الجمعة، 24 ديسمبر 2021

الزبون المشبوه

تأليف : امل شانوحة 

سلاح الجريمة


بحلول المساء في منطقةٍ أمريكية ، بجانب الشارع العام بين المدينة والريف .. دخل رجلً (ستينيّ) وهو يحمل كيساً اسوداً فيه ملابس وسخة ، يريد تنظيفها في محل الغسّالات العامّة .. 

فاستقبلته جاكلين (الموظفة الشابة التي تعمل بمفردها في الفترة الليليّة) ودلّته على غسّالةٍ كبيرة ، وهي تقول : 

- معك ساعة يا عمّ قبل إغلاقي المحلّ

- اريد مسحوقاً قويّاً يزيل البقع الصعبة 

فأعطته دواء غسيل ، بعد دفع ثمنه .. 


وحين ذهبت لوضع المال في درج المحل ، لاحظت بقعة دمّ امام البوّابة الزجاجيّة ! يبدو انها تسرّبت من كيس ملابس الرجل ، فانتابها الرعب .. 


وحين اقتربت منه ، وجدّته يحاول إزالة بقعة دمّ أخرى طُبعت على باب الغسّالة بعد وضعه الملابس داخلها .. 

وحين رأى وجهها الخائف ، قال لها :

- أعرف إن الوقت متأخّر ، لكن الآن حتى انتهيت من دهن الحظيرة باللون الأحمر ..  

فتنفّست الصعداء ، لوجود مزرعة دجاج قريبة من المكان 


ثم طلب منها دلواً من الصابون ، لغسل سيارته التي لوّثها بثيابه المصبوغة .. 

وبعد أن فعلت ، شاهدته يغسل مقعد السائق بكل جهدٍ وإتقان !


وعندما ذهبت لإحضار الممسحة لإزالة البقع الحمراء من محلّها ، وجدت بطاقة الرجل واقعة هناك ! والذي يعمل بالحقيقة ميكانيكي سيارات ، وليس دهّاناً كما قال.. فعاد اليها شعور الخوف ، بعد تأكّد شكوكها أنها دماء وليست صبغةً حمراء .. فهل قتل احدهم ، ويحاول الآن مسح الدليل من سيارته ؟!


فأسرعت الى غرفة الموظفين ، واتصلت بالشرطة وهي تقول بصوتٍ مرتجف :

- اريد الإبلاغ عن جريمة قتل 

وقبل أن تُكمل ، سمعت صوت الزبون يقول خلفها ، وهو يحمل العتلة (حديدة تُستخدم لفتح الصناديق الخشبيّة) :

- أخبرتك انها صبغةً حمراء ، الا تفهمين ؟.. هاتي الجوّال !! 


ولم تستطع معارضته ! وأعطته جوّالها الذي وضعه في جيبه ، بعد إقفاله المكالمة .. فأرته بطاقته وهي تسأله :

- لما كذبت بشأن وظيفتك ؟  

فقال غاضباً : هاتِ البطاقة !!

وسحبها من يدها بعنف ، ووضعها في جيبه .. فترجّته خائفة : 

- أرجوك لا تقتلني ، لن أخبر احداً بما حصل

الزبون بحزم : اذاً إمحي ما صوّرته كاميرا المحل ، واخبري مديرك غداً إنك أغلقتي باكراً 


ولوّح بالحديدة امام وجهها مُهدّداً ، فأسرعت قائلة :

- سأفعل ما تأمرني به ، لكن لا تؤذيني 

الزبون : وماذا ستقولين إن لمح أحدهم بقع الدمّ في محلّك ؟ 

- سأقول إن زبوناً صدم غزالاً في طريقه ، ولوّث ملابسه أثناء إزالتها عن الشارع 

- أحسنتِ !! كذبتكِ أقوى من حجّتي .. الآن لنمحي الفيديوهات معاً

***


وأخذته الى غرفة المراقبة .. وفي الوقت الذي كان يشاهد حذف فيديوهاته ، نقلت جاكلين ما تصوّره كاميرا الغرفة لمديرها ! 

 

ولحسن حظّها إن مديرها رأى النقل المباشر على حاسوبه ، وشاهدها وهي تشير بيدها بعلامة المساعدة ، وبجانبها رجلٌ يحمل العتلة المُسنّنة .. فعلم إنها بخطر ! وسارع بالإتصال بالشرطة التي ارسلت دوريّة الى هناك ، والتي قبضت عليه اثناء إخراجه ملابسه من الغسّالة 

*** 


في التحقيقات .. شهدت جاكلين بما حصل ، مُطلعةً المحقّق على شكوكها بكونه قاتلاً يحاول إخفاء جريمته ..

إلاّ أن زوجة المشتبه به (جاك) وولديه ، شهدوا برعايته وحنانه ! وكذلك فعل موظفوا الكرّاج الذي يملكه ، وسكّان منطقته الذين أخبروا المحقّق عن حسن سيرته واخلاقه الجيدة !


ولأن الشرطة لم يصلها بلاغ عن مفقودين في المدينة التي يعيش فيها جاك ، او القرية المجاورة ! فقد أسقطت التهمة عنه ، بعد أن أخبرهم أن ملابسه تلوّثت بدماء الغزال التي سحبها من الشارع 


ممّا أفقد جاكلين أعصابها التي أخبرت المحقّق إنها اخترعت تلك الحجّة ، وانه كذب بشأن وظيفته ، وهدّدها بالعتلة طوال وجوده بالمحلّ ! 

لكن الشرطة لم تجد إثباتاً على كلامها ، بعد حذفها ما صوّرته كاميرا المراقبة تلك الليلة !

***


بعد اسابيع من إغلاق القضيّة .. لمحت جاكلين سيارةً حمراء (تُشبه سيارة جاك) تسير ببطء بجانب المحل كل مساء ، وظنّت انها تتوّهم  


وفي يوم خرجت لتدخين سيجارة ، فرأته يلوّح بالعتلة اثناء مروره بجانب المحل .. فأسرعت للداخل وأقفلت الباب عليها .. ولم تتجرّأ على العودة لمنزلها حتى الصباح ، بعد تقديم إستقالتها للمدير 

***


بعدها بأيام ..واثناء بحثها بالإنترنت عن وظيفةٍ جديدة ، غفت فوق سريرها من شدّة التعب..

فشاهدت كابوساً غريباً : لمراهق بملابس ملوّثة بالدماء ، وهو يطلب منها المساعدة ! وجاك يضحك من بعيد ، وهو يحمل العتلة التي تقطر دماً !


فاستيقظت مرتعبة ! لتدرك إنها اشارة من الضحيّة لإكمال التحقيقات في القضية .. فأخذت تبحث في الإنترنت عن معلومات ضدّ جاك (الذي عرفت اسمه الكامل من التحقيقات السابقة) لكنها لم تعثر على شيءٍ يُدينه !

***


بعد شهرين .. ذهبت الى منزل صديقها (الهاكر) الذي أخبرها بنجاح مشروعه التقني الذي يُفسد تنكّر المشتبه بهم (بإطالة شعرهم وذقونهم) لأن برنامجه يعتمد على النقاط البارزة في الوجه وشكل الجمّجمة .. 

فسألته إن كان بإمكانه وضع صورة جاك ، لمعرفة إن كانت لديه سوابق بشكله القديم او بإسمٍ مزوّر ..

ولم يكن ذلك صعباً بعد نشر جريدة محلّية (في الإنترنت) صورة لجاك اثناء التحقيق معه ..


وبعد تمكّن صديقها من خرق إرشيف الشرطة ، لم يجد قضايا قديمة ضدّ جاك ! 

لكنه عثر على اسمه بأوراقٍ تخصّ دار الأيتام ! ويبدو انه تبنّى رضيعاً قبل 18 سنة .. 


وبعد البحث الدقيق في ملفّات جاك الرسميّة ، علما إن المرأة التي شهدت معه هي زوجته الجديدة (المُطلقة سابقاً) 

فقالت جاكلين : إذاً الولدان ليسا ابنائه ! ماذا عن ابنه المراهق ؟ لما لم تطلب الشرطة شهادته في القضيّة ؟! 


فبحث صديقها بملفّات دار الأيتام ، إلى أن عرف إسم الصبي قبل التبنّي والذي احتفظ بلقبه القديم اثناء دراسته في المنطقة الريفيّة التي لا تبعد كثيراً عن محل الغسّالات التي عملت فيه جاكلين ! 


وعلى الفور !! اتصلت جاكلين بالمحقّق لإطلاعه على المعلومات الجديدة ، وعن شكّها بأن جاك قتل إبنه بالتبنّي .. 

وأعطت المحقّق عنوان المنزل الريفيّ لجاك ، مُكتفية بالقول انها وجدته بالإنترنت .. وأخبرته إن لم يعثر على إبنه المراهق هناك ، فهذا يؤكّد مقتله ! 


وبعد إغلاقها المكالمة ، عاتبها صديقها على تسرّعها باتهام جاك 

فقالت له :

- رأيت مراهقاً مقتولاً في منامي ، لابد انه ابنه .. لندعّ الشرطة تحقّق بهذا الخصوص 

***


وبالفعل شعر المحقّق بارتباك جاك بعد سؤاله عن جون (ابنه بالتبنّي) .. 

فأجابه : انه يعيش بسكن الطلّاب الجامعيّ .. وهو لا يعلم أيّةِ جامعة التحق بها ، ولا رقم جوّال ابنه الجديد .. 

فلم يقتنع المحقّق بكلامه !

***


بعد اسبوع من التحقيقات بسجلّ جامعات الولاية ، لم يجدوا جون في أيّ سكن طلّابٍ منها .. ووجدوا ملفّه في جامعة قريبة من المدينة (التي يعيش فيها جاك حالياً) ..وأكّد مديرها بعدم حضور جون ، رغم بدء الدراسة قبل اسبوع ! 


فعلم المحقّق إن شكوك جاكلين في محلّها ، لكنه لم يردّ القبض على جاك قبل تأكّده من اختفاء المراهق .. 

***


وذهب المحقّق الى المنطقة الريفيّة التي عاش فيها جون طفولته مع امه المتوفية (الزوجة السابقة لجاك) .. 

وسأل عنه ، إلى أن وصل لصديقه المفضلّ الذي قال : 

- كان جون خائفاً من والده الذي نوى بيع منزله فور التحاقه بالجامعة ، رغبةً في توسيع عمله لأجل زوجته الجديدة

المحقّق : وهل تضايق جون من قراره ؟

- كثيراً ، فهو لا يريد التخلّي عن ذكريات امه داخل المنزل 

- يبدو انه كان على وفاق مع امه أكثر من ابيه ؟


الصديق : كانت امه عاقراً ، وهي من أجبرت زوجها على التبنّي .. لهذا رغب العم جاك بإعادته للميتم بعد وفاتها ..لكنهم لم يوافقوا بعد بلوغه 14 ، وأخبروه انه سيُسأل قانونياً إن تخلّى عنه قبل 18 .. لهذا فرح العم كثيراً بعد قبول جون في الجامعة

- ومتى آخر مرة رأيت فيها صديقك ؟

الصديق : ودّعني حزيناً بعد إجبار والده على التحاق بالجامعة باكراً ، والذي أصرّ على توصيله بنفسه للسكن الجامعيّ 

- أتذكر أيّ يوم ؟


وصادف انه اليوم ذاته الذي دخل فيه جاك محل الغسّالات لغسل ملابسه الملوّثة بالدماء ! 

فعلم المحقّق إن جدالاً حصل في الطريق ، أدّى لمقتل المراهق.. 

حينها طلب إذناً من مركز الشرطة لتفتيش سيارة جاك .. 


لكنه تفاجأ إن جاك طلب من موظفيه تفكيك سيارته الحمراء لبيعها قطعاً في المعرض ، بعد شرائه سيارة جديدة عقب بيعه منزله الريفيّ ! 


فتذكّر المحقّق العتلة الحديديّة التي هدّد بها جاكلين .. فطلب من جاك فتح صندوق سيارته الجديدة ، وأخذ العتلة التي وجدها هناك للمختبر .. وكان واضحاً إرتباك جاك الذي نسيّ التخلّص من عدّة سيارته القديمة !

***


في المختبر .. عثروا على نقطة دمّ على مقدّمة العتلة ، التي لم تُمحى رغم تنظيفها بمساحيق قويّة .. وكانت تعود لجون ، حسب سجلاّته الطبّية في الميتم !


وتمّ القبض على جاك بعد اعترافه بجدالٍ حادّ وقع بينهما ، لرفض جون بيع منزل امه التي وعدته بتسجيله بإسمه ، لولا موتها قبل إنهائها الأوراق الرسميّة

 

وتحوّل الجدال لعراكٍ بالأيديّ في الطريق الصحراويّ .. واستطاع المراهق رمي جاك خارج السيارة التي لم يستطع قيادتها ، لاستحواذ والده على المفاتيح !

فحاول إدارة المحرّك بتوصيل الأسلاك اسفل المقوّد ، ليتفاجأ بجاك ينهال بالعتلة على رأسه ، الى أن قتله .. 


ثم سحبه لخارج السيارة ، ودفنه بالصحراء .. وأكمل قيادة سيارته وهو يعلم إنه لا يستطيع العودة الى منزله بملابسه الملوّثة بالدماء .. فلبس ثياب ابنه التي وجدها في الحقيبة ، ثم دخل المحل لغسل ملابسه 


فسأله المحقّق : ولما لم ترمي ملابس الجريمة ، كما فعلت مع الجثة؟ 

جاك : لأن زوجتي اختارت بنفسها الملابس التي ذهبت بها الى الريف .. وإن عدّتُ مساءً بملابس جديدة ، ستظنّ إنني خنّتها فهي غيورةً جداً .. لهذا أردّت غسلها وتجفيفها ، للبسها ثانيةً قبل عودتي للمدينة .. وكنت سأنجح لولا فضول الموظفة التي أفسدت خطتي !!

***


ولاحقاً مشّطت الشرطة الصحراء ذهاباً وإيّاباً دون عثورها على جثة جون ، بعد نسيان جاك مكان دفنه !  

وأُغلقت القضية بالحكم عليه مؤبّداً ، لقتله المتعمّد لإبنه بالتبنّي..

***


اما جاكلين فارتاحت نفسيّاً بعد رؤيتها جون في المنام وهو يشكرها ، قبل تحليقه بخفّة للسماء ! 

فعلمت إن روحه حصلت على السلام بعد عقاب المجرم .. 


ووعدّت اهلها وصديقها أن لا تعمل في الفترات المسائية ، كيّ لا تلتقي بزبائن مشبوهين يسبّبون لها عقداً نفسيّة دائمة ! 


هناك 3 تعليقات:

  1. رائعه ...لماذا كل قصصك بامريكا واوروبا وبأسامي اجنبيه ..

    ردحذف
    الردود
    1. عندما تكون احداث القصة لا تصلح الا في الخارج ، تكون القصة اجنبية.. فالغسالات العامة لا توجد في البلاد العربية .. اما القصص التي تصلح احداثها في اي مكان ، فأفضّل ان تكون عربية

      حذف
  2. رائعه استاذه امل شانوحه

    ردحذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...