تأليف : امل شانوحة
موعد الأحد
في مقبرة بأطراف المدينة .. إنشغلت سهى (الثلاثينيّة) بتنظيف قبر وشاهد زوجها الذي توفيّ قبل سنتيّن .. بعد تعوّدها على زيارته صباح ايام الآحاد ، للدعاء له قبل عودتها لمنزلها الكئيب مع آذان الظهر
***
بعد شهور من قيامها بذلك الروتين الإسبوعيّ ، ظهر نجيب (الرجل الأربعينيّ) الذي بدأ بزيارة قبر خطيبته (التي خطفها الموت قبل موعد الفرح) بعد اختياره المجيء في نفس التوقيت ، وفي اليوم ذاته .. كأن القدر رتّب موعداً بينهما ، دون ارادتهما !
حيث دُفنت حبيبته على بُعد صفّين من قبر زوج سهى التي اكتفت بنظرةٍ عابرة للزائر الجديد ، قبل متابعتها قراءة القرآن.. بينما انشغل هو بزراعة الزهور حول قبر خطيبته
***
وتوالت اللقاءات الغير مُتعمّدة بنفس الزمان ، على قبريّن مختلفيّن .. حيث تلاقت نظراتهم الكسيرة .. تبعتها ابتسامةٌ حزينة ، كأنهما يواسيان بعضهما على فقد احبائهما .. ثم صارت تحيّاتٍ من بعيد ، وتعزية سريعة قبل انغماسهما بأحزانهما
***
الى ان وجدها ذات يوم .. تجلس على المقعد الكبير اسفل الشجرة ، بعيداً عن قبر زوجها ! وكانت شاردة الفكر ، لدرجة عدم شعورها بجلوسه امامها وهو يسألها:
- هذه المرة لم تغسلي قبر زوجك ، فهل هناك خطبٌ ما ؟!
فمسحت دمعتها وهي تقول :
- اكتشفت البارحة أن زوجي كان يسخر مني أمام أصحابه ! يصفني بالساذجة ، عديمة الشخصيّة.. وأنا من أطعتُه حباً واحتراماً ، ورفضت الزواج من بعده .. وظللتُ أزور قبره عاماً كاملاً ، حتى أدركت بإهدار عمري على رجلٍ لم يقدّرني يوماً !
فتنهّد نجيب بحزن ، قائلاً :
- حياتنا متشابهة بشكلٍ غريب ! البارحة زرت قبر خطيبتي ليلاً ، على غير عادتي .. فوجدت رجلاً يبكي عندها ، وهو يتكلّم بالجوال : بأنه منشغل بزيارة حبيبته السرّية !.. (ثم بنبرةٍ غاضبة) .. ثلاث شهور وأنا أزرع الزهور حول قبرها ، دون علمي بخيانتها.. أشعر كأنني عشت وهماً ! عدا عن الإحساس بغبائي !!
سهى : ولما اتيت اليوم ، طالما انتهى كل شيء ؟
فقال بتردّد : ربما .. لأراكِ انتِ
فالتقت عيناهما بلحظةٍ صامتة ، قبل ان تقول سهى :
- كلاهما لم يستحقا حبنا
- هذا صحيح .. دعينا نُغلق دفاترنا القديمة اولاً : إذهبي لقبره وعاتبيه على نرجسيّته معك ، وأنا أودّع الخائنة للمرة الأخيرة .. بعدها نتابع حياتنا من جديد
وبالفعل أمضيا ساعةً في مواجهة الماضي ، أخرجا فيها غضبهما المكبوت
ثم التقيا عند بوّابة المقبرة ، بعد تعاهدهما بعدم زيارتهما ثانيةً !
ورغم ان صباح الأحد بدأ بالدموع ، لكنه انتهى بالضحكات بعد جلوسهما في مطعمٍ قريب .. سردا فيه تفاصيل حياتهما المتشابهة لحدّ الصدمة ، كأنهما وُلدا ليكملا بعضهما !
***
وجاءت خطبتهما السريعة ، مفاجئة لكلا عائلاتهما الذين حاولوا مراراً إقناعهما بمتابعة حياتهما !
وهاهما يدفنان الماضي بتلك المقبرة التي وُلدت معها اجمل قصة حبٍ بريئة ومخلصة ، بعد تحرّر العاشقيّن من التزامٍ خاطئ قيّدهما لشهورٍ طويلة !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق