تأليف : امل شانوحة
العمر المضمون
هبطت مركبة ناسا فوق كوكبٍ غامض ، يُشبه الأرض الى حدٍ كبير : بجباله وبحاره ومدنه ، حتى وجوه سكّانه .. كأنهم نسخةٌ أخرى لبشر الأرض ، والذين استقبلوا الروّاد الثلاثة بترقبٍ حذر
وما إن بدأوا الحديث معهم ، حتى انكشف نظامهم الغريب ! ففي عالمهم ، الموت ليس لغزاً بل محدّداً بسنٍ معينة :
فالنساء يرحلن بعد بلوغ السبعين ، والرجال عند الثمانين .. في نومٍ هادئ دون مرضٍ او حوادث !
ظاهرياً يبدو الأمر نعمة .. لكن سرعان ما اكتشف الروّاد بأنها نقمةٌ مُدمّرة.
فشبابهم بعد ضمان اعمارهم ، أهملوا واجباتهم الدينيّة .. فبحسب رأيهم ، مازال لديهم وقتاً طويلاً للتوبة ! لهذا أسرفوا في السهر واللهو ، وتجربة العادات السيّئة التي لن تقصّر عمرهم او تؤذي صحتهم !
بعكس كبار السنّ الذين ازدحمت بهم دور العبادة ، وهم يجتهدون بالصلاة والصوم والدعاء ، في عزلةٍ عن ابنائهم المنشغلين بمتع الحياة !
كما لم يتزوّج احد في سنٍّ مُبكّرة ، فلا حاجة للإستعجال بتحمّل المسؤولية (باعتقاد شبابهم) .. لهذا تناقص عدد اطفالهم بشكلٍ كبير ، حتى خلا عالمهم من لعبِ وضحكات الجيل الجديد !
وبلغ استبداد شبابهم ، لدرجة نفيهم عجائزهم للطرف الآخر من الكوكب .. بعد سرقة بيوت اجدادهم ، بحجّة أنهم على وشك الرحيل..
وفي المقابل ، بنوا داراً ضخمة للمسنين .. ليموتوا فيها بهدوء ، وبوحدةٍ قاتلة !
حتى الأغنياء من كبار السن : رفضت العائلات تزويجهم بناتهم ، خوفاً من ترمّلهن السريع !
مما تسببّ بإحباطهم الذي ادّى لانتشار الإنتحار بينهم ، خوفاً من سنوات المللّ الأخيرة.. بينما فضّل بعضهم : الإستقالة باكراً ، لتوديع عائلاتهم التي سيحرمون منها قريباً !
وهنا تجرّأ أحد الروّاد على القول :
- نحن في الأرض ، لا نعرف متى او كيف نموت .. فلا شيء مضمون في حياتنا
فسأله احد الشباب بدهشة :
- وكيف تعيشون وتستمرّون بالعمل والزواج والإنجاب ، وأنتم لا تضمنون بقاءكم ؟!
فأجاب الرائد بابتسامة :
- لهذا بالذات نحيا حياةً طبيعية.. فالجهل بساعة موتنا ، يجعلنا نحرص على التفاصيل .. كالإهتمام بأطفالنا ، خوفاً من إيذاء انفسهم .. ونبرّ آبائنا ، خشيّة فقدانهم.. ونحافظ على صحتنا النفسيّة والجسديّة .. ونستعجل ببناء مستقبلنا ، كأننا خالدون.. وفي حال مات عزيزٌ علينا ، لا نعترض على قضاء الله الذي ندعوه كل لحظةٍ وحين ، لحماية احبائنا .. ونحمده على كل دقيقة تمرّ علينا بأمانٍ وصحة .. وهذا يجعلنا نقدّر كل يومٍ نعيشه ، في حياتنا مجهولة المصير
فساد صمتٌ عميق ! قبل ان يقول أحد عجائزهم :
- يبدو أن الموت المفاجئ ، نعمة لا نفهم قيمتها !
وتبعته عجوزة بحسرة :
- لوّ كانت حياتي مثل الأرضيين ، لما خفت من موتي لوحدي.
ثم توسّل العجوزان للروّاد الثلاثة بأخذهما إلى الأرض ، لعيش ما تبقى لهما هناك .. لكن الرائد اعتذر بأدب :
- للأسف ، مركبتي صغيرة .. لكني سأحمل قصة كوكبكم معي .. لعلّ أهل الأرض يدركون النعمة التي يعيشونها ، ولا يشتكوا موتاً مُبكراً بعد اليوم.
ثم ودّعوهم ، وانطلقوا بمكّوكهم عائدين لأرضٍ مليئة بالحب والخوف ، والضحك والدموع .. كوكبٌ تسوده المفاجآت ، يجعلنا نستحق العيش فيه حتى أنفاسنا الأخيرة!

اعطيتي لنا الامل ع الارض ههههه جميله القصه ولكن من اين خطرت لك
ردحذفهي احدى افكار طفولتي : بأننا لوّ علمنا بيوم وفاتنا ، سيكون الأمر مريحاً نفسياً .. لكن بعد التفكير بالموضوع ، وجدت ان الموت المفاجئ هي حكمة من الله ، للإستمرار بعبادته لآخر عمرنا .. فالحمد الله على كل شيء
حذف