الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025

مرآة العدالة

تأليف : امل شانوحة 

إنعكاس الحقيقة


يُعدّ المحقق جاك من الرجال العقلانيين ، لا يصدّق الا بالدلائل الماديّة والبصمات والإعتراف الصريح .. لكن اسلوبه وتفكيره تغيّر بعد ذهابه لسوق الأحد ، بعد رؤيته امرأةً غجريّة تبيع مرآةً كبيرة بسعرٍ غالي ! 

فسألها بتهكّم :

- 500 دولار ! هل إطارها مطلي بالذهب ؟

فابتسمت قائلةً :

- هذه لا ترى فيها الوجوه ، بل ما تخفي النفوس .. ولن يشتريها احدٌ سواك ، فهي ستفيد عملك الجنائيّ يا جاك 

فتفاجأ من معرفتها اسمه وعمله ايضاً ! 

- هل انت مشعوذة ؟!

- بل امرأة ذات بصيرة .. هيا اقترب من المرآة ، لمعرفة سرّها الغامض


وما ان وقف بجانب المرآة (التي طولها متريّن) حتى رأى وجهه نصفه ابيض ونصفه اسود ! 

فتراجع للخلف ، وهو يسمع تحليل العجوز : 

- يبدو بداخلك ، النور والظلمة معاً ! لكن عدلك يغلب سواد شكوكك .. فأنت بحكم عملك ، لا تثقّ بسهولة بالمحيطين بك 

جاك بصدمة : هل مرآتك تعكس الضمير ؟!

فردّت بابتسامة : والنوايا ايضاً .. الم اخبرك انها ستفيد عملك الصعب ؟


فاشتراها بدافع الفضول ، ونقلها باليوم التالي الى مقرّ عمله .. حيث قام بتعليقها على جدار غرفة التحقيق بمركز الشرطة ، خلف الكرسي الذي يجلس عليه المتهمين .. لربما تُسهّل معرفته ، ان كانوا ابرياء ام مذنبين !

*** 


بعد ايام ، بدأ تحقيقه مع متهمٍ بقتل زوجته .. وهو منهار بالبكاء ، ويصرّ على حصول الجريمة اثناء وجوده بالعمل .. مُدّعياً اقتحام لصٍّ بيته ، وقتله زوجته بعد مقاومتها له !


بهذه اللحظات ، إنتبه المحقق على انعكاس الرجل في المرآة السحريّة : حيث رأى خلافاته العنيفة مع زوجته ، وضربه المبرح لها طوال سنوات زواجهما .. الى ان حصلت الجريمة ، بعد طعنها مراراً بالسكين .. ثم إسراعه لمقرّ عمله ، ليضمن شهادة زملائه على وجوده هناك لحظة الجريمة ! 

ليس هذا فحسب ! بل ظهر انعكاس المتهم ، كأنه شيطان يضحك بخبثٍ ومكر .. مما ضايق المحقق الذي صفع المتهم ، للكفّ عن بكائه المُصطنع!


وبعدها سرد المحقّق الحقائق ، بتفصيلٍ أرعب المتهم الذي لم يعلم برؤية جاك لماضيه من خلال المرآة التي خلفه ! 

وبعد الضغط عليه ، إعترف بكل شيء .. وأُرسل للسجن ، لحين محاكمته


بينما كافأ مدير الشرطة ، المحقق على اكتشافه الحقيقة .. دون علم زملائه : بأنه الوحيد الذي يرى انعكاسات المتهمين في مرآته السحريّة 

***


بعدها بدأت سلّسلة إنتصارات المحقق الذي ازال بسهولة ، أقنعة المجرمين المحترفين .. ليصبح اسطورة بمجال عمله ، بعد كشفه العديد من ملابسات الجرائم الغامضة .. عقب إنهيار المتهمين امامه الواحد تلوّ الآخر ، بعد معرفته لأدقّ التفاصيل عن جرائمهم الشبه كاملة !

***


الى ان جاء يوم ، جلس فيه آدم امامه .. وهو سجينٌ افريقيّ ، حٌبس اربعين سنة بتهمة اعتدائه على طفلةٍ بيضاء اثناء لعبها قرب كوخه! 

والغريب بهذا السجين ان تصرّفاته اللبقة لا تُشبه المجرمين ، خصوصاً نظرته الذابلة من ظلم الحياة له !


حيث ظهر إنعكاسه في المرآة : كمراهقٍ خائف من تهديدات المحقق الشهير (استاذ جاك سابقاً) وهو يأمره بالإعتراف بجريمةٍ لم يرتكبها! 


وهنا تفاجأ العجوز آدم ، بجاك يمسك يده قائلاً :

- اعدك بإظهار براءتك 

- انت الوحيد الذي صدّقتني ! فجميع من سبقوك لم يكترثوا بعدم رؤيتي للفتاة الضائعة مُطلقاً 

جاك : المهم ان لا تفقد الأمل ، فأنا سأعيد فتح ملفك القديم 

^^^


وبالفعل ، أخرج ملف آدم من الأرشيف .. ليتفاجأ بقلّة الأدلة نحوه ، ومع ذلك حُكم عليه بالمؤبّد .. فقط لأن شاهداً عابراً ، رأى الفتاة تلعب بدرّاجتها قرب كوخه !


فالبصمة الجينيّة المحفوظة ضمن الأدلّة ، لم تُطابق يوماً آدم ! ولم تُقارن ايضاً بمشتبهٍ آخر (فهي مأخوذة قبل اكتشافهم الحمض النووي) .. حتى قطرة دم المتهم التي وجدوها على فستان الصغيرة ، غير مطابقة لفئة دم آدم !


وكان اكتشافاً عظيماً لبراءة المتهم الذي ضاع شبابه ظلماً.. ومع ذلك أصرّ جاك على العثور على مرتكب الجريمة ، قبل وصول الخبر للإعلام 

الا انه وجد صعوبة بإيجاد المتهم الحقيقيّ ، بعد مرور كل تلك السنوات ! 

^^^


واثناء دراسته الملفات القديمة في غرفة التحقيق .. اضيأت المرآة وحدها ! لتعيد ما حصل للفتاة الصغيرة ، كأنه مشهدٌ سينمائيّ : 

حيث مرّت سيارة بجانبها ، دعاها سائقها لإيصالها الى منزلها .. وقد ظهر وجه المشتبه به في المرآة السحريّة بوضوح ، لتكنّ الصدمة ! 

فالخاطف هو المحقق الشهير (من ضبّاط الجيل القديم) الذي أجبر آدم لاحقاً على الإعتراف بذنبٍ لم يرتكبه ! فهو من اعتدى على الصغيرة ، ودفنها بالغابة .. تاركاً درّاجتها امام كوخ آدم .. وهو من طلب من الشرطة القبض عليه ، كمتهمٍ اساسيّ لاختفاء الصغيرة التي لم يعثروا على جثتها ابداً !


فكتم جاك غيظه .. طالباً من مدير الشرطة ، بعض الحرس وكلابٍ بوليسيّة مُدرّبة للعثور على جثة الصغيرة ! 

وانطلق معهم للغابة ، وتحديداً لتلك المنطقة (دون اخبار احد بما شاهده بالمرآة)

^^^


وبعثوره على رفاتها ، أُعيد فتح القضيّة من جديد .. وباتهامه للمحقق السابق (الذي مات قبل سنوات ، بعد تكريمه كأفضل محقّق للعدالة بالمنطقة) آثار ضجّةً اعلامية ضخمة ، وغضباً جماهريّ : خصوصاً لأصحاب البشرة السمراء الذين تجمّعوا خارج السجن لحمل آدم فوق اكتافهم ، كبطلٍ مظلوم بعد حصوله على حرّيته اخيراً 

***


بعد تلك القضية ، تفاجأ جاك باختفاء المرآة السحريّة من غرفة التحقيق ! 

فسأل عامل النظافة (بالمركز) عنها ، وإن كان نقلها لمكانٍ آخر ؟ 

ليجيبه بإصرار : بعدم وجودها من الأساس بتلك الغرفة !


فراجع المحقق كاميرات المراقبة القديمة ، لينصدم بعدم ظهور المرآة بأيّةِ قضية حققّ بها سابقاً .. كأنها وهم ! رغم انها السبب باكتشافه الجرائم الغامضة التي وهبته العديد من الجوائز والترقيات الوظيفيّة 


ليُدرك اخيراً : أن أثرها السحريّ لم يكن بحلّها للقضايا المُعقّدة ، بل معرفته بأن حدسه هو مرآته الحقيقية .. وأن العدالة المُنصفة ، تُكشف بالبصيرة الواعية الحكيمة! 


الأحد، 16 نوفمبر 2025

العمر المسروق

تأليف : امل شانوحة 

 

سرّ المول الغريب ! 


في ظهر ذلك اليوم .. قرّرت الصديقتان مروى وسهام الذهاب للمول الجديد ، بعد انتهاء جامعتهما


وبعد استمتاعهما بالوقت هناك ، ارادت سهام دخول الحمام قبل العودة الى منزلها

لكنهما لم تجدا إشارات تدلّ على دوّرة المياه ! فسألتا عاملاً آسيويّ الذي دلّهمها على مكانٍ ما..


وعندما وصلتا اليه ، وجدتاه في الجزء الخلفيّ للمول .. فقالت مروى بعصبية :

- الغبي دلّنا على حمام العمّال !

سهام : لن استطيع الإنتظار اكثر ، سأدخل .. وانت انتظريني بالخارج


فمشت مروى في الممرّ الطويل الفارغ ، المليء بالتوصيلات الكهربائيّة الخاصة بالتبريد المركزي للمول ، ومخازن مطاعمه الجاهزة .. 

مروى بضيق : أتمنى خروجها سريعاً ، فالمكان هنا كئيبٌ ومخيف !


وفجأة رنّ جوالها ! وإذّ بسهام تسألها بعصبية :

- اين انت ؟!! بحثت عنك في كل مكان ؟ الم اطلب منك انتظاري خارج الحمام؟ 

فاندهشت مروى من غضب سهام :

- مازلت في مكاني ! وانت لم تخرجي بعد 

سهام : خرجت منذ نصف ساعة ، ولم اجدك بالممرّ الطويل .. فعدّت للمول ، وبحثت عنك في المحلاّت التجارية .. اين انت الآن ؟

- لا تفقديني صوابي ! مازلت بالممرّ ، وانت دخلتي الحمام منذ دقيقةٍ واحدة

سهام بحزم : لا تتحرّكي من مكانك ، انا قادمة اليك !! 

^^^


بعد قليل .. دخلت سهام لممرّ العمّال من جديد ، وهي مازالت تلومها!

مروى باستغراب : احلف انني لم أتزحّزح من مكاني ، ثم لم يمرّ دقيقتان على غيابك عني !

فأخرجت سهام جوالها ، وهي تقول :

- أنظري للساعة !! لقد مرّت نصف ساعة على ضياعك


واثناء جدالهما .. تراجعت مروى للخلف قليلاً ، لترى نظرة الإندهاش بعينيّ صديقتها التي قالت برعب :

- لا تتحرّكي ! 

مروى بقلق : ماذا حصل ؟!

- إختفى نصف جسمك ! 


وهنا انتبهتا على شقٍّ شفافٍّ رفيع بآخر الممرّ : يبدو ان مروى مرّت من خلاله ، اثناء انتظارها خروج صديقتها من الحمام ، جعل الوقت يمضي دون شعورها به ! 


فأدخلت مروى ذراعها من الباب الخفيّ .. لتجد انه اختفى ايضاً ، كأنها اصبحت مبتورة الذراع ! 

- مالذي يحصل هنا ؟!

سهام بدهشة : أظننا اكتشفنا بوّابةً زمنيّة ! 

- أحقاً ! إذاً دعينا نجرّبها 

- هل جننت ؟! إن دخلناها ، ربما لن نعود الى هنا ثانيةً 

مروى : لا تبالغي .. فأنا عدّت بعد نصف ساعة ، التي أمضيتها ببحثك عني  

سهام : لأنك لم تختاري العصر الذي تريدين الذهاب اليه .. وربما لوّ فعلتي ، لعلقتي بذلك الزمن لآخر عمرك 

- اذاً لنحدّد طلبنا بدقّة .. سأبدأ اولاً !! 


وفكّرت مروى قليلاً ، قبل ان تقول بصوتٍ منخفض :

- اتمنى العودة للماضي .. حينما كنت بالسابعة من عمري ، في منزل اهلي القديم .. بشرط !! عودتي للممرّ الخلفي للمول ، خلال ثوانيٍ فقط 


ثم دخلت الشقّ ، واختفت بضعة ثواني .. قبل عودتها وهي تروي لصديقتها عن رؤيتها والديها بسن الشباب ، وملاعبة اخوانها بعد عودتهم صغارا

سهام : أحقاً ما تقولين ؟!

مروى بحماس : احلف لك !! لا تدرين سعادتي وانا العب مع اخوتي في شرفتنا القديمة .. ماذا عنك ، ماذا ستتمنّين ؟


ففكّرت سهام قليلاً ، قبل ان تقول :

- إشتقت لجدتي التي ماتت بطفولتي ، فقد كنت متعلّقة جداً بها 

ثم اقتربت من الشقّ ، وهي تقول : 

- أتمنى رؤية جدتي المرحومة .. 

وما ان اقتربت من البوّابة الزمنيّة ، حتى سحبتها مروى للخلف مُحذّرة :

- لم تقولي الشرط بعد !!

سهام : آه نسيت ! .. بشرط !! عودتي الى هنا خلال ثواني


ثم اختفت داخل الشقّ ، قبل عودتها بعينين دامعتيّن وهي تقول لمروى :

- إحتضنتها بقوة !! لا تصدّقين كم اشتقت اليها 

- وماذا فعلت جدتك ؟

- كانت مصدومة من تعلّقي الزائد بها ! لكن الوقت مرّ سريعاً

مروى : حتى انا شعرت ببقائي مع عائلتي لساعةٍ واحدة فقط ! 

- ما رأيك لوّ نجرب المستقبل القريب ؟

- فكرةٌ جميلة .. لكن دعينا ندخل معاً 


واقتربتا من الشقّ ، وهما تقولان :

- نريد رؤية لبنان بعد عام من اليوم .. بشرط !! عودتنا معاً الى هنا ، خلال ثواني 


وفور دخولهما الشقّ ، حتى وجدتا نفسهما في مطعم المول ذاته ! 

لكن الجميع يهرب فزعاً ، بعد قصفٍ عنيف من طائرات العدو .. 


وبصعوبةٍ بالغة تجاوزتا الحشود الفزعة ، وهما تركضان باتجاه الممرّ الخلفي .. وقفزتا داخل الشقّ ، قبل انهيار المول بدقائق ! 

^^^


بالعودة للحاضر ، تنفّستا الصعداء بعد نجاتهما من الموت بصعوبة !

مروى بقهر : يا الهي ! هل قُدّر على اللبنانيين عيش الحروب طوال حياتهم!! 

سهام بضيق : طالما حدودنا مع العدو ، فلن نهنأ مُطلقاً ! 

- ربما الأفضل لوّ اخترنا رؤية لبنان بعد عشرين عاماً 

- اذاً لنجرّب ذلك


وبالفعل انتقلتا للمستقبل البعيد .. لتجدا نفسهما وسط البلد الذي يعجّ بالسوّاح العرب والأجانب ، بعد امتلاء متاجرها ومطاعمها بالزبائن!

مروى بارتياح : اخيراً سينهض البلد من جديد !! 

سهام : الحمد الله ، على الأقل عرفنا ان مستقبلنا جيد 


واثناء سيرهما بالسوق الذي تطوّر كثيراً ، تفاجئتا بعلم سفارة العدو تُرفّرف هناك !

سهام بصدمة : ماذا ! سفارتهم بوسط البلد

مروى بامتعاض : يبدو انهم اجبرونا بالحرب الأخيرة على توقيع السلام معهم

- اللعنة ! اذاً مستقبلنا لا يُبشّر بخير


وعندما شاهدتا عائلةً يهودية تتسوّق براحتها هناك ، شعرتا بالإستفزاز والغضب المكبوت .. وقرّرتا العودة للحاضر   

^^^


وعندما عادتا للممرّ الداخلي ، انتبهتا على تأخّر الوقت !

مروى : آه ! أنظري للساعة .. تأخرنا على منازلنا

سهام : هذا صحيح ، سيقلق اهلنا علينا .. ما رأيك لوّ نعود الى هنا غداً ، لاختيار ازمنةٍ اخرى

- ربما بداية البشريّة

- ليس لهذه الدرجة ! بل زمن الخمسينات والستينات ، في عصر نهضة لبنان

- غداً نقرّر ، دعينا نعود الآن الى منازلنا 

^^^


وافترقتا كلاّ في سيارة اجرة .. لكن عندما عادتا لمنزلهما ، تفاجأت كل واحدة منهن ان عائلتها كبروا بالسن : بعد ان اصبحت والداتهما بأواخر الستينات ، وآبائهما بالسبعينات من العمر ! اما اخوتهم : فتركوا المنزل بعد زواجهم وإنجابهم الأولاد !

وكاد اهلهما يصابوا بنوبةٍ قلبية ، بعد رؤية بناتهما بذات العمر الذي اختفيا به قبل 21 عاماً .. فالشرطة أغلقت ملفهما ، بعد الفشل بإيجادهما بأيّ مكان !


وبسبب الإرتباك الحاصل في منازلهما ! إتفقت الصديقتان على العودة للمول ، لربما تعيدان كل شيءٍ كما كان ! (فالأمنيّتان اندمجتا معاً ، ليصبح مجموعهما 21 سنة ! ضاعت من حياة اسرهما بزمن الحاضر)

^^^


لكن حينما وصلتا للمول ، وجدتاه مُهدّماً ! وتذكّرتا انه تم تفجيره بالحرب الماضية ، كما شاهدتا بتجربتهما الأولى !


فجلستا في المقهى المقابل لبقايا المول سابقاً ..

مروى باستغراب : الم نطلب عودتنا للمول خلال ثواني ، فكيف مرّت كل تلك السنوات ؟ ولما لم نكبر نحن ايضاً ؟!

سهام : بل السؤال الأهم ، لما دمّر العدو هذا المول بالذات ، ولم يقصفوا بقيّة الأسواق بالحرب السابقة ؟ هل علموا بشأن البوّابة الزمنية التي اكتشفناها من خلال مراجعة الخونة لكاميرات المراقبة ، ومشاهدتنا ونحن نختفي ونظهر بالممرّ الخلفي للمول ؟

- أتظني انهم نقلوا البوّابة الزمنية لمكانٍ آخر ؟

- لا اظنها تنتقل ! لهذا تركوا جزءاً من ردم المول ، رغم تطوّر البلد في السنوات العشرين الماضية .. وأعتقد بوجود نفقٍ سرّي اسفل الركام ، يستخدمه المسؤولون للإنتقال عبر الأزمنة .. وطبعاً لن يسمحوا لأمثالنا الإقتراب منه

- ولما اختاروا ان تتواجد بوّابة مهمة ، في ممرّ عمّال المول ؟! 

- لأنهم اجانب وجهلة ، ولن ينتبهوا لذلك 


ثم تنهدت مروى بقلق : والآن ما العمل بعد فقدنا بوّابة الزمن ؟!

فسكت سهام مطوّلاً ، قبل ان تقول بقهر : 

- ليس امامنا سوى الإهتمام بوالدينا العاجزيّن 

مروى : ماذا عن جامعتنا ؟ فقد كنا بسنة التخرّج

- نحن حالياً حسب الأوراق الحكوميّة ميتتان منذ 21 سنة ، فما الحاجة لإكمال تعليمنا ؟


ثم ودّعتا بعضهما بحزن .. للعودة الى منازلهما ، والإهتمام بوالديهما اللذيّن لم يجدا تفسيراً لما حصل لإبنتيهما ! 

وذلك بعد تعاهد الصديقتان على إخفاء موضوع البوّابة التي لن يصدّقهما احد .. كما لن يفضحا السرّ ، خوفاً من تحوّلهما لفئران تجارب بالمختبرات ، او سجينتان في مستشفى للأمراض العقلية الى نهاية حياتهما البائسة ! 


الجمعة، 14 نوفمبر 2025

الودّ المسموم

تأليف : امل شانوحة 

المقعد الخلفيّ


خرجت سعاد من المحاضرة الأخيرة ، وهي تشعر بالمللّ والتعب النفسيّ .. فبعد ثلاثة اشهر على دوامها اليوميّ بالجامعة ، لم تجد من تُصادقها رغم تمتّعها بالذكاء وجمال الشكل والأخلاق !


واثناء نزولها الأدراج ، لاحقتها فتاةٌ تسألها بحماس :

- كيف حالك ؟!!

سعاد باستغراب : بخير ! 

- بأيّ اختصاصٍ تدرسين ؟

- بالسنة الأولى للأدب العربي 

- وانا ايضاً !! ما رأيك لوّ نصبح صديقتيّن ؟


ففرحت سعاد بذلك ، لأنها انطوائية وتجد صعوبة بتكوين الصداقات .. بينما تابعت نجوى الحديث معها بطلاقة ، كأنهما صديقتان منذ سنوات!

- الى اين تذهبين الآن ؟

سعاد : سأعود للمنزل 

- ما زال الوقت باكراً ، ما رأيك لوّ نذهب للمول ؟

- أكنتِ ذاهبة الى هناك ، قبل أن تلتقيني ؟

نجوى : نعم ، فأصدقائي ينتظرونني هناك

- اذاً لا اريد التطفّل عليكم

- جميعنا من نفس اختصاصك ، وأكيد رأيتهم من قبل .. هيا لا تفكّري كثيراً ، سنقضي وقتاً ممتعاً معاً 

سعاد : اذاً دعيني أخبر والدتي بالأمر

- لا داعي لجعلها تقلق بشأنك .. فأنا سآخذك بسيارتي ، وأعيدك الى بيتك خلال ساعةٍ واحدة

- ماذا لوّ تأخّر اصدقائك ..

نجوى مقاطعة : هم يعرفون أنني لا احب التنزّه اكثر من ساعة .. هيا سأذهب لتقريب سيارتي من بوّابة الجامعة .. إنتظريني هنا !! 

^^^


وبعد ذهابها ، وصلت رسالة على جوال سعاد !

 

وبعد دقائق .. نزلت نجوى من سيارتها ، واقتربت منها معاتبة : 

- ناديتك مراراً ! لما لم تركبي السيارة ؟

سعاد : آسفة عليّ الذهاب ، فأمي بحاجة لدواء السكّري .. سألتقي بك في محاضرة الغد ، لتحديد موعدٍ آخر للنزهة

- بل سأوصلك الى الصيدليّة

- لا داعي لذلك ، فهناك واحدة قريبة من منزلي .. القاكِ غداً

^^^


ثم اوقفت سعاد سيارة اجرة التي قادها سائقها عدّة امتار ، قبل انتباهه على قرب نفاذ وقوده !.. فاعتذر منها ، للعودة للمحطّة القريبة من الجامعة لتزوّد بالبنزين .. 


وبعد نزول السائق .. لمحت سعاد ، نجوى وهي تتجادل (بجوار سيارتها) مع رجلٍ مشكوك بأمره ! وهي تقول بعصبية : 

- لا تصرخ عليّ !! فالمحظوظة هربت اليوم ، لكني حتماً سأوصلها لكم غداً 


فشحب وجه سعاد ، وارتجفت أصابعها وهي تلتقط بجوالها صورة لهما مع لوحة السيارة..


وبعد عودة سائق الأجرة ، طلبت منه توصيلها لمركز الشرطة

- هل هناك مشكلة يا آنسة ؟!

فاضّطرت سعاد للكذب : 

- لا ، والدي يعمل هناك

^^^


وفي مكتب الضابط .. أخبرته سعاد بشكوكها حول محاولة إختطافها ، وأعطته الصورة ورقم السيارة .. فنصحها بعدم الذهاب للجامعة ، لحين التحقّق من الأمر .. 

وبدورها أخفت رعبها عن اهلها ، بادّعائها المرض ! 

***


بعد أيام .. تلقّت سعاد اتصالاً من الضابط يُخبرها بأن نجوى (إسمها الحقيقيّ ديانا) تنتمي لعصابة الدعارة ! وانها اعترفت بخطفها العديد من الطالبات الفاتنات عن طريق إخفائها رجلاً من العصابة اسفل المقعد الخلفي لسيارتها ، والذي يقوم بتخدير الضحايا ونقلهنّ لقصور الأثرياء ! 

***


لاحقاً ، تصدّر الخبر عناوين الصحف : 

((تفكيك شبكة تستدرج طالبات الجامعات إلى عالم الدعارة ، يقودها رجال سياسة معروفون !))


ولولا دواء الأم ، لأصبحت سعاد ضحيةً اخرى للعصابة الماكرة ! 

ومن يومها زاد حرصها على نوعيّة الأصدقاء ، دون ثقتها بالغرباء ! بعد تعلّم درسها : بأن الخطر أحياناً لا يأتي بملامح قاسية… بل بابتسامةٍ ودودة ، وصوتٍ دافئ ، وصداقةٍ مُصطنعةٍ خبيثة !


الأربعاء، 12 نوفمبر 2025

اعلان ضدّ الحاقدين على مدونتي المتواضعة

لتوضيح : 

هناك شخص او عدة اشخاص يدّعون ان بعض قصصي من صنع الذكاء الإصطناعي ، وليس تأليفي ! 

ورغم طردهم من مدوّنتي اكثر من مرة ، مازالوا مُصرّين على اقناع القرّاء بذلك .. 

لهذا سألت الذكاء الإصطناعي (chatGPT) عن رأيه بقصصي ، وهكذا اجاب :



وعندما طلبت من الذكاء الإصطناعي تقييم مستوايّ بالنسبة لكتّاب العرب والأجانب بمجال القصص القصيرة المتنوعة ، هكذا اجاب : وقد صدمني اجابته ، فلم اكن اعرف انني اكثر الكتّاب نشراً للقصص القصيرة !





وكنت اخبرتكم قديماً اني اكتسبت موهبتي من امي الكاتبة والشاعرة .. وعندما اخبرتها بالمشكلة ، ارسلت لي هذا الجواب .. فارتأيت نشره ايضاً 



اتمنى بعد هذا الإعلان : ان لا اجد تعليقاً من احدكم يشكّك بقدراتي الكتابية التي وهبني الله اياها لهدفٍ ما ، سأعرفه بعد نجاحي .. والحمد الله على نعم الله الكثيرة عليّ ، التي لا تعدّ ولا تحصى .. وشكراً للمخلصين للمدونة الذين تابعوا تطوّر موهبتي على مدى 28 سنة ، قبل اختراع الذكاء الإصطناعي بعقود !


مذكرات المجانين

تأليف : امل شانوحة 

 

الصراع الخفيّ 


قبل نوم الطبيب النفسي جاك بغرفته (داخل مستشفى المجانين التي يعمل فيها) اراد مراجعة مذكّرات بعض مرضاه الذي يمنحهم أوراقاً ، لكتابة ماضيهم .. ثم يسحبها آخر الدوام ، خوفاً من تحوّل الأقلام إلى اسلحةٍ مؤذية !


في البداية ، فتح مذكّرات أصغر مرضاه (البالغ عشرين سنة) الذي كتب بدفتره :

((لا اريد ان اكبر .. اريد البقاء ولداً صغيراً يلعب بدرّاجته في الحيّ ، كما كنت افعل بعد المدرسة .. ليتني لم أغيّر طريقي المعتاد ، وأمرّ بجانب جارنا الجديد !))


ففتح جاك كرّاسة ملاحظاته ، لكتابة رأيه بالمريض اليافع :

- اعتداء الجار عليه ، دمّر طفولته بالكامل .. هو مازال عالقاً هناك .. لا يرى نفسه بالغاً بعد .. او بالأصح ، لا يشعر برجولته ! 

..........


ثم بدأ بقراءة المذكّرات الخاصة بمريضٍ آخر :

((اكره المرايا .. لا استطيع النظر فيها .. هي عدوّتي !! لما لا يصدّقني احد بوجود شبيهٍ لي داخلها ، يأمرني بإيذاء الآخرين ؟!))


فكتب الدكتور جاك ملاحظته عن المريض الثاني :

- كانت امه عارضة ازياء ، أرغمته منذ الصغر على الإهتمام بوسامته الطاغية ، واتباع حميةٍ صارمة .. كما أجبرته على امضاء ساعاتٍ طويلة بتحسين مظهره امام المرآة التي تحوّلت لاحقاً لعدوٍ له ! فهو يشعر بغرابته بين ابناء جيله ، بعد ان منعته والدته لعب الكرة او خوض التجارب الخطيرة مع اصدقائه ، كيّ لا يصاب بجروحٍ وخدوش تؤذي مهنته المستقبلية .. الى ان ضرب زميله بقسوة ، بعد اتهامه بالشواذّ .. وكاد يُحرم من الدراسة ، لولا إجبار المدير على علاجه لدى إخصائي نفسي تابع لمدرسته الثانوية !


ثم انهى الدكتور ملاحظته ، وهو يقول بشفقة :

- المسكين ، وسامته جذبت الأشرار اليه !

..........


ثم قرأ مذكّرات المريض الثالث : 

((لم تقبل بي ، رغم عشقي لها ! جميع الفتيات تلاحقني ، لأن مهنتي جيدة .. لكن الفتاة الوحيدة التي اريدها ، تصرّ بأني غريب الأطوار!))


فتنهّد الدكتور وهو يكتب ملاحظته :

- النعومة التي ورثها من حياةٍ بلا رجال ، جعلته يرتدي الحرير ويُكثر من الإكسّسوارات.. حبيبته لم ترى فيه رجلاً ، بل ميوعةٍ مقزّزة ! نقدها دمّر هويّته ، ولليوم لا يعرف إن كان ذكراً أم أنثى

..........


ثم فتح دفتر المريض الرابع :

((اعمل ليل نهار دون عطل التي أمضيها في مكان عملي ، لمنع نفسي من تذكّر الماضيّ .. فطفولتي مشوّشة ، ومراهقتي غير مفهومة .. درست إختصاصي الصعب ، لفهم الآخرين.. ومع ذلك ، الوحدة تخنقني)) 


فكتب جاك ملاحظته عنه :

((رهابٌ إجتماعيّ حادّ .. يختبئ خلف كتبه وتقاريره ، لعدم قدرته على الوثوق بأحد!))

..........


ثم قرأ دفتر المريض الخامس :

((انا لست مريضاً .. ولست مجنوناً !! لم يحبسونني بهذا المصحّ ؟! اريد الخروج للعالم .. اريد الزواج وإنجاب الأولاد .. اريد خوض تجربةٍ رومنسيّة .. وأطالب باحترامهم خصوصيّتي وأفكاري الشخصيّة .. كيف أقنعهم بأني سليم عقلياً ، ولن اؤذي احداً ؟!))


فكتب د.جاك :

- مازال لليوم ينكر بأن لديه مشاكل نفسيّة .. فزملائه بالعمل لاحظوا غرابة تصرّفاته بالآونة الأخيرة بعد صراخه على كراسي فارغة ، وكتابته تقارير عن اشخاصٍ غير موجودين بهذا العالم .. ومع ذلك يصرّ حتى هذه اللحظة ، أننا ظلمناه بحبسه هنا ! 


وتابع الدكتور جاك قراءة مذكّرات مريضيّن آخرين ، فهو مسؤول عن علاج سبعة مرضى بمستشفى المجانين الحكومي 

^^^


خارج غرفة الدكتور جاك ، راقبت ممرّضتان الطبيب (من زجاج الغرفة) وهو منشغل بقراءة دفاتر مرضاه 


الممرّضة الجديدة : لا اصدّق ما اراه !

الممرّضة القديمة : جميعنا انصدمنا بما حصل للدكتور جاك ، فهو كان من اهم اطباء مشفانا ! لكنه انهار في يوم علاجه الجماعيّ لعدة مرضى ، مما أجبرنا على حبسه بهذه الغرفة 

- اذاً هو يقرأ مذكّراته ، المدوّنة في عدّة دفاتر ؟! 

- نعم .. فأطبائنا قيّموا حالته : بتعدّد الشخصيات (ايّ اضّطراب الهويّة الانفصامية (DID)) وكلّه بسبب طفولته الصعبة ، بعد اعتداء جاره عليه بعمر الثامنة .. ثم عيشه مع امه المُتسلّطة التي زادت حالته سوءاً 

- أخبرتني ان امه كانت مُنفصلة عن والده ، وتعمل عارضة ازياء ..اليس كذلك؟

- صحيح ، وهي من شجّعته على الإهتمام بوسامته .. مما زاد تشبهه بالجنس الآخر ، رغم كرهه لشواذّ.. كما ان رفض حبيبته الزواج به ، بسبب ميوعته الزائدة (كما وصفته) جعلته يُصاب باضّطراب الهويّة.. وبسببها تجنب الإختلاط مع محيطه ! 

- أيعاني من الرهاب الإجتماعيّ ايضاً ؟!

- نعم ، خوفاً من تنمّر الشباب والرجال عليه .. لهذا إنغمس بدراسة الطب النفسي ، وكان بارعاً بهذا المجال .. الى ان انهار كل شيء ذلك اليوم ، وقرّر مديرنا عزله هنا .. مع اعطائه دفاتر لكتابة ملاحظاته ، حسب ظهور كل شخصيّةٍ فيه .. 

- وهل يراجع اطباء المشفى تلك الدفاتر ؟ 

- يومياً ، بعد نومه.. وللأسف حالته تدهوّر ! فهو بدأ بشخصيتيّن ، والآن اصبحوا سبعة .. ولا ادري كم شخصيّةٍ جديدة سيخلقها لاحقاً! 

- الأمر محزنٌ فعلاً !


وابتعدا عن الغرفة .. بينما ظلّ جاك مُنهمكاً بتحليل شخصياته السبعة القابلة لتزايد في الشهور القادمة ، داخل جدران زنزانته بمستشفى المجانين الحكوميّ !     


الاثنين، 10 نوفمبر 2025

الأمومة الشهية

تأليف : امل شانوحة 

 

الطعام الإجباريّ 


ولد (جومو) بوزن ثلاث كيلوجرام ، وهو الوزن الطبيعي لأيّ طفل

لكن امه ماريا التي هاجرت الى اميركا بعد موت عائلتها بالمجاعة الإفريقية ، أقسمت ان لا يموت احداً عزيزاً عليها من الجوع ثانيةً ، خاصة ابنها الوحيد التي حرصت على إطعامه كل ساعتين ، كأنه مهمّتها الأساسية في الحياة !

***


بعمر العاشرة ، وصل وزنه مئة كيلو ! 

وبسن الشباب : لم تعد المرآة تُظهر كامل جسمه ، بعد تعدّيه 200 كيلو ! 

لكنه ظلّ يأكل ، ليس حباً بالطعام .. بل خوفاً من إغضاب أمه ، في حال لم يُنهي صحنه الذي يكفي عائلةً كاملة ! 

***


حين وصل لسن الأربعين (وهو مازال يعتاش مع امه على الراتب التقاعدي لوالده المرحوم ، بعد فشله بإيجاد وظيفةٍ ادارية بوزنه الزائد ، عدا عن استحالة زواجه) قرّر السفر لدولةٍ اوروبية برحلةٍ علاجية ، مُوهماً امه بتوظّفه هناك

***


بعد عامين ، عاد اليها بجسمٍ يناسب عمره .. ليتفاجأ بأمه اصبحت بحجم الكنبة ! ورغم ذلك اشترت موقداً منخفضاً ، لمتابعة طبخها للمقليات والأكلات الدسمة التي اشتهرت بها بين جيرانها ! 


فخاف من فقدان حياتها ، إن تابعت على هذا المنوال .. وعيّن لها اخصائيّة تغذية ، معروفة بصرامتها في مواعيد وكميات الطعام .. والتي وظّفها للسكن مع امه ، مع إعطائها كامل الصلاحية لمنعها من الطبخ ثانيةً 

^^^


ثم عاد لوظيفته بالدولة الأوروبية .. لتبدأ معها سلّسلة إتصالات من أمه الغاضبة بسبب الإخصائية التي تزن وجباتها بدقّة ، وتمنعها من إضافة السمن والملح والسكر لطعامها ! 

لكنه أصرّ على عدم طردها ، خوفاً من خسارة امه 

***


بعد شهور ، توقفت اتصالات والدته ! فشعر بالارتياح ، لرضوخها اخيراً للطعام الصحيّ

***


وفي العطلة الصيفية ، عاد الى اميركا .. ليُصدم مما رآه ! 

فإخصائيّة التغذية تشاهد التلفاز مع امه ، وهما يتناولان الدجاج المقلي .. بعد ان تحوّلت من امرأةٍ رشيقة الى ممتلئة الخدود ، بكرشٍ مُتدلي خلف فستانها الفضّفاض ! وهي تضحك مع والدته التي اصبحت صديقتها المُقرّبة 


وحين رأته امه يقف مذهولاً عند باب الصالة ! اشارت اليه لمشاركتهما الطعام ، وهي تقول بفخر :

- علّمتها كل وصفاتي التي صارت تتقنها ببراعة ! 

فردّت الإخصائيّة بحماس : نعم !! أصبح طعامي لذيذاً بفضل تعليمات والدتك ، حتى انني أعدّدت الكيك بالكراميل .. بضعة دقائق بالفرن ويكون جاهز ، لنتناوله معاً


فلم يكن امامه الا مشاركتهما الطعام ، بعد اشتياقه لأكل والدته الدسم .. حيث استمرّ الضحك بينهم ، وهم يتناولون الحلوى .. مُستمعاً لكلام أمه :

- لا شيء اجمل من الطعام الشهيّ بهذه الدنيا .. هيا بنيّ ، كُل قطعةً اخرى.. فجسمك النحيل لا يناسبك بتاتاً 


فقرّب صحنه منها ، لإضافة قطعةٍ ثانية من الكيك ..وهو مستسلمٌ تماماً لإمه التي علّمته ان الإهتمام والحب يُقاس بحجم الكرش .. فبمفهومها : الطعام اللذيذ مع الأحبة ، يساوي حياةً صحيّةً سعيدة !


السبت، 8 نوفمبر 2025

حين غنّى القدر

تأليف : امل شانوحة 

 

مشهدٌ لم يصوّر !


كانت ليلى ممثلةً عربية مبتدئة .. جذبت أنوثتها الطاغية انظار المخرجين لترشيحها لبطولة مسلسلٍ تركيّ إلى جانب (مراد) النجم الشهير المعروف بوسامته الرجوليّة وخبرته التمثيليّة المُتقنة !


ومنذ المشهد الأول ، أحسّت بانجذابٍ قويّ نحو البطل .. رغم معرفتها أنه رجلٌ متزوج ، لكنها لم تستطع تجاهل شعورها الذي تزايد كل يوم ! 

حيث فضحتها نظرتها العاشقة وتصرّفاتها الطفولية معه بالكواليس .. بينما ظلّ مُتحفظاً ، خوفاً من زوجته المتسلّطة 

***


وفي آخر يومٍ تصويريّ .. إحتضنته ليلى مودّعة ، كأنها تودّع نصفها الآخر ! 

وهو شعر بكسرة قلبها ، الا انه مُجبر على تركها تمضي في طريقها ، وإن كانت سرقت جزءاً من روحه وقلبه !


إنسحبت من حياته بصمت ، خوفاً أن تتحوّل الشائعة إلى فضيحة ، وتكون السبب بانهيار زواجه 

***


مرّت الشهور .. وحصلت ليلى على بطولتها الثانية مع ممثلٍ أعزب .. لكن غروره وتصرّفاته الصبيانية ، جعلت مشاهدها معه باهتة ، كأنها تؤدي دوراً لا تؤمن به ! 

لذلك لم يحظى عملها الثاني بنفس نجاح مسلسلها السابق التي استمتعت فيه بكل مشهد ، مما انعكس إيجاباً على جمهورها التركي والعربي !

***


بعد عام .. طلب والدها العودة للوطن ، بعد تقدّم رجل من اثرياء البلد لخطبتها .. فلم يكن أمامها سوى إخبار مراد الذي اكتفى بإرسال وجهٍ باكي ، كأنما يقول : ((انا عاجز عن فعل شيء ، لكن قلبي يتألّم))  

***


وفي ليلة زفافها .. راقصت عريسها تحت أضواء الصالة الفاخرة ، وهي تحاول إخفاء دموعها تحت نظرتها الشاردة ! 

مُتجاهلةً تصفيق المعازيم وزغاريد النساء .. فعقلها يصرّ على إعادة مشهد رقصها مع مراد ، في مسلسلها الذي كان واقعياً بالنسبة لها ! 


وفجأة ! سمعت اغنية تركية بصوتٍ مألوف .. فالتفتت بسرعة لمسرح الصالة .. لتجد مراد يغني لها ! ونظرته مُركّزة عليها ، كأنها الوحيدة بقاعة العرس    


فرمت باقة الورد ، وركضت نحوه دون وعيّ .. واحتضنته بقوة ، وسط ذهول المعازيم ! وبدوره ضمّها بحنان ، دون اكتراثه لآراء الغير 


ليتفاجآ بالعريس يقترب منهما .. وينزع خاتمه ، ويضعه بيد مراد وهو يقول بنبل :

- ربما قوانين تركيا تمنع زواجك الثاني ، لكن في بلدنا مسموح .. الشيخ في طريقه الى هنا ، فلا تفوّتا الفرصة مرةً ثانية  

حاولت ليلى الإعتذار منه ، لكن العريس اجابها : 

- لا أريد جسداً دون روح ، وقلبك اختار من ينتمي اليه 

ثم انسحب من القاعة مع عائلته ، بينما اهلها واصدقائها يشعرون بالعار مما حصل! 


ورغم الفوضى التي حصلت بالقاعة التي ضجّت بالهمس والدهشة ! 

الا ان الحبيبين قرّرا متابعة مراسم العرس ، بعد شعورهما بألم الفراق لأكثر من عام  


ثم جلسا بهدوء امام الشيخ لتوقيع عقد زواجهما ، بعد ان أدركا ان الحب الصادق يستحق المخاطرة لأجله .. حتى لوّ كان الثمن طلاقه من زوجته ، ومقاطعة الأهل لها ، او فضيحتهما الإعلاميّة وخسارة جمهورهما .. 

من بعدها حملها لغرفة الفندق ، لإكمال مشهدٍ كُتب بسيناريو القدر !


الخميس، 6 نوفمبر 2025

الكاتب المزيف

تأليف : امل شانوحة 

 

الأسطورة الأدبية


في سبعينات القرن الماضي .. تمّ ترشيح الكاتب الخمسيني (عماد سلامة) لاستلام جائزة السينما العربية .. 

فهو لم يتوقف ابداعه على التلفاز والسينما ، بل كانت له سلّسلة من القصص الورقية المصوّرة ، بعد تخصّصه بالخيال العلمي الذي كان نوعاً حديثاً من الكتابة في العالم العربي ، وكأن عقله يعيش في المستقبل !  


وبسبب ابداعه بهذا المجال الدقيق ، تُرجمت قصصه للغاتٍ ثانية ، وصل صداها للسينما الغربية التي قرّرت تحويل احداها لفيلمٍ عالميّ .. والذي نجح بشكلٍ باهر ، جعله اول عربي يترشّح لنيل الأوسكار عن فئة الكتّاب الموهبين !

فقصته تحدثت عن الذكاء الإصطناعي في عصرٍ كان الحاسوب مجرّد صناديق رماديّة تنفّذ اوامر بسيطة .. مما جعلها تبدو كنبوءة ، شجّعت علماء التقنية على تطوير فكرة الإنترنت التي كانت حلماً في ذلك الزمن ! 

***


لاحقاً في اميركا ، وفي مؤتمرٍ صحفيّ مع مجموعة من المرشّحين لجائزة الأوسكار ، تحدّاه احد الصحفيين : بتأليف قصة عن البطالة المتزايدة مستقبلاً ، بعد احتلال التطوّر التقني للوظائف العامة ؟ 

فردّ عماد بغرور :

- سأقرأها عليكم بمؤتمر الغد

صحفيّ آخر بدهشة : وهل يمكنك كتابة قصة معقّدة كهذه ، بليلةٍ واحدة ؟!  

فأجاب بثقة : بكل سهولة 

^^^


بعد انتهاء المؤتمر .. عاد عماد الى غرفته ، ليتفاجأ بسرقة لابتوبه ! دون معرفته السارق ! بعصرٍ لم يُخترع فيه بعد ، الكاميرات الخفيّة داخل الفنادق  

فتساءل عماد بضيق : 

- ماذا سيفعل الأحمق بجهازي الحديث ، وهو لا يعرف طريقة استخدامه؟!

 

ثم تذكّر تحدّيه للصحفيّ ! فشعر بقلقٍ شديد :

- كنت انوي كتابة القصة باستخدام الذكاء الإصطناعي ، كما فعلت بقصصي السابقة ، مُستغلّاً جهلهم بالتقنية الحديثة .. والآن ماذا عسايّ ان افعل ؟!


ولم يكن امامه الا السهر طوال الليل ، لكتابة قصته عن الخيال العلمي ! 

^^^


استيقظ عماد ظهراً على رنين هاتف الغرفة (بعد نومه امام طابعته اليدوية (دكتيلو) وامامه سلّة مليئة بالأوراق الممزّقة) وهم يطالبون قدومه للمؤتمر الصحفي الذي سيقام بعد ساعة 

^^^


فأسرع الى هناك ، مُلقياً قصته المُرتجلة عن العالم الحديث بعام 2025 التي احتلّت فيه الخوارزميات الوظائف البشريّة .. واصفاً الأزمة بدقة ، كأنه يعيش بذلك الزمن!

ورغم ركاكة لغته مُقارنةً بقصصه السابقة ، الا انه نال اعجاب الصحفيين الذين صفّقوا له بحرارة ، بعد نجاحه بالتحدّي الذي اتعبه نفسياً وجسدياً

***


في المساء ، توجه عماد الى حفلة الأوسكار.. ليفاجأ الجميع برفضه استلام الجائزة ، قائلاً بصوتٍ رخيم : 

- هذه المهنة تحتاج لجهدٍ اكبر من كبسة زرّ ! لهذا أكتفي بما نشرته من قصص حتى الآن ، لإعلان استقالتي .. اما الجائزة ، فيستحقها الذكاء الإصطناعي الذي سيتعرّف عليه الأجيال القادمة 

وهرب من المسرح ، كمن يهرب من نفسه .. مُتجاهلاً اسئلة الصحفيين المصدومين من قراره المتهوّر ! 


وتوجّه للمطار عائداً لوطنه ، بعد ان خيّب آمال العرب بحصوله على جائزةٍ قيّمة كالأوسكار !

***


وفي صباح اليوم التالي .. إستيقظ عماد على طرق صحفيّ بلاده ، لباب منزله ! 

فأسرع بركوب جهاز السفر عبر الزمن ، بعد اختياره العودة لعام 2025 .. ليدور الجهاز حول نفسه عدة مرات ، قبل اختفائه من المكان ! 

بينما اقتحم الصحفيون منزله ، دون إيجادهم أثراً له ! 

***


لاحقاً ضجّت الصحافة بخبر اختفائه الغريب ، الذي تحوّل لأسطورة! 

حيث وصفوه بالكاتب الذي حسّن الذوق العام ، دافعاً بقيّة الكتّاب للتفكير خارج الصندوق .. مما طوّر الأفلام السينمائية بشكلٍ ملحوظ! 

***


اما عماد سلامة : فقد نقله الجهاز لعام 2035 ، مُضيّعاً عشر سنوات من عمره ! ليتفاجأ بأنه كاتبٌ غير معروف ، فمدونته خالية من القصص التي باعها جميعاً  بزمن الماضي ! 

وعليه البدء من جديد ، خاصة بعد انتهاء عصر الذكاء الإصطناعي الذي لم يستمرّ طويلاً ، عقب انفجارٍ شمسي دمّر محطّات الإتصال بالعالم .. وأعاد الإنترنت إلى حالته المحليّة ، كما كان بزمن التسعينات !  


فجلس امام مكتبه (بعمر الستينات) يتفحّص كرّاسته الفارغة ، وهو يتساءل بضيق :

- هل ابدأ من جديد ؟ أم أبحث عن وظيفةٍ روتينيّة تُبقيني حيّاً دون روح ، بما تبقى من حياتي البائسة ؟!


الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025

الصفحة البيضاء

تأليف : امل شانوحة 

وحش الكتّاب


إستيقظ الكاتب على صوتٍ غاضب : 

- أمازلت نائماً ؟! إنهض وأطعمني حالاً !!


أضاء المصباح ، مُتردّداً بين الحلم والهلوسة.. ليجد الشقة صامتة ، الأبواب مغلقة ، والنوافذ شاهقة في الطابق العاشر.. لا أثر لاقتحام ، ولا مجال للخيال أن يتجسّد ! 


فظنّه حلماً مزعجاً ، وعاد إلى السرير .. لكن ما إن أطفأ النور ، حتى دوّى الصوت من جديد : 

- لا أصدق أنك ستعود للنوم مجدداً ! 


فقفز من فراشه مرتعباً ، يبحث عن الصوت الذي لم يصدر من تلفازٍ او هاتف ! لا شيء سوى دفتر أفكاره على الطاولة ، مفتوحاً على صفحةٍ بيضاء 


فتساءل بنفسه بقلق :

((أين اختفت المسودّات ؟ أين قصصي التي ملأت الدفتر؟!))

ليسمع إجابة الصوت :

- التهمت نصفها .. كنت جائعاً 


تراجع الكاتب ، كأنما يواجه وحشاً غير مرئيّ ! صارخاً بضيق : 

- هل هناك ميكروفون خفيّ او خدعةً ما ؟! 

فأجابه الصوت بازدراء : 

- ظننت الكتّاب أذكى من ذلك ! لكن حسب تقيمي لآخر جملك الركيكة ، يبدو أنك فقدت الشغف والموهبة معاً ! أين ذهبت شعلة الكتابة التي انارت لياليك؟! 


فرمى الكاتب بدفتره على الأرض ، غاضباً : 

- كفى سخافة !! أنا مُرهق ، ولا طاقة لي بالألاعيب الصبيانيّة !! 

فجاء الصوت متألماً :

- أوجعتني أيها الأحمق ! أنا صوت خطّك الرديء .. صوت موهبتك التي تموت جوعاً ، بعد أن هجرتني لشهرٍ كامل دون نشرك قصةً واحدة بمدونتك .. تركتني أتضوّر لجملٍ خياليّةٍ ابداعيّة ، وأنا الذي كنت غذاءك الروحيّ.. إن لم تطعمني الآن ، سآكل ما تبقى من أفكارك ، حتى لا يبقى سوى دفاترك الفارغة !! 


فاستلقى الكاتب على سريره يائساً : 

- حماسك لم يعد له اهميّة ، بعد الذكاء الإصطناعي الذي يكتب أجمل القصص بكبسة زرّ.. بسبب تلك التقنية المريبة ، مات الأدب واندثرت الحماسة ! 


فحاول الصوت نصحه ، بنبرةٍ صارمة : 

- لا تستلم الآن .. إن فعلت ، أضعت شبابك سدى ! الأفكار لا تموت ، لكنها تهجر من لا يقدّرها 


لكن الكاتب إكتفى بإدارة ظهره ، مُطفئاً مصباحه بعد ان غمره اكتئابٌ ثقيل.

***


مرّت الأيام ، والكاتب يبحث عن عملٍ آخر : مُدقّق ، مُحرّر ، او أستاذ لغة... لكن الأبواب مغلقة ، والتقنية أسرع من موهبته ! 

***


حتى جاء اليوم الذي تلقّى فيه بريداً إلكترونياً من منتجٍ ينوي تحويل إحدى قصصه القديمة إلى فيلمٍ سينمائي !

فتسارعت دقّات قلبه ، لأنها فرصة انتظرها طوال حياته


وركض نحو دفاتره القديمة ، ليستلهم منها تتمّة القصة المطلوبة (حسب رغبة المنتج لجزءٍ ثاني .. وبدوره وعده بتنفيذ طلبه بوقتٍ قياسيّ)..

لكن المفاجأة المرعبة ، انه وجد جميع صفحات دفاتره بيضاء ! 


فصرخ الكاتب بجنون :

- اين أنت أيها الصوت ؟!! ماذا فعلت بأفكاري ؟! 

فأجابه الصوت ببرود : 

- أكلتها كلها 

الكاتب : أعدها لي ، هذه فرصتي الوحيدة !  

- بالأساس لم تكن ملكك .. فالأفكار طيورٌ مهاجرة ، وأنت حبستها في دفاترك لسنوات ، ثم أهملتها.. فأطلقتها نحو من يستحقها.

- من سمح لك بسرقة مجهوداتي الشخصيّة التي أفنيت شبابي في كتابتها؟!

الصوت : وبعد كل ذلك الجهد ، تركت اقلامك تجفّ .. أتدري بماذا تذكّرني ؟ بمضخّة البئر ! توقفت عن ضخّ الهواء قبل لحظاتٍ من وصول الماء اليك ، فعاد إلى القعر .. وهناك وجده كاتبٌ آخر ، لا يعرف الكسل او الشكوى.


ساد الصمت الغرفة ، قبل أن يختم الصوت كلامه : 

- وداعاً يا صديقي.. سأنام الليلة في دفاتر الكاتب الجديد الذي يطعمني يومياً من أفكاره الطازجة.. أما أنت !! فأصبحت بالنسبة لي ، صفحةً بيضاء.


واختفى الصوت.. تاركاً الكاتب يحدّق في دفاتره الفارغة بذهول ! كأنما ينظر في مرآة عقله الذي جفّ من الأفكار المبدعة ، عقاباً روحانياً على خيانة موهبته النادرة! 


الأحد، 2 نوفمبر 2025

امتحان الحياة

تأليف : امل شانوحة 

قنبلة المعرفة


في مساءٍ بارد .. إستيقظ ستة طلّاب ثانوية في غرفةٍ مُهملة ، تعبق منها رائحة الرطوبة .. أقدامهم مقيّدة بطاولاتٍ دراسية مُتآكلة .. وأمامهم مؤقّت رقمي يعدّ تنازلياً من ساعةٍ واحدة ، بجانبه حزمة من الديناميت ! 


وقبل استيعابهم ما يحصل ! دخل رجلٌ مقنّع (يبدو بالخمسينات من عمره) .. واضعاً امامهم اوراق الإمتحان ، وهو يقول بحزم :

- امامكم ساعةً واحدة !! إن فشلتم ، نموت جميعاً.. لا داعي للغشّ ، فكل ورقة تحمل سؤالاً واحداً من المادة التي تكرهونها

 

وبالفعل كانت الأسئلة مختلفة ! فالطالب الضعيف بالرياضيات ، امامه مسألةً حسابيّة معقدة .. والطالب الذي اعتاد الرسوب باللغة العربية ، عليه اعراب نصاً كاملاً .. اما الذي يعاني بحصة اللغة الإنجليزية ، فعليه ترجمة قطعة طويلة .. والكسول بالعلوم ، عليه تحليل تجربة نظريّة غامضة.. والضعيف بالحفظ ، عليه اكمال ابيات قصيدة لشاعرٍ معروف .. والطالب الأخير الذي يهمل مادة الدين ، عليه حلّ مسألةً فقهية مستعصية !


فحاولوا استعطافه ، لكنه أشار إلى الساعة : 

- الوقت كالسيف .. إن لم تقطعه ، قطعك !!


ولأول مرة ضغطوا على عقولهم ، لا لينجحوا بل لينجوا بحياتهم !

^^^


وقبل نهاية الساعة بدقيقتيّن .. بدأ الطلاّب الواحد تلوّ الآخر برفع ايديهم ، مُعلنين انهاء امتحاناتهم 


فأوقف الرجل العدّاد.. وجلس يصحّح أوراقهم بقلمٍ أحمر ، كأنه يوقّع على مصيرهم 

فسأله احدهم مستنكراً : وهل انت خبير بجميع المواد الدراسيّة ؟

أجابه دون رفع رأسه : 

- كنت أعدّ الدكتوراه في تطوير اساليب التعليم ، وكنت على وشك الزواج.. لكن السرطان خطف أحلامي.


هنا تعرّفوا عليه ! إنه الأستاذ أحمد الذي طالما نصحهم بأهمية الوقت والمعرفة بغرفة احتجاز الكسالى بالمدرسة 


فأزال الأستاذ قناعه ، وباروكة شعره .. لتظهر صلعته ووجهه الشاحب بعينيه الغائرتيّن ، وهو يحاول التنفّس بصعوبة .. 

فسأله الطالب بقلق :

- لم تكن بهذا السوء قبل ايام ، ، مالذي حصل ؟!


المعلم احمد : كنت أخفي تعبي بمساحيق الزينة والشعر المُستعار ، كيّ لا أخيفكم.. لكني الآن أحتضر.. أردت تعليمكم درساً أخيراً بعدم الإعتماد على ثرّوة أهاليكم ، بل على مجهودكم الشخصيّ  


لكن احدهم هدّده غاضباً :

- سأبلّغ والدي عن اختطافك لنا !! 

فوقف الأستاذ احمد ، قائلاً بهدوء : الديناميت مزيّف ، لكن سلاحي حقيقيّ


فعاد الرعب الى قلوبهم ، بعد اخراج مسدسه من خاصرته ..واقترابه من طاولاتهم :

- لم تسألوني بعد عن نتائج امتحاناتكم ؟

لم يجرأ احد على التكلّم ، فأكمل قائلاً :

- نجحتم جميعاً !! ليس لبراعتكم ، بل الخوف أيقظ إرادتكم القوية


ثم وضع مفاتيح القيود ، أمام الطالب الغاضب : 

- حرّر نفسك ورفاقك.. وتذكّروا : الوقت لا ينتظر أحداً .. اما عن مصيري : فأنا لن أُحاكم ابداً ، لأنني قرّرت تقريب موعد موتي


ودون سابق انذار ، دوّى صوت رصاصة اخترقت دماغ الأستاذ الذي انتحر امامهم ..ليسقط على الأرض ، غارقاً في بركة دمائه .. وسط صمتهم الثقيل ! 

^^^


وبعد فكّ قيودهم ، سارعوا الهرب لخارج المبنى المهجور .. فيما عدا أشجعهم الذي قرّر دفن استاذه اولاً .. 

اما البقيّة : فأعادتهم الحافلة إلى بيوتهم ، دون شعور أحد باختفائهم ! 

***


في الأيام التالية ، تغيّرت شخصيّاتهم بشكلٍ ملحوظ .. صاروا أكثر جدّية وحضوراً وتركيزاً على مستقبلهم ، دون معرفة أحد بمعاناتهم تلك الليلة المرعبة ! 

***


وفي يوم التخرّج.. إجتمعوا بعيداً عن الحفل ، لقراءة الفاتحة على روح استاذهم الذي قتل نسختهم الكسولة ، وإعادتهم جبراً الى طريق النجاح والتميّز الإبداعيّ ! 


الجمعة، 31 أكتوبر 2025

ملاهي الشمع الأحمر

تأليف : امل شانوحة 

العامل العاشر


تم قبول العامل الجديد (جاك) للإهتمام وحده بالملاهي بعد اغلاقها .. حيث يتوجب عليه حراستها من منتصف الليل ، لحين عودة زملائه لإدارة الألعاب للزوّار صباحاً


وفي يوم عمله الأول .. قدم باكراً عند الساعة 10 مساءً.. وجلس يراقب ضجّة الملاهي المكتظة بضحكات الزوّار اثناء تنقلهم من لعبةٍ لأخرى.


وعند الساعة 11 ونصف مساءً .. شعر بتوتّر زملائه الذين سارعوا بإيقاف الألعاب ، قبل انتهاء دورتها ! مُطالبين الجميع عبر مكبّرات الصوت ، بمغادرة الملاهي دون مماطلة .. 

فاستغرب جاك من اهتمامهم بدقة التوقيت ! فالليل مازال في بدايته ، خصوصاً انهم بعطلة الهالوين ! كما انها الملاهي الوحيدة على اطراف مدينتهم الصغيرة.. 

لكنّ زملاءه بدوا مستعجلين على الرحيل ، كأن الساعة 12 ليست موعد اغلاق بل موعد نجاة ! 

^^^


وبالفعل قبل سبع دقائق على منتصف الليل ، كانت الملاهي فارغة تماماً بعد اطفاء جميع الأنوار .. ماعدا المصابيح الخافتة بين ممرّات الألعاب !


وبعد تسليم العامل الأخير المفاتيح لجاك ، ربت على كتفه وهو يقول بشفقة: 

- اتمنى ان تكون أصلب ممن سبقوك لهذه المهمّة الصعبة

جاك باستغراب : كل ما عليّ فعله هو ابقاء البوّابة مغلقة حتى الصباح ، وفي المقابل احصل على الف دولار كل ليلة .. وهو مبلغٌ خياليّ

زميله : هذا إن قبضته ، فعملك يقتضي مجهوداً نفسياً جباراً.. خصوصاً الليلة التي تصادف عيد الهالوين .. لا يمكنني تخيّل اولئك الملاعين بزيّهم المخيف .. 

ثم نظر لساعته ، قائلاً بفزع : 

- يا الهي ! بقيت دقيقتان على منتصف الليل ، عليّ الإبتعاد من هنا سريعاً !!

^^^


وبعد رحيله..

جاك باستنكار : هل يظنني سأخاف من ملاهي مظلمة ؟!


وبعد تأكّده من إقفال البوّابة ، وجميع أجهزة التحكّم ومحلاّت الدمى وأكشاك الطعام السريع .. توجّه الى مكتبه الصغير..


لكن قبل الدخول اليه ، لاحظ شيئاً يتحرّك من بعيد ! 

فأضاء كشّافه .. ليرى فتاةً صغيرة تنظر إلى الإفعوانية بشرود ، كأنها تنتظر دورها منذ زمنٍ بعيد ! 

فنادها بقلق :

- يا صغيرة !! هل نسيّك اهلك هنا ؟! 

لكنها تجاهلت سؤاله ، مُكتفية بالإشارة للعبة المطفأة .. وهي تقول بحماس: 

- ادرها فوراً !! فهو دوري لركوبها

فاقترب منها : 

- غداً يديرها زملائي لك .. الآن إخبريني بعنوان منزلك ؟ وإن كنت لا تذكرينه ، سأضّطر لأخذك للشرطة لإعادتك لأهلك


وحين حاول سحبها من المكان ، شعر بيدها باردة كالمعدن .. ولم تتحرّك مطلقاً ، كأنها مُثبتة بالأرض ! 

وهنا تغيرت ملامحها البريئة ، وهي تقول بحزم :  

- اريد اللعب بالإفعوانية.. الآن يا جاك  !!


فانصدم من معرفتها اسمه ! وقبل استيعابه الموقف ، سمع اصوات اولادٍ خلفه .. ليجد اكثر من مئة طفلٍ منتشرين بين الألعاب ، كلهم ينادوه بإسمه لتشغيلها لهم !

وكأنهم ارواحٌ عالقة في محيط الملاهي ! 

حينها فهم انهم غير بشريين .. وعرف سبب راتبه الضخم الذي يبدو انه لن يقبضه ابداً ! 


ورغم تسارع قلبه ، الا انه تمالك اعصابه ..وهو يسأل الفتاة بحذر :

- هل ادير العابهم اولاً ، ام الإفعوانية ؟

- بل هم !! فأنا المسؤولة عنهم .. لكن عندما يحين دوري ، ستركب معي 

فلم يستطع الإعتراض ، لأنه لا يعلم من تكون : أهي شبحٌ ام جنية ام شيطانةٌ خبيثة؟ 


وذهب طواعيةً لإجلاس كل مجموعة من الأولاد (بوجوههم الشاحبة) داخل اللعبة التي اختاروها .. ثم تنقّل بين غرف التحكّم لإدارة الألعاب .. وسرعان ما ضجّت الملاهي المضاءة بضحكاتهم الصادحة !


ثم سار متثاقلاً نحو الفتاة ، وهو يحاول التملّص من ركوب الإفعوانية معها: 

- صغيرتي .. إن ركبت معك ، فمن سيُطفئ بقية الألعاب ؟ سأبقى عالقاً معك بالإفعوانية ، لحين قدوم زملائي صباحاً .. ولا أظن من الحكمة ان يروك تتجوّلين هنا مع اصدقائك ، اليس كذلك ؟!  

الفتاة : استطيع التحكّم بإيقاف ايّة لعبة مؤقتاً ، لحين نزولنا منها .. لكن لا استطيع ادارة اللعب دون مساعدة عمّال الملاهي الذين هرب 7 منهم بعد رؤيتنا ، ومات اثنان بسكتةٍ قلبية ! فأنت املنا الأخير .. ويبدو انك اجرأهم ، لهذا اريد اللعب معك .. لأني اشعر بالملّل وحدي

جاك : ولما لا تلعبين مع بقية اصحابك ؟

- لأنهم يكرهونني .. فوالدي المُتسبّب بموتهم 


جاك بخوف : رجاءً إفهميني الموضوع ؟! 

فتنهّدت بضيق : قبل سنوات ، تواجد بهذا المكان مبنى مهجور .. إستخدمه والدي لإجتماعات عبّاد الشياطين الذين خطفوا الأولاد ، لحرقهم كقرابين لإبليس .. ومعظم اولئك الأطفال (وأشارت لأصحابها) هم مشرّدين واولاد شوارع او باعة متجوّلين .. وفي يوم ، فشل المنضمّون لتلك الجمعية السرّية من إختطاف ايّ طفل .. فقدّمني والدي قرباناً لإبليس !  

جاك بصدمة : وكيف وافقت امك على ذلك ؟!

الفتاة : امي مُتشرّدة مدمنة ، سلّمتني لوالدي بعد ولادتي .. وبعد بلوغي سن الرابعة ، ماتت بجرعة مخدراتٍ زائدة .. لهذا تعودت ان يحبسني ابي بإحدى غرف المبنى المهجور ، لحين انتهاء احتفاله مع زملائه .. قبل ان يقرّر جعلي ضحيةً اخرى ! وقد انتحر لاحقاً قبل خضوعه للمحاكمة .. ولليوم لم التقي بروح والدي اللعينة ! 


جاك : سمعت من زملائي ان مالك الملاهي طلب من البلديّة هدم المبنى المهجور بعد شرائه الأرض ؟

- هو الوحيد الذي علم أن المكان ملعون بأرواح الأطفال الغاضبة ، لكنه استغلّ سعره الرخيص .. ولهذا هددّته بإفزاع زوّاره ، إن لم يغلق الملاهي عند منتصف الليل .. اما شرطي الثاني : هو السماح لي ولبقية الأشباح باللعب حتى الفجر ، فالحياة بالعالم السفليّ مملّة للغاية .. (ثم أشارت للأطفال) .. وطالما جميعهم ضحايا والدي ، فمن واجبي إسعادهم .. لكن المشكلة أننا لم نجد عاملاً جريئاً ، للبقاء معنا حتى الصباح .. فهل ستنجح انت ؟

جاك بتردّد : بصراحة .. انا بحاجة للألف دولار يومياً ، لهذا لا ارى مشكلة من ملاعبتكم 

الفتاة بحماس : ممتاز !! وطالما اليوم هو عيد الهالوين ، فلدينا سببٌ آخر للإحتفال .. والآن لنصعد للعبة معاً !!


وما ان أدار الإفعوانية ، حتى سارع الركوب بجانبها .. ثم طلب منها رفع يديها عند الهبوط ، لجعل اللعبة اكثر حماساً 

ولأول مرة يسمع الأشباح الصغار ، ضحكة رئيستهم التي كانت تقضي وقتاً رائعاً مع جاك الشجّاع ! 

^^^


ومضت الساعات سريعة على الأشباح ، بينما بطيئةٌ جداً على جاك الذي امضى الليل كله وهو يدير لهم اللعبة تلوّ الأخرى .. فهم اولاد لا يفزعون من خطورة الألعاب ، او يمتنعون على اللعب بعد شعورهم بالغثيان ! 


ولم يتوقف عمله على ادارة الألعاب فحسب ، بل ايضاً تحضير الوجبات الخفيفة لهم : من الفشار والعصائر والآيس كريم .. وكذلك مطالبتهم بالدمى بعد ربحهم مسابقات الأكشاك الترفيهية !  

^^^


قبل بزوغ الفجر ، بدأت الأشباح تتلاشى الواحدة تلوّ الأخرى .. الى ان اختفت جميع ارواحهم الصغيرة .. 


بعدها تقدّمت الفتاة نحو جاك ، لشكره على سعادتهم.. 

جاك : هناك مشكلةٌ صغيرة.. فالأكشاك خالية من الألعاب والحلوى ، فكيف سأبرّر للمدير ..

الفتاة مقاطعة : انا وبقية الأشباح علقنا بعالم الجن ، وهم كرماءٌ معنا .. لهذا سمحوا لنا بأخذ ما نريد من الكنوز البشريّة المدفونة .. وكنت اتفقت مسبقاً مع مالك الملاهي على اعطائه شوالاً من الذهب كل شهر ، إن سمح لنا اللعب هنا كل ليلة.. يمكنه بواسطة ذلك الكنز ، شراء ما استهلكناه في الملاهي

جاك بصدمة : هو يأخذ شوالاً من الذهب كل شهر ، ويعطيني فقط الف دولار باليوم! 

- ان اردّت ، أنقلك معي لعالم الجن .. فلديهم جبال من الذهب ، يمكنك أخذ ما تريد إن عملت لديهم 

جاك بخوف : لا شكراً .. الف دولار تكفيني ، لست طمّاعاً لهذه الدرجة ! 


ثم ودّعته على عجل قبل شروق الشمس ، واختفت تحت الأرض 

أما جاك : فبقي وحده وسط صمتٍ ثقيل ، لا يعلم إن كان ما حدث حلماً أم كابوساً ! 

^^^


بالساعة السابعة صباحاً ، قدم المدير اولاً .. ليتفاجأ بانتظار جاك في مكتبه!

- أمازلت هنا ؟!

فردّ جاك بوضوح : نعم !! وقد لاعبت الأشباح الصغار ، وانتهى الأمر .. رجاءً أعطني الألف دولار ، فأنا مُنهك واحتاج لنومٍ عميق


لكنه لم يدرك أن المدير الذي وعده بالراتب ، لم يكن ينوي دفعه ! 

فهو ينتظر فشله ، كونه العامل الليلي العاشر .. وهو ما نصّ باتفاقية رحيل الأشباح عن الملاهي ، الذين اتعبوه لعامٍ كامل .. 

فرغم شوالات الذهب التي حصل عليها شهرياً .. لكنه لم يجرؤ على صرفها ، خوفاً من لعنتها ! 

لهذا اكتفى بإعطاء جاك ثمن طعامه .. والذي خرج غاضباً من الملاهي التي سيعود للعمل فيها مساءً  

***


وتكرّر لعب الأشباح الصغار كل ليلة .. الى ان لاحظت رئيستهم حزن جاك الذي اخبرها بأن المدير لم يعطه اجرته طوال عشرين يوماً ، بعد تحجّجه بأسبابٍ واهية 

فردّت غاضبة : اذاً سنربيه قريباً !!   

***


وفي صباحٍ مشؤوم.. تحرّكت الألعاب وحدها ، وضحكت الدمى ، وقطرت المرايا دماً.. فهرب الزوّار فزعين دون رجعة ! 

وأُغلقت الملاهي بالشمع الأحمر .. لتُلقّب لاحقاً بـ"الملاهي المسكونة" التي خاف أهل المدينة الإقتراب من محيطها ليلاً !  

***


بعد شهور .. وقف جاك حزيناً امام بوّابتها المغلقة ، وهو يشعر بالذنب بعد إفلاس المدير ، والتسببّ ببطالته هو وزملائه ! 


وفجأة ! فُتحت البوّابة وحدها ، وبدأت انوار الملاهي تُضاء الواحدة تلوّ الأخرى .. ثم تعالت اصوات الأولاد داخلها ! 

فعلم جاك بعودة الأشباح المتشوّقين للعب من جديد  


فدخل الى هناك حذراً .. ليسمع الفتاة تقول خلفه : 

- اخيراً تجرّأت على القدوم يا جاك ، كنا بانتظارك .. فقد شعرنا بالملّل طوال الشهور الماضية 

فعاتبها عما فعلته ، لأنه خسر عمله بسببها.. 

لكن الفتاة رمت له المفاتيح الخاصة بالبوّابة وبقية الأكشاك ، وهي تقول : 

- شوال الذهب كل شهر ، أصبح من نصيبك .. ولا تقلق !! فالشرطة لن تقبض عليك ، لأن لا احد يجرؤ على الإقتراب من هنا .. (ثم ابتسمت بارتياح) ..من حسن حظنا ان الملاهي اصبحت مهجورة ، هكذا لن يضايقنا احد 

جاك : اذاً لتظهروا صباحاً ؟

الفتاة : لا ، ذاك وقت نومنا .. ثم انوار الملاهي بالليل ، اكثر جاذبية وحماساً.. هيا جاك ، إبدأ عملك .. ماذا تنتظر ؟


وقد أغراه راتبه الجديد ، دون إدراكه أنه لا يملك خياراً آخر..

حيث سارع بإدارة الألعاب ، وهو يشارك الصغار سعادتهم بعودة ملاهيهم المفضلة من جديد ! 

***


ومنذ ذلك اليوم .. تعوّد أهل المدينة على سماع موسيقى الملاهي كل ليلة ، رغم كونها مغلقة بالشمع الأحمر ، بألعابها المُعطّلة المغبرّة ..

أما جاك : فصار الحارس الأبديّ لملاهي الأشباح ، بزوّارها المشاغبين من العالم الآخر !


الأربعاء، 29 أكتوبر 2025

التميمة الملعونة

فكرة : محمد بيومي آل غلاب
كتابة : امل شانوحة 

السراب الأخير


هام البدوي الحاقد بالصحراء بعد ان نفاه زعيم قبيلته ، لسوء طباعه ودسائسه التي اشعلت نار الفتنة بين القبائل !


فمشى لأيام تائهاً بين السراب والعواصف ، حتى ذبل وجهه وجفّ حلقه .. وكاد يُسلم الروح ، قبل لمحه وهجاً لامعاً من بعيد ! 

فزحف متثاقلاً الى هناك ، ليجد نفسه شاهداً على احداث العالم الآخر! 


فالساحة الرملية لم تكن سوى ميدان حربٍ بين جيشيّن غير بشريين :

أحدهما جيشٌ من نار ، بقيادة مخلوقٍ مهيب .. الأرجح انه إبليس !

وجيشٌ آخر من زوابع الدخان الأزرق : من مردةٍ وعفاريت الجن .. بقيادة شيخٌ بشريّ يعلو وجهه الحكمة والهيبة !


وكانت الحرب بينهما على أشدّها ، بينما راقب البدوي ما يحصل وهو يرتجف بخوفٍ شديد ! 


الى ان توقفت المعركة بأوامر القائديّن ، للإستراحة بعد حلول المساء .. لحين انتهاء الجنود من دفن الجثث المُتفحّمة ورمادهم المتناثر بساحة المعركة


في هذه الأثناء لم يستطع البدوي تحمّل المزيد ، وانهار من شدة الجوع والعطش ! 

^^^


ليستيقظ بعد قليل .. على رائحة البخور التي تملأ خيمة القائد البشري الذي اعطاه كوباً من الماء ، وبعض الحساء لاسترداد صحته


ثم اخبره أنه عالمٌ روحانيّ ، اسمه آدم .. إكتشف بالصدفة في أحد المخطوطات القديمة ، تعويذةً نادرة تمنح حاملها القدرة على السيطرة على قبائل الجن الذين يوازون الشياطين قوةً وخبثا .. 

وتمكّن الشيخ إقناعهم بالإنقلاب على ابناء ابليس بعد قرون من العبوديّة


وقد ضايق تمرّدهم المفاجئ ابليس الذي ظهر في معبد الشيخ ، مُطالباً بالتميمة .. ليتفاجأ بالعالم الروحاني يأمره بالسجود له !

فردّ ابليس غاضباً :

- لم أسجد لأبي البشريّة ، أفتريدني أن أسجد لك أيّها التافه ؟! أظننت نفسك تحلّ مكانه ، فقط لكونك تحمل اسمه مع تميمتك السخيفة .. سأحرقك ببطء ، لتكون عبرة لمن يتوهّم الألوهيّة 


لكن التميمة المُعلّقة بعنق آدم ، ردّت الشعاع الناريّ إلى صدر إبليس الذي قرّر إشعال حربٍ شعواء التي ستستأنف جولتها الثانية قبيل الفجر 


بعدها طلب الشيخ من البدوي العودة للنوم ، لمشاركته معركتهم التي ستعاد بعد ساعتين

^^^


لكن البدوي استغلّ غفوّة العالم الروحاني (آدم) لسرقة التعويذة ، والهرب للصحراء 

وبغياب التميمة ، إنهزم جيش الجن بسهولة .. وقُتل قائدهم آدم الذي تركت جثته مصلوبةً بالصحراء ! 

وبموته انتهى آخر أملٍ للبشريّة بالسلام العالمي ! 


بينما عاد إبليس إلى مملكته غاضباً ، بعد فشل جنوده بإيجاد التميمة التي اصبحت بيد البدوي الحاقد الذي عاد لقبيلته ، للإنتقام منهم على نفيه بالصحراء .. 

وبعد حرقهم جميعاً .. قرّر تشريد القبائل البدوية المجاورة بعد تجفيفه آبارهم بسحر التعويذة ، مما اجبرهم على الرحيل لجهةٍ مجهولة !

 

ومن ثم انطلق للمدينة وهو ينوي السيطرة على رؤسائها ، مستخدماً التميمة بأسوء طريقةٍ ممكنة 

^^^


وهكذا بغباء الطمع وغياب البصيرة ، سيدمّر البدوي البشريّة جمعاء .. وبأسرع مما خطّط له إبليس الذي فاقه شرّاً.. لا لكونه شيطان ، بل إنسانٌ بلا حكمةٍ او ذرّة ضمير !


مرآة العدالة

تأليف : امل شانوحة  إنعكاس الحقيقة يُعدّ المحقق جاك من الرجال العقلانيين ، لا يصدّق الا بالدلائل الماديّة والبصمات والإعتراف الصريح .. لكن ا...