الأحد، 16 نوفمبر 2025

العمر المسروق

تأليف : امل شانوحة 

 

سرّ المول الغريب ! 


في ظهر ذلك اليوم .. قرّرت الصديقتان مروى وسهام الذهاب للمول الجديد ، بعد انتهاء جامعتهما


وبعد استمتاعهما بالوقت هناك ، ارادت سهام دخول الحمام قبل العودة الى منزلها

لكنهما لم تجدا إشارات تدلّ على دوّرة المياه ! فسألتا عاملاً آسيويّ الذي دلّهمها على مكانٍ ما..


وعندما وصلتا اليه ، وجدتاه في الجزء الخلفيّ للمول .. فقالت مروى بعصبية :

- الغبي دلّنا على حمام العمّال !

سهام : لن استطيع الإنتظار اكثر ، سأدخل .. وانت انتظريني بالخارج


فمشت مروى في الممرّ الطويل الفارغ ، المليء بالتوصيلات الكهربائيّة الخاصة بالتبريد المركزي للمول ، ومخازن مطاعمه الجاهزة .. 

مروى بضيق : أتمنى خروجها سريعاً ، فالمكان هنا كئيبٌ ومخيف !


وفجأة رنّ جوالها ! وإذّ بسهام تسألها بعصبية :

- اين انت ؟!! بحثت عنك في كل مكان ؟ الم اطلب منك انتظاري خارج الحمام؟ 

فاندهشت مروى من غضب سهام :

- مازلت في مكاني ! وانت لم تخرجي بعد 

سهام : خرجت منذ نصف ساعة ، ولم اجدك بالممرّ الطويل .. فعدّت للمول ، وبحثت عنك في المحلاّت التجارية .. اين انت الآن ؟

- لا تفقديني صوابي ! مازلت بالممرّ ، وانت دخلتي الحمام منذ دقيقةٍ واحدة

سهام بحزم : لا تتحرّكي من مكانك ، انا قادمة اليك !! 

^^^


بعد قليل .. دخلت سهام لممرّ العمّال من جديد ، وهي مازالت تلومها!

مروى باستغراب : احلف انني لم أتزحّزح من مكاني ، ثم لم يمرّ دقيقتان على غيابك عني !

فأخرجت سهام جوالها ، وهي تقول :

- أنظري للساعة !! لقد مرّت نصف ساعة على ضياعك


واثناء جدالهما .. تراجعت مروى للخلف قليلاً ، لترى نظرة الإندهاش بعينيّ صديقتها التي قالت برعب :

- لا تتحرّكي ! 

مروى بقلق : ماذا حصل ؟!

- إختفى نصف جسمك ! 


وهنا انتبهتا على شقٍّ شفافٍّ رفيع بآخر الممرّ : يبدو ان مروى مرّت من خلاله ، اثناء انتظارها خروج صديقتها من الحمام ، جعل الوقت يمضي دون شعورها به ! 


فأدخلت مروى ذراعها من الباب الخفيّ .. لتجد انه اختفى ايضاً ، كأنها اصبحت مبتورة الذراع ! 

- مالذي يحصل هنا ؟!

سهام بدهشة : أظننا اكتشفنا بوّابةً زمنيّة ! 

- أحقاً ! إذاً دعينا نجرّبها 

- هل جننت ؟! إن دخلناها ، ربما لن نعود الى هنا ثانيةً 

مروى : لا تبالغي .. فأنا عدّت بعد نصف ساعة ، التي أمضيتها ببحثك عني  

سهام : لأنك لم تختاري العصر الذي تريدين الذهاب اليه .. وربما لوّ فعلتي ، لعلقتي بذلك الزمن لآخر عمرك 

- اذاً لنحدّد طلبنا بدقّة .. سأبدأ اولاً !! 


وفكّرت مروى قليلاً ، قبل ان تقول بصوتٍ منخفض :

- اتمنى العودة للماضي .. حينما كنت بالسابعة من عمري ، في منزل اهلي القديم .. بشرط !! عودتي للممرّ الخلفي للمول ، خلال ثوانيٍ فقط 


ثم دخلت الشقّ ، واختفت بضعة ثواني .. قبل عودتها وهي تروي لصديقتها عن رؤيتها والديها بسن الشباب ، وملاعبة اخوانها بعد عودتهم صغارا

سهام : أحقاً ما تقولين ؟!

مروى بحماس : احلف لك !! لا تدرين سعادتي وانا العب مع اخوتي في شرفتنا القديمة .. ماذا عنك ، ماذا ستتمنّين ؟


ففكّرت سهام قليلاً ، قبل ان تقول :

- إشتقت لجدتي التي ماتت بطفولتي ، فقد كنت متعلّقة جداً بها 

ثم اقتربت من الشقّ ، وهي تقول : 

- أتمنى رؤية جدتي المرحومة .. 

وما ان اقتربت من البوّابة الزمنيّة ، حتى سحبتها مروى للخلف مُحذّرة :

- لم تقولي الشرط بعد !!

سهام : آه نسيت ! .. بشرط !! عودتي الى هنا خلال ثواني


ثم اختفت داخل الشقّ ، قبل عودتها بعينين دامعتيّن وهي تقول لمروى :

- إحتضنتها بقوة !! لا تصدّقين كم اشتقت اليها 

- وماذا فعلت جدتك ؟

- كانت مصدومة من تعلّقي الزائد بها ! لكن الوقت مرّ سريعاً

مروى : حتى انا شعرت ببقائي مع عائلتي لساعةٍ واحدة فقط ! 

- ما رأيك لوّ نجرب المستقبل القريب ؟

- فكرةٌ جميلة .. لكن دعينا ندخل معاً 


واقتربتا من الشقّ ، وهما تقولان :

- نريد رؤية لبنان بعد عام من اليوم .. بشرط !! عودتنا معاً الى هنا ، خلال ثواني 


وفور دخولهما الشقّ ، حتى وجدتا نفسهما في مطعم المول ذاته ! 

لكن الجميع يهرب فزعاً ، بعد قصفٍ عنيف من طائرات العدو .. 


وبصعوبةٍ بالغة تجاوزتا الحشود الفزعة ، وهما تركضان باتجاه الممرّ الخلفي .. وقفزتا داخل الشقّ ، قبل انهيار المول بدقائق ! 

^^^


بالعودة للحاضر ، تنفّستا الصعداء بعد نجاتهما من الموت بصعوبة !

مروى بقهر : يا الهي ! هل قُدّر على اللبنانيين عيش الحروب طوال حياتهم!! 

سهام بضيق : طالما حدودنا مع العدو ، فلن نهنأ مُطلقاً ! 

- ربما الأفضل لوّ اخترنا رؤية لبنان بعد عشرين عاماً 

- اذاً لنجرّب ذلك


وبالفعل انتقلتا للمستقبل البعيد .. لتجدا نفسهما وسط البلد الذي يعجّ بالسوّاح العرب والأجانب ، بعد امتلاء متاجرها ومطاعمها بالزبائن!

مروى بارتياح : اخيراً سينهض البلد من جديد !! 

سهام : الحمد الله ، على الأقل عرفنا ان مستقبلنا جيد 


واثناء سيرهما بالسوق الذي تطوّر كثيراً ، تفاجئتا بعلم سفارة العدو تُرفّرف هناك !

سهام بصدمة : ماذا ! سفارتهم بوسط البلد

مروى بامتعاض : يبدو انهم اجبرونا بالحرب الأخيرة على توقيع السلام معهم

- اللعنة ! اذاً مستقبلنا لا يُبشّر بخير


وعندما شاهدتا عائلةً يهودية تتسوّق براحتها هناك ، شعرتا بالإستفزاز والغضب المكبوت .. وقرّرتا العودة للحاضر   

^^^


وعندما عادتا للممرّ الداخلي ، انتبهتا على تأخّر الوقت !

مروى : آه ! أنظري للساعة .. تأخرنا على منازلنا

سهام : هذا صحيح ، سيقلق اهلنا علينا .. ما رأيك لوّ نعود الى هنا غداً ، لاختيار ازمنةٍ اخرى

- ربما بداية البشريّة

- ليس لهذه الدرجة ! بل زمن الخمسينات والستينات ، في عصر نهضة لبنان

- غداً نقرّر ، دعينا نعود الآن الى منازلنا 

^^^


وافترقتا كلاّ في سيارة اجرة .. لكن عندما عادتا لمنزلهما ، تفاجأت كل واحدة منهن ان عائلتها كبروا بالسن : بعد ان اصبحت والداتهما بأواخر الستينات ، وآبائهما بالسبعينات من العمر ! اما اخوتهم : فتركوا المنزل بعد زواجهم وإنجابهم الأولاد !

وكاد اهلهما يصابوا بنوبةٍ قلبية ، بعد رؤية بناتهما بذات العمر الذي اختفيا به قبل 21 عاماً .. فالشرطة أغلقت ملفهما ، بعد الفشل بإيجادهما بأيّ مكان !


وبسبب الإرتباك الحاصل في منازلهما ! إتفقت الصديقتان على العودة للمول ، لربما تعيدان كل شيءٍ كما كان ! (فالأمنيّتان اندمجتا معاً ، ليصبح مجموعهما 21 سنة ! ضاعت من حياة اسرهما بزمن الحاضر)

^^^


لكن حينما وصلتا للمول ، وجدتاه مُهدّماً ! وتذكّرتا انه تم تفجيره بالحرب الماضية ، كما شاهدتا بتجربتهما الأولى !


فجلستا في المقهى المقابل لبقايا المول سابقاً ..

مروى باستغراب : الم نطلب عودتنا للمول خلال ثواني ، فكيف مرّت كل تلك السنوات ؟ ولما لم نكبر نحن ايضاً ؟!

سهام : بل السؤال الأهم ، لما دمّر العدو هذا المول بالذات ، ولم يقصفوا بقيّة الأسواق بالحرب السابقة ؟ هل علموا بشأن البوّابة الزمنية التي اكتشفناها من خلال مراجعة الخونة لكاميرات المراقبة ، ومشاهدتنا ونحن نختفي ونظهر بالممرّ الخلفي للمول ؟

- أتظني انهم نقلوا البوّابة الزمنية لمكانٍ آخر ؟

- لا اظنها تنتقل ! لهذا تركوا جزءاً من ردم المول ، رغم تطوّر البلد في السنوات العشرين الماضية .. وأعتقد بوجود نفقٍ سرّي اسفل الركام ، يستخدمه المسؤولون للإنتقال عبر الأزمنة .. وطبعاً لن يسمحوا لأمثالنا الإقتراب منه

- ولما اختاروا ان تتواجد بوّابة مهمة ، في ممرّ عمّال المول ؟! 

- لأنهم اجانب وجهلة ، ولن ينتبهوا لذلك 


ثم تنهدت مروى بقلق : والآن ما العمل بعد فقدنا بوّابة الزمن ؟!

فسكت سهام مطوّلاً ، قبل ان تقول بقهر : 

- ليس امامنا سوى الإهتمام بوالدينا العاجزيّن 

مروى : ماذا عن جامعتنا ؟ فقد كنا بسنة التخرّج

- نحن حالياً حسب الأوراق الحكوميّة ميتتان منذ 21 سنة ، فما الحاجة لإكمال تعليمنا ؟


ثم ودّعتا بعضهما بحزن .. للعودة الى منازلهما ، والإهتمام بوالديهما اللذيّن لم يجدا تفسيراً لما حصل لإبنتيهما ! 

وذلك بعد تعاهد الصديقتان على إخفاء موضوع البوّابة التي لن يصدّقهما احد .. كما لن يفضحا السرّ ، خوفاً من تحوّلهما لفئران تجارب بالمختبرات ، او سجينتان في مستشفى للأمراض العقلية الى نهاية حياتهما البائسة ! 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العمر المسروق

تأليف : امل شانوحة    سرّ المول الغريب !  في ظهر ذلك اليوم .. قرّرت الصديقتان مروى وسهام الذهاب للمول الجديد ، بعد انتهاء جامعتهما وبعد استم...