تأليف : امل شانوحة
الطعام الإجباريّ
ولد (جومو) بوزن ثلاث كيلوجرام ، وهو الوزن الطبيعي لأيّ طفل
لكن امه ماريا التي هاجرت الى اميركا بعد موت عائلتها بالمجاعة الإفريقية ، أقسمت ان لا يموت احداً عزيزاً عليها من الجوع ثانيةً ، خاصة ابنها الوحيد التي حرصت على إطعامه كل ساعتين ، كأنه مهمّتها الأساسية في الحياة !
***
بعمر العاشرة ، وصل وزنه مئة كيلو !
وبسن الشباب : لم تعد المرآة تُظهر كامل جسمه ، بعد تعدّيه 200 كيلو !
لكنه ظلّ يأكل ، ليس حباً بالطعام .. بل خوفاً من إغضاب أمه ، في حال لم يُنهي صحنه الذي يكفي عائلةً كاملة !
***
حين وصل لسن الأربعين (وهو مازال يعتاش مع امه على الراتب التقاعدي لوالده المرحوم ، بعد فشله بإيجاد وظيفةٍ ادارية بوزنه الزائد ، عدا عن استحالة زواجه) قرّر السفر لدولةٍ اوروبية برحلةٍ علاجية ، مُوهماً امه بتوظّفه هناك
***
بعد عامين ، عاد اليها بجسمٍ يناسب عمره .. ليتفاجأ بأمه اصبحت بحجم الكنبة ! ورغم ذلك اشترت موقداً منخفضاً ، لمتابعة طبخها للمقليات والأكلات الدسمة التي اشتهرت بها بين جيرانها !
فخاف من فقدان حياتها ، إن تابعت على هذا المنوال .. وعيّن لها اخصائيّة تغذية ، معروفة بصرامتها في مواعيد وكميات الطعام .. والتي وظّفها للسكن مع امه ، مع إعطائها كامل الصلاحية لمنعها من الطبخ ثانيةً
^^^
ثم عاد لوظيفته بالدولة الأوروبية .. لتبدأ معها سلّسلة إتصالات من أمه الغاضبة بسبب الإخصائية التي تزن وجباتها بدقّة ، وتمنعها من إضافة السمن والملح والسكر لطعامها !
لكنه أصرّ على عدم طردها ، خوفاً من خسارة امه
***
بعد شهور ، توقفت اتصالات والدته ! فشعر بالارتياح ، لرضوخها اخيراً للطعام الصحيّ
***
وفي العطلة الصيفية ، عاد الى اميركا .. ليُصدم مما رآه !
فإخصائيّة التغذية تشاهد التلفاز مع امه ، وهما يتناولان الدجاج المقلي .. بعد ان تحوّلت من امرأةٍ رشيقة الى ممتلئة الخدود ، بكرشٍ مُتدلي خلف فستانها الفضّفاض ! وهي تضحك مع والدته التي اصبحت صديقتها المُقرّبة
وحين رأته امه يقف مذهولاً عند باب الصالة ! اشارت اليه لمشاركتهما الطعام ، وهي تقول بفخر :
- علّمتها كل وصفاتي التي صارت تتقنها ببراعة !
فردّت الإخصائيّة بحماس : نعم !! أصبح طعامي لذيذاً بفضل تعليمات والدتك ، حتى انني أعدّدت الكيك بالكراميل .. بضعة دقائق بالفرن ويكون جاهز ، لنتناوله معاً
فلم يكن امامه الا مشاركتهما الطعام ، بعد اشتياقه لأكل والدته الدسم .. حيث استمرّ الضحك بينهم ، وهم يتناولون الحلوى .. مُستمعاً لكلام أمه :
- لا شيء اجمل من الطعام الشهيّ بهذه الدنيا .. هيا بنيّ ، كُل قطعةً اخرى.. فجسمك النحيل لا يناسبك بتاتاً
فقرّب صحنه منها ، لإضافة قطعةٍ ثانية من الكيك ..وهو مستسلمٌ تماماً لإمه التي علّمته ان الإهتمام والحب يُقاس بحجم الكرش .. فبمفهومها : الطعام اللذيذ مع الأحبة ، يساوي حياةً صحيّةً سعيدة !

وراء هذه الكوميديا تستتر قضية مأساوية: الجوع.
ردحذفذاك الذي يفتح شدقيه فيهلك مئات الملايين سنويا.
صرخة الخلايا وقرقعة المعدة مشهد مألوف في الدول النامية, توفيق الحكيم تطرق للجوع في رائعته الطعام لكل فم حيث تسربات الغسيل من الطابق العلوي أمست شخوصا ورسومات على الحائط.. أسرة رجلها عالم يطمح لالغاء الجوع وسط بيئة درامية سامة, كل هذا يشاهده زوجان حقيقيان ويستلهمان من المنظر هدغا جديدا لهما.
في الواقع توفيق الحكيم ترك نموذج عرض تقديمي للأمم المتحدة يوضح فيه أن انهاء الجوع يستدعي الادارة والتنظيم أكثر من العاطفة (أتفق معه بشدة لأني لو أطعمت شخصا فسيجوع لاحقا أما لو صنت وتزكيت بمخلفات الأكل فستتضرر الرأسمالية وترخص أسعار منتجاتها وهذا أحد أسباب اصرار الرأسمالية على تبذير الطعام بدل التصدق به).
مسرحية أخرى لتوفيق الحكيم بعنوان الجياع: يصادف رجل غني وخائن طفلا متسولا يقلبه قلبا, فيصير الغني الطماع ماقتا للثراء الفاحش بتصاعد, ومحترما للفقراء. حتى اذا ما عادت زوجة صديقه الخائنة رفض الأكل معها واثر اغداق الطفل بالزاد.
اتمنى ان تفيدنا دائماً بمعلوماتك الأدبية الغزيرة .. شكراً لك
حذف