الأحد، 2 نوفمبر 2025

امتحان الحياة

تأليف : امل شانوحة 

قنبلة المعرفة


في مساءٍ بارد .. إستيقظ ستة طلّاب ثانوية في غرفةٍ مُهملة ، تعبق منها رائحة الرطوبة .. أقدامهم مقيّدة بطاولاتٍ دراسية مُتآكلة .. وأمامهم مؤقّت رقمي يعدّ تنازلياً من ساعةٍ واحدة ، بجانبه حزمة من الديناميت ! 


وقبل استيعابهم ما يحصل ! دخل رجلٌ مقنّع (يبدو بالخمسينات من عمره) .. واضعاً امامهم اوراق الإمتحان ، وهو يقول بحزم :

- امامكم ساعةً واحدة !! إن فشلتم ، نموت جميعاً.. لا داعي للغشّ ، فكل ورقة تحمل سؤالاً واحداً من المادة التي تكرهونها

 

وبالفعل كانت الأسئلة مختلفة ! فالطالب الضعيف بالرياضيات ، امامه مسألةً حسابيّة معقدة .. والطالب الذي اعتاد الرسوب باللغة العربية ، عليه اعراب نصاً كاملاً .. اما الذي يعاني بحصة اللغة الإنجليزية ، فعليه ترجمة قطعة طويلة .. والكسول بالعلوم ، عليه تحليل تجربة نظريّة غامضة.. والضعيف بالحفظ ، عليه اكمال ابيات قصيدة لشاعرٍ معروف .. والطالب الأخير الذي يهمل مادة الدين ، عليه حلّ مسألةً فقهية مستعصية !


فحاولوا استعطافه ، لكنه أشار إلى الساعة : 

- الوقت كالسيف .. إن لم تقطعه ، قطعك !!


ولأول مرة ضغطوا على عقولهم ، لا لينجحوا بل لينجوا بحياتهم !

^^^


وقبل نهاية الساعة بدقيقتيّن .. بدأ الطلاّب الواحد تلوّ الآخر برفع ايديهم ، مُعلنين انهاء امتحاناتهم 


فأوقف الرجل العدّاد.. وجلس يصحّح أوراقهم بقلمٍ أحمر ، كأنه يوقّع على مصيرهم 

فسأله احدهم مستنكراً : وهل انت خبير بجميع المواد الدراسيّة ؟

أجابه دون رفع رأسه : 

- كنت أعدّ الدكتوراه في تطوير اساليب التعليم ، وكنت على وشك الزواج.. لكن السرطان خطف أحلامي.


هنا تعرّفوا عليه ! إنه الأستاذ أحمد الذي طالما نصحهم بأهمية الوقت والمعرفة بغرفة احتجاز الكسالى بالمدرسة 


فأزال الأستاذ قناعه ، وباروكة شعره .. لتظهر صلعته ووجهه الشاحب بعينيه الغائرتيّن ، وهو يحاول التنفّس بصعوبة .. 

فسأله الطالب بقلق :

- لم تكن بهذا السوء قبل ايام ، ، مالذي حصل ؟!


المعلم احمد : كنت أخفي تعبي بمساحيق الزينة والشعر المُستعار ، كيّ لا أخيفكم.. لكني الآن أحتضر.. أردت تعليمكم درساً أخيراً بعدم الإعتماد على ثرّوة أهاليكم ، بل على مجهودكم الشخصيّ  


لكن احدهم هدّده غاضباً :

- سأبلّغ والدي عن اختطافك لنا !! 

فوقف الأستاذ احمد ، قائلاً بهدوء : الديناميت مزيّف ، لكن سلاحي حقيقيّ


فعاد الرعب الى قلوبهم ، بعد اخراج مسدسه من خاصرته ..واقترابه من طاولاتهم :

- لم تسألوني بعد عن نتائج امتحاناتكم ؟

لم يجرأ احد على التكلّم ، فأكمل قائلاً :

- نجحتم جميعاً !! ليس لبراعتكم ، بل الخوف أيقظ إرادتكم القوية


ثم وضع مفاتيح القيود ، أمام الطالب الغاضب : 

- حرّر نفسك ورفاقك.. وتذكّروا : الوقت لا ينتظر أحداً .. اما عن مصيري : فأنا لن أُحاكم ابداً ، لأنني قرّرت تقريب موعد موتي


ودون سابق انذار ، دوّى صوت رصاصة اخترقت دماغ الأستاذ الذي انتحر امامهم ..ليسقط على الأرض ، غارقاً في بركة دمائه .. وسط صمتهم الثقيل ! 

^^^


وبعد فكّ قيودهم ، سارعوا الهرب لخارج المبنى المهجور .. فيما عدا أشجعهم الذي قرّر دفن استاذه اولاً .. 

اما البقيّة : فأعادتهم الحافلة إلى بيوتهم ، دون شعور أحد باختفائهم ! 

***


في الأيام التالية ، تغيّرت شخصيّاتهم بشكلٍ ملحوظ .. صاروا أكثر جدّية وحضوراً وتركيزاً على مستقبلهم ، دون معرفة أحد بمعاناتهم تلك الليلة المرعبة ! 

***


وفي يوم التخرّج.. إجتمعوا بعيداً عن الحفل ، لقراءة الفاتحة على روح استاذهم الذي قتل نسختهم الكسولة ، وإعادتهم جبراً الى طريق النجاح والتميّز الإبداعيّ ! 


هناك 8 تعليقات:

  1. الإنتحار في موضِعِ التأثير..

    توفيق الحكيم كتب ذات مرّة مسرحية قصيرة بعنوان سر المنتحرة.. تلك المرأة انتحرت كمحاولة أخيرة لإيقاظ الحب في قلب رجلٍ أحبَّتهُ وَزجَرَها.

    أمّا عن أستاذنا أحمد فسرُّهُ تجربة غرائبيّة أخيرة تهدف لإيقاظ اجتهاد طلّابه.. لكنّي أشتهي سؤالًا، لماذا؟

    ما دام قد تبرَّمَ من حالته اليائسة فلماذا لم ينتحر في السِّر؟ لماذا أصرَّ على رهن انتحاره بدرس أخير لتلامذته؟

    ربّما تراءى له أن ذلك سيعوّضُ نقصًا ما، ويحسنُ له أن يتوارى خلف هيئة مصطنعة ويجري تجربة نصفها جنون ونصفها عقل، والعقل في الأخير غرزته رصاصة!

    ردحذف
    الردود
    1. الأستاذ يعلم انه ميت بجميع الأحوال ، فأراد ترك اثرِ ايجابيّ بحياة تلامذته .. هذا لا يعني ، انني اوافقه الرأيّ .. فالإنتحار يعني خسارة الجنة ..ولا شيء بالدنيا يستحق ذلك

      حذف
  2. اعتقد انه فكر طويلا فى الانتحار و أراد أن يكون انتحار مسجل فى ذاكرة الطلاب ليستمر من خلال ذاكرتهم كطبيعة النفس البشري
    وهكذا يكون موجود بعد الموت
    💚

    ردحذف
    الردود
    1. كان الأفضل لو جعلت القصة اجنبية .. لكن طالما عربية ، فالطلّاب حتماً استفادوا من التجربة الصعبة .. لكن المعلم احمد ، خسر الآخرة بعد يأسه من قدرة الله على شفائه !
      سعيدة ان القصة اعجبتك

      حذف
  3. لكن لم افهم لماذا كان افضل لو جعلتي القصة اجنبية ما قصدت لم افهم

    ردحذف
    الردود
    1. لأن اجواء الخطف والقنبلة الموقوتة والمبنى المهجور الموجود في منطقة منعزلة والإنتحار ، جميعها مواضيع اسهل ان تحدث ببلدٍ اجنبي ، عن البلاد العربية المكتظة بالناس الفضوليين

      حذف
  4. لكن الانتحار يحدث كثيرا في بلدان عربية ايضا لذلك القصة متناسقة

    ردحذف

اختلاف التوقيت

تأليف : امل شانوحة  بين شرفتيّن في مبنيين متجاورين ، تتقابل شرفتان .. إحداهما للشاب احمد (الثلاثيني) صاحب الفرن صغير الذي يفتحه مع بزوغ الفج...