تأليف : امل شانوحة
قنبلة المعرفة
في مساءٍ بارد .. إستيقظ ستة طلّاب ثانوية في غرفةٍ مُهملة ، تعبق منها رائحة الرطوبة .. أقدامهم مقيّدة بطاولاتٍ دراسية مُتآكلة .. وأمامهم مؤقّت رقمي يعدّ تنازلياً من ساعةٍ واحدة ، بجانبه حزمة من الديناميت !
وقبل استيعابهم ما يحصل ! دخل رجلٌ مقنّع (يبدو بالخمسينات من عمره) .. واضعاً امامهم اوراق الإمتحان ، وهو يقول بحزم :
- امامكم ساعةً واحدة !! إن فشلتم ، نموت جميعاً.. لا داعي للغشّ ، فكل ورقة تحمل سؤالاً واحداً من المادة التي تكرهونها
وبالفعل كانت الأسئلة مختلفة ! فالطالب الضعيف بالرياضيات ، امامه مسألةً حسابيّة معقدة .. والطالب الذي اعتاد الرسوب باللغة العربية ، عليه اعراب نصاً كاملاً .. اما الذي يعاني بحصة اللغة الإنجليزية ، فعليه ترجمة قطعة طويلة .. والكسول بالعلوم ، عليه تحليل تجربة نظريّة غامضة.. والضعيف بالحفظ ، عليه اكمال ابيات قصيدة لشاعرٍ معروف .. والطالب الأخير الذي يهمل مادة الدين ، عليه حلّ مسألةً فقهية مستعصية !
فحاولوا استعطافه ، لكنه أشار إلى الساعة :
- الوقت كالسيف .. إن لم تقطعه ، قطعك !!
ولأول مرة ضغطوا على عقولهم ، لا لينجحوا بل لينجوا بحياتهم !
^^^
وقبل نهاية الساعة بدقيقتيّن .. بدأ الطلاّب الواحد تلوّ الآخر برفع ايديهم ، مُعلنين انهاء امتحاناتهم
فأوقف الرجل العدّاد.. وجلس يصحّح أوراقهم بقلمٍ أحمر ، كأنه يوقّع على مصيرهم
فسأله احدهم مستنكراً : وهل انت خبير بجميع المواد الدراسيّة ؟
أجابه دون رفع رأسه :
- كنت أعدّ الدكتوراه في تطوير اساليب التعليم ، وكنت على وشك الزواج.. لكن السرطان خطف أحلامي.
هنا تعرّفوا عليه ! إنه الأستاذ أحمد الذي طالما نصحهم بأهمية الوقت والمعرفة بغرفة احتجاز الكسالى بالمدرسة
فأزال الأستاذ قناعه ، وباروكة شعره .. لتظهر صلعته ووجهه الشاحب بعينيه الغائرتيّن ، وهو يحاول التنفّس بصعوبة ..
فسأله الطالب بقلق :
- لم تكن بهذا السوء قبل ايام ، ، مالذي حصل ؟!
المعلم احمد : كنت أخفي تعبي بمساحيق الزينة والشعر المُستعار ، كيّ لا أخيفكم.. لكني الآن أحتضر.. أردت تعليمكم درساً أخيراً بعدم الإعتماد على ثرّوة أهاليكم ، بل على مجهودكم الشخصيّ
لكن احدهم هدّده غاضباً :
- سأبلّغ والدي عن اختطافك لنا !!
فوقف الأستاذ احمد ، قائلاً بهدوء : الديناميت مزيّف ، لكن سلاحي حقيقيّ
فعاد الرعب الى قلوبهم ، بعد اخراج مسدسه من خاصرته ..واقترابه من طاولاتهم :
- لم تسألوني بعد عن نتائج امتحاناتكم ؟
لم يجرأ احد على التكلّم ، فأكمل قائلاً :
- نجحتم جميعاً !! ليس لبراعتكم ، بل الخوف أيقظ إرادتكم القوية
ثم وضع مفاتيح القيود ، أمام الطالب الغاضب :
- حرّر نفسك ورفاقك.. وتذكّروا : الوقت لا ينتظر أحداً .. اما عن مصيري : فأنا لن أُحاكم ابداً ، لأنني قرّرت تقريب موعد موتي
ودون سابق انذار ، دوّى صوت رصاصة اخترقت دماغ الأستاذ الذي انتحر امامهم ..ليسقط على الأرض ، غارقاً في بركة دمائه .. وسط صمتهم الثقيل !
^^^
وبعد فكّ قيودهم ، سارعوا الهرب لخارج المبنى المهجور .. فيما عدا أشجعهم الذي قرّر دفن استاذه اولاً ..
اما البقيّة : فأعادتهم الحافلة إلى بيوتهم ، دون شعور أحد باختفائهم !
***
في الأيام التالية ، تغيّرت شخصيّاتهم بشكلٍ ملحوظ .. صاروا أكثر جدّية وحضوراً وتركيزاً على مستقبلهم ، دون معرفة أحد بمعاناتهم تلك الليلة المرعبة !
***
وفي يوم التخرّج.. إجتمعوا بعيداً عن الحفل ، لقراءة الفاتحة على روح استاذهم الذي قتل نسختهم الكسولة ، وإعادتهم جبراً الى طريق النجاح والتميّز الإبداعيّ !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق