الجمعة، 18 مارس 2022

العين الحارقة

تأليف : امل شانوحة 

 

نهاية الكون


بعد التدهور الإقتصادي والإجتماعي في البلد بسبب السياسيين الفاسدين ، خطرت في بال احد التجّار المتضرّرين من تلاعب العملة بالسوق السوداء أن يستعين برجلٍ من قريته الريفيّة ، معروفاً بعينه الحسودة التي ارهقت كل من حوله ، والذي تمّ نفيه للجبال لاتقاء شرّه !

***


وفي يوم عطلته .. توجّه التاجر الى قريته ، للسؤال عن المكان الذي نُقل اليه الرجل الحسود ؟

فسأله قريبه باستغراب :

- وماذا تريد من ذلك الشيطان ؟!

- أظن بإمكاننا الإستفادة من موهبته لتحسين اوضاع البلد

الرجل بدهشة : موهبته !

التاجر : يعني طالما لم ينفع مع السياسيين الإضرابات ولا المظاهرات ، ولم تنجح محاولة إغتيالهم ، فلما لا نسلّط عليهم عين الحقود


الرجل : وكيف ستصل للعجوز اللعين ؟ فلا احد يجرأ على الإقتراب منه

- وكيف اذاً نقلتموه لكوخ الجبل ؟!

الرجل : قمت انا وصديقي بتوكيلٍ من رئيس بلديتنا على اختطافه اثناء نومه في آخر الليل .. وعلى الفور !! غطّينا عينيه بعصابةٍ سميكة ..وقيّدنا يديه وقدميه .. ثم حملناه لسيارتي التي رفعت فيها صوت القرآن .. وكنّا في اجتماع الصباح : طلبنا من الأهالي البقاء في منازلهم لحين إخراجه من قريتنا.. والتزمت انا وصديقي الصمت طوال الطريق كيّ لا يميز العجوز صوتنا ، فيؤذينا لاحقاً


التاجر : الم يحاول الهرب منكما طوال الطريق ؟

- لا ادري إن كنت ستصدّقني .. أخذ يحسد العصابة القماشيّة وقوتها ،  حتى كادت تتمزّق وحدها ! فأسرع صديقي بتكميم فمه .. وحين وصلنا الى كوخ الجبل (الذي جهّزه رئيس بلديتنا بشوالات الأرز والحبوب وأخشاب التدفئة) إستخدمنا ابرة المخدّر الوحيدة التي سرقناها من الصيدليّة (الممنوع شرائها دون وصفةٍ طبّية) .. وبعد نومه ، فكّكنا قيوده ..وأسرعنا للسيارة ، للعودة لقريتنا التي كانت تحتفل بالتخلّص من الشرير بحرق منزله


التاجر : الم تظلموه بتركه وحده هناك ، رغم كبر سنّه ؟!

فأجابه بعصبية : ابداً !! فهو أذانا لسنواتٍ طويلة ..ولم يخلوّ منزلاً في القرية لم يتعرّض لحسده ، حتى شحّاذين الطرقات لم يسلموا من عينه ! وبعد موت شابٍ في مقتبل العمر بسببه ، إتفقنا جميعاً على التخلّص منه

- وكم سنة بقيّ في المنفى ؟

- سبع سنوات حتى الآن

التاجر : وفي أيّ جبلٍ حبستموه ؟

- تعال لأريك


وأشار من النافذة على جبلٍ أجرد ، وهو يقول :

- لا يمكنك تضيّعه ، فهو الكوخ الوحيد هناك

التاجر : ولما لم تحبسوه في جبلٍ مُخضرّ ، كيّ يستفيد من زرعه؟! 

- أحلف لك انه كان جبلاً أخضراً ، مليئاً بالأشجار المثمرة ..لكن حريق كبير شبّ فيه ، بعد ايامٍ من تركنا العجوز هناك ! ونكاد نجزم أن عينه هي سبب الحريق


التاجر : هل تظنّه مات حرقاً ؟

الرجل : يا ليت !! فالشياطين مصيرها الحرق .. لكن للأسف ، مرّ صديقي بالصدفة من هناك قبل شهرين ، ورأى مدخنة كوخه.. وهذا يعني إن اللعين مازال بخير !

التاجر : اذاً سأصعد اليه

- هل جننت ؟!! ستموت فور تسليط عينيه الحارقتين عليك

- لا تبالغ ، سأحصّن نفسي جيداً ..وأحمي عينايّ بنظارةٍ سوداء .. فهو برأيّ الوحيد القادر على حل أزمتنا المعقّدة 

- الن تخبرني خطتك ؟

التاجر : ستعرفها لاحقاً

***


وقاد التاجر سيارته نحو الجبل الأجرد ، الذي وصل اليه قبيل الغروب ..وبعد قراءته المعوّذات ، طرق باب الكوخ وهو يُخفي قلقه ..ليسمع خطوات عكّاز العجوز وهو يقترب من الباب ، صارخاً بغضب :

- من هناك ؟!!

التاجر : أتيت لزيارتك والإطمئنان عليك يا عم


ففتح له الباب بنظراته الحادّة وحاجبيه الكثيفتين ، كأن عينيه تشتعل ناراً وغضباً !  

العجوز بتهكّم : لما تضع نظّارتك ، فالشمس على وشك الغروب ؟ ام تخاف أن أعمي بصرك ؟

فبلع التاجر ريقه بقلق : الحرص واجب يا عم .. (ثم استجمع قواه) ..قدمت اليك في مهمةٍ وطنيّة

العجوز باستغراب : وطنيّة !

- دعني ادخل لأخبرك بها .. وإن نجحت بالمهمّة ، ستصبح بطلاً قوميّاً

***


وجلسا قرب المدفأة.. ليخبره التاجر بموجز الحالة الإقتصاديّة والإجتماعية المترديّة للمواطنين ، وكيف أن السياسيين الخمسة الفاسدين دمّروا إقتصاد البلد خلال سنتين فقط !

العجوز بدهشة : أكل هذا حصل بغيابي ؟!

التاجر : نعم ، والشعب حاول بكل الطرق القانونيّة الإطاحة بهم دون فائدة ، ولم يبقى امامنا سوى الإستفادة من قوّتك الفريدة من نوعها

- أتريدني أن أصيبهم بالعين ؟

- يا ليت !!

العجوز : وهل تريدهم مرضى ؟

التاجر بحزم : بل قتلى !!

العجوز بابتسامة : ممتاز !! لي مدة وانا ارغب بقتل احدهم ، فنار الحقد تغلي بين عيوني


فارتعب التاجر بعد شعوره بحرارة تخرج من عينيّ الرجل ، وكأن شيطاناً تجسّده ! 

وما أن أخرج جوّاله من جيبه ، حتى قال العجوز : 

- أهذا جوّال جديد ؟

التاجر بارتباك : لا رجاءً يا عم ، لا تعطّل جوالي ..فأنا اريد أن اريك صور السياسيين من خلاله

- حسناً ، أرني الملاعين


فبدأ يريه الواحد تلوّ الآخر .. وكل شخصٍ رآه العجوز ، ركّز نظره عليه لدقائق .. قبل أن يقول :

- هِبّ !! على صحّته وقوته .. هِبّ !! على روحه التي لا تموت


وبعد انتهائه من الصور الخمسة ، وعده التاجر :

- في حال تمّ الأمر ، سأخبر الجميع ببطولتك .. وسنقيم إحتفالاً ضخماً لعودتك الى حضن الوطن

العجوز بثقة : لا تقلق بشأن النتيجة ، فنظراتي لا تخيب ابداً


وخرجا معاً من الكوخ ، ليسأله :  

- اين سيارتك ؟

التاجر بارتباك : أوقفتها بعيداً عن هنا.. سلام


وبعد ذهابه ، قال العجوز في نفسه :

((الملعون ، يخاف أن أصيبها بالعين .. لا بأس ، فقريباً سيعرف الجميع موهبتي ويقدّرونها جيداً))

***


فور عودة التاجر الى العاصمة ، سمع بمرض السياسيين الخمسة الذين ظنّوا انهم تعرّضوا للتسمّم بإحدى حفلاتهم المسائيّة .. لهذا أمروا حرسهم بسجن المسؤولين عن الحفل !

***


لم تمضي ايام ، حتى اعلنت الصحافة خبر وفاتهم ! 

فهلّل المواطنون فرحاً ، وعمّت الإحتفالات البلاد بعد موت الفاسدين الخمسة..

لكن التاجر لم يخبر احداً بالسبب الحقيقي لموتهم ! رغبةً بالإستفادة من قوّة العجوز .. 

***


بعد ايام .. صعد اليه الجبل ، ومعه الحلويات والطعام 

فسأله العجوز باهتمام :

- هل مات اعداء الوطن ؟

فكذب التاجر قائلاً :

- هم ينازعون الآن ، وأظنهم سيموتون قريباً ..وأتيت للإحتفال معك

العجوز : أقدمت لهذا السبب فقط ؟

- لا ، هناك امراً آخر


وأخبره بشأن الحرب الدائرة بين روسيا وأوروبا ..

العجوز باهتمام : هل يتحضّرون لحربٍ عالميّة ثالثة ؟!

التاجر : هذا ما يُقال ، والجميع مُتخوّف أن يصل أثرها للبلاد العربية ..لهذا سأريك صور رؤساء الغرب الفاسدين ، لربما تخلّص العالم من شرورهم 


وأخذ يريه صورة تلوّ الأخرى .. ليبدأ العجوز بتركيز نظره عليهم ، وهو يحسدهم على صحّتهم وقوّتهم البدنيّة !

وبعد انتهائه ، قال للتاجر بثقةٍ وغرور :

- قريباً ستسمع خبر وفاتهم .. هل تريد شيئاً آخر ؟

التاجر : حاليّاً لا ، سأزورك لاحقاً


العجوز : لحظة قبل ذهابك ، اريدك أن تشرح ما قلته عن جنون الرئيس الروسي الذي سيدمّر الكون ؟! 

- هو يهدّد بضرب سلاحه النوويّ ، عابر القارات

- لم افهم قصدك !


فأراه على الجوّال صورة القنبلة الشيطانيّة الضخمة التي يحتفظ بها بوتين ، والتي فاجأت العجوز الذي اتسعت حدّقتي عينيه بدهشة :

- أكل هذه قنبلة ! معقول لم تنفجر حتى الآن !!


وإذّ بالأرض تهتزّ من تحتهما ، ويريان نوراً يخطف الأبصار من بعيد !

فصرخ التاجر برعب : لا يا رجل !! فجّرت النوويّ


لتُنهي موهبته اللعينة الحياة على كوكب الأرض !


هناك 4 تعليقات:

  1. قصة حلوة ولماحة ...

    ردحذف
  2. فال الله ولافالك والله ارعبتيني تحياتي

    ردحذف
  3. شكرا لقد توقف قلبي من الرعب لماذا كل هذا الاحباط .اتركي السياسة انهم خنازير

    ردحذف
  4. اعميتها ي مداويها ...جبناك تكحل عينها اعميتها .....

    ردحذف

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...