الخميس، 6 نوفمبر 2025

الكاتب المزيف

تأليف : امل شانوحة 

 

الأسطورة الأدبية


في سبعينات القرن الماضي .. تمّ ترشيح الكاتب الخمسيني (عماد سلامة) لاستلام جائزة السينما العربية .. 

فهو لم يتوقف ابداعه على التلفاز والسينما ، بل كانت له سلّسلة من القصص الورقية المصوّرة ، بعد تخصّصه بالخيال العلمي الذي كان نوعاً حديثاً من الكتابة في العالم العربي ، وكأن عقله يعيش في المستقبل !  


وبسبب ابداعه بهذا المجال الدقيق ، تُرجمت قصصه للغاتٍ ثانية ، وصل صداها للسينما الغربية التي قرّرت تحويل احداها لفيلمٍ عالميّ .. والذي نجح بشكلٍ باهر ، جعله اول عربي يترشّح لنيل الأوسكار عن فئة الكتّاب الموهبين !

فقصته تحدثت عن الذكاء الإصطناعي في عصرٍ كان الحاسوب مجرّد صناديق رماديّة تنفّذ اوامر بسيطة .. مما جعلها تبدو كنبوءة ، شجّعت علماء التقنية على تطوير فكرة الإنترنت التي كانت حلماً في ذلك الزمن ! 

***


لاحقاً في اميركا ، وفي مؤتمرٍ صحفيّ مع مجموعة من المرشّحين لجائزة الأوسكار ، تحدّاه احد الصحفيين : بتأليف قصة عن البطالة المتزايدة مستقبلاً ، بعد احتلال التطوّر التقني للوظائف العامة ؟ 

فردّ عماد بغرور :

- سأقرأها عليكم بمؤتمر الغد

صحفيّ آخر بدهشة : وهل يمكنك كتابة قصة معقّدة كهذه ، بليلةٍ واحدة ؟!  

فأجاب بثقة : بكل سهولة 

^^^


بعد انتهاء المؤتمر .. عاد عماد الى غرفته ، ليتفاجأ بسرقة لابتوبه ! دون معرفته السارق ! بعصرٍ لم يُخترع فيه بعد ، الكاميرات الخفيّة داخل الفنادق  

فتساءل عماد بضيق : 

- ماذا سيفعل الأحمق بجهازي الحديث ، وهو لا يعرف طريقة استخدامه؟!

 

ثم تذكّر تحدّيه للصحفيّ ! فشعر بقلقٍ شديد :

- كنت انوي كتابة القصة باستخدام الذكاء الإصطناعي ، كما فعلت بقصصي السابقة ، مُستغلّاً جهلهم بالتقنية الحديثة .. والآن ماذا عسايّ ان افعل ؟!


ولم يكن امامه الا السهر طوال الليل ، لكتابة قصته عن الخيال العلمي ! 

^^^


استيقظ عماد ظهراً على رنين هاتف الغرفة (بعد نومه امام طابعته اليدوية (دكتيلو) وامامه سلّة مليئة بالأوراق الممزّقة) وهم يطالبون قدومه للمؤتمر الصحفي الذي سيقام بعد ساعة 

^^^


فأسرع الى هناك ، مُلقياً قصته المُرتجلة عن العالم الحديث بعام 2025 التي احتلّت فيه الخوارزميات الوظائف البشريّة .. واصفاً الأزمة بدقة ، كأنه يعيش بذلك الزمن!

ورغم ركاكة لغته مُقارنةً بقصصه السابقة ، الا انه نال اعجاب الصحفيين الذين صفّقوا له بحرارة ، بعد نجاحه بالتحدّي الذي اتعبه نفسياً وجسدياً

***


في المساء ، توجه عماد الى حفلة الأوسكار.. ليفاجأ الجميع برفضه استلام الجائزة ، قائلاً بصوتٍ رخيم : 

- هذه المهنة تحتاج لجهدٍ اكبر من كبسة زرّ ! لهذا أكتفي بما نشرته من قصص حتى الآن ، لإعلان استقالتي .. اما الجائزة ، فيستحقها الذكاء الإصطناعي الذي سيتعرّف عليه الأجيال القادمة 

وهرب من المسرح ، كمن يهرب من نفسه .. مُتجاهلاً اسئلة الصحفيين المصدومين من قراره المتهوّر ! 


وتوجّه للمطار عائداً لوطنه ، بعد ان خيّب آمال العرب بحصوله على جائزةٍ قيّمة كالأوسكار !

***


وفي صباح اليوم التالي .. إستيقظ عماد على طرق صحفيّ بلاده ، لباب منزله ! 

فأسرع بركوب جهاز السفر عبر الزمن ، بعد اختياره العودة لعام 2025 .. ليدور الجهاز حول نفسه عدة مرات ، قبل اختفائه من المكان ! 

بينما اقتحم الصحفيون منزله ، دون إيجادهم أثراً له ! 

***


لاحقاً ضجّت الصحافة بخبر اختفائه الغريب ، الذي تحوّل لأسطورة! 

حيث وصفوه بالكاتب الذي حسّن الذوق العام ، دافعاً بقيّة الكتّاب للتفكير خارج الصندوق .. مما طوّر الأفلام السينمائية بشكلٍ ملحوظ! 

***


اما عماد سلامة : فقد نقله الجهاز لعام 2035 ، مُضيّعاً عشر سنوات من عمره ! ليتفاجأ بأنه كاتبٌ غير معروف ، فمدونته خالية من القصص التي باعها جميعاً  بزمن الماضي ! 

وعليه البدء من جديد ، خاصة بعد انتهاء عصر الذكاء الإصطناعي الذي لم يستمرّ طويلاً ، عقب انفجارٍ شمسي دمّر محطّات الإتصال بالعالم .. وأعاد الإنترنت إلى حالته المحليّة ، كما كان بزمن التسعينات !  


فجلس امام مكتبه (بعمر الستينات) يتفحّص كرّاسته الفارغة ، وهو يتساءل بضيق :

- هل ابدأ من جديد ؟ أم أبحث عن وظيفةٍ روتينيّة تُبقيني حيّاً دون روح ، بما تبقى من حياتي البائسة ؟!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكاتب المزيف

تأليف : امل شانوحة    الأسطورة الأدبية في سبعينات القرن الماضي .. تمّ ترشيح الكاتب الخمسيني (عماد سلامة) لاستلام جائزة السينما العربية ..  ف...