الجمعة، 11 مارس 2022

الدليل المشبوه

كتابة : امل شانوحة 

المتهمة البريئة 


في ليلةٍ باردة ، تفاجأت جاكلين بالشرطة تقبض عليها بتهمة قتل حبيبها !

ورغم صدمتها بالخبر وبكائها المرير في مركز الشرطة ، إلاّ أن المحقّق لم يصدّق تمثيلها بعد شهادة الجيران على خلافٍ كبير وقع بينها وبين الشاب قبل ايامٍ من مقتله .. 

فتمّ توقيفها لحين صدور نتيجة تحليل الشعرة الطويلة الشقراء التي وجدوها على قميصه الملطّخ بالدماء ، بعد أن غُرزت سكينة مطبخ في قلبه !

*** 


في اليوم التالي .. ظهرت نتيجة المختبر ، لتؤكّد أنها شعرتها حسب فحص (DNA) ممّا تسبّب لها بصدمةٍ عنيفة ! فلم تتوقف عن الصراخ والبكاء ، الى أن حُقنت بإبرةٍ مهدئة .. لتُنقل بعدها الى سجن النساء في انتظار محاكمتها ..

***


لاحقاً عيّنت عائلة جاكلين محامياً بارعاً لتخليصها من الورطة ، والذي تكلّم معها في غرفة التحقيق بإدارة السجن .. حيث بدت شاحبة بعد نقص وزنها ، بسبب رفضها تناول الطعام في القاعة المشتركة !


فقال المحامي :

- إخبريني بكل شيء يا جاكلين ، كيّ اساعدك 

فمسحت دموعها وهي تقول بقهر :

- نعم تشاجرت معه قبل ثماني ايام من وفاته ، بعد أن أخبرني بمقابلته لصديقةٍ قديمة

- من هي ؟

جاكلين : لم يقلّ شيئاً عنها ! فقط وصفها بالفتاة العنيدة التي رفضت الإنفصال عنه .. وانه قابلها بعد نيّتها الإنتحار ، لعلمها بعلاقته الجدّية معي  

- هل اخبرها عنك ؟

- يبدو ذلك 


المحامي : وهل اعتبرته خائناً بذهابه لمنزلها ؟

- بالتأكيد !!

المحامي : الا يمكن انك ذهبت الى منزله ذلك المساء للإنتقام ..

جاكلين مقاطعة : لا !! لم افعل .. بقيت وحدي في المنزل 

- وماذا فعلتي ليلتها ؟

- تابعت وسائل التواصل الإجتماعي ، في محاولة لنسيانه .. صدّقني انا اقول الحقيقة .. اساساً لما اقتل حبيبي الذي وعدني بالزواج ؟


المحامي : هل خطبك ؟

- أخبرني إنه سيحلّ مشكلته مع الفتاة المجنونة اولاً ، قبل تقدّمه لخطبتي .. وأظنها القاتلة ، فهو بدى خائفاً منها ! 

المحامي : اذاً كيف تفسّرين وجود شعرتك على قميصه الجديد ؟ فصاحبه أكّد انه اشتراه حين ذهبا معاً للسوق ، قبل يومٍ واحد من وفاته .. وأنت تنكرين مقابلته طوال الإسبوع قبل وفاته !

- ربما نام على الكنبة ، وعلقت شعرةٌ قديمة لي على قميصه .. لا ادري ! 


المحامي : إحتمال وارد .. (ثم بحث بالأرواق التي امامه ، قبل أن يقول).. اريد تنبيهك منذ الآن ، انه يوجد دليلين قويين ضدّك : الشعرة ، وشهادة الجيران بعلاقتكما المتوتّرة قبل وفاته.. رغم وجود دليلٌ ثالث يحتفظون به في ثلّاجة المختبر ! ورفض المحقّق إخباري عنه ، والذي بسببه لم يتم محاكمتك حتى الآن .. المهم !! سأقوم بجهدي لإخراجك من هنا ..

- رجاءً ساعدني ، فأنا لا استطيع البقاء في هذا المكان الموحش اكثر من ذلك 

- سأحاول .. آه على فكرة ، سمحوا لك بمقابلة اهلك

جاكلين بارتياح : اخيراً !! لم ارهم منذ يوم الإعتقال .. اين هم ؟

- سأذهب لمناداتهم  

***


وبعد خروجه من الغرفة .. دخل والداها بعينيهما المحمرّة من البكاء ، ومعهما اختها الصغيرة التي تتعالج من السرطان

فقالت معاتبة : ما كان عليكما إحضارها ! فالسجن مكانٌ غير نظيف ، ومناعتها ضعيفة 

فأجابتها الطفلة بحماس : كنت اريد أن اريك شعري الجديد !!  


وهنا تذكّرت جاكلين شيئاً مهماً ! .. وأخبرت اهلها بأن زميلتها ديانا (التي توظّفت حديثاً في محل البيتزا التي تعمل فيه) أصرّت على أخذها لمصفّفة شعر تعمل في محلٍ بعيد عن منطقتهم ! بحجّة انها بارعة بتحويل شعرها الى باروكة لأختها الصغيرة الصلعاء .. وانها لمحت الكوفيرا تضع شعرها المقصوص والمشط في كيسٍ جانبيّ .. كما لاحظت ديانا تُحدّث الكوفيرا بصوتٍ منخفض ، وهما يشيران للكيس كأنهما يخطّطان لشيء !


فسألها والدها : أتظنين بأن الشعرة التي وجدوها فوق جثة حبيبك ، مأخوذة من عند الكوفيرا ؟!

جاكلين : أظن ذلك !

الأم : ولما تقوم ديانا التي تعرفينها منذ شهرٍ واحد ، بالإتفاق مع الكوفيرا ضدّك ؟!


فعادت وتذكّرت جاكلين اليوم الذي قدم فيه حبيبها الى محل البيتزا ، لرؤيتها قبل اسبوعين من وفاته .. وكيف اسرعت ديانا بترك المحاسبة والإختباء في الحمام حتى رحيله !


فقالت لوالديها : الآن عرفت لما أصرّت على العمل معي بذات القسم ! أظنها نفس الفتاة التي حاول خطيبي التخلّص منها .. 

الوالد : أمتأكدة من ذلك ؟ فأنت توجّهين اتهام القتل اليها 

جاكلين : هي أخبرتني سابقاً أنها أحبّت شخصاً بجنون .. وبعد انفصالهما ، حاولت الإنتحار ! لولا تدخل اختها الكبيرة لإنقاذها باللحظة الأخيرة قبل شنق نفسها

الأم : أتعتقدين إن الكوفيرا اختها ؟

جاكلين : ابي .. إن كان المحامي ينتظركم خارج الغرفة ، فدعه يدخل لأخبره بمعلوماتي الجديدة


وقبل خروج عائلتها من الغرفة ، التفتتّ الأم وهي تقول : 

- حاولي تذكّر كل شيء يا جاكلين ، فكل تفصيلة ولوّ صغيرة قد تنقذك من هذه الورطة

جاكلين : سأفعل !!

***


بعد إخبارها المحامي بشكوكها ، قال لها :

- هل أنت من اقترحت باروكة الشعر لأختك الصغرى ؟

جاكلين : يا الهي ! تذكّرت .. حين قدمت اختي مع والدايّ الى محل البيتزا ، سألتني ديانا بعد رحيلهم عن سبب فقدان اختي لشعرها ؟ فأخبرتها بعلاجها الكيميائيّ 

المحامي : وحينها اقترحت عليك موضوع الباروكة ؟

- نعم ، وأصرّت على أخذي بنفسها لتلك الكوفيرا

- اذاً سأبحث عن علاقتهما .. فإن كانت اختها بالفعل ولديها علاقة سابقة بخطيبك ، نكون مسكنا طرف الخيط 

***


لم يكن صعباً على المحامي كشف علاقة الأخوّة بين ديانا ومصفّفة الشعر من خلال اوراقهما الرسميّة في مدرستهما الإبتدائيّة.. 

أمّا مهمّته الأصعب : فهو إثبات انها ذات الفتاة المجنونة التي حاول خطيب جاكلين التخلّص منها .. لهذا ذهب الى دوريّة المرور لمراجعة الفيديوهات السابقة لحركة الطريق في يوم الجريمة .. 


وبعد بحث لساعاتٍ طويلة ، اكتشف توقف سيارة ديانا البيضاء (بعد التأكّد من رقمها) قرب مبنى القتيل ..

وبتقريب الصورة : لاحظ المحقّق إخفائها شيئاً لامعاً في جيب معطفها ، اثناء صعودها الى شقته ! 

كما صوّرتها كاميرا المبنى وهي تخرج من هناك ، بعد نصف ساعةٍ فقط .. وبيدها كيساً اسوداً ، يبدو لإخفاء اداة الجريمة !

***


بضوء الأدلّة الجديدة ، تمّ استدعاء ديانا للتحقيق .. ورغم أخذهم بصماتها ، لم تشعر بالإرتباك ، فهي وضعت القفّازات يوم الجريمة .. دون إدراكها بأن حبيبها السابق جرح ذراعها ، اثناء طعنها له.. وأن المختبر احتفظ بالجلد الذي وجدوه تحت ظفره في ثلاّجتهم لحين معرفتهم الجاني الحقيقي ، والذي تطابق مع جيناتها .. 


وبذلك ألغى القضاء دليل الشعرة ، بعد اعتراف الكوفيرا بمساعدتها أختها ديانا بهذا الموضوع .. وتمّ سجنهما بحكمين مختلفين : حيث حصلت ديانا على السجن 20 سنة بتهمة القتل العمد .. بينما حصلت اختها على السجن لسنةٍ واحدة ، لمساعدتها اختها بتوريط جاكلين بالجريمة .. 

***


بعد خروج جاكلين من السجن ، بدأت حملة توعيّة على قناتها على اليوتيوب لتنبيه الناس : بعدم التخلّص من اظافرهم المقصوصة او شعرهم  او ملابسهم القديمة ، وحتى العلك الممضوغ في أماكن مشبوهة ، كيّ لا يستغلّها ضعاف النفوس لسحرهم او توريطهم بجرائم لا علاقة لهم فيها !


*****

ملاحظة :

القصة مستوحاة من أحداثٍ حقيقية ، لقاتلة لبست باروكة اثناء ارتكابها الجريمة .. فتمّ سجن صاحبة الشعر الأصلي التي تبرّعت به للمصابين بالسرطان ، لولا اكتشاف الحقيقة بعد سنة من سجنها ظلماً!

هناك تعليق واحد:

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...