الثلاثاء، 1 مارس 2022

الطفل الداخلي

تأليف : امل شانوحة 

 

الرهاب النفسي


ذاع صيت طبيبٌ نفسيّ في مقتبل العمر ، عقب إيجاده طريقةً سرّية لعلاجٍ فعّال وسريع لأصحاب الفوبيات المستعصية .. 

ورفض إطلاع الأطباء والصحافة على إسلوبه الغير إعتياديّ الذي اكتشفه من خلال إتقانه لعلم الطاقة الذي طبّقه على نفسه اولاً ، مُتمكّناً بواسطته إظهار نفسه بهيئة ولدٍ صغير بعقليّته الطبيّة ، لإجراء حوارٍ طفوليّ وعلاجيّ مع طفل المريض الداخليّ ! 


ولتسهيل المهمّة ، ملأ الغرفة المجاورة لعيادته بألعابٍ تناسب اطفالاً من عمر 3 الى 12 سنة ، وهو السن الذي تتكوّن فيه العقد النفسيّة التي تستمرّ طوال العمر !  

***


وفي ذلك النهار.. إستقبل الطبيب اولى مرضاه التي رفضت الإستلقاء على الكنبة قبل مسحها بالمطّهّر .. 

من بعدها بدأت تفضّفض عن ضيق عائلتها من وسوستها الزائدة بالنظافة 


فسألها الطبيب :

- متى بدأت المشكلة ؟

- لا اذكر بالضبط ! كل ما اعرفه انني أخاف الجراثيم التي اراها في كل مكان

الطبيب : أظنك تعانين من مرض ((جيرموفوبيا)) .. سأقوم بتنويمك مغناطيسيّاً لأعرف منشأ المشكلة ..


وأمرها بالتنفّس المنتظم ، وهو يردّد عليها عباراته المُهدّئة .. الى ان استرخت اعصابها ، لتغفو بهدوء ..


فوضع يده على رأسها ، مُحاولاً سحب طفلها الداخليّ .. 

وبعد تركيزٍ شديد .. خرجت طفلةٌ صغيرة من جسدها ، مُسرعةً نحو غرفة الألعاب ..

 

واثناء انشغالها بالدمى ، ظهر الطبيب بهيئة طفلٍ من جيلها .. واقترب منها لمشاركتها اللعب .. وبعد إطمئنانها بوجوده معها في الغرفة ، سألها :

- لما تمسحين اللعبة بالمطهّر ؟

- لأنها وسخة 

الطبيب (بصورة الطفل) : من قال ذلك ؟! 


فسكتت بحزن ، قبل أن تقول :

- امي أخبرتني إن رائحتي كريهة بعد سقوطي بفتحة الصرف الصحيّ بعد عودتي من المدرسة .. لكنه ليس ذنبي ، فأحدهم ازال غطائها الحديديّ !

الطبيب : هل تأذّيت وقتها ؟

- كانت يدي مجروحة .. لكن امي لم يهمّها سوى تحميمي بعنف ، وهي مُشمئزّة من رائحتي .. ورمت ملابسي في النفايات ، لعدم رغبتها بلمس القاذورات 


فاقترب منها ليشمّ شعرها : لكن رائحتك جميلة بالفعل  

المريضة : هذا لأني أستحمّ مرتين في اليوم ، ومع ذلك لا اشعر بنظافتي 

- كم بقيتي في المجارير ؟

- ساعة لحين قدوم الإسعاف .. ومازلت اذكر الرائحة الكريهة  

- لكنك نظيفة الآن 

المريضة : لا !! لست كذلك 

- بلى !! مرّ وقتٌ طويل على الحادثة .. والجراثيم الموجودة في الصرف الصحّي ، ماتت جميعها 

- بل دخلت جسمي !!


الطبيب : لوّ فعلت لأصبتِ بالعديد من الأمراض ، لكنك بخير ..هات المطهّر من يدك

- لا استطيع الذهاب لأيّ مكانٍ دونه !

الطبيب : إسمعيني جيداً ..ليست كل الجراثيم سيئة ، فبعضها تقويّ المناعة

- لكنها تُمرضني ! لهذا اتناول الكثير من الأدوية

- لا بأس من المرض ، فهو يقتل الكريات المهترئة من الدم البيضاء 

- لم افهم ! 


الطبيب : تخيّلي دمك كموظفين في شركة .. ومن وقتٍ لآخر يُرسل الدماغ مساعده الذي يخبره بعدم إرسال المزيد من الكريات البيضاء لأن عدد الموظفين كاملاً ، دون اهتمامه بأن بعض الكريات أصبحت هرمة وضعيفة .. وعند دخول الجراثيم المُسبّبة للمرض ، تقتل اولاً الكريات العجوز .. حينها يضّطر المساعد لإخبار الدماغ بإرسال البدلاء من الكريات الدم الشابة والقويّة  

- الهذا نخرج من المرض أقوى ممّا كنا ؟

الطبيب : بالضبط !! لهذا لا تخافي من المرض .. وكما أخبرتك سابقاً ، انت نظيفةٌ للغاية.. (ومدّ يده لها) .. هات المطهّر من يدك ، ودعينا نلعب بحرّية..

ولأول مرة لعبت الفتاة بسعادةٍ غامرة ، كأيّةِ طفلة في مثل عمرها ..


بعدها اعادها الطبيب الى جسمها الكبير النائم .. عقب استرجاع هيئته الشابة ، قبل إيقاظها من التنويم المغناطيسي .. 


واول شيءٍ فعلته : أن رمت المطهّر في سلّة النفايات ، وهي تشكره على إحساسها المريح الذي لم تشعر به منذ مدةٍ طويلة (دون معرفتها بما حصل في غرفة الألعاب !)

***


أمّا مشكلة المريض الثاني : فهو رفضه للنوم مساءً !

وحينما أغميّ عليه في الشارع من شدّة تعبه ، شعر بحاجته للعلاج النفسيّ 


فقال له الطبيب وهو يقرأ ملفه الطبّي : 

- اظنك تعاني من ((السمنوفوبيا)) ، فهل تذكر متى بدأت المشكلة ؟

- أخبروني إدارة الميتم أنني أرهقتهم بكثرة سهري 

الطبيب : آسف ! لم اكن اعرف انك يتيم

- لم اكن يتيماً 

- ماذا تقصد ؟!

- كنت اعيش مع امي وزوجها حتى سن السابعة

الطبيب : واين والدك ؟

- سافر مع عشيقته للخارج ، وأمي حاملاً بي

- وهل عاملك زوجها جيداً ؟

- لا اذكره بتاتاً 

الطبيب : ولما ارسلتك امك للميتم ؟

- ليست هي ، فأمي انتحرت قبلها بأيام 

- اتذكر اليوم او السبب ؟ 

المريض : ليس تماماً !

- اذاً عليّ تنويمك مغناطيسيّاً لأعرف قصتك ، هل انت مستعد ؟ حاول التنفّس بانتظام ..واستمع لصوتي جيداً 


وبعد تنويمه .. خرج منه الطفل الداخليّ باتجاه غرفة الألعاب ، وكان متحمّساً للغاية .. 


فلحقه طفل الطبيب الى الغرفة .. واثناء لعبهما معاً ، سأله عدة اشياء :

- الا تكره حين يجبرونك على النوم باكراً ؟

المريض : نعم كثيراً .. لكني انتظر خروجهم من المهجع ، لأسهر وحدي

- ذهاب من ؟

- مراقبوا الميتم

الطبيب : ولما تكره النوم مساءً ؟

- لأني إستيقظت فجأة في دار الأيتام !

- أتقصد إن زوج امك ارسلك للدار وانت نائم ؟!

المريض : بل مُخدّراً

- لم افهم !


المريض : هكذا أخبرتني مديرة الميتم عندما كبرت .. قالت إن زوج امي قدم اليهم مساءً وهو يحملني .. واعترف انه وضع منوّماً في عصيري ، لعدم رغبته بسماع بكائي بعد تركي هناك  

- ولما تخلّى عنك ؟!

المريض : لأن امي أخبرته قبل انتحارها : بأنها شعرت انها سيئة لعدم توفيرها الحنان والإهتمام لي

- وهل لامك زوجها على وفاتها ؟ 

- أظن ذلك !

الطبيب : الهذا تكره فترة المساء ؟

- تخيّل نفسك نائم في غرفة منزلك ، وعندما تستيقظ تجد نفسك في مهجعٍ طويل مليء بأولاد الشوارع واللّقطاء 


الطبيب : انه أمرٌ مخيفٌ بالفعل .. لكنك اصبحت كبيراً الآن ، ولا احد يستطيع ايذائك .. وبرأيّ لا تلمّ زوج امك ، فهو لم يكن قادراً على الإعتناء بصبيٍ صغير بعد رحيل زوجته .. على الأقل لم يرمك في الشارع 

- الشارع أرحم من موظفي الميتم الذين عاقبوني كثيراً على سهري المتواصل

الطبيب : لا يهم ، فالصدمات تقويّ شخصيتنا .. وانت أصبحت بارعاً في عملك ، والكلّ يهابك .. انظر الى انجازاتك ، ودعك من الماضي .. كما إن المساء فترة هادئة ومريحة .. وانت بحاجة للنوم في الظلام لتدمير الخلايا الضارّة في جسمك 

- سأحاول


ثم أعاد الصبي الى جسده الكبير النائم .. ليبدأ الطبيب بالتركيز عليه طاقيّاً من خلال ترديده توكيدات إيجابية في أذنه ..

 

وبعد ساعة .. إستيقظ المريض وهو مرتاح البال ! وكأن حملاً ثقيلاً أُزيل عن كتفيه .. وخرج من العيادة بعد أن وعد الطبيب بتجربة النوم المسائيّ لأول مرة منذ طفولته الصعبة

***


امّا المريض الثالث فكان يخشى الأماكن الضيّقة التي تشعره بصعوبة التنفّس .. وحينما تعطلّ المصعد قبل ايام ، أُصيب بنوبةٍ هيستريّة سمعها موظفوا شركته ! فعلم إنه بحاجة لعلاجٍ نفسيّ 


وبإخراج طفله الداخليّ ، عرف الطبيب انه مصاب برهاب ((كلوستروفوبيا)) بعد سقوطه بحفرةٍ عميقة اثناء رحلةٍ كشّفية بعمر 10 سنوات .. ولم ينتبه المسؤول عن غيابه الا بعد ساعات من بقائه وحده في حفرةٍ ضيّقة .. لهذا لليوم يفضّل صعود الأدراج التي تُتعب ركبتيه بعد بلوغه سن الخمسين ..


فحاول الطبيب إفهام طفله إن ما حصل هو إحدى مغامرات الكشّافة التي قوّت شخصيّته .. واننا بحاجة لاستخدام المصعد إن تأخّرنا في العمل او كانت صحتنا مُتعبة .. ونصحه بإشغال نفسه بالجوّال لحين وصول المصعد الى طابقه في الشركة ..


ليستيقظ المريض وهو يشعر بالراحة والطمأنينة .. حتى انه نزل بمصعد العيادة دون إستيعابه تجاوز المحنة التي استمرّت اربعين سنة ، من خلال جلسة علاجٍ واحدة !

***


في الإسبوع التالي .. قدمت سيدة للعيادة وهي تعاني من وزنها الزائد ، لعدم قدرتها على التوقف عن تناول السكّريات التي تضرّ بجسمها 

وحجزت في عيادته ، بعد أن أخبرها طبيب العائلة بأنها على وشك الإصابة بالسكّري ..


فسألها الطبيب النفسي :

- متى بدأ مرض ((البوليميا)) لديك ، أقصد شراهتك للطعام ؟

- لا اذكر متى ! 

الطبيب : هل لديك افراد من عائلتك مصابين بالسمنة ؟

- لا بالعكس ..والدايّ رياضيّان ، واختي التوأم ايضاً

- أحقاً .. اختك التوأم وزنها طبيعي !

المريضة : بل نحيلة للغاية .. كأني آكل عن كلانا

وضحكت ساخرة من نفسها ..


فشعر الطبيب بأهمّية التحدّث مع اختها التوأم التي تنتظرها خارج العيادة ، فطلب منها الدخول .. ثم بدأ يسألها عن اختها البدينة : 

- متى بدأت تلاحظين شراهتها بالطعام ؟

- منذ المراهقة

- ولما لم تنصحيها بالتوقف ؟

- هذا قرارها

الطبيب : هل كان يضايقك وجود أختٍ توأمٍ لك ؟

فأجابت النحيلة باستغراب : اختي هي المريضة ، فلما تسألني انا ؟!

- اظننني بحاجة لتنويمكما مغناطيسيّاً

النحيلة بدهشة : انا ايضاً !

الطبيب : نعم ، إستلقي على الكنبة الأخرى .. وحاولا تنفيذ اوامري .. الآن ابدءا بالتنفّس العميق


وبعد تنويمهما معاً ، وإخراج طفلهما الداخليّ .. لحق بهما الى غرفة الألعاب .. وأخذ يراقبهما من بعيد ، ليلاحظ ضيق الأخت النحيلة من أختها البريئة : 

- لما تقلّديني دائماً ، وتختارين اللعبة التي اريدها ؟! 

- نحن توأمتان ، وطبيعي أن يكون تفكيرنا مُتشابه 

النحيلة بعصبية : لا اريدك أن تشبهينني بكل شيء !! أحب ان اكون مميزة .. لهذا قرّرت أن أكون الأجمل حينما نكبر  

البريئة : كيف وكلانا يملك المظهر ذاته ؟! 

- سأحرص ان يكون جسمي جميلاً كأمي 

- وانا ايضاً !


النحيلة بعصبية : لا !! لن تفعلي .. (ثم أخرجت شوكولا من جيبها) .. خذي هذه 

- من اعطاك إياها ؟!

النحيلة : المعلمة ، بعد نجاحي في الإمتحان

- الا تريدينها ؟!

- لا !! هي لك .. وأعدك بشراء الحلويات لك كل يوم من مصروفي 


فشكرتها اختها البدينة دون معرفتها بأن اختها اللئيمة تخطّط لتسمينها ، كيّ تتميّز امام الناس بجمال جسمها .. 


وبعد أن فهم الطبيب خطتها الماكرة ، اعاد الطفلتين الى جسميهما المنوّمين ..وأيقظ النحيلة اولاً ، قائلاً لها بحزم :

- الا تدرين إنك على وشك خسارة اختك الوحيدة بشرائك الحلويات والطعام السريع الذي أفسد صحتها ؟

النحيلة : هي تطلب مني إحضار الحلوى بعد عودتي من العمل ؟

- كاذبة !!

- دكتور !

- عرفت نيّتك بجعلها قبيحة ، لتتميّزي بجمالك عليها

- أنت لا تدري كم هو مزعج أن يكون لديك شبيه في كل شيء!! 


الطبيب : انانيتك ستقتلها .. لهذا اريدك الإبتعاد عن حياتها الفترة القادمة .. حيث سأرسلها لعيادة إخصائيّة التغذية ، وهي ستعتني بطعامها الصحيّ .. وذلك بعد تنبيهها واهلك على نواياك الخبيثة 

- لا ارجوك ! لا اريدهم أن يكرهونني

- اذاً اتركي أختك وشأنها .. صدّقيني سيعذّبك ضميرك إن حصل لها مكروه ، فهي توأمك ونصفك الثاني

فوعدته بعدم تكرار افعالها المؤذيّة .. 


ثم قام بإيقاظ الأخت السمينة بعد إقناعها بالتنويم المغناطيسي باتباع حميةٍ غذائية مكثّفة ، قائلاً لها : 

- وأختك ستعينك على الرجيم ، اليس كذلك ؟

النحيلة : نعم دكتور ، سأفعل .. فصحّتها تهمّني

ففتحت الأخت البدينة ذراعيها : اختي الحنونة ، كم احبك !!

وحضنتها بامتنان ..


وخرجتا من العيادة ، والطبيب مازال متفاجئاً من إختلاف التوأمتين بالشخصيّة لهذه الدرجة ! وتمنّى تنفيذ النحيلة وعدها لأختها الطيبة دون أن تضمر المزيد من نواياها السيئة !

***


المريض التالي : كان شاباً يعاني من ((ديسيدوفوبيا)) وهي صعوبة في اتخاذ القرارات ! 

وبعد الحديث معه ، علم أن والده متسلّط ويتحكّم بتفاصيل حياته سواءً باختيار اصدقائه منذ الصغر ، واختصاصه الجامعيّ ، وصولاً لزوجته المستقبليّة ! 


وبعد إخراج طفله الداخليّ ، أخبره المريض اثناء انشغاله باللعب : انه الإبن الأوسط ، وانه مُهمل من كلا والديه ..حيث يدلّل الأب اخاه الأصغر ، بينما امه تدلّل اخاه الأكبر .. اما هو ، فلا احد يهتم لوجوده .. ودائماً يستخفّون بآرائه بالمشاكل العائليّة .. ولا تهتم امه بطبخ اكلته المفضلة او شراء الملابس له ، بل تعطيه ملابس أخيه الكبير القديمة ! حتى غرفته في علّيه المنزل .. وإن بات ضيفٌ عندهم ، يُرمى مع اغراضه في كراج منزلهم البارد .. 

لذلك شعر طوال حياته بعدم انتمائه لعائلته التي افكارها تختلف عن احلامه ومواهبه ، فهو يعشق الرسم .. لكنهم يتحجّجون دائماً بضيق الأحوال الماديّة لعدم شراء مستلزمات الرسم الغالية..


فأشفق الطبيب على حالته ! وحاول إقناع طفله الداخليّ بالإستقلاليّة ، والإنتقال للعيش في سكن الطلاّب الجامعيّ ..وتغيّر اختصاصه لدخول معهد الفنون ، وإخبار اهله بذلك بعد تخرّجه.. ونصحه بإيجاد وظيفة تساعده بتوفير مستلزمات الدراسة .. وأن يزور عائلته في المناسبات الإجتماعية دون اخبارهم بخططه المستقبلية ، كيّ لا يستهزئوا منه ..وأن يدعوهم الى زواجه بعد اختيار شريكة حياته بنفسه .. 


ليستيقظ الشاب وقد عاد رونق وجهه الشاحب وكلّه تفاؤل بالمستقبل ، بعيداً عن تحكّم اهله الذين اعتادوا على التفرقة بينه وبين اخويه !

***


امّا المريض التالي : فكان رجل اعمال مشهور يعاني من ((نيكروفوبيا)) وهي رهاب الموت.. 


ومن خلال طفله الداخليّ ، فهم الطبيب أن عائلته أخذته الى الجنازة بسن الخامسة .. وقد ارعبه وجه عمه داخل التابوت ، بعد مقتله برصاصة شوّهت وجهه ! مما جعله يخاف دخول المقابر او الذهاب للجنازات بصورةٍ عامة .. 


فجرى حديثٌ بين طفله وطفل الطبيب الذي قال له :

- أترى هذا الجسم ..انه الثوب الذي يحمي روحنا الداخليّة التي عليها الإنتقال لمرحلةٍ جديدة بعد الموت

المريض : ماذا تقصد ؟!

- أتدري لما يبكي الطفل بعد ولادته ؟ لأنه لا يريد الخروج من بطن امه الذي اعتاد عليه لتسعة شهور ..لكنه لا يعلم إن الحياة في الخارج أجمل بكثير.. ونحن ايضاً نخاف الموت ، لأننا لا نعلم ما ينتظرنا بعد الدفن .. ربما يكون اجمل بكثير من حياتنا الشاقّة في الدنيا

- أتظن ذلك !

الطبيب : نعم ، فحياة الآخرة خالية من الأمراض والأوجاع والأحزان ، ونلتقي بها مع جميع الراحلين من اهلنا والأصدقاء ..لهذا لا داعي الخوف من الموت ، فهي تجربة سنخوضها جميعاً 


وقد أثّر كلامه بالرجل بعد استيقاظه ، حيث شارك الطبيب احلامه المستقبليّة لتطوير شركته ، دون ذكر مخاوفه من سقوط الطائرة برحلته التجاريّة ، او موته بحادث سيارة (كما أخبره قبل تنويمه المغناطيسيّ)  

***


امّا المريضة الأخيرة : فكانت صبيّة في منتهى الجمال والجاذبيّة ، تعاني من ((الفيلوفوبيا)) وهي الخوف من الوقوع بالحب ! بعد تعرّضها لخيانات من احبائها الثلاثة القدامى : فمنهم من استغلّها ، ومنهم من سخر منها امام اقاربها ، والأخير تزوج صديقتها المفضّلة ! 


وعندما اجتمع طفلها الداخليّ مع الطبيب في غرفة الألعاب ، أمسك دميتين بيده : أحدهما لبنت والآخر ولد .. وبدأ يخبرها بأن على الفتاة أن لا تعطي الكثير من مشاعرها في بداية العلاقة ، وأن عليها امتحانه اولاً إن كان يستحق حبها ام لا .. محاولاً إفهامها بأن الحياة مليئة بالأشرار ذويّ النوايا السيئة الذين يرغبون بعلاقاتٍ عابرة .. وأنه يجب عليها منح حبيبها القادم 50 في المئة فقط من ثقتها ، وهو بإمكانه زيادة النسبة بتصرّفاته الجيدة معها ..  فإن وصلت النسبة ل80 وما فوق ، يمكنها الزواج به لبناء عائلةٍ سليمة ..وإن قلّت ثقتها به عن 20 في المئة ، فالأفضل اختيار زوجٍ غيره.. 


وكان إقناعها سهلاً لطيبة قلبها ، حيث شكرته (فور استيقاظها من التنويم المغناطيسي) لانفتاح قلبها للحياة من جديد ، بعد أن كان مغلقاً لشهورٍ عديدة عقب صدمتها بحبيبها الأخير .. 


ورغم تحسّن نفسيتها إلاّ أن الطبيب ما زال قلقاً عليها ، لرهافة مشاعرها .. فأصرّ على متابعة العلاج بالمكالمات الهاتفيّة..

***


وفي الأيام التالية .. إمتدّت المكالمات بينهما لساعاتٍ طويلة ، بعد شعورها بالراحة لإخباره عن اسرارها وذكرياتها القديمة .. 

وارادت تطبيق علاجه ، عن طريق امتحانه بعدة طرق .. مما أسعده حرصها أثناء تقرّبه منها ، محاولاً إعطائها الأمان التي افتقدته بعلاقاتها السابقة .. 


ورغم ذكائه الا انها استطاعت خداعه ، عن طريق مدحها لصديقها الجديد.. لتشتعل الغيرة في قلب الطبيب الشاب الذي طلب منها التريّث قبل إغرامها به .. 

وكلما زادت غيرته ، زاد يقينها بوقوعه في حبها .. 

***


وفي يوم ، طلبت منه مقابلة صديقها الجديد في المطعم لإبداء رأيه به..

فقدم الى طاولتها بوجهٍ متجهّم (في انتظار قدوم صديقها) محاولاً عدم إظهار ارتباكه الذي كان واضحاً بالنسبة لها .. 


وبعد مرور نصف ساعة ، سألها بعصبية :

- اين حبيبك التافه ؟ لما لم يأتي حتى الآن ؟!!

فأخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها ، وهي تقول مُبتسمة : 

- حبيبي التافه يشتعل غيرة .. أنظر اليه بنفسك


فتنفّس الصعداء بعد ارتياح قلبه اخيراً ، عقب اسبوعين من امتحانها الصعب : 

- يا الهي ! كدّتِ توقفين قلبي بألاعيبك الشقيّة 

الصبيّة بسعادة : كنت اريد التأكّد أن طبيبي النفسيّ مغرمٌ بي فعلاً! 

الطبيب : رجاءً لا تخبري احداً إنك إحدى مريضاتي فهذا يخالف قوانين عملي ، لكني لم استطع تمالك نفسي امام جمالك ورقتك

- وانا أعجبتني غيرتك ورجاحة عقلك وتفوّقك بالعمل .. (ثم امسكت يده)..الن تخبرني بطريقتك السرّية التي تتبعها لعلاج أصعب الفوبيات من جلسةٍ واحدة ؟


الطبيب : كل ما استطيع قوله ، انني اعالج الطفل الداخليّ للمريض ..فمرحلة الطفولة هي اهم مرحلة بحياة الإنسان ، ففيها تُبنى شخصيّته .. فمثلاً الطفل الذي لم يشبع من الحلويات واللعب بصغره ، سيتحوّل الى شخصٍ جشع لا يشبع ابداً ، ومعظم السياسين الفاسدين واللصوص من هذا النوع .. اما الطفل الذي تعرّض لحرمانٍ عاطفيّ ، سيكبر مع عقدة التعلّق المرضي ، لحاجته الماسّة للحنان الذي افتقده بصغره 

- أتقصد مثل حالتي ؟

الطبيب : لا ، مشكلتك بدأت بسن المراهقة .. ولوّ عانيت منها في الطفولة لكان حلّها أصعب بكثير


الصبيّة : وكيف تتكلّم مع الطفل الداخلي للمريض ، أبطريقة التنويم المغناطيسي ؟

الطبيب : أعتذر عزيزتي ، لن أجيبك .. فهذه موهبتي السرّية التي تميّزني عن بقيّة الأطباء .. فلا تلحّي بالسؤال ، يا طفلتي المشاكسة 

وابتسم لها بمحبةٍ وحنان .. 


هناك تعليقان (2):

  1. لم اقتنع بالقصه من البدايه ....ولكن اعجبتني قصة المريظه الاخيره حينما اغرم بها وهذا ماتوقعته فلقد احسست بانك ستجعلين الطبيب يغرم بها ...

    ولكن يبدو لي انك تعرفي كيف يتكلم الدكتور مع الطفل الداخلي للمريض ...هيا اخبريني وسرررك في بير ...

    ردحذف
    الردود
    1. هذه القصص هي مشاكل اناس حقيقين جمعتها من الإنترنت .. وبرأيّ مرحلة الطفولة هي اهم مرحلة بحياة الإنسان ، لكن للأسف يتم إهمالها من الآباء لظنّهم بأن الأطفال سينسون كل شيء حينما يكبرون ، لكنهم بالحقيقية يكملون حياتهم مع عقدٍ نفسية صعبٌ حلّها .. وكما قال احد الأطباء النفسيين : نحن لا نعالج اصحاب العقد ، بل من خالطهم وتأذّى منهم !

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...