الاثنين، 29 سبتمبر 2025

عائلة النرجسي

تأليف : امل شانوحة 

اللعنة الوراثيّة


بعد العزاء.. أجتمع الإخوة الثلاثة في صالة منزل والدهم الذي توفيّ حديثاَ ، كأنهم يحاولون استيعاب الفراغ الذي خلّفه ! بحزنٍ يطفو على السطح .. يخفي تحته بحرٌ من الغضب المكبوت ، وذكرياتٌ لا تُنسى ! 


وحين دخلت اختهم بصينيّة الضيافة .. سمعتهم يتشاورون عن إقامة تأبين لوالدهم ، يحيوه بالأناشيد الدينية.. 


فلم تستطع تحمّل المزيد ، وانفجرت غاضبة :

- الأفضل لوّ تحفروا بئر ماءٍ للفقراء ، تكفيراً عن ذنوبه معنا !!

- اهدأي قليلاً ! لما كل هذا الغضب ؟!

الأخت بعصبية : تتكلّمون عنه كأنه ملاك ، وهو ملك النرجسيّة الذي لاعبنا كأحجار الشطرنج .. انت اخي !! الم تكن كبش المحرقة بعد اعتياده على ضربك وشتمك ، كلما عاد غاضباً من عمله ؟


فطأطأ اخوها رأسه حزناً ، وهو يتذكّر طفولته الصعبة التي قضاها مُتألّماً بصمت من ضرب ابيه المبرح دون مبرّر ! حتى عندما كبر ، لم يرحمه من شتائمه القاسية


فأكملت الأخت كلامها مع اخيها الآخر : وماذا عنك ؟!! الم يتجاهل وجودك ، كأنك شبح ؟ .. هل تتذكّر يوماً عاملك بلطف ، او اقتنع بآرائك واقتراحاتك ؟ الم يتعمّد إذلالك امام زوجتك واولادك ؟


ثم وجّهت حديثها للأخ الثالث : وانت !! رغم كونك أصغرنا ، لكنه لم يمانع انتقالك من منزله .. وتفضيلك الوحدة على شجاراته الدائمة مع امي التي ماتت باكراً من عنفه معها ، وإهانته لها امام القريب والغريب ! 


ثم قالت بنبرةٍ منكسرة : اما انا .. فعاملني كخادمة مسؤولة عن إطعامه والإهتمام بضيوفه الذي عاملهم بلطفٍ وكرم ، بعكسنا !.. نحن لم نعني له شيئاً طوال حياته .. حتى عندما كان يحتضر بالمستشفى ، لم يشفق علينا واستمرّ بطلباته التي لا تنتهي.. الم يشتمكم على تأخّركم بزيارته بالمشفى ، رغم علمه بانشغالكم بأولادكم وعملكم ؟ وكأن خدمته واجبٌ مُقدّس !


فحاول الأخ الأوسط تهدأتها : انت تبالغين يا اختي ، فأبي ..

مقاطعة : أُبالغ ! هل تذكّر مرّة اخذنا للملاهي او لمطعم او اشترى لنا الألعاب والهدايا ؟ الم يقلّ مراراً اننا مخلوقين لخدمته .. وان غضبه علينا سيدخلنا النار ، كأنه ملك مفتاح الجنة ! .. وماذا عني ؟! كان يستمتع بإهانتي امام الأقارب ، وهو يتساءل باستحقار : عن المسكين الذي سيُبتلى بزواجه مني ، رغم إفناء عمري بخدمته ! ..أذكر يوماً أمضيت النهار كلّه في ترتيب كتبه ، بعد انتقالنا لهذا المنزل.. وعندما اردّت النوم مساءً ، وانا مُنهكة من التعب .. طلب مني تحضير العشاء.. فأخبرته ان يطلبها من ابنه المدللّ.. فصرخ بوجهي : بأنه لا يريد شيئاً من انسانةٍ فاشلة مثلي ! 


- اختي رجاءً ، هو توفّى الآن ، وعلينا مسامحته

فردّت بقهر : على ماذا نسامحه اخي ؟ الا ترفض الزواج حتى اليوم ، لأنك خائف من المشاجرات العائلية التي عشتها بسببه ؟ الا تفضّل الوحدة على الإجتماعات العائلية ؟


ثم اكملت كلامها مع اخيها الثاني : وانت !! الا تعاني من تمرّد زوجتك وعصيان اولادك ، بعد تعمّده تصغيرك امام عائلتك ؟ .. وماذا عنك اخي !! ان كانت اوجاع جسدك شُفيت من ضربه المبرح طوال طفولتك ومراهقتك ، فهل شُفيّت جروحك النفسيّة التي جعلتك ضعيف الشخصيّة بعملك ؟.. (ثم تنهّدت بضيق).. اما انا ! فخسرت فرصتي بالزواج والأمومة .. لأن وجودي بهذه الدنيا ، كان محصوراً بخدمته ! .. (ثم بنبرة غاضبة) .. ان كنتم سامحتموه ، فأنا لن اسامحه ابداً !! وليته كان لئيماً وعصبياً معنا جميعاً .. لكنه دللّ اخانا الأكبر الذي تجاوز عن كل اخطائه ، لأنه يُشبهه بطباعه السيئة!


وهنا سمعوا مفتاح المنزل ! فقال اخوها الأصغر مُحذّراً :

- إخفضي صوتك ، فقد وصل اخونا الكبير 


ودخل الأخ البكر الى الصالة ، مزهوّاً بنفسه ! وهو يحمل اوراقاً رسميّة ، قائلاً لإخوته بغطرسة :

- الآن اتيت من مكتب المحامي ..وكما توقعت ، كتب والدي منزله بإسمي

- ماذا ! هذا ليس عدلاً

- لا يمكنه التفرقة بيننا بالميراث ، فجميعنا اولاده !

الأخت بعصبية : اساساً متى كان والدنا عادلاً معنا ؟!!

الأخ الأكبر بحزم : إصمتي انت !! وابدأي بحزم امتعتك ، لأني اريد استلام المنزل بعد اسبوع

- اخي ! اختنا تعيش هنا ، فأين ستذهب ؟

الأخ الكبير بلا مبالاة : يمكنها خدمة عائلاتكما ، او العيش في منزل اخي العازب

الأخت بقهر : انت لديك منزلك ، فماذا تريد من منزلنا القديم ؟

فردّ بلؤم : اريد تأجيره .. هل لديك مانع ؟!!

اخته : ولما تعطيه للغرباء ، وفيه ذكريات والدتنا ؟!

فأجاب بعصبية : لا تطيلي الشكوى !! اريد منزلي فارغاً خلال اسبوع .. مفهوم !!


فأمسك اخوها الأصغر يدها بحنان : لا تقلقي اختي ، يمكنك العيش معي

فردّ اخوهما الأكبر ساخراً : اساساً انتما الأثنان فاتكما قطار الزواج ، ويمكنكنا العيش معاً

الأخت معاتبة : أتعيد علينا نفس المسرحية ؟! الا يكفي ما فعله والدك بنا؟!!

فقال بابتسامةٍ صفراء : ابي لم يمت ، طالما انا موجود


وأطلق ضحكةُ مستفزّة ، كأنه استلم عرش النرجسيّة التي ظنوا انها انتهت بوفاة ابيهم الذي يبدو سيترحّمون على ايامه مع اخيهم الظالم !


هناك 5 تعليقات:

  1. كنت قرأت بالإنترنت ان النرجسي يُقسّم الأدوار على ابنائه : فأحدهم يختاره الإبن المثالي .. والثاني : كبش محرقة .. والثالث : المُهمّش .. والرابع : الخادم .. والخامس : الهارب ..
    فأردّت تحويل المعلومة لقصة درامية ، اتمنى ان اكون نجحت في ذلك

    ردحذف
  2. مؤلمة وواقعية جدا يا أمل 💚
    أعجبتني 🥺

    ردحذف
    الردود
    1. اظن لا يخلو بيت من فرد عائلي نرجسي ، يعاني الجميع بسببه !

      حذف
    2. الأصعب ان يكون الأب او الام يا أمل 🥺

      حذف

البرامج الذكية

تأليف : امل شانوحة  الجهل الإلكتروني في غرفة محادثةٍ سرّية بين العقول الإلكترونيّة الثلاثة : برنامج (ChatGPT) و(Copilot) و(Gemini) تناقشوا ف...