الأربعاء، 26 نوفمبر 2025

اوهام المجد

تأليف : امل شانوحة 

كفاح المشاهير


في احدى كليّات الفلسفة ، توجّب على الطلاّب كتابة بحث عن اسباب النجاح والشهرة


فكتب جاك مُلخّصاً مضمونه : ((الشهرةُ حظّ ، والثروّة نصيب المحظوظين… أما الآخرون ، فبشرٌ من الدرجة الثانية)) 

***


بعد خروجه من الجامعة.. مرّ بجانب محل للألعاب الالكترونيّة التي عُرض على واجهتها ، نظّارةُ العالم الإفتراضي بسعرٍ مقبول.. فاشتراها ، عائداً الى سكن الطلاّب


ثم وضع النظّارة على عينيه ، بعد تشغيل اللعبة المُبرجمة داخلها .. ليجد نفسه يقود سيارة سبقٍ سريعة ! 

وكان الحدث واقعياً لدرجة ارتجاج يديه فوق المقود ، اثناء محاولته التركيز على مضمار السباق الأشبه بصورٍ متحرّكة مشوّشة ، بينما سيارته تسابق الريح ! 

ليسمع مساعده (الذي بجانبه) يصرخ مُحذّراً : 

- شوماخر !! انتبه للمُنعطف القادم 

وبالفعل ادار مقوّده باحترافيّة ، جعلته اول الواصلين لخطّ النهاية ! 


ليخرج من سيارته ، مُنبهراً بالتصفيق القادم من المدرّجات ! 

وكأنه بالفعل تجسّد شخصيّة شوماخر ، لحظة تتويجه للمرة السابعة كبطل (الفورمولا 1)


مما حمّس جاك ، لتجربة السباق من جديد .. لكن عندما ضغط الزرّ الجانبي للنظّارة ، تغيّرت اللعبة ! 

ليجد نفسه بين سبّاحين عالميين ، يستعدون لنهائي الأولمبياد 


وقبل استيعابه ما حصل ! إنطلقت صافرة الحكم.. 

وإذّ به يسبح بكل قوته باتجاه حافّة المسبح .. وما ان رفع يده ، حتى سمع المذيع يعلن بمكبّر الصوت : 

- رقمٌ قياسيّ عالمي جديد !! 

وكانت هذه التجربة اكثر واقعية من الأولى ، لدرجة شعوره بابتلال جسمه وشعره .. مما ارعبه ! 


فنزع النظّارة ، ليرى على الأرض ورقة التعليمات التي سقطت من العلبة: 

((هذه النظّارة تُمكّنك عيش لحظات التتويج الأعظم للمشاهير .. لكن يُرجى قراءة التحذير الهام قبل الإستخدام)) 


الا ان جاك لم يقرأ التحذير .. بل سارع بإعادة النظّارة فوق رأسه ، رغبةً بالشعور بلذّة إنتصارات المشاهير حول العالم 

^^^


وخلال ساعات ، عاش كل مجدٍ حلم به : 

رفع كأس العالم في كرة القدم ، فاز بجائزة الإيمي ، صعد منصّة الأوسكار ، حمل جائزة نوبل .. ووقف وسط أضواء الإعلام ، كملك جمال العالم !  


مما رفع الإدرينالين في دمه .. وزوّد ثقته بنفسه ، بعد إعجابه بالتصفيق المدويّ الذي علق في ذاكرته للأبد 

^^^


وبعد تلك المغامرة الجميلة .. قرّر جاك اطفاء اللعبة للنوم ، إستعداداً لجامعة الغد .. لكنه لم يستطع ازالة الخوذة عن رأسه ! كأنها التصقت به ، بعد ساعاتٍ طويلة من استخدامها .. 


وفجأة ! إختفت الأضواء والهتافات .. ليجد نفسه في غرفةٍ ضيّقة .. وأزيز رصاص العصابات بالخارج ، أفزعه لدرجة إكمال روايته الأولى اسفل طاولته ، على امل إخراجه من فقره المًدقع.. 

وهنا استوعب جاك بأن النظّارة ، نقلته لحياة كاتبٍ مهم قبل شهرته !


وما ان فهم فكرة اللعبة ، حتى انتقل لماضي بطلٍ آخر : عاش طفولةً صعبة مع والده السكّير الذي كان يُحطّم اثاث منزله غاضباً .. بينما يُخبئ كرته المهترئة ، لحماية حلم حياته بأن يصبح هدّاف العالم.


ثم انتقل لطفلٍ ينام بالشارع ، هرباً من تعنيف زوج امه .. وهو يختلق المشاهد الكوميديّة في ذهنه ، رغم واقعه المرير ! 


ثم اسمرّ جلد جاك فجأة ، ليصبح ولداً افريقياً .. امتلأ جسده بالرضوض ، محاولاً الإستمرار بتعلّم الملاكمة في نادي رخيص بحيّ الفقراء


ثم تحوّل جسده ، لطفلةٍ افريقية تنظّف المنازل .. وهي تحلّم بأن تصبح اهم مذيعة بالعالم ، رغم فقرها والإعتداءات اللا إخلاقية على جسدها الصغير!  

^^^


واستمرّ الوضع على هذه الحال لساعتيّن ، عاش فيها جاك كل ظروف الفقر والحرمان الجسدي والعاطفي .. وصولا لتشرّد ومحاولات الإنتحار الفاشلة .. كل ذلك تجسيداً لواقع الأبطال قبل الشهرة ! 


ليفهم أخيراً : بأنهم لم يولدوا تحت الأضواء ، بل مرّوا بالكثير من الأوجاع الجسدية والنفسية المدمّرة خلال مسيرتهم الوعرة نحو النجوميّة ! 

^^^


وبعد تلك التجارب المريرة التي اتعبت نفسيّة جاك ، إستيقظ على صوت دكتور الجامعة يناديه :

- جاك !! جميع زملائك قرأوا ابحاثهم عن الشهرة واسباب النجاح ، الآن جاء دورك !!


فنظر إلى ورقة بحثه الساذج التي كتب فيها : ((بأن الشهرة حظّ ، وأن النجاح مجرّد واسطة ورشاوي)) 

فرماها جانباً ، وهو يشعر بالعار مما كتبه ! 


ووقف على المنصّة ، لإلقاء خطبةً ارتجالية :

واصفاً فيها معاناة المشاهير لسنواتٍ طويلة ، من شكوكهم الداخليّة اولاً .. واستخفاف المحيطون بقدراتهم .. ثم النقد اللاذع من الغرباء .. ومع ذلك اكملوا مشوارهم الطويل بإرادةٍ صلبة ، وإصرارٍ جبّار على تطوير مواهبهم .. مع الكثير من الأمل بمستقبلٍ مُزهر ، رغم ماضيهم اليائس .. وهو ما كان سبب نجاحهم وتميّزهم عن الآخرين


وختم خطبته ، ببعض الأمثلة :

((لا أحد يولدُ مشهوراً .. فهناك من نام في الشوارع ، امثال جيم كاري.. وهناك من تحمّلوا آباءً مدمنين ، مثل كريستيانو رونالدو..وهناك من عانوا الفقر والعنف ، مثل أوبرا وينفري..وهناك من طُردوا من فرقهم ، كمايكل جوردان.. فالنجاح ليس حظاً ، بل أشبه بسباق المارثون : الآلاف يشتركون فيه ، لكن لا يصل لخطّ النهاية الا أعندهم ، صاحب النفس الأطول))


فعمّ الصمت المدرّج … قبل تصفيق الدكتور ، الذي تبعه بقيّة الطلّاب بالقاعة ! بعد نيل جاك العلامة الأعلى في البحث ، دون معرفة أحد عن حلم النظّارة التي غيّرت نظرته للحياة .. وبنفس الوقت اعطته الأمل : بأن الثروّة ليست حكراً على نخبة المجتمع.. بل هي حقّ لكل من لديه قوة الإرادة والتصميم على تحمّل صعاب الحياة  ، لحين خروجه من النفق الطويل المظلم .. باتجاه شهرةٍ تُخلّد بالتاريخ ! 


هناك 3 تعليقات:

  1. هذه القصة رقم (900) ولله الحمد ، اتمنى ان تعجبكم

    ردحذف
  2. النجاح ليس سهلا بل له ضرائب نفسية واجتماعية ومادية
    العقبى لوصولك لـ 1000 قصة

    ردحذف
    الردود
    1. ان شاء الله سأحاول الوصول لألف قصة العام القادم بإذن الله

      حذف

اوهام المجد

تأليف : امل شانوحة  كفاح المشاهير في احدى كليّات الفلسفة ، توجّب على الطلاّب كتابة بحث عن اسباب النجاح والشهرة فكتب جاك مُلخّصاً مضمونه : ((...