الجمعة، 28 نوفمبر 2025

دوّامة القدر

تأليف : امل شانوحة 

لعنة السلالة


بعد عام من زواج احمد (الثلاثيني) من صبيّة ، أجبره والده على الإرتباط بها .. والتي أصبحت عبأً عليه ، بدل ان تكون العوض عن قسّوة ابيه الذين اشتكوا منه اخوته المراهقين بعد زيارة منزله .. 


فردّ اخوهم الأكبر (احمد) : وأنا وامي عانينا كثيراً من ساديّته وبطشه .. 

اخوه : لكنك كنت تحمينا من ضربه العنيف ، وتدافع عنا بمشاجراته المُفتعلة .. والآن بعد زواجك ، أصبحت حياتنا جحيماً ! رجاءً جدّ حلاً لهذه المشكلة ، قبل ان تحدث مصيبة لا تُحمد عقباها  

***


لم يستطع احمد النوم تلك الليلة ، قلقاً على مصير اخوته الصغار .. وبالصدفة وجد اعلاناً بالجوال : 

((مخترعٌ يبحث عن متطوّع ، لتجربة آلة زمن !)) 

***


في الصباح التالي .. تواصل احمد معه ، متوجهاً للعنوان الذي اعطاه له العالم العجوز.. 

وعندما دخل معمله (الموجود في قبو منزله) وجد آلةً ضخمة مصنوعة يدوياً .. 


وبعد ساعة.. 

المخترع : الآن بعد ان علّمتك طريقة التحكّم بالآلة ، هل ما زلت مصرّاً على الإنتقال للماضي ؟ فأنا لم أجرّبها مطلقاً ، رغم صحّة معادلاتها الرياضية 

احمد بيأس : اريد منع ولادة ابي ، لاقتلاع ظلمه من حياتنا للأبد  

المخترع : اذاً إطبع بالآلة ، التاريخ الموافق للأشهر التسعة قبل ميلاد والدك ، لمنع حمل جدتك به .. رغم عدم معرفتي ، طريقة فعلك ذلك ؟!

احمد : لديّ خطةً مُحكمة 

^^^


وبالفعل دارت الآلة حول نفسها عدة مرات ، قبل اختفائها من القبو .. ليجد احمد نفسه ، مستلقياً فوق اعشاب مزرعةٍ ما !

وما ان رآها ، حتى تذكّر رؤيتها بإحدى صور جده القديمة (بالأبيض والأسود)

احمد بارتياح : نعم ، هذه ارض جدي .. ترى اين القاه الآن ؟

 

واخذ يمشي في الحقل ، الى ان وجد رجلاً بمثل عمره (ثلاثيني) يسقي الطرف الآخر من مزرعته .. فناداه بإسم جده ، الذي التفت اليه باستغراب:

- هل تعرفني ايها الغريب ؟!

احمد بابتسامة : اعرفك جيداً .. 


واختلق قصة : انه من معارف زوجته (جدته) .. وانه قدم من مدينةٍ اخرى بالقطار لتمضيّة اليوم معه ، للتعرّف على صهر العائلة (كما ادّعى) قبل عودته صباحاً الى بلدته 


وقدّ أصرّ احمد على التنزّه معه بالحقول المجاورة ، بغرض إبعاد جده عن زوجته (التي يُفترض حملها بوالده هذه الليلة) 


وأمضى الجد النهار كله ، وهو يجيب الضيف على اسئلته الغريبة حول العصر الذي يعيشان فيه ! الذي يصادف الحرب العالمية الثانية ، وأثرها على البلاد العربية

^^^


وفي المساء ، اراد الجد العودة الى بيته .. فتحجّج احمد بضياع ماله بالقطار .. فدعاه الجد للمبيت عنده في منزله العربي القديم


وبعد ان فرش له بغرفة الضيوف ، صعد الجد متحمّساً لغرفة عروسته (الجدة)

احمد وهو يراقبه من نافذة الغرفة :

- لا اريده ان يحظى بليلةٍ رومنسية مع جدتي ، والا ضاع تعبي سدى 


وصار يُصدر ضجّة بغرفة نوم الضيوف .. فنزل الجد ، فزعاً اليه .. ليخبره احمد بوجود فأرٍ بالغرفة !


وأضاع الجد ساعةً أخرى ، بالبحث معه بكل زاوية بالغرفة .. لقتل الفأر ، دون ايجاده


الجد : أظنه تهيّأ لك !

احمد : لا ، رأيته فعلاً !! وكان بحجم القطة .. دعنا نذهب للمطبخ للبحث عنه ، اخاف ان يأكل من سمنكم وبرغلكم 

الجد متأففاً : اظن زوجتي نامت الآن .. هيا لنبحث عنه هناك 


وأمضيا ساعةً اخرى بالبحث عن الفأر المزعوم .. الى ان تملّك التعب الجد الذي اعتذر من الضيف ، للنوم بغرفته العلوية .. فعاد احمد لغرفة الضيوف سعيداً ، بعد تأكّده من عدم قدرة جده على فعل شيء بتلك الليلة المشؤومة

^^^


في الصباح الباكر ، عاد احمد للمكان الذي ظهر فيه بأرض جده .. وبحث هناك ، ليجد آلة الزمن مخفيّة بين الأشجار .. فصعد اليها ، عائداً لزمن الحاضر 

***


وما ان عاد لمنزله .. حتى وصله اتصال من أخيه الأصغر : 

- ابي تشاجر معنا صباحاً ، كعادته كل يوم ! 


فطلب محادثة امه التي أخبرته : بأن تسجيل مولد والده جاء متأخراً .. يعني تلك الليلة ، كانت جدته حاملاً بأبيه منذ شهريّن .. ايّ مهمّته فشلت تماماً ! 

^^^


فذهب ظهراً للمخترع ، طالباً تجربة آلة الزمن من جديد .. مع تغيير التاريخ !


لكن عندما عاد للماضي ، وجد جده يُعنّف والده (سبع سنوات) اثناء مساعدته في الأرض 

احمد : الآلة الغبية ، لم ترسلني للتاريخ الصحيح !


واخذ يراقب والده من خلف الأشجار ، وهو يشكي همّه لكلب الحراسة من عنف والده المتواصل له ! 

حينها أدرك أحمد أن الساديّة التي عانى منها هو وأخوته ، موروثة من الجد ! 

فقرّر الذهاب إلى زمن الجد الأكبر الذي عاش في ظلّ الدولة العثمانية.. 


وهناك حاول مجدداً الهائه عن المبيت في منزله .. بحجّة انه من المقاومين للأتراك ، وعليه الذهاب معه لمعسكر المناضلين .. 

ليمضي معه رحلةً كشفيّة طوال الليل ، لضمان عدم انجاب جده الظالم 


وبعد انهاء المهمّة ، طلب من آلة الزمن اعادته للمنزل .. لكن الآلة رفضت ذلك ، قائلةً بصوتٍ آليّ :

- لقد منعت وجود جدّك .. وبالتالي والدك.. وبالتالي وجودك .. لا مكان لك في المستقبل 

احمد بقلق : وماذا عليّ فعله الآن ؟!

- عِشّ بهذا الزمن ، وانجب سلالةً أفضل 

***


وهكذا أصبح أحمد هو الجد الأكبر للعائلة .. والذي تمكّن لاحقاً من إيجاد عملٍ في أرضٍ زراعية .. والتزوّج من صبيّةٍ صغيرة ، دلّلته بمحبةٍ فائضة لم يشعر بها من قبل !  


وفي شهر عسله ، قالت له بخجل :

- هل أُسخّن الحمام ، ابن عمي ؟

- بالتأكيد حبيبتي 


دون علمه بأن زوجته ستحمل الليلة بجده الساديّ الذي سينجب والده الذي سيتعامل مع إخوته بنرجسيّةٍ ظالمة !


لأن حب زوجته المفرط دون مساءلة عن اخطائه ، وطاعتها العمياء دون اعتراض .. أعطت احمد السلطة المطلقة ، لإدارة حياة عائلته كما يشاء .. 


ومع الأيام ، صار أحمد أكثر قسوةً واستبدادا ! 

وبذلك شابه جده الذي حاول جاهداً محوّه من الوجود .. ليغرق في دوّامة القدر ، مُنتجاً اجيالاً تعاني بصمت من امراضٍ نفسيّة مُزمنة! 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دوّامة القدر

تأليف : امل شانوحة  لعنة السلالة بعد عام من زواج احمد (الثلاثيني) من صبيّة ، أجبره والده على الإرتباط بها .. والتي أصبحت عبأً عليه ، بدل ان ...