الأحد، 15 يونيو 2025

بطلتي للأبد

تأليف : امل شانوحة 

الحب الوهمي


إنتهى المسلسل الرومنسي الناجح الذي اعجب المشاهدين ، خصوصاً فئة المراهقين لصغر عمر البطليّن اللذين أدّيا دورهما بإتقان ، رغم انها تجربتهما الأولى بعالم التمثيل ! وقد نجحا بذلك ، بسبب الكيماء المتطابقة بينهما ..والتي لامست قلوب الجماهير الذين أصرّوا بتعليقاتهم بضرورة زواجهما الحقيقي ، بسبب الحب الواضح في اعينهما البريئة.. فكلاهما عبّرا بإحدى المقابلات : ان ليس لهما تجارب عاطفيّة خارج المسلسل .. مما أكّد للمعجبين وجود شرارة حبٍ اشتعلت مع تطوّر احداث المسلسل الذي حصل على المركز الأول لهذا العام


لكن بعد انتهاء المسلسل .. شعر الجمهور بالإحباط بعد تباعد البطليّن ، عقب انشغالهما بعملهما الجديد في مدينتيّن مختلفتيّن.. وقد حاول احد الصحفين جمعهما في احدى اللقاءات.. لكنهما تعاملا معاً بصداقةٍ عادية ، بعد اختفاء نظراتهما العاشقة التي التقطتها الكاميرات في حفلات تكريمٍ سابقة !

^^^


لكن هذا الجفاء وإنكار المشاعر ، لم يدمّ طويلاً.. بعد ان وصل للبطلة خبر دخول زميلها المستشفى ، عقب حادث سيرٍ خطير ! جعلها تقطع تصوير مسلسلها الجديد ، للسفر الى مدينته والإطمئنان عليه


لكنه خرج من العمليّة ، فاقداً الذاكرة ! ومهما حاول والداه إخباره عن حياته السابقة ، الا انه لا يتذكّر حتى اسمه ! 

لهذا استبشرا بقدوم زميلته (التي أخبرهما عن حبه السرّي لها) لعلّها تعيد ذاكرته..

لكنه ايضاً لم يتعرّف عليها ! وإن أبدى إعجاباً بجمالها اللافت..


وبعد شعورها باليأس ، نادته سهواً بإسمه في المسلسل (الذي جمعهما معاً).. فإذّ بجسمه ينتفض ، وهو يناديها بإسمها بالمسلسل ! 

بل وفتح ذراعيه ، طالباً ضمّها بشوق .. مما ابكى والداه فرحاً بعد تذكّر دوّره التمثيلي ، فهي بشارة خير على استعادته جزءاً من ذاكرته !


وفور احتضانه لها ، تذكّر عطرها (الذي اشتمّه بالمقاطع الرومنسيّة بالمسلسل) وصار يحدّثها ، كأنها ذات الشخصيّة التي مثلّتها ! 

ومهما حاولت إفهامه بأنه دورٌ تمثيليّ فحسب .. الا انه يصرّ على كونها زوجته بالفعل ، وبذات طباعها بالمسلسل !

^^^


وبعد تلك الزيارة ، تحدّثت البطلة ووالداه مع الطبيب الذي اقترح شيئاً غريباً :

- يبدو ان ذاكرته انحصرت بذلك المسلسل !

البطلة بقلق : أتقصد دكتور .. انه يعتقد حقاً انني زوجته ؟!

الطبيب : نعم ، وعليك معاملته كما فعلتي بدوّرك الرومنسي .. والأفضل ان يحدث ذلك بنفس القصر الذي صوّرتما به احداث المسلسل

الأب : ولكم من الوقت ؟

الطبيب : لا ادري ! لنأمل بأن فور ذهابه الى هناك ، يستردّ مزيداً من ذاكرته

***


وبسبب حب الممثلين له ، وافقوا على العودة للقصر المُستأجر على حساب المنتجة القديمة التي وافقت على جمع البطل مع عائلته المزيفة (ممثلوا المسلسل) الذين راقبوه بحسرةٍ وقلق ! بينما تابع هو ايامه ، كروتين مشابه لدوّره في المسلسل


لكن البطلة لم تكن مرتاحة للموضوع ، بل قلقة من مطالبته بواجباتها الزوجيّة (طالما يؤمن فعلاً أنها زوجته) ولكيّ لا تحدث مشاكل من هذا النوع.. أقنعته مع بقيّة الممثلين بضرورة كتابة عقد قرانهما من جديد

فردّ البطل باستغراب :

- لكننا متزوجان منذ شهرين ؟!

(وهو ما حدث بالحلقات الأخيرة للمسلسل)

البطلة بارتباك : صحيح .. لكني ضيّعت ورقة زواجنا ، ونحتاجها للسفر للخارج.. لذا الأفضل إحضار شيخ ، لكتابة عقدنا من جديد

^^^


وبطريقةٍ ما ، أقنعوه بذلك .. وأحضروا شيخاً رسميّاً (وليس مزيفاً كما المسلسل) .. 

وفي يوم العرس ، بالقصر .. إجتمعت عائلة البطليّن الحقيقيّة لحضور زواجهما (الذي لطالما تمنّوه الجمهور)


وبعد انتهاء العرس ، أصرّ البطل على اخذ زوجته لأوروبا لشهر العسل.. وهو شيء ذُكر بالمسلسل (دون عرضه ، توفيراً لمال الإنتاج) 

فلم تعترض البطلة ، بعد تلقّيها خبر إستبعادها من مسلسلها الجديد (بسبب تمديد عطلتها)

***


وفي فرنسا .. نشرت صور شهر عسلها على صفحتها بالإنترنت الذي ضجّ بآلاف تعليقات التهنئة ، بعد تحققّ حلم المشاهدين بارتباطٍ حقيقيّ ، دون علمهم بمشكلة البطل الصحيّة !


وبالفعل عاشت معه شهر عسلٍ جميل ، كما حلمت منذ لقائهما الأول بتجارب الأداء.. فهي تعلّقت به بشدة ، وهو ما ظهر واضحاً في الكواليس التي عُرضت للجمهور ..لكنه في المقابل ، تحفّظ بتعامله معها طوال المسلسل .. ولهذا أنكرت حبها له لاحقاً ، بعد خيبة املها من عدم خطبته لها بعد انتهاء المسلسل (كما كانت تأمل) 

لذلك جاء مرضه مُحققاً لحلمها وحلم الجمهور

***


لكن بعد شهرين على زواجهما .. وفور إخباره بحملها ، حتى جن جنونه : 

- ممّن حملتي ايتها الخائنة ؟!!

البطلة بصدمة : ماهذا الكلام ؟!

زوجها : انا عقيم !! أنسيت ذلك ؟!

(فهو لم يقدر على الإنجاب في المسلسل)

فحاولت إقناعه : لا ، لست عقيماً .. قمّ بالفحوصات الطبيّة ، وستتأكّد من سلامتك

لكنه امسك ذراعها بعنف ، مُطالباً بمعرفة اسم عشيقها ؟


واشتدّ النقاش الجارح بينهما .. جعلها تفقد اعصابها ، وترمي عليه المزهريّة الذي حاول تجنبها .. لينزلق على الأرض ، ساقطاً بقوّة على رأسه ! 

وعلى الفور نقلته للمستشفى ، بعد فقده الوعيّ من شدة النزيف ..

***


وعندما استيقظ ، تراجعت صحته للأسوء ! فقد عاد بذاكرته الى الموسم الأول من المسلسل : ((حينما قدم للقصر للإنتقام من البطلة وعائلتها .. فهو طوال مئة حلقة : عاملها بلؤمٍ شديد ، بعد إجبارها مع اهلها على خدمته داخل قصرهم الذي اشتراه عقب إفلاسهم ، بسبب تارٍ قديم بين العائلتيّن!)) 


فهو ما ان استفاق بالمشفى حتى صرخ في وجهها على تجرّئها على زيارته ، فهي بالنسبة له : الخادمة التي يكرهها ! وليست زوجته (كما حصل بالموسم الثاني للمسلسل) بعد سلّسلة من الحوادث الصعبة ، التي مرّت بها البطلة !


وحالته هذه ، جعلتها تشعر باليأس .. فهي ليس لديها الطاقة لإعادة تلك الحلقات الصعبة من جديد ! 

لكن ما العمل بعد زواجها الفعليّ منه ، وحملها بطفله ؟! خاصةً مع صعوبة العودة للقصر ، بعد إنشغال المنتجة وبقيّة الممثلين بأعمالٍ اخرى !

 

وبسبب تردّي حالته النفسيّة ، علقت زوجته بين أمريّن : 

اما تركه يتعافى وحده ، لحماية نفسها من اذاه الجسدي والنفسي .. او إعادة احداث المسلسل الطويل من جديد

فهل برأيكم ستطلّقه ، لإكمال حياتها مع شخصٍ سليم عقلياً ؟ او ينتصر حبها بالواقع ، كما انتصر في المسلسل ؟!


الخميس، 12 يونيو 2025

المُشرّدة المُغرمة

تأليف : امل شانوحة 

الحب الطائش


اثناء تعبئة وقود سيارته في المحطّة الفاصلة بين مدينتيّن امريكيتيّن ، مدّت صبيّة يدها نحوه وهي تقول :

- أسقطت محفظتك يا سيد

((حيث بدت كفتاةٍ عشرينيّة مُشرّدة ، بينما هو في الأربعينات من عمره))

فردّ عليها : شكراً لأمانتك

وأراد إعطائها بعض المال ، لكنها اوقفته :

- لا اريد شيئاً

فنظر للمكان الذي تنام فيه (القريب من المحطّة)

- أتلك دارّجتك الناريّة ؟!

فأجابت : نعم ، لكنها مُعطّلة منذ فترة.. وانا أشحذ المال لإصلاحها ، وإكمال سفري عبر المدن

- اذاً لما لا تأخذين المال مني ؟! 

- لا ادري ، تبدو محترماً .. ولم ارد إزعاجك 

الرجل : مازلتي يافعة للعيش في الطرقات ؟ هل هربتي من منزلك؟!

فتنهّدت بحزن : نعم ، من زوج امي الذي حاول التحرّش بي.. وتلك درّاجته ، سرقتها كتعويضٍ بسيط عن عنفه معي

فأعطاها رقم جواله :

- إتصلي بي ، فأنا انزل في فندقٍ قريب من هنا

- ألوحدك ؟

الرجل : نعم ، يمكننا التحدّث معاً إن اردّت

فابتسمت بعفويّة : ربما افعل


ثم انطلق بسيارته .. تاركاً الفتاة تطير من الفرح ، فهو يبدو كفارس الأحلام التي لطالما تمنّته في حياتها !  

***


ومرّت الأيام وهي تحادثه من هاتف المحطّة العمومي ، فهي لا تملك جوالاً


وفي إحدى المحادثات .. أخبرها عن حلم مراهقته : بركوب درّاجةٍ ناريّة ، لكن امه الصارمة منعته من ذلك .. وسألها إن كانت تستطيع رفع العجلة الأماميّة اثناء القيادة بسرعة ؟

فأجابت بحماس :

- بالطبع اعرف !!

الرجل : اذاً عديني عندما أجلس خلفك ، أن تريني مهارتك


وبسبب وعدها له ، تديّنت المال من مُرابي (معروف بقسّوته بتحصيل ديونه) رغم نصيحة صديقتها بعدم التسرّع بإصلاح درّاجتها ، ريثما تعرف نوايا الرجل اتجاهها.. ونبّهتها بأن الرجال المُتعلمين ذوّ المكانة الإجتماعية لا يمكنهم الزواج من نساء مشرّدات مثلهما 

فردّت الصبية غاضبة : 

- انت تغارين مني .. لأني وجدّت حب حياتي الذي سينقذني من بؤسي ، بعكسك !!

المرأة المشرّدة معاتبة : ماهذا الكلام ؟! لطالما اهتممت بك ، منذ وصولك الى مدينتنا.. انا فقط قلقة عليك من المرابي اللعين

الصبية : لا تقلقي بشأنه .. فعندما أتزوج حبيبي ، سيدفع هو ديني ..والآن سأذهب لمصفّفة الشعر لتحسين مظهري .. وشراء فستان جميل ، لملاقاة حبيبي

- لا تصرفي كل مالك على..

مقاطعة بحزم : توقفي رجاءً !! الا تعلمين انه أعاد لي الأمل بالحياة ، بعد ان كرّهني زوج امي صنف الرجال كلهم .. أتركيني أفرح قليلاً ، وتوقفي عن إسداء النصائح الغير مفيدة

المرأة بصدمة : الآن اصبحت غير مفيدة ! بعد ان انقذتك من العديد من المواقف السيئة مع العصابات وبقيّة المشرّدين والشرطة ، وأقنعتك بترك الخمور  

الصبيّة بلؤم : ان لم يعجبك كلامي ، فاقطعي علاقتك بي !!


ثم ركبت درّاجتها (التي اصلحتها حديثاً) وذهبت للسوق ، للإهتمام بنفسها .. بعد  انهاء علاقتها بالمشرّدة (صديقتها الوحيدة منذ خمس سنوات) !

***


وفي الفندق (الذي اعطاها الرجل عنوانه) سألت عنه .. فأخبروها انه لم يحجز لديهم شخص بهذه الأسم من قبل !

فطلبت من صاحب الفندق السماح لها بإجراء مكالمة هاتفيّة ، لتجد حبيبها يردّ بلا مبالاة :

- أحقاً صدّقتي بأني سأتزوج مشرّدة ؟! كنت أضيّع الوقت معك .. اساساً مررت بمحطّتكم قبل ذهابي لمدينةٍ اخرى ، لرؤية زوجتي في المستشفى بعد إنجابها طفلنا الأول .. وكل المعلومات التي اخبرتك عني خاطئة .. وسألغي رقمي بعد هذه المكالمة .. فأنا اعتدت شراء رقمٍ ثاني لتحدّث مع الفتيات ، عند إنشغال زوجتي عني.. الى اللقاء ، ولا تحاولي البحث عني مجدداً


وأغلق المكالمة في وجهها ، قبل السماح لها بالإجابة ! 

فانهارت باكية ، اثناء خروجها من الفندق .. لتجد احد رجال المرابي في انتظارها :

- الزعيم يخبرك بأن معك حتى الغد ، لدفع دينك كاملاً .. بالإضافة لفائدة العشرة بالمئة .. والا سيجبرك على العمل بالدعارة ، لتسديد دينك


وبعد ذهابه ، فكّرت بقهرٍ شديد : 

- هذا ما كان ينقصني .. يعني هربت من زوج امي ، خوفاً من التحرّش ..ليكون مصيري الدعارة !

ثم نظرت لدرّاجتها :

- لا !! لن اقبل بذلك .. طالما اصلحت درّاجتي ، فسأكمل سفري عبر الولايات ..الى ان اموت بحادث ، وارتاح من حياتي البائسة


وانطلقت بأسرع ما يمكنها ، للهرب من المرابي ورجاله !

***


وفور وصولها للمدينة المجاورة ، تعطّلت درّاجتها تماماً ! فتركتها بالطريق ، وأكملت سيرها لساعاتٍ طويلة .. الى ان وجدت سوبرماركت .. فبحثت بحاوية النفايات القريية منها ، لتجد بعض المعلّبات مُنتهية الصلاحيّة .. فتناولت بعضاً منها حتى شبعت ! وما تبقى من مالها ، إشترت بها زجاجة خمرٍ رخيصة الى ان سكرت (رغم إقلاعها عن الخمور منذ سنتيّن)

***


وبحلول المساء ، تساءلت بقلق :

- اين سأنام بهذا الجوّ البارد ؟ 

ثم نظرت للسماء ..

- تبدو انها ستمطر ايضاً !

 

وهنا سمعت موظفان (لركن السيارات في موقف السوبرماركت) يتحدثان: 

- ماذا سنفعل بتلك السيارة ؟ فلها شهر مركونة بموقفنا ، دون قدوم صاحبها ؟! 

صديقه : دعها في مكانها .. لربما كان مسافراً .. سيعود حتماً ، لأخذها من جديد

^^^


وبعد ذهابهما .. توجهت لتلك السيارة ، ومعها سلكٌ حديديّ (وجدته بحاوية النفايات) وظلّت تُجرّب في القفل ، حتى فتحته .. وما ان استلقت داخل السيارة ، حتى غفت من شدّة تعبها

***


في الصباح الباكر .. نظرت من الزجاح الأمامي للسيارة ، لتلمح حبيبها يحمل طفلاً برفقة زوجته ، وهما يدخلان السوبرماركت !

فأصابتها نوبة غضبٍ شديدة : 

- الملعون دمّر ما تبقى من آمالي ، ليعيش حياته الروتينيّة مع عائلته !


واثناء تحرّكها الغاضب داخل السيارة ، لكمت بالغلط الدرج الأمامي .. لينفتح ، وتجد فيه سلاحاً محشواً بالرصاص !

فتساءلت بقلق : 

- هل يعقل ان صاحب السيارة ارتكب جريمة بهذا المسدس ؟ فهناك رصاصتيّن فارغتيّن ! وربما ترك سيارته هنا ، لتخلّص من الأدلّة


ورغم ان المسدس مشبوه ! وربما يورّطها بمصيبة ان لمسته ، لكن لم يعد يهمّها الأمر .. فقد قرّرت المجازفة فور رؤيتها حبيبها يخرج من السوبرماركت ، متوجهاً مع زوجته وطفله الى موقف السيارات (التي تختبا فيه) 


فنزلت من السيارة بعد إخفاء المسدس في خاصرتها ، متوجهةً ببطء نحو غريمها .. وعقلها مشغول بخطّة الإنتقام :

- هل أكتفي بقتله ؟.. او أنتحر امام عائلته ؟... او أفعل كلاهما؟!


ليضجّ الموقف بصراخ المتسوّقين ، بعد انطلاق رصاصتيّن متتاليتيّن .. ارعبت سكّان المنطقة ، دون فهمهم سبب جريمة القتل والإنتحار الغامضيّن!  


الثلاثاء، 10 يونيو 2025

الأراضي السبعة

تأليف : امل شانوحة 

الثقب الأسود


في نزهةٍ عائليّة.. شعرت ريم (الأربعينيّة) برغبة لتسلّق التلّ ، بعيداً عن اهلها والسوّاح..

وهناك راقبتهم بصمت ، قبل وضع نظّارتها الشمسيّة وهي تنظر للسماء ..لتلاحظ دائرةً سوداء قريبة من الشمس !

وقبل مناداة إخوتها ، لرؤية ما شاهدته.. مدّت ذراعها نحو السماء ، باتجاه الكوكب الأسود..

وبدون سابق انذار ، إرتفعت بسرعةٍ هائلة الى فوق ! وهي تصرخ بعلوّ صوتها ، دون ان يسمعها احد.. وكيف يفعلون ؟ وهي ترى الكرة الأرضيّة اسفل منها !


ورغم إنعدام الجاذبيّة في الفضاء ، الا انها أكملت طيرانها باتجاه السواد الكرويّ .. قبل ان تعي انها متوجهة مباشرةً نحو الثقب الأسود !


فأغمضت عيناها ، ظنّاً بنهايتها .. فهو لغزٌ علميٌّ مُحيّر.. حيث شبّهه العلماء بالمكنسة الكهربائيّة التي تشفط النجوم المتفجّرة ، كأنها تنظّف الفضاء من الأوساخ والبقايا الحجريّة !


وفجأة ! تحوّل السواد لبياضٍ ثلجيّ ، فور وصولها للجهة المقابلة من الثقب..

لتحطّ فوق سماءٍ جليديّة مُسطّحة ، بها ستة ثقوب (غير الثقب التي خرجت منه) !

فتساءلت بدهشة :

- هل انا في مكانٍ يُشبه عالمي ؟! .. لحظة ! لما أتكلّم الفصحى ، اين لهجة بلادي ؟! .. (ثم شردت بأفكارها).. هذه السماء فيها جاذبيّة ، كالتي على الأرض ! هل يُعقل ان الفضاء لديه سبعة ثقوبٍ سوداء ، وليست واحدة كما أخبرتنا الناسا ؟! سأكتشف ذلك عند النظر من الثقب الآخر


ومشت بصعوبة ، مُحاولةً عدم الإنزلاق فوق السطح الجليديّ.. وبالكاد تمسّكت بطرف الثقب ، قبل السقوط فيه .. لتفاجأ برؤية كرةٍ ارضيّة أخرى ، تبعد آلاف الكيلومترات عن الفتحة ! وكذلك الحال في الفتحة التي تليها ، والتي بعدها ! 

الفرق الوحيد : ان الكرات الأرضيّة تختلف ابعادها عن السماء الثلجيّة بشكلٍ متفاوت ، كأنها متواجدة بمداراتٍ مختلفة تفصلها عن ارضنا المعروفة !


ريم بصدمة : لا أصدّق ان هناك سبعة اراضي ؟! هل يُعقل وجود بشر في كل واحدة فيها ، تختلف حياتهم عمّا نعيشه في كوكبنا الأزرق ؟!


وقبل إكمال سؤالها .. تفاجأت بخروج ستة شبيهاتٍ لها ، كلاً من ثقبٍ مختلف ! ..جميعهنّ صعقوا برؤية بعضهن : فهنّ وإن كنّ ذات الشكل ، الا انهن يختلفن بالأسماء والجنسيّات والأعمار : فأصغرهن بعمر السابعة ، وأكبرهن بعمر السبعين ! والأغرب نطقهن للغة العربية الفصحى (بالسماء الجليديّة) رغم ان معظمهن لا يتقنون هذه اللغة !


ثم جلسن سوياً بعد معرفتهن بوجود ستة اراضي اخرى ، شبيهة بالعالم الذي قدمنّ منه ! وبدأت كل واحدة تصف الحياة بشكلٍ عام على كرتها الأرضيّة

حيث أخبرتهم الأولى بأن البشر في ارضها : لديهم ارزاقاً متساوية .. يعني بنهاية كل شهر يحصلون على المبلغ المالي ذاته ! فجميعهم من الحالة المتوسطة ، لا فقراء ولا اغنياء بينهم ! 


بينما في الأرض الثانية : جميعهم متزوجون ! حيث كل ولدٍ يولد هناك ، تولد في المقابل بنتٌ من أمرأةٍ اخرى .. كما حصل مع ذريّة آدم الأولى ! لهذا لا يعانون من العنوسة او الطلاق وترمّل .. فكل من يصل لسن العشرين ، يتزوج امرأة من جيله .. حيث لا يؤمنون بالمُعتقد : وجود فارق العمر بين الزوجيّن !


اما الأرض الثالثة : فيموتون دائماً بعمر السبعين للنساء ، والثمانين للرجال .. ولا يحصل الموت قبل هذا السن !

اما الأرض الرابعة : لا يعرفون الأمراض والإعاقات !


والأرض الخامسة : ليس فيها اشرار او مجرمين او عاطلين عن العمل .. فهم مُقسّمين بين اصحاب المهن والمزارعين والعمّال .. وجميعهم من النوايا الطيبة

والأرض السادسة : كل شخصٍ فيها ، يولد بموهبةٍ مختلفة : سواءً فنّية او رياضيّة .. فهي ارض المواهب البشريّة المميّزة !


ثم نظرنّ لريم وهم يسألونها : 

- ماذا عن الأرض التي قدمتِ منها ؟

ومن شدّة غيظها بأنه قُدّر لها العيش على اسوء ارض ، اجابت بخبث :

- في عالمي يوجد كل ما ذكرتموه 

مما صدم شبيهاتها الستة ! فسألتها احداهن :

- أهذا يعني ان لا مشاكل بعالمك ؟!

ريم بلؤم : مطلقاً !! المحبة تعمّ البلاد ، لا حروب ولا ضغائن .. كلاً منا لديه عائلة ومال وموهبة .. يمكنكن التأكّد بأنفسكنّ

- اذاً لماذا نعود الى ديارنا التي نحظى فيها بإحدى النعم ؟! فلنخترّ كوكب ريم المسالم ، للعيش فيه معاً

فقالت اخرى :

- لكن علينا إختيار دولاً مختلفة ، كيّ لا نثير شكوك الناس حول التشابه الكبير بيننا

ريم : لا تقلقن بهذا الشأن .. فهناك قولٌ مأثور في عالمي : ((يخلق من الشبه اربعين)) لهذا إهبطن باتجاه كوكبي بسلام

- وماذا ستفعلين انت ؟

ريم : سأجرّب عوالمكم البسيطة

باستغراب : ولما تتخلّين عن النعيم المتواجد في عالمك المتكامل ؟!

ريم : يعني .. نوع من التغيّر


فسألت إحداهن زميلاتها : هل انتن متأكّدات من قراركن ؟ لأنه بعد نزولنا ، لن نعود الى كواكبنا من جديد ؟!

- ولماذا نعود ؟ طالما كل شيءٍ نريده ، موجود في عالم ريم المثالي !

ثم ودّعنها ، هابطات باتجاه كوكب الأرض الشهير


لتقول ريم بمكر : المسكينات ! قريباً سيواجهن الجحيم بعينه : من حقدٍ وحسدٍ وسحرٍ وأحقاد ، لعدم ضمانيّة الزواج والرزقة ، بالإضافة للمواهب النادرة التي تُدفن قبل دعمها ! بينما سأعيش انا في كواكبهن ، لتجربة تلك الأنعم التي حُرمت منها بكوكبي الأزرق الذي يحكم الظالم فيه الضعيف ! ..(ثم فكّرت قليلاً).. حسناً !! لأبدأ اولاً بكوكب النصيب ، فقد اوشكت على العنوسة دون تجربة حظي .. يا ترى من هو نصيبي بذلك العالم ؟ ومن بعدها أجرّب الحياة الماليّة المضمونة .. ثم حياة الموهوبين .. وغيرها من النعم


وهبطت الى الكوكب الأول ، غير مكترثة بمصير شبيهاتها اللآتي سيعانين الأمرّين في ارضنا الوحشيّة !


الأربعاء، 4 يونيو 2025

الحب الثوري

تأليف : الأستاذ عاصم

تنسيق : امل شانوحة 

المسابقة الشعريّة


كانت زميلته بالكفاح ضدّ الحكم الظالم .. شاركته الثورات الشعبيّة ، ونالت نصيبها من الضرب والإهانات.. ولخوف عائلتها من أسرها في سجون الإعتقال ، تمّ تهريبها برّاً لدولةٍ مجاورة.. وبدوّره افتقد وجودها مع فرقته من الشباب والمراهقين المناضلين ، لإسقاط الحكم الجائر.. فهي لم تكن زميلته بالمعارضة فحسب .. بل اعتاد الإجتماع معها في الخنادق ، للتنافس على حفظ وتأليف الأشعار .. فكلاهما يملكان الموهبة الأدبيّة ، لكن ظروف بلادهما منعتهما إكمال دراستهما الجامعيّة ! والأسوء انه لم يعرفها إلاّ بلقبها الحركيّ ، دون معرفة اسمها الحقيقي.. وهي ايضاً لا تعرف عنه ، سوى انه قائد ثورتهم الذي يتمتّع بالحكمة السياسيّة والأخلاق والدين!


وهاهي المعارضة فازت بعد نجاح مظاهراتٍ شعبيةٍ حاشدة ، قلبت النظام على الحاكم الظالم الذي لاذ بالفرار للخارج ! ليتمّ تحرير المساجين والأسرى.. بينما حصل هو على تأيّد الشعب ، لاستلام حكم البلاد

***


وبعد سنة من الإحتفالات الشعبيّة ، وزيارات الرؤساء العرب والأجانب الى قصره لتحسين ظروف بلاده ، بعد عقود من الفساد بجميع الدوائر الرسميّة .. عادت اليه ذكرى صديقته الشاعرة التي انقطعت اخبارها بعد هربها من الوطن ! 


وذات يوم .. خطرت بباله فكرة ، طالباً من وزير الثقافة : إعلان جائزةٍ ماليّة لمن يحلّ كلماتٍ متقاطعة بالجريدة الرسميّة (التي تُنشر على الإنترنت بشكلٍ دوريّ) على ان يكون اللغز مقاطع من أشعارٍ قديمة .. ومجموع الحروف المتبقيّة : هو لقب حبيبته الثوريّ .. فهي خبيرة بهذا المجال ، وحتماً ستكون فائزة (في حال علمت بالمسابقة) 


لكنها للأسف لم تكن ضمن آلاف المشاركين بالمسابقة (التي اُشترط فيها : تقديم صورةً شمسيّة للمشارك)

***


وبعد شهر ، سأله وزير الثقافة : 

- نجح بمسابقتك خمس رجال وسيدة عجوز ، فهل نتابع نشر المسابقة؟

القائد بيأس : حاولوا هذه المرة رفع مستوى الأشعار .. ولتكن من العصر الجاهلي ، فهي خبيرة بإسلوب شعرائهم المميّز .. ولطالما تفوّقت عليّ بحفظ ابياتهم الصعبة

***


وفي عصر إحدى الأيام ، دخل وزير الثقافة الى مكتب القصر .. ليجد القائد غافياً فوق الكنبة ، بعد انتهاء اجتماعه مع رئيسٍ أجنبيّ .. فأيقظه وهو يعطيه ثلاثة صور شمسيّة ، وصلت لبريد الجريدة الرسميّة :

- آسف لإيقاظك .. لكنه لم ينجح بمسابقتك الأدبيّة الأخيرة سوى ثلاث سيدات ، فهل حبيبتك من ضمنهم ؟

فنهض القائد بحماس وهو ينظر للصور ، لترتسم على وجهه ابتسامةً عريضة :

- هذه هي ! .. أخيراً وجدتها !! هل أرسلت رقمها مع المسابقة ؟

فأعطاه الوزير قصاصة ورق ، وهو يقول :

- ارقام السيدات الثلاثة مدوّنة هنا .. ورقم حبيبتك في الوسط 

^^^


ثم خرج من المكتب .. تاركاً القائد يتصل (من جوّاله الخاص) على حبيبته التي ما ان سمع صوتها ، حتى تنهّد بارتياح :

- اخيراً وجدتك !!

فردّت عليه : كنت اعلم انك ستبحث عني

معاتباً : ولماذا لم تتصلي بي ؟ كان اسهل إيجادي ، من البحث عنك بالدولة المجاورة


فأخبرته ان سبب بُعدها : هو عدم رضائها عن بعض قراراته بشؤون الحكم ، وبأن مبادئه تغيّرت مع الأيام ! 

فأفهمها انه مُضّطر لمجاراة الأوغاد الذين حوله ، الذين يتربّصون الفرص للقضاء عليه .. ثم أخبرها بدمار البلد ، وحاجته لإعادة البناء والإعمار .. 

لكن الأهم من ذلك ، انه يريدها بجواره .. وانه لم يعد يحتمل فقدها من جديد ..

فوافقت على ملاقاته بالقصر .. وبدوّره أرسل لها طائرةً خاصة لإعادتها الى الوطن

***


وماهي الا اسابيع ، حتى احتفل الشعب بزواجهما الذي تناقله الإعلام العربي والأجنبي ..

وبالفعل استحقّت لقب السيدة الأولى بامتياز ، ليس فقط لجمالها الراقي.. بل لرجاحة عقلها ، لأن أفكارها ساهمت بتحسين القطاع العلمي بالبلد .. خصوصاً تحويل المواد العلميّة للغة العربيّة ، والإهتمام بقسم الآداب بالجامعة .. حتى اصبحت بلادها منارة للشعراء والأدباء وكتّاب العرب 

***


وبعد إنجابها ولداً وابنتيّن ، وعقب سنوات من حكم زوجها العادل الذي استفاد من مشورتها الحكيمة .. إنتشر خبر إصابتها بالسرطان ، وعمّ الحزن القصر الملكي وعموم الشعب الذين أحبّوا تواضعها وكرمها عليهم .. خصوصاً وطنيّتها ، بعد رفضها العلاج بالخارج ، حتى بعد ان ساءت حالتها ! 

***


وفي يوم دفنها .. تجمّع الشعب في الطرقات ، لرؤية موكب جنازتها الذي حضره القائد واولاده ، مع نخبة من رؤساء العالم .. 

وبعد تنكيس الأعلام وإغلاق الدوائر الرسميّة ، وتعليق الدراسة لثلاثة الأيام .. أعلن القائد تنحّيه عن الرئاسة ، رافضاً إستلام ابنه الوحيد الحكم ! مُلزماً نائبه بالإشراف على الإنتخابات الشعبيّة لتعيّن رئيسهم الجديد .. 


بينما اعتزل العالم في بيته الريفيّ ، بعد موت زوجته الحبيبة .. الى ان وافقته المنيّة بعدها بعامين .. ليُدفن بجوار زوجته ، ويصبح قبرهما مزاراً سياحيّاً .. بشاهدٍ رخاميّ محفوراً عليه : ((قبر الحاكم العادل ، وزوجته الرحيمة))


الاثنين، 2 يونيو 2025

التلاعب بالمشاعر

تأليف : امل شانوحة 

خطّة العقوبة 


كتب لها على الفيسبوك ، وهو مزّهواً بنفسه : 

- يكفي هذا القدر من التواصل ، فغيرك ينتظر دوره

الصبيّة بقلق : ماذا يعني كلامك ؟!

- لقد تحدّثنا ثلاثة اشهر .. وطالما أخبرتني الآن بحبك لي ، فقد حقّقت مرادي .. وعليّ البحث عن حبيبةٍ اخرى تكون صعبة المنال ، فأنا احب المغامرات الشيّقة

- هل تتلاعب بمشاعر البنات ؟!

- هي إحدى هواياتي .. فأنا ثريٌّ ووسيم .. وأتعمّد البحث عن اليائسات امثالك ، لكيّ أُسعد ايامهن البائسة بعبارت الغزل التي لن يسمعوها من غيري .. وطالما نجحت بجعلك تتعلّقين بي ، فقد حقّقت هدفي. .سأمسح هذا الحساب بعد قليل ، فلا تبحثي عني .. فكل المعلومات التي اخبرتك بها ، مُزيّفة .. سلام يا حبيبتي السابعة 


وحذف حسابه بالفعل ، تاركاً الصبيّة في صدمةٍ عاطفيّة ! دون علمه بأنها خبيرة كمبيوتر ، او بالأصح هاكر محترفة.. 


وبسبب غيظها منه ، سهرت ليلتها وهي تبحث في ملفات حاسوبه (الذي نجحت في اختراقه) لتجد نسخاً عن محادثاته مع حبيباته السابقات ، التي تضمّنت مزيداً من المعلومات عنه .. او ربما اكاذيب مختلفة ، أخبرها للفتيات البالغ عددهن ستة .. وهو شيء الوحيد الذي صدق فيه ! 


وبعد بحثٍ مطوّل ، تمكّنت العثور على صفحاتهن بالفيسبوك .. وقامت بالتواصل معهنّ ، ببثٍ مباشر .. حيث تشاركن معاً لحظات القهر التي شعرن بها ، بعد إنفصال الشاب النرجسي المغرور عنهن!


فاقترحت الصبيّة (الهاكر) التالي : 

- ما رأيكن لوّ نعاقبه ؟ كيّ لا تقع ضحيّةٌ ثامنة في مصيّدته القذرة

إحداهن باهتمام : وكيف نفعل ذلك ؟!

- بما انني خبيرة كمبيوتر ، أستطيع مسح ملفات عمله القديمة والحديثة .. فهو كما اخبرتني احداكن : يعمل بشركةٍ هندسيّة تابعة لوالده .. وحسب الملفات التي قرأتها ، فهو مشغول حالياً بمشروع بناء مولٍ ضخم ! والذي يمكنني مسح رسومات هندسته من حاسوبه تماماً

سلمى (وهي الأطيب قلباً بينهن) : لكن هذا سيصيبه بالجنون !


فردّت إحداهن بعصبية : برأيّ هذا العقاب ليس كافياً !! علينا إذلاله ومسح كرامته بالأرض ، كما فعل معنا

الهاكر : كنت قبل تواصلي معكن ، لاحظت ان لديه فتاةً مميزة يحدّثها منذ سنوات.. وحسب قراءتي لمحادثاتهما ، فهو حريص جداً على مشاعرها .. بعكس طريقته الفظّة معنا ! 

- طالما اللعين لديه حبيبه ، فلما يخونها معنا ؟!

سلمى بقلق : يخون ! هل كان على علاقةٍ جسديّة مع احداكن ؟

فردّت صبيّة بقهر : بغبائي عزمته على شقتي ، بالوقت الذي عملت فيه بشركة والده.. وأظنني اول من تلاعب بمشاعرها بينكن

سلمى بقلق : وهل حصل شيءٌ بينكما ؟!

فأجابتها : لما تبدين خائفة من إنحرافه ، هل تظنيه مُتديّناً مثلك ؟! على كلٍ ، لم يحصل شيء .. شرب العصير ، ورحل .. قال أنه لا يريد التورّط مع احد !

فتنهّدت سلمى بارتياح ، دون إظهار ذلك للفتيات الغاضبات..


لتتفاجأ بالموظفة السابقة تُكمل كلامها : 

- لهذا تعمّدت في المرة الثانية التي زارني بها ، على وضع الكحول في عصيره 

سلمى بقلق : وهل نجحتي بإيقاعه.. 

فقاطعتها قائلة : لا !! لكني صوّرته يرقص بغباء ، وهو سكران .. قبل إغمائه في الصالة .. وفي الصباح خرج من بيتي ، اثناء نومي بغرفتي .. لأعرف في اليوم التالي بقرار طردي من الشركة ، مع رسالة إنفصاله عني!

الهاكر : إرسلي لي الفيديو الذي صوّرته وهو مخمور 

سلمى بقلق : وماذا ستفعلين به ؟!

الهاكر : بعد ايام ، سيعرض مشروعه على عميلٍ مهم لشركته.. سأجعله يذلّ نفسه بذلك الفيديو امام موظفيه ، بدل رسوماته الهندسيّة 

سلمى : هذا سيفضحه امام الجميع !


فاعترضت اخرى : برأيّ علينا معاقبته اكثر من ذلك .. فخالتي يمكنها سحره ، فهي خبيرة بالعالم السفليّ .. لكني للأسف ، لا املك شيئاً من أثره 

فردّت الموظفة القديمة :

- مازلت املك شاله الذي نسيّه اثناء نومه عندي ، سأرسله لك .. وانت تسحرينه بالعقم .. لكيّ تطلّقه حبيبته ، في حال تزوّجها لاحقاً 

فاعترضت الثالثة بغيظ : لا !! لن ننتظر كل هذه المدة .. عليك سحره بشيءٍ يُشفي غليلنا منه

- اذاً سأصيبه بالصدفيّة .. فمرضه الجلدي سيُنهي وسامته ، ويجعل الفتيات تشمئزنّ الإقتراب منه

الهاكر بسعادة : فكرةٌ رائعة !! إفعلي ذلك.. والآن من لديها افكار اخرى للإنتقام من اللعين المغرور ؟!!


سلمى : حرامٌ عليكن ! ستمرضونه وتحرمونه من حبيبته ، وتفشلون مشروعه ..ماذا تريدون اكثر ؟!

- يبدو مازلتي تحبينه ؟!

سلمى : على الأقل لا اكرهه لهذه الدرجة ، فانا اؤمن بالنصيب..

الهاكر مقاطعة بعصبية : يكفي غباءً !! هو تلاعب بمشاعرنا ، وعلينا إيقافه عند حدّه ، كيّ لا يؤذي غيرنا

فسألتها إحداهن : تبدو لديك افكار اخرى ؟

الهاكر : أخبرتكن انه يمكنني إختراق حاسوبه ، وحذف جميع المعلومات التي فيه .. فأنا لا يمكنني ايذائه الا الكترونيّاً


سلمى بحزم : هذا يكفي !! هو لم يغتصبنا او يشوّه سمعتنا .. هو فقط أضاع وقته بالحديث معنا .. وليس اول او آخر شاب يتكلّم مع الفتيات ، فالإنترنت مليء بأمثاله .. ثم هذا ذنبنا !! فلا يوجد رجل يخطب فتاة ، تحدّث معها دون إذن اهلها .. للأسف تعلّمت ذلك متأخراً.. لكن الله وحده يعلم بحسن نوايايّ

الهاكر : يبدو أن النقاش معك عقيماً ، لهذا سأقطع إتصالنا بك .. إبقي بغبائك وطيبة قلبك ، الى ان يحطّمه شخصاً آخر


وقطعت الإتصال بها ، بينما أكملت خططّ تدميره مع بقيّة الفتيات !

***


بعد ايام ، في الشركة .. تفاجأ الشاب بزيارة سلمى له :

- ماذا تفعلين هنا ؟! وكيف عرفتي عنوان شركتي ؟!

- من موظقتك السابقة (وأخبرته بإسمها) 

بدهشة : كيف تواصلت معها ؟! فأنا لم أحدّثها منذ سنتيّن ! 

سلمى : وماذا عن فلانة ؟ 

باستغراب : وهذه ايضاً قطعت علاقتي معها قبل ايام ! كيف اجتمعتي بهما؟! 

- بل اجتمعت بكل حبيباتك الستة (وأخبرته اسمائهن) .. وقبل ان تسألني .. حبيبتك الأخيرة خبيرة كمبيوتر ، وهي من جمعتهنّ لوضع خطّة لتدميرك 

فسألها بقلق : كيف يعني تدميري ؟!

سلمى : هي تريد فضحك امام العميل الذي ستعرض مشروعك عليه بعد قليل


في البداية لم يصدّقها ، لكنه شعر بالخوف بعد استعانته بخبير الكمبيوتر (موظف في شركته) الذي أكّد إختراق حاسوبه ، وحذف الهاكر لبعض ملفاته العمليّة المهمّة ! 


الشاب بقهر : ومالعمل الآن ؟! اريد استرداد ملفي بالحال ، فالعميل على وشك الوصول للشركة ! 

الموظف : إن وعدتني بمكافأةِ مالية ، سأعمل جاهداً على استعادة مشروعك

الشاب : لك ما تريد ، بشرط ان تضع حماية لحاسوبي من الهاكر اللعينة

الموظف : بل سأفعل اكثر من ذلك ، مُرسلاً فيروساً يدمّر حاسوبها

الشاب : والله ان فعلت ذلك ، سأرقّيك بالحال !!


ثم اخذ سلمى جانباً ، وهو يشكرها :

- طيبة قلبك جعلتك تأتين الى شركة والدي ، لتنبيهي على مُخطّطهن اللعين .. رغم انني كسرت قلبك ! رجاءً سامحيني ، فأنت افضل واحدة بينهن 

سلمى : قلت لك سابقاً ، انني اؤمن بالقدر .. المهم ان تُحصّن نفسك بالأدعية ، قبل تمكّنهن من سحرك 

- هذا خطأي .. وكأني فتحت على نفسي ابواب جهنم ، بتلاعبي بمشاعرهن 

سلمى : ليكن درساً لك .. فمعظم النساء لديهن افكار شيطانيّة : وأكثريتهنّ غيّورات وحقودات ، او ناقمات على الرجال بشكلٍ عام .. وبتعرّفك على المزيد منهن ، تصبح عرضة لإنتقامهن المدمّر .. المهم الآن ، سأتركك تعمل قبل وصول العميل


فشكرها مجدداً على حسن اخلاقها .. وعاد لعمله من جديد

***


بعد اسبوعين ، تفاجأت سلمى برسالةٍ منه (بعد فكّه الحظر عنها) !

((اردّت إخباركِ بنجاح مشروعي .. وتمكّني من حماية حاسوبي من الهاكر اللعينة .. كما ذهبت للشيخ لتحصين نفسي مع بداية شعوري بأعراض السحر ، عقب رؤيتي للكوابيس المرعبة .. وقد نصحني الشيخ بالحرص على ديني ، حتى لا اصبح فريسةً سهلة للجن .. خصوصاً بعد ظهور بثورٍ تشبه الصدفيّة بجلدي ، والتي سارعت بعلاجها قبل انتشارها بجسمي .. فمن بين كل البنات اللآتي تلاعبت بمشاعرهن ، لست نادماً إلاّ عليك.. رجاءً سامحيني))


فأرسلت سلمى جوابها : كنت درساً قاسياً بحياتي .. لكني أؤمن بأن الزواج قسمة ونصيب .. وأتمنى لك حياةً سعيدة مع حبيبتك


وماهي الا دقائق ، حتى جاءها الردّ :

- يبدو ان سحرهنّ نجح بشيءٍ واحد ، وهو تفريقي عنها ! فحبيبتي فاجأتني بخبر خطوبتها من ثريٍّ عجوز

سلمى : لا تحزن ، لربما اراد الله لك الخير مع غيرها

- وهذا ما اشعر به فعلاً 

بارتباك : ماذا تقصد ؟!

- اريد رقم والدك ، لتحديد موعد الخطوبة

سلمى باستغراب : ولما اخترتني من بين كل البنات اللآتي تعرفهنّ؟!

- لأنك الوحيدة التي أثبّتي حسن نواياك .. فقد ساعدتني قبل ان يدمّرونني مهنيّاً وصحيّاً ونفسيّاً ، رغم أذيّتني لك ! وهذا يدل هلى حنانك وطيبة قلبك ، وحسن تربيّتك .. فماذا اريد اكثر من ذلك ؟

سلمى : موافقة ، بشرط !! ان تعدني بعدم التلاعب بمشاعر البنات ثانيةً ، فهو ذنبٌ كبير يُغضب ربك 

- التوبة !! تعلّمت درسي جيداً

***


وبالوقت الذي كانت فيه ضحاياه السابقات تبحثن عن بديلاً له ، كانت سلمى تنعم معه بأجمل شهر عسلٍ بأوروبا .. فهي استحقّت تعويض ربها ، بسبب صبرها ورضائها بالقضاء والقدر .. وهو شيءٌ نادر بحياتنا التنافسيّة الصعبة !


السبت، 31 مايو 2025

الحب العقيم

تأليف : امل شانوحة 

 

المريض النفسي


تمّتم بغيظ ، وهو يراقب حسابها الإلكتروني من بعيد :

- اللعنة ! تبدو سعيدة ، وكأنها تخطّتني بالفعل.. وزاد عدد اصدقائها الذين تُكلّمهم بأريحيّة .. كأنها تناست غيرتي الخانقة ، وتعليماتي الصارمة.. لا !! الموضوع زاد عن حدّه.. حتى انها تبتسم بصورها الجديدة ! وتعمّدت قصّ شعرها ، رغم معرفتها بحبي للشعر الطويل.. اذاً عليّ إيقاف صمتي العقابي بعد تعدّيه الخمس سنوات .. وحان موعد عودتي ، لامتصاص طاقتها الإيجابيّة من جديد.. فأنا لم اجد احداً لطيفاً وحنوناً.. او بالأصح ، لم أعثر على ساذجة تحبني بصدق مثلها !


وأرسل تعليقاً على صورتها الأخيرة التي نشرتها بالفيسبوك :

- هل اشتقتي اليّ ؟


وحين قرأت ندى تعليقه ، شعرت بالإرتباك ! فقد عاد بعد طول غياب.. صحيح هو حبها الأول.. لكنها بسنوات الفراق ، تذكّرت انه لم يقدّم شيئاً مفيداً لها .. فهو اكتفى بالغزل الشحيح من وقتٍ لآخر ، لمراضاتها بعد غضبها من تأخّره للقدوم الى بلادها ، رغم علمه بحلمها الكبير بالأمومة.. والأسوء انه عاد بعد تقدّم رجلٍ آخر لخطبتها.. فهل ترفض صاحب النيّة الصافيّة ، لأجل شخصٍ نرجسيّ تلاعب بمشاعرها لسنواتٍ دون رحمة ؟ والذي حرص على نقد اهلها وأصدقائها ، واستهان بأحلامها المستقبليّة ..لجعلها فريسةً سهلة ، بعد إبعادها عن حماية القطيع !


ليس هذا فحسب .. فهي تذكّرت شعورها المرير كلما خاصمها بنقدٍ لاذع وهو يهدّدها بأنه املها الأخير لإنقاذها من العنوسة ، او العريس الوحيد على هذا الكوكب!

^^^


مرّت ساعة على تعليقه الغامض .. والذي جعلها في صراعٍ بين عقلها الرافض لعودته ، وبين قلبها الذي يتوق لمحادثته !


بالنهاية ربح قلبها .. وأرسلت رسالة على صفحته ، بعد فكّه الحظر عنها اخيراً :

- اكيد اشتقت اليك .. ماهي اخبارك بالسنوات الخمس الماضية ؟

ولم تمرّ دقائق ، حتى راسلها قائلاً : 

- كنت أستعدّ ماديّاً ، لأصبح جاهزاً لخطبتك

فردّت بسعادة : أحقاً ما تقول ؟!

- بالتأكيد حبيبتي !! وسآتي الى بلادك خلال ايام .. فتجهزّي يا عروستي الجميلة


وكادت ندى تطير فرحاً بهذا الخبر.. لكنها فضّلت عدم إخبار اهلها ، قبل التأكّد من وصوله الى بلادها .. فهو أخلّ بوعوده السابقة ، خلال العشر السنوات الماضية (التي عرفته فيها) لهذا لم تعدّ تثقّ به كالسابق

***


وبعد ايام .. ارسل صورته امام فندقٍ شهير في منطقتها ، وهو يقول:

- هآ انا وصلت 

ندى بسعادة : الحمد الله على سلامتك ، سأعطيك عنوان منزل اهلي

- ليس بهذه السرعة .. فأنا تعرّفت عليك بالإنترنت منذ مدةٍ طويلة ، وأكيد تغيّر شكلك.. اريد مقابلتك بالفندق.. ورجاءً لا تخبري احداً بموعدنا .. ففي حال اتفقنا على جميع التفاصيل ، أوصلك بنفسي الى بيتك.. وسأصعد معك ، للحديث معهم عن موعد الزواج.. وربما نشتري الخواتم قبل ذهابنا لأهلك..

ندى بدهشة : أبهذه السرعة ؟!

- ألا تكفي العشر سنوات التي ضيّعناها من حياتنا ؟ 

ندى بحماس : حسناً موافقة !! لكني سأجتمع معك في صالة الفندق

- بالتأكيد حبيبتي .. لا تدرين كم اشتقتُ اليك

ندى بخجل : وانا ايضاً

***


في الفندق .. وجدته ينتظرها على إحدى الطاولات ، وأمامه كأسان من العصير !

وما ان اقتربت منه بكامل زينتها ، حتى سألته باستغراب :

- هل كان معك احد ؟!

وقبل ان يجيبها ، فاجأها بحضنٍ دافىء وهو يقول :

- ذاك الكأس لك .. فقديماً أخبرتني عن حبك لعصير الأناناس 

ندى بدهشة : أمازلت تذكُر ؟!

- لم أنسى تفصيلة صغيرة من محادثاتنا السابقة 


وجلست تحدّثه عن شوقها له ، بعد غيابه المفاجئ .. فعاتبها :

- ولما لم تتصلي بي ثانيةً ؟

ندى : كيف أفعل بعد ان حظرتني ؟!

- آه آسف ! هذه غلطتي .. ظننت بإمكاني نسيانك ، لكني فشلت بذلك

- وانا ايضاً.. جيد انك قدمت بالوقت مناسب .. فأهلي يضغطون عليّ ، للموافقة على العريس الجديد !

فقال بحزم : لا احد سيلمسك غيري !!

فابتسمت بخجل : اعرف غيرتك جيداً

- هيا إشربي العصير .. فأنت تبدين مُنفعلة من ضغط اهلك عليك


وقبل إنهائها العصير ، شعرت بدوّارٍ شديد ! وتشوّشت رؤيتها ، وهي تسمع صوت النادل يسأله :

- هل زوجتك بخير ؟!

فأجابه : هي تشعر بدوّار الحمل .. سآخذها لغرفننا

وكان هذا آخر ما سمعته ، قبل ان تغطّ بنومٍ عميق !

^^^


لتسيقظ مساءً في سرير غرفته بالفندق ، وهي شبه عارية !

فسارعت بفتح جوالها بيدٍ مرتجفة ، لتجد رسالته الصوتيّة :

((هل ظننتِ ستنجين مني بسهولة ؟ لم تُخلق فتاةٌ حتى الآن ، لم تعطني غايتي بإرادتها او غصباً عنها .. على كلٍ ، بالتوفيق مع عريسك القادم .. هذا إن وافق على الزواج منك ، بعد حصولي على مرادي.. لا تتصلي بي ثانيةً .. لأنك عندما تستيقظين من المخدّر الذي وضعته في شرابك ، سأكون وصلت بلادي.. 

وملاحظة أخيرة : كل المعلومات التي تعرفينها عني ، خاطئة .. حتى إسمي مزيّف.. وهذا ذنبك ، لتجاهلك مخاوف اهلك .. فهم مُحقّين حين نصحوك : أن النرجسي لا علاج له))


وختم رسالته بضحكةٍ مُستفزّة ، قبل إلغاء رقم جواله .. 

لتنهار ندى باكية ، بعد تدميره حياتها للأبد !


الخميس، 29 مايو 2025

العذاب الطويل

تأليف : امل شانوحة 

عقوبة السّحرة


في الجزائر ، وبآخر الليل .. قدمت امرأة ستينيّة الى منزل زميلتها التي سألتها باستغراب :

- لما هذه الزيارة المتأخرة ؟!

- اعلم جيداً انك تسهرين الليل مثلي ، فعملنا يتطلّب ذلك

- ومالذي اتى بك اليّ ؟

- تبدين هادئة ! الم تسمعي بقرار الحكومة بتنظيف جميع القبور .. والذي سيبدأ غداً صباحاً مع مجموعة متطوعيّن ، بالإضافة لمشايخ مُتخصّصين بفكّ الأسحار ؟

بقلق : اذاً الإشاعة صحيحة ؟!

- نعم !! وهذه مصيبة .. لأنهم سيعثرون على اسحارنا القديمة التي يعود بعضها لعشرين سنة !

- المشكلة ليست بفكّ الأسحار فحسب .. بل إحتمال كبير ان نُسجن ، كوننا أشهر مشعوذتيّن بالبلد.. خاصة ان منازلنا قريبة من المقبرة الأكثر إزدحاماً بالموتى ! 

بخوف : هذا إن لم يقتلنا الأهالي الغاضبون ، بعد رؤية صور ابنائهم المسحورين .. (ثم تنهّدت بضيق).. قرار الحكومة المُفاجئ سيضيّع كل تعبنا ومجهوداتنا ..

مقاطعة : وهل ضاعت بالسنوات الماضية ؟

- ماذا تعنين ؟!

- الم تتسبّب اسحارنا بموت وتشويه وتمريض الأشخاص الذين قمنا بسحرهم ، حسب طلبات اعدائهم ؟

- بلى ، لكني مقهورة على تحرّر المصابين بسحر التعطيل..

- يكفي ضيّعنا شبابهم بعد تجاربهم الفاشلة وخيبات الأمل ، مع كل فرصة خسروها بسبب الجن والعفاريت التي سلّطناها عليهم


فسألتها باستغراب : ما بالك تتكلّمين ، كأنك نويّتي التوبة ؟!

بحزن : وهل لنا توبة ؟ فقد سمعت مقاطع كثيرة لمشايخ بالإنترنت ، يأكّدون ان السّحرة مخلّدون بالنار !

- هل جميع المشايخ متفقون على ذلك ؟!

- ماعدا واحد ، قال يمكن قبول توبتنا بشرطيّن

باهتمام : وماهما ؟!

- أن نفكّ جميع الأسحار التي قمنا بها .. وأن نعتذر من كل المسحورين عن الضررّ الذي تسبّبنا به

- هاذيّن شرطيّن تعجيزيّن ! فهناك اسحار رميناها بالبحر ، او علّقناها بالعصافير.. كما إن حصولنا على مغفرة المسحورين ، لمن سابع المستحيلات!

- اعرف هذا .. وهذا يعني أننا ضمِّنا عذاب القبر والآخرة !

- تبدين نادمة على تعلّم السحر ؟!

- انا دخلت هذا المجال بالصدفة

- هل بسبب حقدك من امرأةٍ ما ؟!

- اعرف قصتك .. وانك تعلمتِ السحر بسبب عقمك ، وحمل جارتك من زوجك الذي تزوّجها سرّاً .. فأردّتِ عقاب ضرّتك بأسوء الطرق .. اما انا !! فتعلّمته لحماية نفسي من السحر

- نحن زملاء عمل منذ سنوات ، ولليوم لا اعرف قصتك .. رجاءً إخبريني بها؟


فتنهّدت بضيق : 

- في شبابي ، تقدّم لي عريسٌ ثريّ .. فرفضه والدي ! مما أغاظني ، فقد كنت احلم بالثراء منذ صغري.. وبعد وفاة ابي ، إتصلت به وأخبرته بموافقتي ..فعاد لخطبتي

- وهل تزوّجته بالفعل ؟

- وليتني لم افعل .. فقد تفاجأت بعد انتقالي لقصره ، بوجود زوجتيّن قبلي !

- الم يخبرك عنهما ؟!

- ربما اخبر ابي ، لهذا رفضه .. فهو يعلم بغيرتي القوية من اخوتي

- خطأ والدك انه لم يفهمك سبب الرفض

- هذا صحيح .. رحمه الله

- إكملي قصتك ؟

- لأني عروس جديدة ، تعشّمت بتطليقهما لأجلي .. لكنه رفض طلبي ، لأن لديه اولاد منهما.. ويبدو إن إلحاحي عليه ، وصل اليهما .. فسحراني بقطعة دهن ، علّقاها في شجرةٍ يابسة بالصحراء .. وبذوبانها بالحرارة ، اموت دون علاج ! 

بصدمة : لم أكن اعرف انك سُحرت يوماً ؟! 

- هذا ما حصل.. وبعد شهر ، اوشكت على الموت بعد ان هزل جسمي بشكلٍ مخيف.. فطلبت الطلاق ، وعدّت لأهلي وانا مريضة للغاية ونفسيّتي مُحطّمة تماماً .. وللأسف اخطأت امي بأخذي الى جارتها..

مقاطعة : أتقصدين إستاذتنا الشهيرة التي علّمتنا السحر ؟ 

- نعم ، وليت امي أخذتني الى الشيخ لعلاجي .. فالجارة بعد تحريري من السحر .. إقترحت تعليمي الشعوذة ، لحماية نفسي من الأشرار

- وكيف تورّطتي بالموضوع ؟! 

- بعد زواجي الثاني ، تضايقت من زيارة اهله المتكرّرة لبيتي.. ويبدو ان الجني (الذي سخّرته المشعوذة لي) عرف بالأمر ، فاقترح سحر زوجي لفصله عن اهله.. وبالفعل أشربته السحر ، ليقوم بمخاصمتهم جميعاً.. مما ادّى لقطيعةٍ كبيرة ، خلّصتني منهم للأبد.. ثم شجّعني الجني على أذيّة بعض الأشخاص الذين اكرههم ، مقابل نقوداً ذهبيّة كمكافئة لي .. ولم اجد نفسي إلاّ وانخرطت بهذا المجال القذر ، خصوصاً بعد وفاة زوجي وسفر ابني الوحيد للغربة !


فسألتها : الم تفكّري بالتوبة من قبل ؟

- بلى ، بعد ثالث عملٍ سحريّ قمت به .. رأيت عذابي بجهنم في المنام ، فعقدّت العزم على التوبة .. دون الإكتراث بتهديد الجني الذي اصابني بعدّة امراضٍ غريبة ومؤلمة.. لكن بعد أذيّته طفلي ، عدّتُ مُجبرة لأعمال السحر .. وكلّه بسبب الجني اللعين الذي ظننته مخلوقاً لخدمتي ، لكني بالحقيقة كنت عبدةً له ! فهو أقنعني بأن الله لن يسامحني على اعمالي السابقة.. ففكّرت بأنه طالما خسرت الجنة ، فلأكمل للنهاية .. الى ان اصبحت من اهم مشعوذي البلد !

فقالت الأخرى بحزن : اما انا ، فكرهي لضرّتي التي تفاخرت بدلال زوجي لها ولإبنها ، هو ما جرّني لهذا المهنة القذرة.. (ثم تنهّدت بضيق).. المهم الآن ، مالعمل بالمصيبة القادمة ؟ فأسحارنا على وشك ان تُكشف امام الملأ !

- ليس امامنا سوى إنتظار النتيجة غداً : فإما ان يتمكّن الجن من إعماء عيون الباحثين عن مكان الأسحار المدفونة ، او نُعاقب على جريمتنا بأبشع الطرق.. ولنتمنى ان تسجّننا الشرطة ، بدل الموت حرقاً من الأهالي الغاضبين

***


في اليوم الثاني ، ظهراً.. إستيقظت إحدى الساحرتيّن (في بيتها الأرضيّ) على صوت طرق بابها بعنف ! من ابٍ ماتت ابنته الوحيدة بالسرطان ، بسبب السحر الذي وجدوه بين المقابر صباحاً ..


فحاولت الهرب من النافذة ..

لتتفاجأ بأم المغدورة تنتظرها هناك ، والتي انهالت عليها طعناً بالسكين.. لينضم اليها الوالد ، ويُجهز عليها.. ثم الهرب مع زوجته قبل قدوم الشرطة!

^^^


اما المشعوذة الثانية .. فتمكّنت الشرطة من كسر باب شقتها ، للقبض عليها بناءً على طلب الأهالي الغاضبين .. ليجدوها تحتضر بنوبةٍ قلبيّة من شدّة فزعها.. وماتت قبل وصولها للمستشفى !


فتنفّس اهالي المسحورين الصعداء ، بعد علمهم بموت اهم ساحرتيّن بالمنطقة .. وإن كان هذا لم يشفي غليلهم ، بعد مقتل بعض ابنائهم او تشوّههم او إنتحارهم يأساً بسبب اسحارهما اللعينة !

***


وانتشرت اخبار الجزائر لجميع الدول العربية التي شجّعت الأشخاص المنحوسين او من يعانون من امراضٍ مُزمنة على نبش القبور والخرابات والأماكن المهجورة .. وصولاً للصحاري ، مع بحث الغطّاسين عن الأسحار الغارقة قرب الشواطئ .. 


والغريب هو تكرّر الأحداث في كل مكان ، بعد كشف آلاف الأعمال الشيطانيّة ! 

مع نشر صور المسحورين على وسائل التواصل الإجتماعي الذي ضجّ ببكائهم وهم يشاركون الناس قصص معاناتهم لسنواتٍ طويلة..

^^^


وبعد إفتاء كبار المشايخ : بأنه من ثبت بالدليل القاطع إمتهانه السحر ، حسب الأغراض الشيطانية التي عثرت عليها الشرطة في داره .. فإن الحكم الشرعي هو قتله .. كما أفتوا : بأن موت السحرة سيفكّ جميع اسحارهم ، مهما كان نوعها 


مما جعل الناس تتطالب بقتل جميع السحرة والمشعوذين .. وعندما لم ترضخ الحكومات لطلبهم .. ضجّت العواصم العربيّة بالمظاهرات ، مُهدّدين بإسقاط الحكم في حال لم يعاقبوا السحرة .. 


وبعد الضغط لأسابيع ، رضخ الحكّام لطلبهم .. 

وتجمّع الأهالي في يومٍ حُدّد بجميع الدول العربية ، لحرق السحرة كما العصور الوسطى .. ورغم غرابة الحدث ، الا أن المحاكمات العلنيّة نُقلت عبر وسائل الإعلام المحلي والعالمي !

 

ومع موت السّحرة البطيء والمؤلم ، إنفكت بقيّة الأسحار الخفيّة..  

لتمتلأ المساجد بالشاكرين لله على الفرج الذي طال انتظاره ، وهم يلعنون السحرة الذين عوقبوا بنار الدنيا ، وخلودٍ في جهنم لأبد الآبدين !

***


لكن ما تناسوه الناس ان اعدائهم الحقيقيين : هم من سرقوا صورهم وأغراضهم الشخصيّة وقدّموها للسحرة ، وعادةً ما يكونوا اقارب اكثر من الغرباء .. والذين لزموا منازلهم وهم يشاهدون إعدام السحرة (بجوالاتهم) بصمت ، وقلوبهم الحاقدة خائفةً من الفضيحة والعقاب .. 

فهل سيتوقفوا عن الأذيّة بعد موت السحرة ، ام سيبحثون عن وسيلةٍ اخرى لإيذاء المسحورين من جديد !


الاثنين، 26 مايو 2025

الحب القدري

تأليف : امل شانوحة 

المُجنّد المشهور


بعد انتهاء مسلّسله الذي دام تصويره سنتيّن ، والحائز على العديد من الجوائز بعد نجاحه الباهر.. إلتحق البطل التركي بالعسكريّة مُجبراً (بمدّةٍ تدوم شهراً) بعد توديعه البطلة (التي مثّلت معه دوّرها الأول في حياتها المهنيّة) والتي اصبحت حبيبته قبل انتهاء المسلّسل.. وبدوّره وعدها بالزواج ، فور إنتهاء خدمته العسكريّة

^^^


وبعد توديع اهله وتسليمهم جوّاله ، ركب الحافلة العامة التي ستوصله بطريقها الى مكان التجنيد..


وفي الطريق ، جلس البطل امام سائحةٍ عربيّة.. وهي الوحيدة التي عرفته بين الركّاب .. رغم حلق شاربه ولحيّته ، وإخفاء وجهه بالقبعة والنظّارة السوداء !

قائلةً له :

- سمعت في مقابلتك الأخيرة : عن رغبتك التمثيل مجدداً مع البطلة في فيلمٍ رومنسي ، بشرط أن يتمّ تصويره بإحدى الجزر 

البطل : هذا صحيح !

- انا كاتبة عربيّة .. وكتبت القصة التي اردّتها ، وترجمتها للتركيّة.. وطالما ذاهبٌ للتجنيد ، فجوّالك ليس معك .. لذا يمكنك قراءة ملخّص الفيلم الذي لا يتجاوز العشر صفحات من جوالي ، قبل وصولك للعسكريّة


فأخذ يقرأ القصة ، لشعوره بالملّل دون جوال 

^^^


وبعد قليل ، اعاد جوّالها ..وهو يقول باستغراب :

- كتبتِ احداث الفيلم وحبكته ، تماماً كما تخيّلته !

الكاتبة : اذاً أعطني بريدك الإلكرتونيّ ، لأرسله لك

- سأخبرك به ، لكن رجاءً..

مقاطعة : لا تقلق ، لن اعطيه لأحد.. اساساً سأعود الى بلادي قريباً


وبعد إرسالها القصة على ايميله ، أوقفت السائق للنزول لإحدى المطاعم الشهيرة في تركيا ، بعد توديعها البطل وهي تقول بصوتٍ منخفض (كيّ لا يسمعها بقيّة الركّاب):

- أتمنى ان تُنهي خدمتك العسكريّة بسهولةٍ ويُسر


فراقبها من نافذة الحافلة ، وهي تقطع الشارع المواجه للمطعم .. ليتفاجأ باصطدامها من سيارةٍ مسرعة ! 

فنزل اليها ..موقفاً سيارة اجرة ، لأخذها (وهي فاقدة الوعيّ) الى المستشفى..

^^^


ورغم تجبير قدمها ، إلاّ انها لم تستردّ وعيها ! فاتصل بوالده من هاتف المشفى ، والذي سأله بفزع :

- اين انت يا بنيّ ؟!! إتصل الضابط قبل ساعة ، وأخبرني بعدم التحاقك الجيش .. كنت سأصاب انا وامك بنوبةٍ قلبيّة !!


فأخبره بما حصل .. ثم ردّ مُعترضاً :

- لا يا ابي ! لا استطيع تركها.. فهي غريبة عن بلدنا ، وليس لديها احداً هنا

الأب : اذاً سآتي الى المشفى ، بعد اتصالي بالسفير لأخذ المعلومات عن اهلها .. المهم ان تذهب فوراً للعسكريّة ، وإلاّ سيعاقبونك !!

البطل بإصرار : لن اخرج من المشفى ، قبل قدومك يا ابي

^^^


وبالفعل عُوقب بالحبس الإنفرادي بمبنى الجيش لمدّة إسبوع ، بسبب تأخّره عن الإلتحاق ببقيّة الجنود !  


بعدها سمحوا له الإتصال بوالده الذي طمّأنه بسفر الكاتبة ، وعودتها الى عائلتها مع جبيرة بقدمها .. وإنها اعطته رقم جوالها ، في حال اراد ابنه الإتصال بها بشأن الفيلم!

فحاول البطل إفهام والده الموضوع : 

- هو فيلم كتبته خصيصاً لي ولزميلتي.. سأخبرك به بعد إنتهاء العسكريّة

***


وبعد شهر .. إستقبلته عائلته بالأحضان ، بعد تضخّم عضلاته وزيادة لياقته البدنيّة من كثرة التمارين الصارمة للجيش .. وكان مُتحمّساً لرؤية حبيبته التي اعتذرت عن استقباله ، بعد توقيعها عقد مسلّسلها الجديد مع البطل الشهير !


ورغم محاولته ملاقاتها اكثر من مرة ، لكنها تحجّجت بانشغالها بعملها الجديد ! حتى انها رفضت العمل معه بفيلم الجزيرة ، الذي تمكّن من إيجاد منتجٍ له ! 


ليعلم لاحقاً بعلاقتها العاطفيّة مع البطل الجديد ..مما كسر قلبه ، فهي حبه الأول !

فواساه والده :

- هي كانت ممثلة مبتدئة ، لهذا تعلّقت بك .. فلديك خبرة اكثر منها بمجال التمثيل .. وبعد شهرتها ، سعت خلف البطل المشهور ..والذي حتماً سيتركها بعد انتهاء المسلّسل ، فهو لعوبٌ مثلها .. بينما انت مخلص ، ذوّ قلبٍ حنون.. ولن تجد لك مثيلاً .. لذا لا تأسف على الرخيص ، يا بنيّ

***


وبعد ايام .. إتصل به المنتج ، ليسأله عن اسم البطلة التي يتمنى مشاركته التمثيل في فيلم الجزيرة ؟

فطلب مهلة ، لإيجادها..

ثم تحدّث مع الكاتبة العربية التي أخبرته بفكّ جبيرتها ، وعودتها القريبة الى تركيا

***


وبعد يوم من عودتها ، فاجأها بقدومه الى الفندق التي تنزل فيه ! مُقترحاً عليها تمثيل بطولة الفيلم معه ؟

الكاتبة بارتباك : صحيح انني احفظ السيناريو عن ظهر قلب ..وجعلت البطلة تُشبهني بالطباع والشخصيّة.. لكني لم أمثّل بحياتي !

البطل : اذاً دعينا نختار أصعب مشهدٍ بالفيلم .. وإن نجحتي به (حسب رأيّ المخرج) تُكملين بقيّة الفيلم معي.. وإن وجدّت صعوبة بتمثيل المشهد ، نبحث عن غيرك .. ما رأيك ؟

الكاتبة : اساساً فيلمي يعتمد على العفويّة ، فهو عن يوميات شخصيّن عالقيّن بجزيرةٍ نائيّة بعد تحطّم طائراتهما .. لهذا لم اشترط بالعقد : حفظك الحرفي للنصّ ، يكفي شعورك بمضمون الأحداث 

- اذاً اتفقنا .. سآتي غداً صباحاً ، لأخذك لمكان التصوير 

***


وبالفعل ذهبت معه الى منطقةٍ ساحليّة تركيّة (لإيهام الجمهور انهما بجزيرةٍ مُنعزلة)

حيث تضمّن المشهد لبس البطل (القاسي الطباع منذ بداية الفيلم) فستاناً وجده على الشاطىء (بعد خروجه من احدى حقائب المسافرين الغارقة) ولبسه مضّطراً بعد غسل ملابسه !


فطلبت الكاتبة من المخرج بعدم رؤيتها الممثل بالفستان إلاّ لحظة تصوير المشهد ، لكيّ تكون ردّة فعلها طبيعيّة..


وبالفعل بدأ المشهد : وهي تنحت غصن شجرة بحجرةٍ مُسنّنة ، لتحويله لرمح صيد السمك.. والبطل يناديها من الخلف ، وهو يقول :

- إيّاك أن تضحكي عليّ !!


وما ان التفتتّ ، ورأته بفستان النوم الأزرق .. حتى ضحكت الكاتبة ملء شدقيّها ، بلقطةٍ عفويّةٍ رائعة .. جعلت المخرج يصرّ على تمثيلها كل الفيلم

***


وبعد عرض الفيلم بصالات السينما .. حصل على جائزة افضل فيلم رومنسي طريف ، اعجب النقّاد والمشاهدين .. خصوصاً شخصيّة البطليّن المتقاربة.. رغم قلق الكاتبة من نقد الجمهور الذين تمنّوا زواجه الحقيقي من بطلة مسلّسله القديم ، والتي حضرت حفل التكريم وهي تكتم غيظها بعد نجاح الفيلم الذي رفضته ..بعكس مسلّسلها الذي حصل على إنذار بوقف تصويره ، لقلّة مشاهديه !

***


وبعد عودة الكاتبة الى بلادها.. تفاجأت باتصال من البطل (بعد شهرين على غيابها) ليخبرها باشتياقه لرؤيتها ! وسؤالها عن موعد عودتها لتركيا؟!

فردّت الكاتبة بإحراج : احتاج سبباً مهمّاً للعودة

- ما رأيك بزواجنا ؟

فسكتت قليلاً بخجل ، قبل ان تقول : 

- اذاً تعال انت واهلك الى بلادي ، للحصول على سياحةٍ رائعة .. وبعد تعرّف العائلتيّن ، نتناقش إن كان زواجنا ممكناً او لا

***


وبالفعل قضت عائلة البطل اجمل اسبوعيّن في البلد العربي.. وبعدها تمّ الزواج بسهولةٍ ويسر .. وتعود الكاتبة معه ، كعروس الى تركيا.. 


وقد ضجّ خبر زواجه ، الصحافة ووسائل التواصل الإجتماعي .. الى ان وصل لمسامع البطلة السابقة التي تعاني من جفاء البطل الجديد معها بالكواليس ! والتي باركت زواجهما وهي تكتم غيظها على تفويتها الفرصة ، بعد ان كان هائماً بحبها


وعندما تكلّمت مع العروس لتبارك لها ، ردّت الكاتبة : 

- كنت كتبت الفيلم خصيصاً لكما ، لأنني كما الجمهور التركي والعربي اردّت زواجكما بعد مسلّسلكما الناجح.. لكن يبدو للقدر رأياً أخراً! 

البطلة السابقة : انت استحقيّته اكثر مني.. رجاءً إنتبهي عليه ، فهو جدير بكل خيرٍ وسعادة


ثم أغلقت المكالمة وهي تشعر بالندم على خسارتها لحبه الصادق .. الذي من الصعب إيجاد مثيلاً له ، في مهنتها الفنيّة المليئة بالنفاق والفسوق !


السبت، 24 مايو 2025

الروح البائسة

تأليف : امل شانوحة 

 

هدفٌ للحياة


((ثمانية مليارات نسمة بهذا العالم .. وانا اعيش وحيداً بغرفتي الكئيبة ، بنزلٍ رخيص بحيّ المجرمين ! لا احد يهتم إن بقيت حيّاً او ميتاً ، ولا أثرٌ حميد أتركه بهذه الدنيا .. وإن واجهت مشاكل ، فلا اجد من يواسيني او يساعدني بحلّها .. 

مُكتئب بشدّة ، رغم ان الليلة هو عيد ميلادي الثلاثين الذي لم يحضره احد من زملائي في العمل ، حتى عامل نظافة الفندق (الذي انا فيه) إعتذر عن الإحتفال معي ! 

وقبل ايام .. عانيّتُ من حمّى قوية ، أشعرتني بقرب أجلي.. لكن الأشد إيلاماً من المرض ، هو المعاناة وحدي .. حتى عندما تخرّجت من الثانويّة بظروفٍ صعبة ، لم اجد من يبارك لي .. فوالدتي أهدتني اغرب هديّة بعد بلوغي سن ١٨: شنطة ملابسي ، وأوراقي الرسميّة .. قبل ان تطردني من منزلها ، وهي تخبرني : بأنها لم تعدّ مسؤولة عني ، بعد بلوغي السن القانونيّة .. وكل هذا لإحضار حبيبها السكّير الى غرفتي ! وبالكاد تخرّجت ، وانا مشرّد بالشوارع .. اعاني من تنمّر زملائي على رائحتي وثيابي القذرة .. وبسبب توقف امي عن دفع مصروفي ، لم استطع إكمال دراستي والإلتحاق بالجامعة .. واضرّرت للعمل كعامل توصيلات (دليفري) في السوبرماركت.. وبراتبي البسيط ، تمكّنت من إستئجار غرفة مليئة بالحشرات والرطوبة ، بحيّ يعجّ بالعصابات والمخدرات والملاهي الليليّة ! وقد حاولت الإنتحار مراراً .. لكني لم انجح كالعادة ، فأنا انسانٌ فاشلٌ بامتياز.. ولم يعد امامي سوى انتظار القدر ان يُنهي حياتي ، وأتمنى ان يحدث ذلك قريباً))

ثم وضع اريك قلمه جانباً ، مُغلقاً دفتر الذكريات الذي يشكي فيه همّه من وقتٍ لآخر


وقبل استسلامه للنوم من شدّة التعب (لعمله دواميّن بالسوبرماركت ، حتى لا يبقى وحيداً لوقتٍ طويل) سمع طلقاتٍ ناريّة ، قادمة من آخر الحيّ.. وهي عادة تحصل بنهاية كل شهر ، عندما يقوم المجرمون بسرقة رواتب الفقراء في المنطقة الشعبيّة .. حتى انه تعرّض للسرقة اكثر من مرة.. وفي كل مرة يشكر ربه انه وصل الى غرفته سالماً ، دون إصابته برصاصةٍ طائشة.. لكن يبدو انه بهذه الليلة وصل اليأس الى ذروّته ، جعله ينهض من فراشه .. للخروج من غرفته ليلاً ، باتجاه الحيّ الأخطر في المنطقة !


ليس هذا فحسب ، بل تعمّد عدّ نقوده القليلة (التي لا تتجاوز المئة دولار ، بعد دفعه اجرة غرفته) اثناء عبوره الشارع.. على امل تعرّضه للسرقة والقتل ، للإرتياح من حياته الصعبة !

^^^


وماهي الا لحظات .. حتى خرج شابٌ يافع (مُنتمي لعصابة الشوارع) وهو يلوّح بسكينته الحادّة ، آمراً بإعطائه المال..

فأصرّ اريك على الرفض ، كيّ يثير غضبه ويقتله


وهذا ما حصل .. فقد طعنه الشاب في خاصرته ، وسرق ماله .. هارباً بأسرع ما يمكنه ، لوكر عصابته ..

بينما صرخ اريك بألم ، ليس طلباً للنجدة .. بل مُنادياً السارق بعلوّ صوته :

- رجاءً إطعني بالقلب !! لما لم تُجهز عليّ ؟! تعال واقتلني !! ليس لديّ عائلة لتقاضيك .. رجاءً خلّصني من حياتي البائسة !!!!


لكن تخطيطه للإنتحار ، فشل كما المحاولات السابقة ! لهذا فضّل البقاء مستلقياً في بركة دمائه دون إصدار صوت ، فوق رصيف احدى الشوارع المظلمة .. 

^^^


الى ان مرّت دوريّة شرطة بعد ساعة ، لتجده على حافّة الموت ! فسارع احدهم بالإتصال بالإسعاف .. بينما حاول الشرطي الثاني الضغط على جرح اريك ، لوقف النزيف .. وهو يقول :

- لا تستسلم !! حاول مقاومة اوجاعك .. سننقذك بعد قليل

اريك بصوتٍ متعب : لا رجاءً ، لا تساعدني !!

فقال الشرطي الثاني بدهشة : يبدو انه أصيب بصدمةٍ نفسيّة !

الشرطي الأول معاتباً اريك : 

- جوالك واقعاً امام يدك ، لما لم تتصل بالإسعاف قبل ان يتصفّى دمك؟!

اريك باكياً : لأني اريد موت !! رجاء إذهبا ، ودعاني وحدي

لكنهما أصرّا على حمله ، ووضعه بسيارة الإسعاف

^^^


وفي طريقه للمستشفى .. حاول المُسعفان إيقافه عن إزالة قناع الأكسجين ، بعد رفضه العلاج بما تبقّى من قوّته ! مما أجبرهما على حقنه بالمخدّر


عندما وصلوا للمستشفى .. أخبر المسعف الطبيب عن حالة اريك الغريبة ، ورغبته الجادة بالإنتحار !

***


وفي المساء .. دخلت الممرّضة (اليافعة) الى غرفته ، لتجده يحاول إزالة المصل ! فأوقفته بصعوبة ..

وكان على وشك دفعها ، للهرب من المشفى.. لكنه تجمّد ، فور رؤية جمالها الناعم وهي تسأله بدهشة :

- لما تصرّ على الموت ؟! رجاءً إخبرني قصتك ، لربما استطعت مساعدتك


وبعد ان هدأ قليلاً ، وافق على مشاركتها همومه التي بدأت منذ إنجابه من علاقةٍ عابرة .. تسببّت بانفصال امه عن عائلتها ، بعد رفض والده تحمّل مسؤوليّته ! وأخبرها كيف عاش مع والدته ١٨ سنة ، وهي تلومه على تدمير حياتها ..وكأنه هو من أجبرها على الحمل دون زواج ! ثم حدّثها عن حياة التشرّد.. ومتاعب العمل والفقر المستمرّ ، والوحدة القاتلة


فقالت له :

- غريب ! ظننت انني وحدي عانيّت من هذه الأمور

اريك باهتمام : ماذا تقصدين ؟!

الممرّضة بحزن : انا ايضاً تركت منزل ابي بسن ١٨.. ليس طرداً ، بل بإرادتي بعد أن خيّرني والدي : ان اصبح خادمة لعروسته اللئيمة التي عاملتني بحقارة ، او الخروج من منزله !

- وكيف أكملت تعليمك ، الى ان أصبحتي ممرّضة ؟!

- كنت حاصلة على منحةٍ دراسيّة في الثانويّة .. وقد وافق مدير المعهد على عملي في المكتبة ، مقابل اجرة غرفتي بسكن الطلاّب.. وبعدها انتقلت للسكن هنا ، في مكتبي بالمشفى

فتنهّد اريك بقهر : صعبٌ جداً ان لا تجدين من يشاركك فرحك او همومك

- هذا صحيح


ثم سألته :

- هل تحب عملك كدليفري سوبرماركت ؟

- لوّ كنت احبه ، لما حاولت الإنتحار اكثر من مرة

الممرّضة : اذاً ما رأيك لوّ تعمل هنا ؟ فنحن بحاجة لشخص يوصل الجثث للمشرحة بقبوّ المستشفى

- واين العامل القديم ؟!

- هرب بعد سماعه لجثةٍ تتحدث اسفل ملاءتها البيضاء

اريك بصدمة : وهل فعلاً تكلّمت الجثة ؟!

- كان خطأ بتشخيص حالة العجوز .. فقد عدّها الطبيب ميتة ، بعد تعرّضها لأزمةٍ قلبيّة .. وبعد تعويضها مالياً ، عادت الى اهلها عقب تلقّيها العلاج.. ومع ذلك رفض العامل إكمال وظيفته ، بعد ان اوشك على الموت رعباً من تلك الحادثة


اريك باهتمام : ولما اخترتني لهذه المهمّة ؟

الممرّضة : لأنه من يقوم بعدّ ماله في حيّ العصابات بغرض الموت ، لن يخاف من الجثث المتحلّلة 

- لم يكن عملاً بطوليّاً ، بل هو من شدّة يأسي وإحباطي.. بعد فشلي بالإنتحار ببلع حبوب الأدوية ، عقب تقيّئي السم .. وانقطاع حبل المشنقة اكثر من مرة ..ففكّرت بأن أدع مجرماً يأخذ روحي.. لكن يبدو انني منحوس بكل شيء !

الممرّضة : لا تيأس هكذا من الحياة.. جرّب العمل عندنا اولاً ، لربما أصبحنا اصدقاء

بدهشة : أحقاً ستكونين صديقتي ! فأنا لم يكن لديّ صديقة طوال حياتي

- ولا انا ، فقد كرّست كل وقتي للدراسة والعمل

فمد يده :

- اذاً صافحيني ، وانت تعاهدينني بالصداقة .. وبدوري اعدك بأن لا افكر بالإنتحار ثانيةً

فصافحته وهي تقول بابتسامة :

- اعدك بذلك ، يا زميل العمل

***


وبالفعل عمل اريك في المستشفى بنشاطٍ مضاعف عن عمله السابق ، جعلت الأطباء يعتمدون عليه بالكثير من الأعمال : كإحضار الأمصال من صيدليّة المشفى او اكياس الدم وأنابيب الأكسجين ، وحتى إحضار الطعام لهم من داخل او خارج المشفى

أما أوقات فراغه ، فقضاها بالتحدّث مع صديقته الممرّضة (كلما تفرّغت له) 


ومع مرور الوقت .. ظهر المزيد من القواسم المشتركة ، ممّا وطدّ العلاقة بينهما

***


الى ان تجرّأ ذات يوم ، على الجثو على ركبته (بفرصة الغداء) وهو يرفع خاتم الخطوبة بيده المرتجفة .. قائلاً بارتباك :

- إن رفضّتني ، فلن تريني ثانيةً .. لأنني سأكون بالجحيم .. أمّا ان وافقتي ، فستعيشين معي بجنةٍ دائمة .. اعدك بذلك ، يا حبيّ الوحيد

ففهمت انه سيحاول الإنتحار ثانيةً ، من رجفة جسمه الواضحة ..كأنه يعتبرها فرصته الأخيرة للحياة !


لتفاجئه بردّة فعلها ، مع كل المتواجدين بالكافتريا .. باحتضانه بحنان وهي تقول :

- بالتأكيد موافقة ، يا حبيّ الأول والأخير

وسط تصفيق الأطباء والممرّضين لهما

***


وبعد عام ، كانا سعيدان برؤية طفلهما الأول.. حين امسك يدها وهي تُرضع طفلها في غرفة المشفى بعد ولادتها :

- عديني حبيبتي .. ان نكون لهذا الصغير ، افضل ام واب بالعالم

زوجته : حتماً لن نكون كأبي وأمك.. بل سنغرقه حباً ودلالاً

- لكن لا تدلّليه كثيراً ، حتى لا أغار منه

- لا تقلق ، فحبي وعطفي يكفيكما انتما الأثنيّن

اريك : وبدوري اعدك الإعتناء بكما ، لأن سعادتكما هي هدفي الأسمى بالحياة


واحتضن زوجته وطفله بحنان.. 


بطلتي للأبد

تأليف : امل شانوحة  الحب الوهمي إنتهى المسلسل الرومنسي الناجح الذي اعجب المشاهدين ، خصوصاً فئة المراهقين لصغر عمر البطليّن اللذين أدّيا دوره...