الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

عنصريّة القانون

تأليف : امل شانوحة 

الميزان المقلوب !


في الصباح الباكر .. طلب حارس السجن في ولاية شيكاغو من سجينٍ أبيض القدوم معه الى غرفة الزيارة ، للحديث مع المحامي الأفريقي .. 

فردّ السجين باستغراب :

- انا لم أعيّن محامياً ! وبالتأكيد لن توكّله الدولة ، بعد سجني ما يزيد عن عشرين سنة .. فهل انت متأكّد انه يريد مقابلتي ؟!

الحارس : نعم ، وأظنه سيدفع كفالتك 

السجين بدهشة : أحقاً ! ولما يقوم احد بدفع كفالة مُغتصب اطفال ؟

- إذهب إليه ، وسيُخبرك بكل شيء

***


في مكتب للزيارات الخاصة ، سأل المجرم المحامي عن إسم كفيله الذي دفع المبلغ الكبير لإخراجه ؟ 

فأصرّ المحامي على الإحتفاظ بالمعلومات (حسب رغبة موكّله) مُكتفياً بالقول :

- سأرافقك الى منزلك الجديد في حيٍّ شعبي ، وسأدبّر لك عملاً بنهاية الإسبوع 

السجين : وماذا عن الطعام ؟

- ستجد كل ما تحتاجه في ثلاّجة المنزل 

- لا أصدّق ما أسمعه .. مازال في عقوبتي عشر سنواتٍ أخرى ، والآن أُسرّح بهذه السهولة !

المحامي : انت محظوظ لأن رئيسي اختارك من بين المساجين

السجين ساخراً : وهل اختارني لحسن سيرتي والسلوك ؟

فوقف المحامي وهو يقول بحزم : جهّز نفسك !! سآخذك بعد قليل 

- ماذا عن الكفالة ؟

- دفعتها قبل قليل .. هيا لا تتأخر ، سأنتظرك خلف بوّابة السجن

وعاد السجين الى زنزانته لأخذ حاجياته ، وهو لا يصدّق ما حصل!

***


في المساء .. سأل الثريّ (الأفريقي الأمريكي) محاميه :

- هل استقرّ السجين في منزله ؟

المحامي : نعم سيدي ، وبعد يومين آخذه للعمل في السوبرماركت القريب من بيته 

- هل حرصت أن يكون منزله قرب مدرسة الأطفال ؟ 

- أجل ، رغم خطورة الوضع ! فهو سُجن بعد اعتدائه على 5 اطفال : قتل ثلاثة منهم ، ونجى اثنان بصعوبة

السيد : أعرف تهمته ، فقد قرأت ملفّه جيداً

- سيدي ! لا أفهم مالذي يحصل .. فهذا سابع مجرم بتهمة التحرّش بالأطفال تدفع كفالته ، وتُسكنه بالحيّ الشعبي الخاصّ بالأفارقة ..فلما تصرّ على المكان ذاته ؟!

- هذا شيء لا يعنيك .. وظّف مصوراً جديداً لمراقبة تحرّكات السجين ، كما يفعل بقيّة المصوّرين مع السجناء الطلقاء الآخرين

المحامي : وماذا لوّ كرّر أحدهم جريمته ؟ 

- حينها تُرسل صور خطفه الطفل ، وأنا أكمل الباقي 

- كما تشاء سيدي !

***


لم يجرأ أحد من السجناء السبعة على الإقتراب من الأطفال (رغم رغبتهم الشديدة بذلك) خوفاً من عودتهم للسجن .. 


واستمرّ الوضع هادئاً ، حتى نهاية الشهر الثالث للإفراج عنهم .. حيث أقدم أحدهم على خطف فتاةٍ صغيرة لعبت قرب منزله .. 


وعلى الفور !! أرسل المراقب الصور للثريّ (التي توضّح لحظة إختطاف المجرم للفتاة ، الى وقت إدخالها منزله) 


وما أن رأى السيد الدليل ، حتى أمر محاميه بتنفيذ الخطة التالية .. قائلاً له:

- إرسل الصور لوالد الطفلة .. وضع عنوان المتحرّش داخل الملف ، مع ورقة مكتوباً عليها ((القرار بيدك : إمّا أن تتصل بالشرطة ، او تقتل المعتدي بيديك))

المحامي : وهل ستتركه يقتل السجين بالفعل ؟!

- هذا قراره .. ودعّ المراقب يخبرني بردّة فعل الوالد ، فور استلامه الملف 

- انا لا أفهم شيئاً !

السيد بعصبية : نفّذ ما قلته لك !! 

***


وبالفعل أثارت الصور جنون الوالد الذي حمل عصا البيسبول ، راكضاً باتجاه عنوان المتحرّش الذي لا يبعد كثيراً عن متجره .. 


وقام المراقب بتصوير الأب وهو ينهال ضرباً على السجين حتى قتله .. ثم دخل منزل المعتدي ، لإخراج طفلته وهي تبكي بين ذراعيه 

***


حين شاهد الثريّ صور الوالد المنتقم ، قال بفخر :

- ممتاز !! هذا ما اريده بالضبط

المحامي بضيق : رجاءً سيدي ، إفهمني خطّتك .. فأنت دفعت مبلغاً كبيراً لإخراج المجرم من السجن .. والآن انت سعيد بموته !

- بالطبع يُفرحني موت مُتحرّش الأطفال 

- وهل أخرجته من السجن لتقتله ، وتريح المجتمع منه ؟

السيد : لا يهمّني رأيّ المجتمع ، بل تركيزي على الأفارقة الأمريكان .. اريدهم أن ينتقموا بأنفسهم ، دون اعتمادهم على الشرطة البيض العنصريين .. 

- وهل ستكرّر ذات الخطة مع السجناء الآخرين ؟

- فقط لمن تسوّل نفسه الإنحراف ثانيةً .. لهذا أطلب من رجالك أن يراقبوهم على مدار الساعة

المحامي : كما تشاء سيدي !

***


لم تعلم الشرطة بما حصل ليلتها ، لقيام اهل الطفلة المُختطفة بدفن السجين المقتول ، وإخفاء جميع الأدلّة .. 


وظلّ الوضع هادئاً لإسبوعين ، قبل قيام متحرّشٌ آخر بالخطأ نفسه ! بعد اختطافه ولداً اسود فور خروجه من المدرسة ..


فقام المحامي (بناءً على طلب الثريّ) بإرسال صور الإختطاف ، وعنوان المتحرّش لوالد الطفل الذي سارع بالإتصال بالشرطة التي قدمت للتحقيق في الجريمة ..


وعند ذهابهم لمنزل المتحرّش ، وجدوه خالياً ! بعد قيام رجال الثريّ بتهريب المتحرّش وضحيّته لمكانٍ آمن .. 


ومن بعدها طلب الثريّ من محاميه ، إرسال ورقة الى والد الطفل مكتوباً فيها :

((ايها الجبان ، كان عليك الإنتقام بنفسك .. ولأنك اخترت الإستعانة بالشرطة البيض ، فقد خسرت ابنك للأبد))

وقام المراقب بتصوير الأب وهو منهار بالبكاء ، بعد معرفته بضياع ابنه! 

***


في المكتب ، سأل المحامي الثريّ :

- ماذا سيحصل للطفل المُختطف ؟

السيد : أضاع والده حياته بقراره الخاطئ 

- حقاً لا أفهم ما تريد إثباته !

السيد بعصبية : اريد للسود أن يأخذوا حقّهم بأيديهم دون الإستعانة بالشرطة البيض ، كم مرّة عليّ إفهامك ذلك ؟!!

المحامي بخوف : آسف سيدي ! لم أقصد إزعاجك

- غداً صباحاً تذهب للسجن المركزي ، وتدفع كفالات اسوء المتحرّشين البيض ..وتسكنهم في منطقة الأفارقة 

المحامي : والى متى سنستمر في فعل ذلك ؟

- الى أن يفهم الأغبياء أن الشرطة البيض لا يكترثون لأبنائهم ، وأن عليهم إنشاء قوانين خاصة للدفاع عن منطقتهم الشعبيّة .. فإما أن يستوعبوا ذلك ، أو أخسر ثروتي وتنتهي القصة ... والآن أُغرب عن وجهي !!

***


بعد ذهاب المحامي ، صعد الثريّ للطابق العلويّ .. وفتح غرفة ابنه (الثلاثيني) الذي يشاهد التلفاز على سريره ، لكونه مشلول شللاً كاملاً !


وأخذ يمسّد شعره بحنان ، وهو يقول بعيونٍ دامعة :

- أعرف انك تسمعني وتفهمني .. اريد إخبارك أنني حالياً أعاقب السكّان السود الذين شهدوا ضرب الشرطة البيض لك ، دون تحرّكهم ساكناً ! وسأنتقم ايضاً ممّن اتهمك زوراً بالتحرّش بالولد الأبيض .. 

فحرّك ابنه عينيه بقوة ، فقال الأب : 


الثريّ بحزن : أعرف حبيبي ، أعرف انك بريء .. هذا ليس خطؤك ، بل ذنب أهل مدينتي الذين أغرقتهم بالأموال والمشاريع الإنمائيّة ، وكيف ردّوا لي الجميل ؟.. إكتفوا بتصويرك وأنت تُضرب ، حتى شُلّلت بالكامل ! والأسوء إن القضاء برّأت الشرطة الملاعيين الذين سينالون عقابهم قريباً .. فهمّي الآن هو تعليم السود درساً قاسياً ، بأن لا يثقوا بالشرطة البيض ثانيةً .. سأجعلهم ينامون بعينٍ مفتوحة ، خوفاً على اولادهم من المتحرّشين الكُثر الذين سأنشرهم بينهم .. ولن يهدأ بالي قبل قلب ميزان العدالة في اميركا كلّها !!

ثم حضن ابنه الوحيد ، وهو منهار بالبكاء ! 


هناك 4 تعليقات:

  1. رائعة
    سلمت أناملك أخت أمل

    ردحذف
  2. القصة جميلة واتمنى جزءا ثانيا لها
    بأن يستمر الثري بكفالة السجناء ويحصل كما حصل للسجينين الأول والثاني حتى يقتنع الأهالي بعدم ثقتهم بالشرطة وينتقم ممكن ضربوا ابنه ومن اتهمه ظلما
    بفكرة وحبكة درامية أرجو إكمالها أستاذة أمل
    سلمت أناملك

    ردحذف
    الردود
    1. احياناً أختم قصصي بنهاية مفتوحة .. ولا ادري إن كان للقصة جزءاً ثاني ، ربما أحاول يوماً ما .. سعيدة إن القصة اعجبتك

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...