تأليف : امل شانوحة
اللعنة الوراثيّة
بعد العزاء.. أجتمع الإخوة الثلاثة في صالة منزل والدهم الذي توفيّ حديثاَ ، كأنهم يحاولون استيعاب الفراغ الذي خلّفه ! بحزنٍ يطفو على السطح .. يخفي تحته بحرٌ من الغضب المكبوت ، وذكرياتٌ لا تُنسى !
وحين دخلت اختهم بصينيّة الضيافة .. سمعتهم يتشاورون عن إقامة تأبين لوالدهم ، يحيوه بالأناشيد الدينية..
فلم تستطع تحمّل المزيد ، وانفجرت غاضبة :
- الأفضل لوّ تحفروا بئر ماءٍ للفقراء ، تكفيراً عن ذنوبه معنا !!
- اهدأي قليلاً ! لما كل هذا الغضب ؟!
الأخت بعصبية : تتكلّمون عنه كأنه ملاك ، وهو ملك النرجسيّة الذي لاعبنا كأحجار الشطرنج .. انت اخي !! الم تكن كبش المحرقة بعد اعتياده على ضربك وشتمك ، كلما عاد غاضباً من عمله ؟
فطأطأ اخوها رأسه حزناً ، وهو يتذكّر طفولته الصعبة التي قضاها مُتألّماً بصمت من ضرب ابيه المبرح دون مبرّر ! حتى عندما كبر ، لم يرحمه من شتائمه القاسية
فأكملت الأخت كلامها مع اخيها الآخر : وماذا عنك ؟!! الم يتجاهل وجودك ، كأنك شبح ؟ .. هل تتذكّر يوماً عاملك بلطف ، او اقتنع بآرائك واقتراحاتك ؟ الم يتعمّد إذلالك امام زوجتك واولادك ؟
ثم وجّهت حديثها للأخ الثالث : وانت !! رغم كونك أصغرنا ، لكنه لم يمانع انتقالك من منزله .. وتفضيلك الوحدة على شجاراته الدائمة مع امي التي ماتت باكراً من عنفه معها ، وإهانته لها امام القريب والغريب !
ثم قالت بنبرةٍ منكسرة : اما انا .. فعاملني كخادمة مسؤولة عن إطعامه والإهتمام بضيوفه الذي عاملهم بلطفٍ وكرم ، بعكسنا !.. نحن لم نعني له شيئاً طوال حياته .. حتى عندما كان يحتضر بالمستشفى ، لم يشفق علينا واستمرّ بطلباته التي لا تنتهي.. الم يشتمكم على تأخّركم بزيارته بالمشفى ، رغم علمه بانشغالكم بأولادكم وعملكم ؟ وكأن خدمته واجبٌ مُقدّس !
فحاول الأخ الأوسط تهدأتها : انت تبالغين يا اختي ، فأبي ..
مقاطعة : أُبالغ ! هل تذكّر مرّة اخذنا للملاهي او لمطعم او اشترى لنا الألعاب والهدايا ؟ الم يقلّ مراراً اننا مخلوقين لخدمته .. وان غضبه علينا سيدخلنا النار ، كأنه ملك مفتاح الجنة ! .. وماذا عني ؟! كان يستمتع بإهانتي امام الأقارب ، وهو يتساءل باستحقار : عن المسكين الذي سيُبتلى بزواجه مني ، رغم إفناء عمري بخدمته ! ..أذكر يوماً أمضيت النهار كلّه في ترتيب كتبه ، بعد انتقالنا لهذا المنزل.. وعندما اردّت النوم مساءً ، وانا مُنهكة من التعب .. طلب مني تحضير العشاء.. فأخبرته ان يطلبها من ابنه المدللّ.. فصرخ بوجهي : بأنه لا يريد شيئاً من انسانةٍ فاشلة مثلي !
- اختي رجاءً ، هو توفّى الآن ، وعلينا مسامحته
فردّت بقهر : على ماذا نسامحه اخي ؟ الا ترفض الزواج حتى اليوم ، لأنك خائف من المشاجرات العائلية التي عشتها بسببه ؟ الا تفضّل الوحدة على الإجتماعات العائلية ؟
ثم اكملت كلامها مع اخيها الثاني : وانت !! الا تعاني من تمرّد زوجتك وعصيان اولادك ، بعد تعمّده تصغيرك امام عائلتك ؟ .. وماذا عنك اخي !! ان كانت اوجاع جسدك شُفيت من ضربه المبرح طوال طفولتك ومراهقتك ، فهل شُفيّت جروحك النفسيّة التي جعلتك ضعيف الشخصيّة بعملك ؟.. (ثم تنهّدت بضيق).. اما انا ! فخسرت فرصتي بالزواج والأمومة .. لأن وجودي بهذه الدنيا ، كان محصوراً بخدمته ! .. (ثم بنبرة غاضبة) .. ان كنتم سامحتموه ، فأنا لن اسامحه ابداً !! وليته كان لئيماً وعصبياً معنا جميعاً .. لكنه دللّ اخانا الأكبر الذي تجاوز عن كل اخطائه ، لأنه يُشبهه بطباعه السيئة!
وهنا سمعوا مفتاح المنزل ! فقال اخوها الأصغر مُحذّراً :
- إخفضي صوتك ، فقد وصل اخونا الكبير
ودخل الأخ البكر الى الصالة ، مزهوّاً بنفسه ! وهو يحمل اوراقاً رسميّة ، قائلاً لإخوته بغطرسة :
- الآن اتيت من مكتب المحامي ..وكما توقعت ، كتب والدي منزله بإسمي
- ماذا ! هذا ليس عدلاً
- لا يمكنه التفرقة بيننا بالميراث ، فجميعنا اولاده !
الأخت بعصبية : اساساً متى كان والدنا عادلاً معنا ؟!!
الأخ الأكبر بحزم : إصمتي انت !! وابدأي بحزم امتعتك ، لأني اريد استلام المنزل بعد اسبوع
- اخي ! اختنا تعيش هنا ، فأين ستذهب ؟
الأخ الكبير بلا مبالاة : يمكنها خدمة عائلاتكما ، او العيش في منزل اخي العازب
الأخت بقهر : انت لديك منزلك ، فماذا تريد من منزلنا القديم ؟
فردّ بلؤم : اريد تأجيره .. هل لديك مانع ؟!!
اخته : ولما تعطيه للغرباء ، وفيه ذكريات والدتنا ؟!
فأجاب بعصبية : لا تطيلي الشكوى !! اريد منزلي فارغاً خلال اسبوع .. مفهوم !!
فأمسك اخوها الأصغر يدها بحنان : لا تقلقي اختي ، يمكنك العيش معي
فردّ اخوهما الأكبر ساخراً : اساساً انتما الأثنان فاتكما قطار الزواج ، ويمكنكنا العيش معاً
الأخت معاتبة : أتعيد علينا نفس المسرحية ؟! الا يكفي ما فعله والدك بنا؟!!
فقال بابتسامةٍ صفراء : ابي لم يمت ، طالما انا موجود
وأطلق ضحكةُ مستفزّة ، كأنه استلم عرش النرجسيّة التي ظنوا انها انتهت بوفاة ابيهم الذي يبدو سيترحّمون على ايامه مع اخيهم الظالم !
كنت قرأت بالإنترنت ان النرجسي يُقسّم الأدوار على ابنائه : فأحدهم يختاره الإبن المثالي .. والثاني : كبش محرقة .. والثالث : المُهمّش .. والرابع : الخادم .. والخامس : الهارب ..
ردحذففأردّت تحويل المعلومة لقصة درامية ، اتمنى ان اكون نجحت في ذلك
مؤلمة وواقعية جدا يا أمل 💚
ردحذفأعجبتني 🥺
اظن لا يخلو بيت من فرد عائلي نرجسي ، يعاني الجميع بسببه !
حذفالأصعب ان يكون الأب او الام يا أمل 🥺
حذفوهذا ما قصدته
حذف