تأليف : امل شانوحة
لعنة السلالة
بعد عام من زواج احمد (الثلاثيني) من صبيّة ، أجبره والده على الإرتباط بها .. والتي أصبحت عبأً عليه ، بدل ان تكون العوض عن قسّوة ابيه الذين اشتكوا منه اخوته المراهقين بعد زيارة منزله ..
فردّ اخوهم الأكبر (احمد) : وأنا وامي عانينا كثيراً من ساديّته وبطشه ..
اخوه : لكنك كنت تحمينا من ضربه العنيف ، وتدافع عنا بمشاجراته المُفتعلة .. والآن بعد زواجك ، أصبحت حياتنا جحيماً ! رجاءً جدّ حلاً لهذه المشكلة ، قبل ان تحدث مصيبة لا تُحمد عقباها
***
لم يستطع احمد النوم تلك الليلة ، قلقاً على مصير اخوته الصغار .. وبالصدفة وجد اعلاناً بالجوال :
((مخترعٌ يبحث عن متطوّع ، لتجربة آلة زمن !))
***
في الصباح التالي .. تواصل احمد معه ، متوجهاً للعنوان الذي اعطاه له العالم العجوز..
وعندما دخل معمله (الموجود في قبو منزله) وجد آلةً ضخمة مصنوعة يدوياً ..
وبعد ساعة..
المخترع : الآن بعد ان علّمتك طريقة التحكّم بالآلة ، هل ما زلت مصرّاً على الإنتقال للماضي ؟ فأنا لم أجرّبها مطلقاً ، رغم صحّة معادلاتها الرياضية
احمد بيأس : اريد منع ولادة ابي ، لاقتلاع ظلمه من حياتنا للأبد
المخترع : اذاً إطبع بالآلة ، التاريخ الموافق للأشهر التسعة قبل ميلاد والدك ، لمنع حمل جدتك به .. رغم عدم معرفتي ، طريقة فعلك ذلك ؟!
احمد : لديّ خطةً مُحكمة
^^^
وبالفعل دارت الآلة حول نفسها عدة مرات ، قبل اختفائها من القبو .. ليجد احمد نفسه ، مستلقياً فوق اعشاب مزرعةٍ ما !
وما ان رآها ، حتى تذكّر رؤيتها بإحدى صور جده القديمة (بالأبيض والأسود)
احمد بارتياح : نعم ، هذه ارض جدي .. ترى اين القاه الآن ؟
واخذ يمشي في الحقل ، الى ان وجد رجلاً بمثل عمره (ثلاثيني) يسقي الطرف الآخر من مزرعته .. فناداه بإسم جده ، الذي التفت اليه باستغراب:
- هل تعرفني ايها الغريب ؟!
احمد بابتسامة : اعرفك جيداً ..
واختلق قصة : انه من معارف زوجته (جدته) .. وانه قدم من مدينةٍ اخرى بالقطار لتمضيّة اليوم معه ، للتعرّف على صهر العائلة (كما ادّعى) قبل عودته صباحاً الى بلدته
وقدّ أصرّ احمد على التنزّه معه بالحقول المجاورة ، بغرض إبعاد جده عن زوجته (التي يُفترض حملها بوالده هذه الليلة)
وأمضى الجد النهار كله ، وهو يجيب الضيف على اسئلته الغريبة حول العصر الذي يعيشان فيه ! الذي يصادف الحرب العالمية الثانية ، وأثرها على البلاد العربية
^^^
وفي المساء ، اراد الجد العودة الى بيته .. فتحجّج احمد بضياع ماله بالقطار .. فدعاه الجد للمبيت عنده في منزله العربي القديم
وبعد ان فرش له بغرفة الضيوف ، صعد الجد متحمّساً لغرفة عروسته (الجدة)
احمد وهو يراقبه من نافذة الغرفة :
- لا اريده ان يحظى بليلةٍ رومنسية مع جدتي ، والا ضاع تعبي سدى
وصار يُصدر ضجّة بغرفة نوم الضيوف .. فنزل الجد ، فزعاً اليه .. ليخبره احمد بوجود فأرٍ بالغرفة !
وأضاع الجد ساعةً أخرى ، بالبحث معه بكل زاوية بالغرفة .. لقتل الفأر ، دون ايجاده
الجد : أظنه تهيّأ لك !
احمد : لا ، رأيته فعلاً !! وكان بحجم القطة .. دعنا نذهب للمطبخ للبحث عنه ، اخاف ان يأكل من سمنكم وبرغلكم
الجد متأففاً : اظن زوجتي نامت الآن .. هيا لنبحث عنه هناك
وأمضيا ساعةً اخرى بالبحث عن الفأر المزعوم .. الى ان تملّك التعب الجد الذي اعتذر من الضيف ، للنوم بغرفته العلوية .. فعاد احمد لغرفة الضيوف سعيداً ، بعد تأكّده من عدم قدرة جده على فعل شيء بتلك الليلة المشؤومة
^^^
في الصباح الباكر ، عاد احمد للمكان الذي ظهر فيه بأرض جده .. وبحث هناك ، ليجد آلة الزمن مخفيّة بين الأشجار .. فصعد اليها ، عائداً لزمن الحاضر
***
وما ان عاد لمنزله .. حتى وصله اتصال من أخيه الأصغر :
- ابي تشاجر معنا صباحاً ، كعادته كل يوم !
فطلب محادثة امه التي أخبرته : بأن تسجيل مولد والده جاء متأخراً .. يعني تلك الليلة ، كانت جدته حاملاً بأبيه منذ شهريّن .. ايّ مهمّته فشلت تماماً !
^^^
فذهب ظهراً للمخترع ، طالباً تجربة آلة الزمن من جديد .. مع تغيير التاريخ !
لكن عندما عاد للماضي ، وجد جده يُعنّف والده (سبع سنوات) اثناء مساعدته في الأرض
احمد : الآلة الغبية ، لم ترسلني للتاريخ الصحيح !
واخذ يراقب والده من خلف الأشجار ، وهو يشكي همّه لكلب الحراسة من عنف والده المتواصل له !
حينها أدرك أحمد أن الساديّة التي عانى منها هو وأخوته ، موروثة من الجد !
فقرّر الذهاب إلى زمن الجد الأكبر الذي عاش في ظلّ الدولة العثمانية..
وهناك حاول مجدداً الهائه عن المبيت في منزله .. بحجّة انه من المقاومين للأتراك ، وعليه الذهاب معه لمعسكر المناضلين ..
ليمضي معه رحلةً كشفيّة طوال الليل ، لضمان عدم انجاب جده الظالم
وبعد انهاء المهمّة ، طلب من آلة الزمن اعادته للمنزل .. لكن الآلة رفضت ذلك ، قائلةً بصوتٍ آليّ :
- لقد منعت وجود جدّك .. وبالتالي والدك.. وبالتالي وجودك .. لا مكان لك في المستقبل
احمد بقلق : وماذا عليّ فعله الآن ؟!
- عِشّ بهذا الزمن ، وانجب سلالةً أفضل
***
وهكذا أصبح أحمد هو الجد الأكبر للعائلة .. والذي تمكّن لاحقاً من إيجاد عملٍ في أرضٍ زراعية .. والتزوّج من صبيّةٍ صغيرة ، دلّلته بمحبةٍ فائضة لم يشعر بها من قبل !
وفي شهر عسله ، قالت له بخجل :
- هل أُسخّن الحمام ، ابن عمي ؟
- بالتأكيد حبيبتي
دون علمه بأن زوجته ستحمل الليلة بجده الساديّ الذي سينجب والده الذي سيتعامل مع إخوته بنرجسيّةٍ ظالمة !
لأن حب زوجته المفرط دون مساءلة عن اخطائه ، وطاعتها العمياء دون اعتراض .. أعطت احمد السلطة المطلقة ، لإدارة حياة عائلته كما يشاء ..
ومع الأيام ، صار أحمد أكثر قسوةً واستبدادا !
وبذلك شابه جده الذي حاول جاهداً محوّه من الوجود .. ليغرق في دوّامة القدر ، مُنتجاً اجيالاً تعاني بصمت من امراضٍ نفسيّة مُزمنة!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق