الأربعاء، 16 مارس 2022

العالم الجديد

تأليف : امل شانوحة 

البوّابة الأثريّة


وافق تاجرٌ ثريّ (وليد) على مقابلة صحفيّة تعمل في إحدى المجلاّت ، بشرط قدومها وحدها دون فريق التصوير.. 

واستقبلها في قسمٍ خاص للشخصيات المهمّة في مطعمٍ فاخر ، داخل غرفةٍ زجاجيّة مُظللّة .. فيها طاولة أثريّة من الخشب المنقوش يدويّاً ، والذي وصفها صاحب المطعم : بأنها ورّثت جيلاً بعد جيل ضمن عائلته  


وبعد تقديم الشايّ لهما ، بدأ الحوار الصحفي .. حيث سجّلت الصحفيّة (مروى) كلامه بجوّالها ، وهي تُلقي أسئلتها عليه مثل : كيف كوّن ثروته ؟ وما الصعوبات التي واجهته ؟ وطموحه ومشاريعه المستقبليّة ؟ كما تطرّقا للأزمة الإقتصاديّة الراهنة بالبلد 


وقبل نهاية المقابلة ، سمعا صوت طائرةٍ حربيّة تُحلق على مستوى منخفض ! 

فأسرع وليد بسحب ذراع مروى ، وإنزالها معه أسفل الطاولة المصنوعة من الخشب السميك .. قبل ثوانيٍ من دويّ إنفجارٍ هائل ، حطّم زجاج المطعم !

***


بعد دقيقتين .. هدأ كل شيء ، وساد الصمت المُقلق ! 

فحاولا إزاحة الأنقاض الإسمنتيّة وشظايا الزجاج عن جانب الطاولة .. الى أن خرجا من تحتها ، ليجدا اثاث المطعم سليماً ! فقط الغرفة الزجاجيّة المظلّلة هي التي تكسّرت بفعل جدار الصوت


فخرجا من بوّابة المطعم .. ليلاحظا إختفاء الناس من كلا الشارعين ، ومن المحال التجاريّة التي تُركت ابوابها مفتوحة ! 

وكان الأمر مريباً للغاية ! فودّعا بعضهما على عجل ، قبل صعود كلاً منهما سيارته للإطمئنان على اهله

***


في الطريق ، حاولت مروى الإتصال بأهلها .. لكن لا وجود للإنترنت ، كأن الإتصالات إنقطعت بعد الحادثة ! 

وازداد رعبها بعد خلّو الشوارع من المارّة والسيارات على طول الطريق الساحليّ ، وصولاً لمنطقتها .. 


وحين صعدت عمارتها ، وجدت شقتها خالية من امها واخوتها.. فطرقت على الشقق المجاورة ، دون أثرٍ للجيران .. 

فتوجّهت لمنازل أقاربها والأصدقاء ، ومبنى الصحافة الذي كان خالياً من الموظفين .. 


وحين أوشكت الشمس على المغيب .. إتصلت يائسة بالثريّ الوليد ، الذي ردّ بصوتٍ مرتجف بعد إختفاء ابنتيه واهله وفريق عمله ! 

واقترح عليها العودة للمطعم (الذي حصل فيه الحوار الصحفي) بدلاً من بقائها وحدها !

***


امام المطعم .. نزلت مروى من سيارتها مسرعة ، لتجده ينتظرها هناك بوجهٍ شاحب .. 

فسألته فزعة :

- ماذا حصل ؟! اين الناس ؟

وليد : لا اعرف شيئاً ! بحثت في كل مكان عن ابنتيّ ، ولم اجدهما ..اكاد أجن !!

مروى : وانا لم أعثر على اهلي او عائلة خطيبي .. ماذا برأيك حصل ؟ هل رموا قنبلة نوويّة اذابوا فيها البشر ؟ او إن الطائرة التي سمعناها ، تقودها مخلوقات فضائية سحبتهم لعالمها ؟! 

- لا أصدّق هذه الخزعبلات

- اذاً ماذا سنفعل ؟ سيحلّ المساء قريباً 

وليد : إتركي سيارتك هنا ، وتعالي معي الى قصري

- وماذا أفعل هناك ؟!

- أُفضّل البقاء معاً لحين حلّنا اللغز الغامض ، فربما يتغيّر الوضع غداً او بعد ايام

فأضّطرت للموافقة لعدم وجود حلٍ آخر !

***


في الطريق ، سألته : 

- ما رأيك أن نتسوّق من المحال المفتوحة ؟ أخاف أن تهجم الذباب والفئران على المنتجات المكشوفة كاللحم والأجبان 

وليد : لا ارى اثراً للحشرات والحيوانات ، كأنها اختفت مع البشر ! ثم  لديّ كل شيء في بيتي ..وإن احتجنا لبضائع ، نتسوّقها غداً

***


في القصر .. إختارت مروى غرفة الضيوف ، بعد أن اعطاها وليد بيجاما زوجته .. وذهبا للنوم ، بعد تناولهما عشاءً خفيفاً ..

***


في منتصف الليل .. خرج وليد من غرفته ، ليجد مروى تُغلق جميع النوافذ بالستائر ، وهي تُطفئ الأنوار !

وليد باستغراب : ماذا حصل ؟!

مروى بقلق : أخاف أن يتحوّل الناس لزومبي بهذه الساعة المتأخرة ، لهذا أقفلت كل شيء

- على فكرة الزومبي تخاف الأنوار ، وانت أطفأتها كلّها 

مروى بخوف : اذاً انت تصدّق انهم تحوّلوا ..

مقاطعاً : لا !! انا فقط أصحّح نظريتك السينمائيّة .. المهم ، هل شعرت بحركة في الخارج ؟

- لا ، الوضع مازال هادئاً !

وليد : عودي للنوم يا مروى ، فغداً نذهب للحدود

- الحدود !

وليد : نعم ، ربما إختفاء الناس حصل في بلدنا فقط

مروى : إذاً لنذهب باكراً ، كيّ نعود للقصر قبل حلول المساء

- إن وجدنا بشراً في الدولة المجاورة ، لن نعود الى هنا .. لهذا سنجهّز حقائبنا قبل سفرنا البرّي .. تصبحين على خير

***


وصل وليد ومروى عصراً الى داخل الدولة المجاورة ، بعد قطعهما الحدود الخالية من حرس البلدين ! 

ليجدا الوضع مشابهاً لما حصل في بلدهم ! فالمحال التجاريّة مفتوحة ، وخالية من المتسوّقين ! 

لهذا قرّر وليد العودة الى قصره ، طالما الوضع مُشابه (على ما يبدو) في جميع الدول !

***


في طريق العودة .. سألته مروى : هل أصبحنا آدم وحوّا ؟!

وليد : اذا كنّا كذلك ، فعلينا الزواج في الحال 

مروى بقلق : لكنّنا مختلفيّن في الطائفة المسيحيّة !

وليد : وهل سيفرق الموضوع في أزمتنا الحاليّة ؟

- وكيف سنتزوج ، في كنيستي ام كنيستك ؟ 

- سنتزوج مدنيّاً .. لنذهب مباشرةً الى مكتب الشؤون الإجتماعيّة ، ونأخذ ورقة مُخصّصة لعقد الزواج .. نكتب فيها إسمينا ، ثم نختمها بالختم الرسمي ...وإن ظهر البشر ثانيةً ، يكون معنا إثبات على زواجنا القانونيّ  


مروى : وماذا بشأن زوجتك وخطيبي ؟

- إن عادت للظهور ، سأطلّقها على الفور .. فلسنا على وفاق منذ سنوات

- وانا ايضاً غير مقتنعة بخطيبي ، فهو بعمر والدي .. لكن اهلي أجبروني عليه

وليد : اذاً لا شيء يمنع زواجنا .. هيا بنا


فوافقت مرغمة على طلبه ! ووقّعت معه الورقة الرسميّة ، ليعودا سويّاً الى القصر .. ورغم إحساسهما بالذنب إلاّ انهما تزوجا تلك الليلة ، بعد قرارهما بإكمال حياتهما سويّاً .. 


وقبل نومها ، أمسكت يده باكية :

- عدّني ألا تمتّ قبلي .. سأجنّ إن بقيت وحدي في هذه الدنيا

وليد : دعينا لا نفكّر بالغد ، ولنعشّ كل يومٍ بيومه

***


ومرّت الأيام ، تسوّقا فيها ما يشاءان من السوبرماركت والمولات المفتوحة .. ولبسا اغلى الملابس ، ووضعا أفخم العطور .. 


إلاّ أن قلقهما من فساد المأكولات والمعلّبات في الأسواق بمرور السنوات ، جعلهما يزرعان في حديقة القصر الخضراوات والفواكه التي نقلوها من إحدى المشاتل .. فهما متفرّغين للإهتمام بها ، بعد تعطّل عمليهما كصحفيّة وتاجر إستيراد وتصدير

***


وفي أحدى الأيام .. إستيقظ وليد ، ليجد زوجته مروى تبكي في المطبخ ! وحين سألها ، أخبرته انها حامل ..

فحضنها بسعادة :

- هذا أجمل خبر سمعته منذ شهور !!

مروى بقلق : وكيف سألدّ دون وجود أطبّاء ؟! 

- سأقوم انا بتوليدك

- وما يدريك بهذه الشؤون ؟!

وليد : انا من عائلةٍ ريفيّة ، لطالما ساعدت والدي بتوليد الخراف

فانهارت مروى باكية : انا لست نعجة !!

فحضنها بحنان : رجاءً لا تبكي


مروى بخوف : ماذا لوّ ولدّتُ قبل اواني ؟ ماذا لوّ مرض طفلي ، كيف سنعالجه ؟

وليد : لا تقلقي بشأن مستقبله .. سيعيش معنا ، وسنهتم به قدر المستطاع

- المسكين ، سيكبر دون معرفته البشر

- برأيّ سيكون أسعد طفلٍ في العالم ، لأن باستطاعته إختيار اللعب والحلويات التي يريدها  

مروى بحزن : سيشعر بالوحدة دون اطفالٍ في مثل عمره 

- سنلاعبه ليل نهار ، ونعلّمه القراءة والكتابة .. لا تقلقي عزيزتي ، هو سيؤنس وحدتنا

***


ومرّت الشهور ، وجاء يوم ولادتها .. وساعدها وليد ، بعد قراءته كتباً عن التوليد والعناية بالطفل من المكتبة العامة .. لتنجب ولداً معافى .. سعد به وليد كثيراً ، بعد تحقّق حلمه بإنجاب صبيّ .. 

وقاما بالإهتمام به ورعايته على مدار الساعة ، فلا يوجد اعمال او علاقات إجتماعية تشغلهم عنه .. 

***


وفي إحدى الأيام .. رسمت مروى لإبنها لؤيّ (5 سنوات) بعض الحيوانات .. فسألها :

- واين اختفت القطط والكلاب ؟

- هذا لغز لم استطع انا ووالدك حلّه للآن ! 

***


وكبر الصبي ، الى ان بلغ سن 9 .. 

وفي ذلك الصباح ، تنزّهوا بجانب الشاطىء .. وحين مرّوا قرب المطعم ، قال والده :

- لؤيّ !! هنا تعرّفت على امك

لؤيّ : اين بالضبط ؟


فأوقف وليد السيارة .. ودخلوا جميعاً الى المطعم ، ووقفوا امام الغرفة الزجاجيّة المحطّمة .. 

وأخذت امه تخبره كيف إن جدار الصوت جعلهما يحتميان اسفل الطاولة الأثريّة .. 

فأراد الصبي تجربة ما مرّا به .. ونزل اسفل الطاولة ، وهو ينادي والديه للّحاق به .. 


وما أن جلس الثلاثة اسفل الطاولة ، حتى تغيّر كل شيء ! بعد سماعهم صراخ الناس خارج الغرفة ، وهم يتكلّمون عن الطائرة التي مرّت فوقهم قبل قليل !


فخرج وليد اولاً .. ولحقته مروى بعد صعودها من تحت الطاولة ، وهما ينظران لبعضهما بدهشة ! 

مروى بصدمة : أكل السنوات التي عشناها ، كانت مجرّد حلم ؟! 

وليد مذهولاً : يبدو انه مرّت دقيقة واحدة على الحادثة ! 

مروى : والآن ماذا ! هل سنعود لحياتنا السابقة كأن شيئاً لم يكن ؟!

وليد بضيق : لا اريد العودة الى زوجتي النكديّة

- وانا لا اريد الزواج بالعريس العجوز ! 

- اذاً لنخبرهم بزواجنا 

- لن يوافقوا ، فنحن من طائفتين مختلفتين ، أنسيت !!


وفجأة ! خرج ابنهما لؤيّ من تحت الطاولة ، وهو يرتجف خوفاً :

- امي ، ابي ! من هؤلاء ؟ ومن اين اتوا ؟! انا خائفٌ جداً  


فصُعق وليد ومروى برؤية ابنهما ، فوجوده يؤكّد إنهما عاشا معاً لعشر سنواتٍ كاملة !

وليد : يبدو تحت الطاولة الأثريّة ، بوّابة للعالم الموازي !

مروى : أتذكر حين أخبرنا صاحب المطعم إن جده وصّاه بعدم تحريك الطاولة من مكانها ، أظنه الوحيد الذي علم بالسرّ .. فهل نخبر العالم بذلك؟ 

وليد : لا رجاءً ، لا تنشريه بالصحافة .. سيظنّونا مجانين


فهمست له بقلق : وماذا بشأن الصبيّ ؟!

وليد بضيق : لا استطيع اخذه لزوجتي ، فهو اكبر من بناتي !

مروى بصوتٍ منخفض : وكيف آخذه الى اهلي ، وانا مازلت مخطوبة ؟!

وهنا شدّ لؤيّ ملابس امه بخوف : امي لنعدّ الى منزلنا ، انا خائف من هؤلاء البشر .. ضجيجهم يُرعبني !


فنظر الوالدان لبعضهما بحيرةٍ وارتباك ، وهما يتساءلان : 

كيف يفسرّان للأهل والأصحاب ظهور ابنهما من العدم ! هل يخبروهم بالحقيقة ؟ او يكتفيان بنسب الولد لهما ، مُعرّضين أنفسهما لتهمة الخيانة ؟ ..ام ينزلا مع ابنهما أسفل الطاولة للعودة لعالمهم الهادىء ، وإكمال حياتهما دون بشر لبقيّة عمرهم !

وانتم ايها القرّاء ، ماذا ستفعلون لوّ كنتم مكانهما ؟! 


هناك 4 تعليقات:

  1. سأخبر الناس بالحقيقة وأثبت ذلك بالصور والفيديوهات التي التقطناها خلال سنوات العالم الموازي وليحصل ما يحصل

    ردحذف
  2. نرجع للعالم الثاني ونكمل حياتي بلا بشر

    ردحذف
  3. كنت راااح ان لم انتحر فسوف اجن مابقا من عمري

    ردحذف
  4. انا ارى ان هم سوف يرسلونه إلى الميتم وعدم الاعتراف به أو سوف يربونه في العالم الموازي بدون بشر ولامستقبل ويزورونه من فترة لفترة لأن كل واحد رجع لحياته الحقيقية ولا أحد يريد ان يخسر سمعته ووظيفته من أجل طفل لا وجود له ولا اثباتات له اما الطفل يبدو غير طبيعي لأن لم يعتد رؤية البشر والكثير من الأشياء في الحياة الواقعية اذا الاختيار الثاني انسب ملاحظة انا لا احب موضوع العالم الموازي لأن لا وجود له لكن اخترعوها بعض الأشخاص الغير المؤمنين بالله حتى يقنعون أنفسهم بعدم وجود الجنة والنار والحساب والحياة الأخرى يمكن أن نطلق على الحياة الموازية (الحياة مابعد الموت) لكن أعجبتني القصة كثيرا

    ردحذف

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...