تأليف : امل شانوحة
إنعكاس الحقيقة
يُعدّ المحقق جاك من الرجال العقلانيين ، لا يصدّق الا بالدلائل الماديّة والبصمات والإعتراف الصريح .. لكن اسلوبه وتفكيره تغيّر بعد ذهابه لسوق الأحد ، بعد رؤيته امرأةً غجريّة تبيع مرآةً كبيرة بسعرٍ غالي !
فسألها بتهكّم :
- 500 دولار ! هل إطارها مطلي بالذهب ؟
فابتسمت قائلةً :
- هذه لا ترى فيها الوجوه ، بل ما تخفي النفوس .. ولن يشتريها احدٌ سواك ، فهي ستفيد عملك الجنائيّ يا جاك
فتفاجأ من معرفتها اسمه وعمله ايضاً !
- هل انت مشعوذة ؟!
- بل امرأة ذات بصيرة .. هيا اقترب من المرآة ، لمعرفة سرّها الغامض
وما ان وقف بجانب المرآة (التي طولها متريّن) حتى رأى وجهه نصفه ابيض ونصفه اسود !
فتراجع للخلف ، وهو يسمع تحليل العجوز :
- يبدو بداخلك ، النور والظلمة معاً ! لكن عدلك يغلب سواد شكوكك .. فأنت بحكم عملك ، لا تثقّ بسهولة بالمحيطين بك
جاك بصدمة : هل مرآتك تعكس الضمير ؟!
فردّت بابتسامة : والنوايا ايضاً .. الم اخبرك انها ستفيد عملك الصعب ؟
فاشتراها بدافع الفضول ، ونقلها باليوم التالي الى مقرّ عمله .. حيث قام بتعليقها على جدار غرفة التحقيق بمركز الشرطة ، خلف الكرسي الذي يجلس عليه المتهمين .. لربما تُسهّل معرفته ، ان كانوا ابرياء ام مذنبين !
***
بعد ايام ، بدأ تحقيقه مع متهمٍ بقتل زوجته .. وهو منهار بالبكاء ، ويصرّ على حصول الجريمة اثناء وجوده بالعمل .. مُدّعياً اقتحام لصٍّ بيته ، وقتله زوجته بعد مقاومتها له !
بهذه اللحظات ، إنتبه المحقق على انعكاس الرجل في المرآة السحريّة : حيث رأى خلافاته العنيفة مع زوجته ، وضربه المبرح لها طوال سنوات زواجهما .. الى ان حصلت الجريمة ، بعد طعنها مراراً بالسكين .. ثم إسراعه لمقرّ عمله ، ليضمن شهادة زملائه على وجوده هناك لحظة الجريمة !
ليس هذا فحسب ! بل ظهر انعكاس المتهم ، كأنه شيطان يضحك بخبثٍ ومكر .. مما ضايق المحقق الذي صفع المتهم ، للكفّ عن بكائه المُصطنع!
وبعدها سرد المحقّق الحقائق ، بتفصيلٍ أرعب المتهم الذي لم يعلم برؤية جاك لماضيه من خلال المرآة التي خلفه !
وبعد الضغط عليه ، إعترف بكل شيء .. وأُرسل للسجن ، لحين محاكمته
بينما كافأ مدير الشرطة ، المحقق على اكتشافه الحقيقة .. دون علم زملائه : بأنه الوحيد الذي يرى انعكاسات المتهمين في مرآته السحريّة
***
بعدها بدأت سلّسلة إنتصارات المحقق الذي ازال بسهولة ، أقنعة المجرمين المحترفين .. ليصبح اسطورة بمجال عمله ، بعد كشفه العديد من ملابسات الجرائم الغامضة .. عقب إنهيار المتهمين امامه الواحد تلوّ الآخر ، بعد معرفته لأدقّ التفاصيل عن جرائمهم الشبه كاملة !
***
الى ان جاء يوم ، جلس فيه آدم امامه .. وهو سجينٌ افريقيّ ، حٌبس اربعين سنة بتهمة اعتدائه على طفلةٍ بيضاء اثناء لعبها قرب كوخه!
والغريب بهذا السجين ان تصرّفاته اللبقة لا تُشبه المجرمين ، خصوصاً نظرته الذابلة من ظلم الحياة له !
حيث ظهر إنعكاسه في المرآة : كمراهقٍ خائف من تهديدات المحقق الشهير (استاذ جاك سابقاً) وهو يأمره بالإعتراف بجريمةٍ لم يرتكبها!
وهنا تفاجأ العجوز آدم ، بجاك يمسك يده قائلاً :
- اعدك بإظهار براءتك
- انت الوحيد الذي صدّقتني ! فجميع من سبقوك لم يكترثوا بعدم رؤيتي للفتاة الضائعة مُطلقاً
جاك : المهم ان لا تفقد الأمل ، فأنا سأعيد فتح ملفك القديم
^^^
وبالفعل ، أخرج ملف آدم من الأرشيف .. ليتفاجأ بقلّة الأدلة نحوه ، ومع ذلك حُكم عليه بالمؤبّد .. فقط لأن شاهداً عابراً ، رأى الفتاة تلعب بدرّاجتها قرب كوخه !
فالبصمة الجينيّة المحفوظة ضمن الأدلّة ، لم تُطابق يوماً آدم ! ولم تُقارن ايضاً بمشتبهٍ آخر (فهي مأخوذة قبل اكتشافهم الحمض النووي) .. حتى قطرة دم المتهم التي وجدوها على فستان الصغيرة ، غير مطابقة لفئة دم آدم !
وكان اكتشافاً عظيماً لبراءة المتهم الذي ضاع شبابه ظلماً.. ومع ذلك أصرّ جاك على العثور على مرتكب الجريمة ، قبل وصول الخبر للإعلام
الا انه وجد صعوبة بإيجاد المتهم الحقيقيّ ، بعد مرور كل تلك السنوات !
^^^
واثناء دراسته الملفات القديمة في غرفة التحقيق .. اضيأت المرآة وحدها ! لتعيد ما حصل للفتاة الصغيرة ، كأنه مشهدٌ سينمائيّ :
حيث مرّت سيارة بجانبها ، دعاها سائقها لإيصالها الى منزلها .. وقد ظهر وجه المشتبه به في المرآة السحريّة بوضوح ، لتكنّ الصدمة !
فالخاطف هو المحقق الشهير (من ضبّاط الجيل القديم) الذي أجبر آدم لاحقاً على الإعتراف بذنبٍ لم يرتكبه ! فهو من اعتدى على الصغيرة ، ودفنها بالغابة .. تاركاً درّاجتها امام كوخ آدم .. وهو من طلب من الشرطة القبض عليه ، كمتهمٍ اساسيّ لاختفاء الصغيرة التي لم يعثروا على جثتها ابداً !
فكتم جاك غيظه .. طالباً من مدير الشرطة ، بعض الحرس وكلابٍ بوليسيّة مُدرّبة للعثور على جثة الصغيرة !
وانطلق معهم للغابة ، وتحديداً لتلك المنطقة (دون اخبار احد بما شاهده بالمرآة)
^^^
وبعثوره على رفاتها ، أُعيد فتح القضيّة من جديد .. وباتهامه للمحقق السابق (الذي مات قبل سنوات ، بعد تكريمه كأفضل محقّق للعدالة بالمنطقة) آثار ضجّةً اعلامية ضخمة ، وغضباً جماهريّ : خصوصاً لأصحاب البشرة السمراء الذين تجمّعوا خارج السجن لحمل آدم فوق اكتافهم ، كبطلٍ مظلوم بعد حصوله على حرّيته اخيراً
***
بعد تلك القضية ، تفاجأ جاك باختفاء المرآة السحريّة من غرفة التحقيق !
فسأل عامل النظافة (بالمركز) عنها ، وإن كان نقلها لمكانٍ آخر ؟
ليجيبه بإصرار : بعدم وجودها من الأساس بتلك الغرفة !
فراجع المحقق كاميرات المراقبة القديمة ، لينصدم بعدم ظهور المرآة بأيّةِ قضية حققّ بها سابقاً .. كأنها وهم ! رغم انها السبب باكتشافه الجرائم الغامضة التي وهبته العديد من الجوائز والترقيات الوظيفيّة
ليُدرك اخيراً : أن أثرها السحريّ لم يكن بحلّها للقضايا المُعقّدة ، بل معرفته بأن حدسه هو مرآته الحقيقية .. وأن العدالة المُنصفة ، تُكشف بالبصيرة الواعية الحكيمة!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق