تأليف : امل شانوحة
الحرب العالميّة السفليّة
- إبليس مات !!! .. إبليس مات !!!
نداءٌ عاجل من مِرسال القصر الملكي في العالم السفليّ ، مُعلناً وفاة إبليس المُفاجىء
فتجمّهر الجن والشياطين حوله ، غير مصدّقين بما حصل !
قائلاً أحدهم باستنكار :
- إبليس لا يموت ! هو مُخلّد ليوم القيامة
المرسال : لهذا انتحر .. وإن كنتم لا تصدّقون الخبر ، سنسمح للجميع بدخول ساحة القصر ، لرؤيته مشنوقاً على الشجرة الضخمة
جني عجوز : ربما قتله احد ابنائه ، طمعاً في السلطة
المرسال : وجدنا رسالة في مكتبه ، يُعلن فيها مللّه عن حياته الطويلة .. وانه حينما طلب من الله الخلود ، لم يعلم دوام الدنيا كل هذه القرون ! .. لهذا قرّر قتل نفسه ، تاركاً السلطة للأقوى بين ابنائه وأحفاده الشياطين .. حتى إن كان من رجال الجن العاديين ، طالما فرض إستحقاقه لهذه المكانة العظيمة !
- يعني لا شروط لاستلام السلطة !
المرسال : هذه اوامره الأخيرة
- هو يعلم جيداً إن الحكم دون قيود ، سيؤدي لحربٍ شعواء في عالمنا!
فقال جني عجوز :
- ولما تستغربون تصرّفه ؟ فهو معروف بخبثه ودهائه .. حيث كان بإمكانه تسميّة أكبر ابنائه ، وكنّا سنحترم وصيّته.. لكنه لا يرغب الموت وحيداً ، لهذا اتخذ قراراً متهوّراً سيؤدي لإبادة الملايين من جنسنا
فقال شيطانٌ شاب بقهر :
- لا أكترث لمن يستلم القيادة .. المهم ان اراه ميتاً ، فهو قتل والدي ظلماً لتباطئه في العمل !
- وانا استغلّ زوجتي وجعلها إحدى جواريه ، لجمالها بين نساء الجن!
- إذاً لنذهب الى قصره ، ونرى موتته الشنيعة !!
^^^
ودخلت طوابير الشياطين تباعاً ، من كبيرهم الى صغيرهم باتجاه حديقة القصر المُهيب ..
ليصل الدور بعد شهر الى الأجناس المختلفة من الجن التي قدمت لرؤية جسد إبليس المُتحلّل والمُتدلي من الشجرة ، وهم يغلقون انوفهم من رائحته النتنة !
***
وبعد تحوّله لعظام بمرور الشهر الثالث على وفاته ، قرّر ابنه البكر أن يقيم له جنازةً مهيبة ، حضرتها مخلوقات العالم السفليّ جميعاً !
حيث مشت عربته المُذهّبة بتابوته الأسود اللامع على مجمّعات الجن الأرضي..
ثم حُلّق بتابوته على اقوام الجن الطيّار..
كما وُضع تابوته فوق سفينةٍ زجاجيّة ، لتشاهده قبائل الجن المائيّ..
ومن بعدها أُحرق رفاته الذي نُثر في الهواء والبحر !
وبذلك انتهى عصر إبليس .. لتبدأ فترةٌ عصيبة على سكّان العالم السفليّ ، بعد إعلان ابنه البكر أحقيّته بالملك ، قبل إعتراض قائد الجيش (الحفيد الأكبر لإبليس)
كما أحتجّ ملك جن البِحار ، لحكمه اكبر مساحة في العالم..
بينما هدّد حاكم الجن الطيّار : الإطاحة بجيوش الشياطين من خلال رميّ جنوده لآلاف الأخشاب المحترقة من السماء ، وإبادة قراهم عن بِكرة ابيها!
وبذلك أُعلنت الحرب العالميّة في عالمهم الخفيّ .. وفُرض التجنيد الإجباريّ على شباب الجن بكافة طوائفها ، بقيادة العفاريت والمردة .. كما انشغل مشعوذي الشياطين بإرهاق الجيوش المُتحاربة بتعويذاتهم المخيفة!
^^^
في البداية ، إتفق ملوك الجن الثلاثة : الترابي والمائي والهوائي ، ضدّ فريقيّ الشياطين : احدهما بقيادة الإبن البكر لإبليس ، والثاني بقيادة قائد الجيش (اكبر احفاد ابليس)
ودامت الحروب العنيفة عدّة أعوام ، ربح فيها جيشيّ الشياطين بمكرهم وخبثهم الذي يفوق ذكاء الجن بأشواط !
والّلذان عيّنا ملوك الجن الثلاثة ، بعد قتلهما الملوك القدامى (المُتمرّدين) .. بينما خضع الجدّد ، لحكم الشياطين وأوامرهم الظالمة .
^^^
في المقابل .. عمّ السلام عالم البشر ، بعد انشغال العالم الخفيّ بمشاكلهم الدمويّة بعيداً عنهم.
***
بعد خمسين عاماً من الحروب المتوالية ، وموت كبار وقادة الجن والشياطين مع ملايين من شعبهما ! أعلن حفيد إبليس (قائد الجيش) فوزه على اعدائه ومنافسيه ، مُحتلاً بجدارة منصب : حاكم العالم السفليّ ، بعد خسارته عينه وقدمه مع بدء المعارك الدمويّة ..
حيث اعتلى العرش بعكّازته وعصابه عينه السوداء ، مُعلناً سيادته على جميع المخلوقات الخفيّة !
واثناء مراسم تنصيبه المُلك ، تفاجأ الحضور برؤية المارد الطيّار العجوز وعلى ظهره مخلوقاً يلبس رداءً اسوداً طويلاً ، مُخفياً وجهه بقناعٍ مخيف!
حيث حلّق المارد العملاق فوق جموع الجن والشياطين في حفلهم الجماهريّ ، الى أن هبط قرب العرش الذهبيّ .. ليُصعق الجميع بنزول إبليس من ظهر الطائر ، بعد إزالة قناعه !
فلم يكن امام الملك الجديد الا النهوض عن العرش ، وهو يرتجف خوفاً :
- جدي ! اهلاً بعودتك.. كيف حصل هذا ، بعد نثرنا رمادك في الجوّ والبحر ! هل خلقك الله من جديد ؟!
فردّ إبليس : كنت طلبت من مشعوذي المفضّل (الذي حبسته في مخبأي السرّي طوال مدّة إختفائي) أن يحوّل وجه احد المتمرّدين (المحكوم عليهم بالمؤبد) الى هيئتي ، كي تصدّقوا انتحاري
الحفيد : يعني المشنوق ، كان احد اقاربي المساجين ؟!
إبليس : ابن عمك الأعور الذي حاول سابقاً ، قلب الحكم عليّ .. وهو من أقمتم له جنازةً ملكيّة (التي تابعتها من بلّورتي السحريّة) ممّا يؤكّد غبائكم ! .. فأنا مخلّدٌ ليوم الدين.. وإن كان بأمكاني الإنتحار ، لفعلتها منذ قرون
الحفيد : ولماذا أوهمتنا بموتك الذي أدّى لقتل الملايين من شعبنا ؟!
إبليس : هي خدعة أكرّرها كل ١٠ قرون ، كيّ يموت الضعفاء من ابنائي ورعيّتي ، ويبقى الأقوى والأخبث بينكم.. تماماً كما يفعل الصقر الذي يقتل أفراخه التي لا تأكل بمفردها بعد ايام من ولادتها ، حتى لا يضيّع وقته مع الأغبياء .. لكن لا تقلقوا !! فمن نجى من المعارك الطاحنة ، كافياً للوسّوسة للبشريّة بأكملها.. (ثم نظر لحفيده) .. والآن أغرب عن وجهي !! ودعني أعتلي كرسي الحكم.
فابتعد حفيده وهو مُطأطأ الرأس .. وبعد جلوس إبليس على العرش ، تمتّم قائلاً :
- شيءٌ غريب بهذا المنصب ، يجعلك تعشق كُرسي المُلك ! لا غرابة أن حكّام البشر لا يتزحّزحون عنه بسهولة
ثم نظر لحفيده :
- لا تحزن !! فلك مكافأة ، لتفوّقك على اعمامك وملوك الجن ... (ثم فكّر قليلاً).. سأجعلك تحكم الصينيين وحدك
الحفيد : أحقاً !
إبليس : هم شعبٌ مقرف يأكلون الحشرات والحيوانات الغريبة ، مما يُشعرني بالغثيان .. ولك كامل الحرّية بالتصرّف معهم ، دون تدخلٍ مني
الحفيد (وهو يكتم غيظه لخسارته المُلك) : شكراً جدي
إبليس بصوتٍ جهوريّ :
- والآن يا معشر الجن والشياطين !! اريدكم بإشارةٍ من يدي ، أن تسجدوا لي بعد الرقم ثلاثة.. ١ .. ٢ .. ٣ !!!
ثم أشار بأصبعه للأسفل ، ليسجد الملايين له !
فتمّتم إبليس بارتياح :
- لا شيء اجمل من السلطة
بينما تعالت اصوات شعبه :
- يحيا مليكنا الأبديّ !! .. يحيا إبليس المُعظّم !!!
فابتسم إبليس وهو يشعر بغرورٍ لا مثيل له ، بعد عودته من عطلته وفي جعبته مئات الخططّ المُدمّرة للبشريّة التي حصلت على سلامٍ مؤقّت ، لن يدوم طويلاً !
هالابليس داهية ما يموت ابدا
ردحذف