السبت، 6 مايو 2023

رسّامة المدرسة

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

 

بصمة الدمّ !


طلبت المديرة من ريما (معلّمة الرسم) تزيّن جدار حديقة المدرسة.. 

وبعد ذهاب الطلاّب والمدرّسين الى منازلهم.. وضعت ريما علب الألوان امامها ، لرسم لوحةٍ على الجدار ..


واثناء تخيّلها الرسمة النهائيّة ، نادتها خادمة المدرسة (زوجة الحارس) برفقتها ابنها الصغير (الذي يبدو في العاشرة من العمر) وهي تقول :

- يمكن لأبني ان يساعدك ، فهو رسامٌ بارع

فسألت ريما الصغير : 

- أحقاً يمكنك الرسم ؟

فأجابها بثقة : طبعاً !! فقط إخبريني بما تنوين رسمه ؟

ريما : أفكّر بأشجارٍ وورود .. واولادٌ يلعبون بالمراجيح ، كشيءٍ يُشبه فناء مدرستنا 

الولد بحماس : سأبدأ حالاً !!

المعلمة بقلق : اولاً إرسم لي قطة على هذا الجزء من الجدار ، لأقيّم رسمك 


وبأقل من دقيقة ، رسم قطة تبدو حقيقة لشدّة موهبته !

ريما بذهول : هذا رائع ! موهبتك تفوق عمرك بكثير

الخادمة : دعي ابني يُنهي الرسمة ، ولنتحدّث سويّاً بموضوعٍ مهم


ثم انضمّ اليهما الحارس الذي أخذهما الى الحديقة الخلفيّة (المُغلقة من الإدارة السابقة)..

فسألت ريما الحارس باستغراب : 

- لم اكن أعلم إن معك مفتاح الحديقة ! فمديرتنا لم تُخبرنا عن السبب الحقيقي لإغلاق الحديقة بدل إستفادتنا منها ، بتحويلها لملعبٍ للصغار

الحارس : تمّ إغلاقها بعد عدّة إصاباتٍ للطلّاب 

ريما : هذا بسبب الأعشاب الضارّة .. ولوّ أحضرنا مزارعاً بارعاً ، سيسوّي العشب ليصبح ملعباً إضافيّاً للطلّاب !  

الخادمة : دعينا الآن من موضوع الحديقة ، واخبرينا عن حلمك ؟

ريما بدهشة : ماذا تقصدين ؟!


الخادمة : هل تتمنّين أن تصبحي أفضل رسّامة بالبلد ؟

ريما : طبيعي أن احلم هكذا

الحارس : ونحن يمكننا تحويل حلمك الى حقيقة

ريما باهتمام : كيف !

الحارس وهو يشير الى الشجرة الضخمة : 

- بمجرّد دخولك عالمنا ، تصبحين موهوبة بشكلٍ خياليّ

ريما بقلق : عالمكم !


فقرأ الحارس تعويذةً غريبة امام الشجرة ! أظهرت باباً خفيّاً داخلها ، يخرج منه شعاعٌ احمر ! 

فتراجعت ريما للخلف بخوف ، بعد رؤية عينيّ الزوجيّن المضاءة !


الحارس : لا تخافي ، فنحن سكّان هذه الأرض قبل تحويلها الى مدرسة ..ومنزلنا اسفل منها .. ونعدك أن تصبحي أفضل رسّامة ، بعد زيارتك عالمنا

الخادمة : لا تخافي يا صغيرتي ، فعالمنا لا يختلف كثيراً عنكم

ريما وهي ترتجف بخوف : رجاءً لا تأذونني !!

الحارس مُطمّئناً : لم نكشف سرّنا ، كيّ نؤذيك

الخادمة : أنظري الى رسمة ابني


فنظرت ريما خلفها .. لتُصعق برؤية اجمل لوحةٍ جداريّة ، باتقان رسّامٍ محترف يفوق عمر الصبي بأعوام !

ريما بذهول : هل رسمها بخمس دقائق ؟!

الخادمة : ويمكنك بسهولة التفوّق عليه

الحارس : كل ما عليك فعله ، هو الدخول الى عالمنا

الخادمة : وسنعيدك الى هنا بغضون ثوانيٍ ، فزمننا ابطأ من عالمكم


وعادت ريما تتمعّن الّلوحة الجداريّة ، والصبي يقول لها :

- سيظن الجميع إنها رسمتك ، فأنا لا اظهر في الصباح إلاّ كشبحٍ خفيّ

فسألته ريما بعد وقوفه بجانبها : 

- وهل كنت تلعب بمراجيح الملعب اثناء وجود الطلبة في صفوفهم ؟! فقد أرعبني تحرّكها وحدها أكثر من مرة ! 

الصبي : احياناً أشعر بالمللّ في عالمنا ، فآتي للعب عندكم .. اساساً ملعبكم كان ساحة بيتنا قديماً


الحارس : هآ يا آنسة ريما ، هل توافقين على زيارتنا ؟ 

ريما بقلق : إلحاحكم يُخيفني ! فأنا لا اعرف ماذا تستفيدون من زيارتي لعالمكم ؟! 

الخادمة بابتسامةٍ غريبة : ستعلمين لاحقاً


وبترددٍ شديد ، دخلت ريما مع عائلة الجن لداخل الشجرة .. لتفاجأ بعالمٍ كبير وضخم ، مليئاً بأنواع الجن المختلفة : من الزاحف والطائر والعملاق والقزم ! حيث يبدون كقصةٍ خياليّة .. اما زمانهم : فكأنهم يعيشون بالقرن الماضي ، بعربات الخيول وقناديل الزيت تضيء شوارعهم الترابيّة .. أما الأكثر غرابة ، فهو زيّ نسائهم ورجالهم الموحّد : فجميعهم يلبسون الثوب الأبيض الطويل ، بشعورهم التي تغطي معظم وجوههم ، وهم يطفون كنسمة هواءٍ باردة !


وكانوا جميعاً يراقبونها بابتسامةٍ عريضة أخافتها ، دون أن يأذوها ! وظلّت تمشي برفقة عائلة الحارس ، الى ان وصلت لساحتهم .. التي في وسطها ، كتابٌ كبير مفتوح على عقدٍ بإسمها ، على النحو التالي:  

((انا المعلمة ريما .. أتعهّد بتنفيذ اوامر الجن ، مقابل موهبة رسمٍ عظيمة))


الحارس وهو يشير لأسفل الورقة : 

- وقّعي هنا !!

ريما : واين القلم ؟

الخادمة : ستبصمين بصمة الدم

ريما بقلق : لم أفهم !

الحارس : ستجرحين اصبعك بهذا المشرط المُطهّر ، وتبصمين في هذه الخانة

ريما : لكني استطيع الكتابة !

الحارس : نعرف هذا ..لكن عقدنا يبقى ساريّ المفعول ، طالما انت حيّة .. فنحن نتتبّع رائحة الدم


فشعرت ريما بالخوف بعد تجمّع الجن حولها ! ولم يكن امامها سوى تنفيذ امرهم 

***


لتستيقظ لاحقاً في منزلها على منبّه اليوم الدراسي الجديد ! 

فظنت انه حلم ، قبل أن تفجع برؤية لصقةٍ طبّية على ابهامها :

((ربما جرحته البارحة ، فذاكرتي ضعيفة !))

***


فور دخولها المدرسة ، صفّق لها التلاميذ والأساتذة بعد إعجابهم بلوحتها الجداريّة المميزة (التي رسمها الجني الصغير).. 

فعلمت ان ما حصل الليلة الماضية حقيقياً ! خاصة بعد رؤيتها الخادمة والحارس يلوّحان لها من بعيد ، بابتسامةٍ مريبة !

***


بمرور الأيام ، تطوّر رسمها بشكلٍ ملحوظ ! فشاركت بأهم مسابقات الرسم ببلادها .. وفازت بجوائز عديدة ، جعلتها بغضون عام من اهم الرسّامين البارعين بدولتها ! 

وصارت تذهب للمدرسة من وقتٍ لآخر بشكلٍ تطوّعيّ ، بعد التزامها بعدّة معارض ساهمت في شهرتها العالميّة

***


وفي يوم ، ذهبت للمدرسة لحضور حفل تكريمها .. لتجد الحارس والخادمة يُشيران لها من بعيد بضرورة التحدّث معهما .. لكنها تجاهلتهما ، وخرجت فوراً من المدرسة بعد انتهاء الحفل !

***


في المساء ، إنشغلت برسم لوحةٍ لمعرضها الجديد .. لكن كلما رسمت شيئاً ، يُمحى ثانيةً ! .. فصرخت غاضبة :

- ماذا تريدون مني ؟!! دعوني ارسم على راحتي

فشعرت بدوارٍ مفاجىء ، جعلتها تتوهّم ان اللوحة تتحدّث معها : 

- لن نسمح لك بخذلاننا !!

^^^


لتستيقظ قرب حديقة المدرسة ، والحارس وزوجته وابنهما امامها !

ريما بخوف : كيف أتيت الى هنا ؟!

الخادمة : يبدو انك نسيت وعدنا بعد شهرتك ! لكنه يا عزيزتي ، حان وقت تسديد دينك

ريما بقلق : وماذا تريدون مني ؟!

الحارس : القرابين البشريّة

ريما بفزع : ماذا تعني ؟!

الحارس : اولاً عليك العودة للمداومة في مدرستك 

ريما : لكن وقتي لا يسمح..

الحارس مقاطعاً بحزم : لا تعارضينا !! وفي نهاية كل اسبوع ، إحضري تلميذاً الينا

ريما : الأمر ليس بهذه السهولة !


الخادمة : إختاري اليتامى او الكسالى والمشاغبين ، واحضريهم تباعاً الى الحديقة المقفلة التي سنعطيك مفتاحها.. كل ما عليك فعله ، هو إيقافهم قرب الشجرة ..ونحن نسحبهم لباطن الأرض

ريما بخوف : وماذا ستفعلون بهم ؟!

الحارس : كما نفعل عادةً بالقرابين

فصرخت ريما فزعة : ستقتلونهم ؟!!!

الخادمة : سنحرقهم لإبليس

ريما : مستحيل !! انا لست قاتلة

الحارس : اذاً ستُحرمين من موهبتك للأبد !! وأكيد هذا سيقهرك بعد تعوّدك على الشهرة والمال وحديث الصحافة


ففكّرت ريما قليلاً ، قبل أن تقول بارتباك :

- حسناً ، سأحاول بعد خروج الطلبة .. ربما مع تلميذٍ يتيم

الحارس : اذاً موعدنا غداً !!

***


وبمرور الأسابيع ، زاد إختفاء الطلبة .. مما أفقد الأهل صوابهم ، وطالبوا بتحقيقٍ شامل مع جميع مسؤولي المدرسة .. رغم محاولات ريما بإيهام الشرطة باختطاف الأولاد خارج المدرسة !


ولخوف المديرة من إغلاق مدرستها ، قامت بتركيب كاميراتٍ سرّية دون إخبار احدٍ بذلك .. لترى ان المعلمة ريما ، هي آخر من رافقت الطلبة المفقودين ! حيث ظهرت بوضوح وهي تُدخل التلميذ الى الحديقة المُقفلة !

^^^


بهذه الأثناء .. كانت ريما تحتفل بعالم الجن على شهرتها المتزايدة ، قبل قدوم الصبي لإخبارها بما حصل :

- لقد كُشف امرك !! فقبل قليل ، إتصلت مديرتك بالشرطة للإبلاغ عنك.. وسيقبضون عليك غداً صباحاً ، امام الطلبة والأساتذة

ريما بعصبية : لكنكم وعدّتم بحمايتي !!  

الحارس : طالما فُضح أمرك .. فلا يمكنك الصعود لعالمك ، فهم سيسجنونك لفترةٍ طويلة

ريما بقلق : وما الحلّ ؟

الخادمة : البقاء عندنا


ريما : وماذا عن عائلتي وأصدقائي ؟!

الخادمة : جميعهم سيتخلّون عنك بعد فضيحتك الشنيعة

ريما : وماذا سيحصل بالقضيّة ؟

الحارس : سنمحيها من عقول الأهل الذين سينسون إنجابهم لأولادهم المفقودين ، فور إخفائنا جميع اغراض صغارهم 

ريما بدهشة : أبهذه السهولة ؟!

الحارس : نعم ، كما فعلنا مع غيرك

ريما باستغراب : وهل اتفقتم مع اساتذة آخرين ؟!

الخادمة : تعالي نريك اصحابك العالقين هنا ، منذ سنوات

***


وأخذوها الى منزلٍ ، يبدو كنزل المسافرين في عالمهم .. لتجد ريما مديرة مدرستها القديمة وناظرتها ومعلّمة الموسيقى اللآتي اختفينّ قبل اعوام .. وأشيع انهنّ هربنّ للخارج بعد تورّطهن بأمورٍ مشبوهة!

الخادمة : المديرة ضحّت ب٧ طلاّب من اجل المال .. والناظرة ارادت الزواج قبل عنوستها.. ومعلّمة الموسيقى رغبت بزيادة صوتها جمالاً .. وجميعهن علقنّ هنا لوجود قضايا ضدّهن في عالمكم

المديرة بحزن : اهلاً بك معنا


ريما : وماذا سأفعل هنا ؟!

الخادمة : يمكنك أن ترسمي قدر ما تشائين ، كما تفعل زميلتك التي تغني طوال الوقت دون جمهورٍ يُصفّق لها.. بينما مديرتك تعدّ رزم المال دون فائدة ..اما الناظرة فمُجبرة على الزواج من رجال الجن المشاغبين

ريما : وهل سأبقى هنا حتى الموت ؟

الحارس : لا وجود للموت في عالمنا ، ستبقين هنا ليوم القيامة


وضحكت عائلة الجن (ساخرين منها) وهم يقفلون باب النزل من الخارج ..لتعلق ريما بدوّامة تأنيب الضمير ، الى ما لا نهاية !


هناك 4 تعليقات:

  1. دائماً الأيتام مظلومين في هذه الحياة حتى في القصص الخيالية

    ردحذف
  2. هنيءا ريما قد نجوت وارتحت من العيش وسط البشر الملاعين

    ردحذف
  3. لافيكيا سنيورا

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
  4. واو .. اختك مبدعه مثلك !

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...