تأليف : امل شانوحة
وحش الكتّاب
إستيقظ الكاتب على صوتٍ غاضب :
- أمازلت نائماً ؟! إنهض وأطعمني حالاً !!
أضاء المصباح ، مُتردّداً بين الحلم والهلوسة.. ليجد الشقة صامتة ، الأبواب مغلقة ، والنوافذ شاهقة في الطابق العاشر.. لا أثر لاقتحام ، ولا مجال للخيال أن يتجسّد !
فظنّه حلماً مزعجاً ، وعاد إلى السرير .. لكن ما إن أطفأ النور ، حتى دوّى الصوت من جديد :
- لا أصدق أنك ستعود للنوم مجدداً !
فقفز من فراشه مرتعباً ، يبحث عن الصوت الذي لم يصدر من تلفازٍ او هاتف ! لا شيء سوى دفتر أفكاره على الطاولة ، مفتوحاً على صفحةٍ بيضاء
فتساءل بنفسه بقلق :
((أين اختفت المسودّات ؟ أين قصصي التي ملأت الدفتر؟!))
ليسمع إجابة الصوت :
- التهمت نصفها .. كنت جائعاً
تراجع الكاتب ، كأنما يواجه وحشاً غير مرئيّ ! صارخاً بضيق :
- هل هناك ميكروفون خفيّ او خدعةً ما ؟!
فأجابه الصوت بازدراء :
- ظننت الكتّاب أذكى من ذلك ! لكن حسب تقيمي لآخر جملك الركيكة ، يبدو أنك فقدت الشغف والموهبة معاً ! أين ذهبت شعلة الكتابة التي انارت لياليك؟!
فرمى الكاتب بدفتره على الأرض ، غاضباً :
- كفى سخافة !! أنا مُرهق ، ولا طاقة لي بالألاعيب الصبيانيّة !!
فجاء الصوت متألماً :
- أوجعتني أيها الأحمق ! أنا صوت خطّك الرديء .. صوت موهبتك التي تموت جوعاً ، بعد أن هجرتني لشهرٍ كامل دون نشرك قصةً واحدة بمدونتك .. تركتني أتضوّر لجملٍ خياليّةٍ ابداعيّة ، وأنا الذي كنت غذاءك الروحيّ.. إن لم تطعمني الآن ، سآكل ما تبقى من أفكارك ، حتى لا يبقى سوى دفاترك الفارغة !!
فاستلقى الكاتب على سريره يائساً :
- حماسك لم يعد له اهميّة ، بعد الذكاء الإصطناعي الذي يكتب أجمل القصص بكبسة زرّ.. بسبب تلك التقنية المريبة ، مات الأدب واندثرت الحماسة !
فحاول الصوت نصحه ، بنبرةٍ صارمة :
- لا تستلم الآن .. إن فعلت ، أضعت شبابك سدى ! الأفكار لا تموت ، لكنها تهجر من لا يقدّرها
لكن الكاتب إكتفى بإدارة ظهره ، مُطفئاً مصباحه بعد ان غمره اكتئابٌ ثقيل.
***
مرّت الأيام ، والكاتب يبحث عن عملٍ آخر : مُدقّق ، مُحرّر ، او أستاذ لغة... لكن الأبواب مغلقة ، والتقنية أسرع من موهبته !
***
حتى جاء اليوم الذي تلقّى فيه بريداً إلكترونياً من منتجٍ ينوي تحويل إحدى قصصه القديمة إلى فيلمٍ سينمائي !
فتسارعت دقّات قلبه ، لأنها فرصة انتظرها طوال حياته
وركض نحو دفاتره القديمة ، ليستلهم منها تتمّة القصة المطلوبة (حسب رغبة المنتج لجزءٍ ثاني .. وبدوره وعده بتنفيذ طلبه بوقتٍ قياسيّ)..
لكن المفاجأة المرعبة ، انه وجد جميع صفحات دفاتره بيضاء !
فصرخ الكاتب بجنون :
- اين أنت أيها الصوت ؟!! ماذا فعلت بأفكاري ؟!
فأجابه الصوت ببرود :
- أكلتها كلها
الكاتب : أعدها لي ، هذه فرصتي الوحيدة !
- بالأساس لم تكن ملكك .. فالأفكار طيورٌ مهاجرة ، وأنت حبستها في دفاترك لسنوات ، ثم أهملتها.. فأطلقتها نحو من يستحقها.
- من سمح لك بسرقة مجهوداتي الشخصيّة التي أفنيت شبابي في كتابتها؟!
الصوت : وبعد كل ذلك الجهد ، تركت اقلامك تجفّ .. أتدري بماذا تذكّرني ؟ بمضخّة البئر ! توقفت عن ضخّ الهواء قبل لحظاتٍ من وصول الماء اليك ، فعاد إلى القعر .. وهناك وجده كاتبٌ آخر ، لا يعرف الكسل او الشكوى.
ساد الصمت الغرفة ، قبل أن يختم الصوت كلامه :
- وداعاً يا صديقي.. سأنام الليلة في دفاتر الكاتب الجديد الذي يطعمني يومياً من أفكاره الطازجة.. أما أنت !! فأصبحت بالنسبة لي ، صفحةً بيضاء.
واختفى الصوت.. تاركاً الكاتب يحدّق في دفاتره الفارغة بذهول ! كأنما ينظر في مرآة عقله الذي جفّ من الأفكار المبدعة ، عقاباً روحانياً على خيانة موهبته النادرة!

أعشق قصص الميتافيكشن، أحببتُ تأنيس الدفتر وكيف أن شخصيته ثنائية القطب: حنون على كاتِبه ومع ذلك يشمت فيه ويعاقبه على الإهمال.
ردحذفأتّفق مع نقد الأخ في أمر واحد فقط، هو أن هذه القصة على غير العادة أكثر قوّةً من حيث اللغة والوصف، وهو اختيار ممتاز عندما تكون أنت نفسك كاتبًا وتريد الكتابة عن كاتب يواجه تَبَعات وظيفته الروحية.
عمومًا فقد أبدعتِ في خلق خلفيّة لكل من الشخصيتين، ووظّفتيهما جيّدًا لإبراز عاقبة من عائلة "الطمع ضر ما نفع" لدى الصفحة العجيبة وأخلاقيّات الذكاء الصُّنعي لدى الكاتب المتبرِّم.
سعيدة ان فكرة القصة اعجبتك
حذفالقصة جميلة ومؤلمة في نفس الوقت تعلمنا الاستمرار وعدم إهمال الأفكار
ردحذفكم من فكرة وكم من مقال في رأسي أهملت تسجيله فراح هباءً..
ويسرني أنك جعلتي من الانتقادات دافعاً لك للاستمرار والتقدم إلى الأمام وهذا النقد سيخرج لنا قصة الكاتب المزيف - متشوق لنشرها -
ستنجحين بإذن الله وستتذكرين تشحيعي لك يا أختي الغالية أستاذة أمل
بالتوفيق..
انت كنت من ضمن القرّاء ، او الأصحّ : الكتّاب الذين دعموني منذ البداية .. شكراً لك يا زيمل المهنة
حذفأتساءل هل انتهى عصر الآداب والكتاب مع الذكاء الاصطناعي تساؤل لا انكر انه يخيفني بسبب هذا التطور الكبير الذي نعيشه رغم تسهيل حياتنا الا انه افتقدنا متعة الماضي من قراءة ورقية وغيره خطورة هذا الذكاء الاصطناعي نخشى أن يتسبب بكوارث على البشرية أكثر من منافعه تحياتي أستاذة امل
ردحذفان استمرّ بهذا التطور ، فقد تغلق المدارس والجامعات ، لاعتماد الطلّاب على شرح الذكاء الإصطناعي وهم في المنازل .. عدا عن قضائه على كل المواهب البشرية .. لكن لدي شعور ان الحضارة التقنية لن تستمرّ اكثر من عشرين سنة .. والله اعلم !
حذف