تأليف : امل شانوحة
سرّ المول الغريب !
في ظهر ذلك اليوم .. قرّرت الصديقتان مروى وسهام الذهاب للمول الجديد ، بعد انتهاء جامعتهما
وبعد استمتاعهما بالوقت هناك ، ارادت سهام دخول الحمام قبل العودة الى منزلها
لكنهما لم تجدا إشارات تدلّ على دوّرة المياه ! فسألتا عاملاً آسيويّ الذي دلّهمها على مكانٍ ما..
وعندما وصلتا اليه ، وجدتاه في الجزء الخلفيّ للمول .. فقالت مروى بعصبية :
- الغبي دلّنا على حمام العمّال !
سهام : لن استطيع الإنتظار اكثر ، سأدخل .. وانت انتظريني بالخارج
فمشت مروى في الممرّ الطويل الفارغ ، المليء بالتوصيلات الكهربائيّة الخاصة بالتبريد المركزي للمول ، ومخازن مطاعمه الجاهزة ..
مروى بضيق : أتمنى خروجها سريعاً ، فالمكان هنا كئيبٌ ومخيف !
وفجأة رنّ جوالها ! وإذّ بسهام تسألها بعصبية :
- اين انت ؟!! بحثت عنك في كل مكان ؟ الم اطلب منك انتظاري خارج الحمام؟
فاندهشت مروى من غضب سهام :
- مازلت في مكاني ! وانت لم تخرجي بعد
سهام : خرجت منذ نصف ساعة ، ولم اجدك بالممرّ الطويل .. فعدّت للمول ، وبحثت عنك في المحلاّت التجارية .. اين انت الآن ؟
- لا تفقديني صوابي ! مازلت بالممرّ ، وانت دخلتي الحمام منذ دقيقةٍ واحدة
سهام بحزم : لا تتحرّكي من مكانك ، انا قادمة اليك !!
^^^
بعد قليل .. دخلت سهام لممرّ العمّال من جديد ، وهي مازالت تلومها!
مروى باستغراب : احلف انني لم أتزحّزح من مكاني ، ثم لم يمرّ دقيقتان على غيابك عني !
فأخرجت سهام جوالها ، وهي تقول :
- أنظري للساعة !! لقد مرّت نصف ساعة على ضياعك
واثناء جدالهما .. تراجعت مروى للخلف قليلاً ، لترى نظرة الإندهاش بعينيّ صديقتها التي قالت برعب :
- لا تتحرّكي !
مروى بقلق : ماذا حصل ؟!
- إختفى نصف جسمك !
وهنا انتبهتا على شقٍّ شفافٍّ رفيع بآخر الممرّ : يبدو ان مروى مرّت من خلاله ، اثناء انتظارها خروج صديقتها من الحمام ، جعل الوقت يمضي دون شعورها به !
فأدخلت مروى ذراعها من الباب الخفيّ .. لتجد انه اختفى ايضاً ، كأنها اصبحت مبتورة الذراع !
- مالذي يحصل هنا ؟!
سهام بدهشة : أظننا اكتشفنا بوّابةً زمنيّة !
- أحقاً ! إذاً دعينا نجرّبها
- هل جننت ؟! إن دخلناها ، ربما لن نعود الى هنا ثانيةً
مروى : لا تبالغي .. فأنا عدّت بعد نصف ساعة ، التي أمضيتها ببحثك عني
سهام : لأنك لم تختاري العصر الذي تريدين الذهاب اليه .. وربما لوّ فعلتي ، لعلقتي بذلك الزمن لآخر عمرك
- اذاً لنحدّد طلبنا بدقّة .. سأبدأ اولاً !!
وفكّرت مروى قليلاً ، قبل ان تقول بصوتٍ منخفض :
- اتمنى العودة للماضي .. حينما كنت بالسابعة من عمري ، في منزل اهلي القديم .. بشرط !! عودتي للممرّ الخلفي للمول ، خلال ثوانيٍ فقط
ثم دخلت الشقّ ، واختفت بضعة ثواني .. قبل عودتها وهي تروي لصديقتها عن رؤيتها والديها بسن الشباب ، وملاعبة اخوانها بعد عودتهم صغارا
سهام : أحقاً ما تقولين ؟!
مروى بحماس : احلف لك !! لا تدرين سعادتي وانا العب مع اخوتي في شرفتنا القديمة .. ماذا عنك ، ماذا ستتمنّين ؟
ففكّرت سهام قليلاً ، قبل ان تقول :
- إشتقت لجدتي التي ماتت بطفولتي ، فقد كنت متعلّقة جداً بها
ثم اقتربت من الشقّ ، وهي تقول :
- أتمنى رؤية جدتي المرحومة ..
وما ان اقتربت من البوّابة الزمنيّة ، حتى سحبتها مروى للخلف مُحذّرة :
- لم تقولي الشرط بعد !!
سهام : آه نسيت ! .. بشرط !! عودتي الى هنا خلال ثواني
ثم اختفت داخل الشقّ ، قبل عودتها بعينين دامعتيّن وهي تقول لمروى :
- إحتضنتها بقوة !! لا تصدّقين كم اشتقت اليها
- وماذا فعلت جدتك ؟
- كانت مصدومة من تعلّقي الزائد بها ! لكن الوقت مرّ سريعاً
مروى : حتى انا شعرت ببقائي مع عائلتي لساعةٍ واحدة فقط !
- ما رأيك لوّ نجرب المستقبل القريب ؟
- فكرةٌ جميلة .. لكن دعينا ندخل معاً
واقتربتا من الشقّ ، وهما تقولان :
- نريد رؤية لبنان بعد عام من اليوم .. بشرط !! عودتنا معاً الى هنا ، خلال ثواني
وفور دخولهما الشقّ ، حتى وجدتا نفسهما في مطعم المول ذاته !
لكن الجميع يهرب فزعاً ، بعد قصفٍ عنيف من طائرات العدو ..
وبصعوبةٍ بالغة تجاوزتا الحشود الفزعة ، وهما تركضان باتجاه الممرّ الخلفي .. وقفزتا داخل الشقّ ، قبل انهيار المول بدقائق !
^^^
بالعودة للحاضر ، تنفّستا الصعداء بعد نجاتهما من الموت بصعوبة !
مروى بقهر : يا الهي ! هل قُدّر على اللبنانيين عيش الحروب طوال حياتهم!!
سهام بضيق : طالما حدودنا مع العدو ، فلن نهنأ مُطلقاً !
- ربما الأفضل لوّ اخترنا رؤية لبنان بعد عشرين عاماً
- اذاً لنجرّب ذلك
وبالفعل انتقلتا للمستقبل البعيد .. لتجدا نفسهما وسط البلد الذي يعجّ بالسوّاح العرب والأجانب ، بعد امتلاء متاجرها ومطاعمها بالزبائن!
مروى بارتياح : اخيراً سينهض البلد من جديد !!
سهام : الحمد الله ، على الأقل عرفنا ان مستقبلنا جيد
واثناء سيرهما بالسوق الذي تطوّر كثيراً ، تفاجئتا بعلم سفارة العدو تُرفّرف هناك !
سهام بصدمة : ماذا ! سفارتهم بوسط البلد
مروى بامتعاض : يبدو انهم اجبرونا بالحرب الأخيرة على توقيع السلام معهم
- اللعنة ! اذاً مستقبلنا لا يُبشّر بخير
وعندما شاهدتا عائلةً يهودية تتسوّق براحتها هناك ، شعرتا بالإستفزاز والغضب المكبوت .. وقرّرتا العودة للحاضر
^^^
وعندما عادتا للممرّ الداخلي ، انتبهتا على تأخّر الوقت !
مروى : آه ! أنظري للساعة .. تأخرنا على منازلنا
سهام : هذا صحيح ، سيقلق اهلنا علينا .. ما رأيك لوّ نعود الى هنا غداً ، لاختيار ازمنةٍ اخرى
- ربما بداية البشريّة
- ليس لهذه الدرجة ! بل زمن الخمسينات والستينات ، في عصر نهضة لبنان
- غداً نقرّر ، دعينا نعود الآن الى منازلنا
^^^
وافترقتا كلاّ في سيارة اجرة .. لكن عندما عادتا لمنزلهما ، تفاجأت كل واحدة منهن ان عائلتها كبروا بالسن : بعد ان اصبحت والداتهما بأواخر الستينات ، وآبائهما بالسبعينات من العمر ! اما اخوتهم : فتركوا المنزل بعد زواجهم وإنجابهم الأولاد !
وكاد اهلهما يصابوا بنوبةٍ قلبية ، بعد رؤية بناتهما بذات العمر الذي اختفيا به قبل 21 عاماً .. فالشرطة أغلقت ملفهما ، بعد الفشل بإيجادهما بأيّ مكان !
وبسبب الإرتباك الحاصل في منازلهما ! إتفقت الصديقتان على العودة للمول ، لربما تعيدان كل شيءٍ كما كان ! (فالأمنيّتان اندمجتا معاً ، ليصبح مجموعهما 21 سنة ! ضاعت من حياة اسرهما بزمن الحاضر)
^^^
لكن حينما وصلتا للمول ، وجدتاه مُهدّماً ! وتذكّرتا انه تم تفجيره بالحرب الماضية ، كما شاهدتا بتجربتهما الأولى !
فجلستا في المقهى المقابل لبقايا المول سابقاً ..
مروى باستغراب : الم نطلب عودتنا للمول خلال ثواني ، فكيف مرّت كل تلك السنوات ؟ ولما لم نكبر نحن ايضاً ؟!
سهام : بل السؤال الأهم ، لما دمّر العدو هذا المول بالذات ، ولم يقصفوا بقيّة الأسواق بالحرب السابقة ؟ هل علموا بشأن البوّابة الزمنية التي اكتشفناها من خلال مراجعة الخونة لكاميرات المراقبة ، ومشاهدتنا ونحن نختفي ونظهر بالممرّ الخلفي للمول ؟
- أتظني انهم نقلوا البوّابة الزمنية لمكانٍ آخر ؟
- لا اظنها تنتقل ! لهذا تركوا جزءاً من ردم المول ، رغم تطوّر البلد في السنوات العشرين الماضية .. وأعتقد بوجود نفقٍ سرّي اسفل الركام ، يستخدمه المسؤولون للإنتقال عبر الأزمنة .. وطبعاً لن يسمحوا لأمثالنا الإقتراب منه
- ولما اختاروا ان تتواجد بوّابة مهمة ، في ممرّ عمّال المول ؟!
- لأنهم اجانب وجهلة ، ولن ينتبهوا لذلك
ثم تنهدت مروى بقلق : والآن ما العمل بعد فقدنا بوّابة الزمن ؟!
فسكت سهام مطوّلاً ، قبل ان تقول بقهر :
- ليس امامنا سوى الإهتمام بوالدينا العاجزيّن
مروى : ماذا عن جامعتنا ؟ فقد كنا بسنة التخرّج
- نحن حالياً حسب الأوراق الحكوميّة ميتتان منذ 21 سنة ، فما الحاجة لإكمال تعليمنا ؟
ثم ودّعتا بعضهما بحزن .. للعودة الى منازلهما ، والإهتمام بوالديهما اللذيّن لم يجدا تفسيراً لما حصل لإبنتيهما !
وذلك بعد تعاهد الصديقتان على إخفاء موضوع البوّابة التي لن يصدّقهما احد .. كما لن يفضحا السرّ ، خوفاً من تحوّلهما لفئران تجارب بالمختبرات ، او سجينتان في مستشفى للأمراض العقلية الى نهاية حياتهما البائسة !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق