الأحد، 28 ديسمبر 2025

قفص الاتهام

تأليف : امل شانوحة 

ذاكرة القضبان


أنا قفص الاتهام.. الشاهد الوحيد على جرائم القضاء ، والعدالة النادرة. استمعت لآلاف القضايا ، منها ما جعلني أصدأ قبل أواني من قسوتها وحقارتها ! 

ابنٌ يقتل والديّه.. امرأة تُقطّع زوجها.. صديقٌ يخون ثقة شريكه.. وغيرها من القضايا البائسة.


ورغم ثباتي ، إلا أنني ارتجفت مع نبضات قلوبهم المتسارعة أثناء تشبُّث أيديهم المُتعرّقة بقضباني ، كأني الأمل الأخير للحرّية ! 


صحيحٌ أنَّ معظم من احتُجز داخلي كان مذنباً ، لكن بعضهم لم يهبِ الحكم النهائي ! فهو لم يكتفِ بإرشاء المحامي ، بل تجرّأ على إفساد السلك القضائيّ الذي رضخ لضغط عصابةٍ أو تهديداتٍ سياسية ، لحصول الجاني على حكمٍ مُخفّف لا يناسب حجم جريمته ! 


حتى بات بعض المجرمين يعرفني ، لدرجة ابتسامهم المُستفزّ فور احتجازهم داخلي! بعد اعتيادهم على المعتقلات أكثر من حياتهم الطبيعية ، كأنهم شياطين متجسّدون بجسمٍ بشريّ.


لكن لكل قاعدة شواذُّ ، خاصة بزمنٍ يُجرّم فيه الأبطال الشجعان.. حيث شهدت على محاكماتٍ جائرة ضدّ صحفيين ، حاولوا إيصال وجع الشعب للحاكم.. وغيرهم من الثوّار الذين فشلت مظاهراتهم لتخفيف قمع السياسيين الفاسدين.. وبعضهم حُكم بالإعدام لمحاربته فساد الدين ، بتهمة إرهابيٍ خطير!


وخلال سنوات عملي : قابلت الكبير المُسن وهو يرتجف داخلي كورقة خريف.. وبعضهم كانوا صغاراً ، لم يفهموا ما قيل بالمرافعات.. والذين من شدّة رعبهم لوّثوا أرضيتي خلال مراقبتهم أهاليهم بالقاعة ، وألسنة أمهاتهم تلهج بالدعاء.. بينما آباؤهم يصطنعون القوة ، لفخرهم بأولادهم الذين نطقوا الحق بزمن الظلم والاستبداد! 


ورغم كوني حديداً ، لكني شعرت بالظلم يخترقني بعد إعلان القاضي حكمه الأخير بالإعدام على بعض الأبرياء الذين ضجّت القاعة بتكبيراتهم ، فرحاً بلقاء ربهم القريب ! 


وفي المقابل قابلت محامين أصرّوا على الاستئناف والتمييز ، للحصول على أقل العقوبات لموكليهم.. كما استمعت للمراوغين منهم ، الذين حفظوا خبايا القانون وعثراته ، فاخترقوه غير آبهين بهزيمتهم للعدالة !


لكن لا أنسى فخري بقضاةٍ نبلاء قرّروا تطبيق العدالة ، رغم الخطر الذي ينتظرهم عند بوّابة المحكمة ! 


أنا قفص الاتهام الغير مذكور بنصوص القانون وجلسات المرافعة ، كنت وسأبقى الشاهد الوحيد على عدل وظلم الحياة ، دون تمكّن أحد من لجم لساني الذي سيروي الحقيقة التي عجز البشر عن قولها ، ولوّ كان ثمنها قطع أنفاسهم الأخيرة !


هناك 3 تعليقات:

  1. قصه جميله فعلا
    انسه امل لماذا لا تطبيعين قصصك وتعرضيها في مكتبه جرير السعوديه ، اغلب الكتاب العرب ينشرون قصصهم وروياتهم فيها وقد انشهروا مثل سوف ،
    مع امنياتي بالتوفيف والنجاح مثلزالكاتبه تغريد النجار ومثل روايه ساق البامبو

    ردحذف
  2. وايضا للاستفاده انسه امل
    يوجد دار النشر العربيه للعلوم هذه توجد في بيروت ومشهوره
    جربي معهم للروايتين التي كتبتيهن خصوصا طبخه السجن ان تم نشرها فاتوقع انها ستنتشر فهي روايه جميله جدا ولكن الكامله وليست التي لخصتها

    ردحذف
    الردود
    1. أخذ رقم ISBN (الرقم التسلّسلي للكتاب من الوزارة) يأخذ وقت من اسبوعين لثلاثة ، سواءً الكتاب عربي او انجليزي .. لهذا اهتم الآن بالأمازون ، ولاحقاً ان شاء الله انشر بدور كتب عربية .. شكراً لاهتمامك

      حذف

قفص الاتهام

تأليف : امل شانوحة  ذاكرة القضبان أنا قفص الاتهام.. الشاهد الوحيد على جرائم القضاء ، والعدالة النادرة. استمعت لآلاف القضايا ، منها ما جعلني ...