍ عظيمة))
الحارس وهو يشير لأسفل الورقة :
- وقّعي هنا !!
ريما : واين القلم ؟
الخادمة : ستبصمين بصمة الدم
ريما بقلق : لم أفهم !
الحارس : ستجرحين اصبعك بهذا المشرط المُطهّر ، وتبصمين في هذه الخانة
ريما : لكني استطيع الكتابة !
الحارس : نعرف هذا ..لكن عقدنا يبقى ساريّ المفعول ، طالما انت حيّة .. فنحن نتتبّع رائحة الدم
فشعرت ريما بالخوف بعد تجمّع الجن حولها ! ولم يكن امامها سوى تنفيذ امرهم
***
لتستيقظ لاحقاً في منزلها على منبّه اليوم الدراسي الجديد !
فظنت انه حلم ، قبل أن تفجع برؤية لصقةٍ طبّية على ابهامها :
((ربما جرحته البارحة ، فذاكرتي ضعيفة !))
***
فور دخولها المدرسة ، صفّق لها التلاميذ والأساتذة بعد إعجابهم بلوحتها الجداريّة المميزة (التي رسمها الجني الصغير)..
فعلمت ان ما حصل الليلة الماضية حقيقياً ! خاصة بعد رؤيتها الخادمة والحارس يلوّحان لها من بعيد ، بابتسامةٍ مريبة !
***
بمرور الأيام ، تطوّر رسمها بشكلٍ ملحوظ ! فشاركت بأهم مسابقات الرسم ببلادها .. وفازت بجوائز عديدة ، جعلتها بغضون عام من اهم الرسّامين البارعين بدولتها !
وصارت تذهب للمدرسة من وقتٍ لآخر بشكلٍ تطوّعيّ ، بعد التزامها بعدّة معارض ساهمت في شهرتها العالميّة
***
وفي يوم ، ذهبت للمدرسة لحضور حفل تكريمها .. لتجد الحارس والخادمة يُشيران لها من بعيد بضرورة التحدّث معهما .. لكنها تجاهلتهما ، وخرجت فوراً من المدرسة بعد انتهاء الحفل !
***
في المساء ، إنشغلت برسم لوحةٍ لمعرضها الجديد .. لكن كلما رسمت شيئاً ، يُمحى ثانيةً ! .. فصرخت غاضبة :
- ماذا تريدون مني ؟!! دعوني ارسم على راحتي
فشعرت بدوارٍ مفاجىء ، جعلتها تتوهّم ان اللوحة تتحدّث معها :
- لن نسمح لك بخذلاننا !!
^^^
لتستيقظ قرب حديقة المدرسة ، والحارس وزوجته وابنهما امامها !
ريما بخوف : كيف أتيت الى هنا ؟!
الخادمة : يبدو انك نسيت وعدنا بعد شهرتك ! لكنه يا عزيزتي ، حان وقت تسديد دينك
ريما بقلق : وماذا تريدون مني ؟!
الحارس : القرابين البشريّة
ريما بفزع : ماذا تعني ؟!
الحارس : اولاً عليك العودة للمداومة في مدرستك
ريما : لكن وقتي لا يسمح..
الحارس مقاطعاً بحزم : لا تعارضينا !! وفي نهاية كل اسبوع ، إحضري تلميذاً الينا
ريما : الأمر ليس بهذه السهولة !
الخادمة : إختاري اليتامى او الكسالى والمشاغبين ، واحضريهم تباعاً الى الحديقة المقفلة التي سنعطيك مفتاحها.. كل ما عليك فعله ، هو إيقافهم قرب الشجرة ..ونحن نسحبهم لباطن الأرض
ريما بخوف : وماذا ستفعلون بهم ؟!
الحارس : كما نفعل عادةً بالقرابين
فصرخت ريما فزعة : ستقتلونهم ؟!!!
الخادمة : سنحرقهم لإبليس
ريما : مستحيل !! انا لست قاتلة
الحارس : اذاً ستُحرمين من موهبتك للأبد !! وأكيد هذا سيقهرك بعد تعوّدك على الشهرة والمال وحديث الصحافة
ففكّرت ريما قليلاً ، قبل أن تقول بارتباك :
- حسناً ، سأحاول بعد خروج الطلبة .. ربما مع تلميذٍ يتيم
الحارس : اذاً موعدنا غداً !!
***
وبمرور الأسابيع ، زاد إختفاء الطلبة .. مما أفقد الأهل صوابهم ، وطالبوا بتحقيقٍ شامل مع جميع مسؤولي المدرسة .. رغم محاولات ريما بإيهام الشرطة باختطاف الأولاد خارج المدرسة !
ولخوف المديرة من إغلاق مدرستها ، قامت بتركيب كاميراتٍ سرّية دون إخبار احدٍ بذلك .. لترى ان المعلمة ريما ، هي آخر من رافقت الطلبة المفقودين ! حيث ظهرت بوضوح وهي تُدخل التلميذ الى الحديقة المُقفلة !
^^^
بهذه الأثناء .. كانت ريما تحتفل بعالم الجن على شهرتها المتزايدة ، قبل قدوم الصبي لإخبارها بما حصل :
- لقد كُشف امرك !! فقبل قليل ، إتصلت مديرتك بالشرطة للإبلاغ عنك.. وسيقبضون عليك غداً صباحاً ، امام الطلبة والأساتذة
ريما بعصبية : لكنكم وعدّتم بحمايتي !!
الحارس : طالما فُضح أمرك .. فلا يمكنك الصعود لعالمك ، فهم سيسجنونك لفترةٍ طويلة
ريما بقلق : وما الحلّ ؟
الخادمة : البقاء عندنا
ريما : وماذا عن عائلتي وأصدقائي ؟!
الخادمة : جميعهم سيتخلّون عنك بعد فضيحتك الشنيعة
ريما : وماذا سيحصل بالقضيّة ؟
الحارس : سنمحيها من عقول الأهل الذين سينسون إنجابهم لأولادهم المفقودين ، فور إخفائنا جميع اغراض صغارهم
ريما بدهشة : أبهذه السهولة ؟!
الحارس : نعم ، كما فعلنا مع غيرك
ريما باستغراب : وهل اتفقتم مع اساتذة آخرين ؟!
الخادمة : تعالي نريك اصحابك العالقين هنا ، منذ سنوات
***
وأخذوها الى منزلٍ ، يبدو كنزل المسافرين في عالمهم .. لتجد ريما مديرة مدرستها القديمة وناظرتها ومعلّمة الموسيقى اللآتي اختفينّ قبل اعوام .. وأشيع انهنّ هربنّ للخارج بعد تورّطهن بأمورٍ مشبوهة!
الخادمة : المديرة ضحّت ب٧ طلاّب من اجل المال .. والناظرة ارادت الزواج قبل عنوستها.. ومعلّمة الموسيقى رغبت بزيادة صوتها جمالاً .. وجميعهن علقنّ هنا لوجود قضايا ضدّهن في عالمكم
المديرة بحزن : اهلاً بك معنا
ريما : وماذا سأفعل هنا ؟!
الخادمة : يمكنك أن ترسمي قدر ما تشائين ، كما تفعل زميلتك التي تغني طوال الوقت دون جمهورٍ يُصفّق لها.. بينما مديرتك تعدّ رزم المال دون فائدة ..اما الناظرة فمُجبرة على الزواج من رجال الجن المشاغبين
ريما : وهل سأبقى هنا حتى الموت ؟
الحارس : لا وجود للموت في عالمنا ، ستبقين هنا ليوم القيامة
وضحكت عائلة الجن (ساخرين منها) وهم يقفلون باب النزل من الخارج ..لتعلق ريما بدوّامة تأنيب الضمير ، الى ما لا نهاية !
دائماً الأيتام مظلومين في هذه الحياة حتى في القصص الخيالية
ردحذفهنيءا ريما قد نجوت وارتحت من العيش وسط البشر الملاعين
ردحذفلافيكيا سنيورا
ردحذفلافيكيا سنيورا
واو .. اختك مبدعه مثلك !
ردحذف