الأربعاء، 12 نوفمبر 2025

مذكرات المجانين

تأليف : امل شانوحة 

 

الصراع الخفيّ 


قبل نوم الطبيب النفسي جاك بغرفته (داخل مستشفى المجانين التي يعمل فيها) اراد مراجعة مذكّرات بعض مرضاه الذي يمنحهم أوراقاً ، لكتابة ماضيهم .. ثم يسحبها آخر الدوام ، خوفاً من تحوّل الأقلام إلى اسلحةٍ مؤذية !


في البداية ، فتح مذكّرات أصغر مرضاه (البالغ عشرين سنة) الذي كتب بدفتره :

((لا اريد ان اكبر .. اريد البقاء ولداً صغيراً يلعب بدرّاجته في الحيّ ، كما كنت افعل بعد المدرسة .. ليتني لم أغيّر طريقي المعتاد ، وأمرّ بجانب جارنا الجديد !))


ففتح جاك كرّاسة ملاحظاته ، لكتابة رأيه بالمريض اليافع :

- اعتداء الجار عليه ، دمّر طفولته بالكامل .. هو مازال عالقاً هناك .. لا يرى نفسه بالغاً بعد .. او بالأصح ، لا يشعر برجولته ! 

..........


ثم بدأ بقراءة المذكّرات الخاصة بمريضٍ آخر :

((اكره المرايا .. لا استطيع النظر فيها .. هي عدوّتي !! لما لا يصدّقني احد بوجود شبيهٍ لي داخلها ، يأمرني بإيذاء الآخرين ؟!))


فكتب الدكتور جاك ملاحظته عن المريض الثاني :

- كانت امه عارضة ازياء ، أرغمته منذ الصغر على الإهتمام بوسامته الطاغية ، واتباع حميةٍ صارمة .. كما أجبرته على امضاء ساعاتٍ طويلة بتحسين مظهره امام المرآة التي تحوّلت لاحقاً لعدوٍ له ! فهو يشعر بغرابته بين ابناء جيله ، بعد ان منعته والدته لعب الكرة او خوض التجارب الخطيرة مع اصدقائه ، كيّ لا يصاب بجروحٍ وخدوش تؤذي مهنته المستقبلية .. الى ان ضرب زميله بقسوة ، بعد اتهامه بالشواذّ .. وكاد يُحرم من الدراسة ، لولا إجبار المدير على علاجه لدى إخصائي نفسي تابع لمدرسته الثانوية !


ثم انهى الدكتور ملاحظته ، وهو يقول بشفقة :

- المسكين ، وسامته جذبت الأشرار اليه !

..........


ثم قرأ مذكّرات المريض الثالث : 

((لم تقبل بي ، رغم عشقي لها ! جميع الفتيات تلاحقني ، لأن مهنتي جيدة .. لكن الفتاة الوحيدة التي اريدها ، تصرّ بأني غريب الأطوار!))


فتنهّد الدكتور وهو يكتب ملاحظته :

- النعومة التي ورثها من حياةٍ بلا رجال ، جعلته يرتدي الحرير ويُكثر من الإكسّسوارات.. حبيبته لم ترى فيه رجلاً ، بل ميوعةٍ مقزّزة ! نقدها دمّر هويّته ، ولليوم لا يعرف إن كان ذكراً أم أنثى

..........


ثم فتح دفتر المريض الرابع :

((اعمل ليل نهار دون عطل التي أمضيها في مكان عملي ، لمنع نفسي من تذكّر الماضيّ .. فطفولتي مشوّشة ، ومراهقتي غير مفهومة .. درست إختصاصي الصعب ، لفهم الآخرين.. ومع ذلك ، الوحدة تخنقني)) 


فكتب جاك ملاحظته عنه :

((رهابٌ إجتماعيّ حادّ .. يختبئ خلف كتبه وتقاريره ، لعدم قدرته على الوثوق بأحد!))

..........


ثم قرأ دفتر المريض الخامس :

((انا لست مريضاً .. ولست مجنوناً !! لم يحبسونني بهذا المصحّ ؟! اريد الخروج للعالم .. اريد الزواج وإنجاب الأولاد .. اريد خوض تجربةٍ رومنسيّة .. وأطالب باحترامهم خصوصيّتي وأفكاري الشخصيّة .. كيف أقنعهم بأني سليم عقلياً ، ولن اؤذي احداً ؟!))


فكتب د.جاك :

- مازال لليوم ينكر بأن لديه مشاكل نفسيّة .. فزملائه بالعمل لاحظوا غرابة تصرّفاته بالآونة الأخيرة بعد صراخه على كراسي فارغة ، وكتابته تقارير عن اشخاصٍ غير موجودين بهذا العالم .. ومع ذلك يصرّ حتى هذه اللحظة ، أننا ظلمناه بحبسه هنا ! 


وتابع الدكتور جاك قراءة مذكّرات مريضيّن آخرين ، فهو مسؤول عن علاج سبعة مرضى بمستشفى المجانين الحكومي 

^^^


خارج غرفة الدكتور جاك ، راقبت ممرّضتان الطبيب (من زجاج الغرفة) وهو منشغل بقراءة دفاتر مرضاه 


الممرّضة الجديدة : لا اصدّق ما اراه !

الممرّضة القديمة : جميعنا انصدمنا بما حصل للدكتور جاك ، فهو كان من اهم اطباء مشفانا ! لكنه انهار في يوم علاجه الجماعيّ لعدة مرضى ، مما أجبرنا على حبسه بهذه الغرفة 

- اذاً هو يقرأ مذكّراته ، المدوّنة في عدّة دفاتر ؟! 

- نعم .. فأطبائنا قيّموا حالته : بتعدّد الشخصيات (ايّ اضّطراب الهويّة الانفصامية (DID)) وكلّه بسبب طفولته الصعبة ، بعد اعتداء جاره عليه بعمر الثامنة .. ثم عيشه مع امه المُتسلّطة التي زادت حالته سوءاً 

- أخبرتني ان امه كانت مُنفصلة عن والده ، وتعمل عارضة ازياء ..اليس كذلك؟

- صحيح ، وهي من شجّعته على الإهتمام بوسامته .. مما زاد تشبهه بالجنس الآخر ، رغم كرهه لشواذّ.. كما ان رفض حبيبته الزواج به ، بسبب ميوعته الزائدة (كما وصفته) جعلته يُصاب باضّطراب الهويّة.. وبسببها تجنب الإختلاط مع محيطه ! 

- أيعاني من الرهاب الإجتماعيّ ايضاً ؟!

- نعم ، خوفاً من تنمّر الشباب والرجال عليه .. لهذا إنغمس بدراسة الطب النفسي ، وكان بارعاً بهذا المجال .. الى ان انهار كل شيء ذلك اليوم ، وقرّر مديرنا عزله هنا .. مع اعطائه دفاتر لكتابة ملاحظاته ، حسب ظهور كل شخصيّةٍ فيه .. 

- وهل يراجع اطباء المشفى تلك الدفاتر ؟ 

- يومياً ، بعد نومه.. وللأسف حالته تدهوّر ! فهو بدأ بشخصيتيّن ، والآن اصبحوا سبعة .. ولا ادري كم شخصيّةٍ جديدة سيخلقها لاحقاً! 

- الأمر محزنٌ فعلاً !


وابتعدا عن الغرفة .. بينما ظلّ جاك مُنهمكاً بتحليل شخصياته السبعة القابلة لتزايد في الشهور القادمة ، داخل جدران زنزانته بمستشفى المجانين الحكوميّ !     


هناك 9 تعليقات:

  1. بعض الحاقدين مصرّين بأن قصصي ذكاء اصطناعي ! اتمنى من الله ان يطيل اعمارهم ، ليشاهدوا نجاحي القريب بإذن الله

    ردحذف
    الردود
    1. إذاً فليأتوا بمثلها إن كانوا صادقين.
      إذا كان الملحدون يزعمون أنهم يستطيعون تأليف قرآن بالذكاء الاصطناعي يضاهي القرآن الكريم وهو أعظم وأصدق كتاب! ، فماذا تتوقعين عما دونه؟؟!!

      حذف
    2. نشرت اعلاناً بعد هذه القصة ، سألت فيها الذكاء الإصطناعي عن قصصي ؟
      اتمنى من ذلك الحاقد ان يفهم بأن موهبتي حقيقية ولله الحمد ، ويترك مدونتي للأبد

      حذف
  2. برافو أستاذة أمل.. قصة جميلة وأحداثها مفاجأة
    فعلاً الأمر محزن كما قالت الممرضة
    القصة تصلح فيلماً سنيمائياً

    ردحذف
  3. في العصر أعتقد أن العاقلين هم داخل المستشفى والمجانين خارجه

    ردحذف
    الردود
    1. ربما فعلاً هم العقلاء ونحن المجانين .. من يدري !

      حذف
  4. رائعة نهاية غير متوقعة

    ردحذف

مرآة العدالة

تأليف : امل شانوحة  إنعكاس الحقيقة يُعدّ المحقق جاك من الرجال العقلانيين ، لا يصدّق الا بالدلائل الماديّة والبصمات والإعتراف الصريح .. لكن ا...