الثلاثاء، 19 يناير 2021

لحن الموت

تأليف : امل شانوحة

 

العزف الدمويّ


في يومٍ وليلة إكتسح ألبوم (لحن الموت) الأسواق ، وتنافست وسائل الإعلام على إذاعة الموسيقى الصاخبة بألحانها المرعبة التي أعجبت المراهقين والشباب ، خاصة عبّاد الشياطين الذين صاروا يردّدونها بمناسباتهم في محافلهم السرّية ..


وفي ساحة المدينة .. تجمّع الآلاف لحضور الحفلة الأولى للموسيقار الصاعد جاك اندرسون المعروف ب(الموسيقي المقنّع) دون معرفتهم شكله الحقيقي الذي أخفاه خلف قناعه وردائه الفضّفاض الأسود ، مُتنكّراً بهيئة تُشبه رسومات (ملك الموت) ! 


والغريب انه لا يملك فرقة موسيقية ، بل يعزف على جيتاره الإلكتروني مُتزامناً مع ألحان آلاتٍ أخرى سُجّلت مُسبقاً في ستديو خاص وسرّي ، مُفضّلاً الظهور وحده بحفلاته المتتالية طوال العطلة الصيفية ! 

***


في الساعات الأخيرة من الليل .. إنتهى حفله الموسيقيّ بهتافات وصرخات معجبيه الذين تأثّروا بإلحانه الغريبة التي جعلتهم يشعرون بأحاسيس مختلفة : كالخوف والحزن والإحباط والغضب والحماس الشديد !


وقبل نهاية الحفلة ، أعلن الموسيقار الغامض عن حفل توقيع إلبومه الأول (لحن الموت) في أكبر مولات العاصمة ، الذي ازدحم لاحقاً بمعجبيه الذين قدموا من كل مكان للحصول على توقيعه ، واستمرّت الطوابير لساعاتٍ طويلة 


كان من بين الحضور : شاب إقترب من طاولة جاك المقنّع وهو يحمل جيتاره ، قائلاً بحماس :

- استاذ جاك !! اسمي مايكل ، حصلت على المركز الأول لخرّيجي المعهد الموسيقيّ ، ولديّ لحن رائع من تأليفي 

- دعني أسمعه

- سيدي ! إن عزفته هنا ، سيُسرق على الفور


فقال جاك لمساعده :

- أعطه موعداً في ستديو التسجيل بنهاية الأسبوع ، الساعة 1 ليلاً

مايكل باستغراب : 1 ليلاً !

جاك : هل عندك مانع ؟

- لا ابداً ، سأكون على الموعد 

جاك بحزم : بشرط !! إيّاك اخبار احد باتفاقنا ، فأنا اتشاءم من الحسد 

- كما تشاء سيدي


وذهب مايكل وهو سعيد بحصوله على البطاقة الخاصة بالموسيقار جاك التي فيها عنوان الإستديو وفرقته السرّية

***


وفي الموعد المحدّد ، مساءً .. رافقه المساعد لمكان الإستديو الموجود في القبو .. وبعد نزولهما العديد من الأدراج ، وصلا لغرفة تسجيل الألحان .. حيث تفاجأ مايكل بوجوده وحده هناك ! 

بينما جلس جاك المقنّع خلف الزجاج كاتم الصوت ، وتكلّم معه بالميكرفون: 

- مايكل !! ستعزف لحنك بعد خمس دقائق


ثم دخل مساعده غرفة التسجيل لوضع الأصفاد في قدم الشاب وتقيده بالكرسي الحديدي المثبّت بالأرض !

مايكل باستغراب : ما الداعي لذلك ؟! أنا لن أهرب منكم سيدي !


فردّ عليه جاك (بعد خروج مساعده من الغرفة) :

- لا تخف ، مجرّد روتين .. إبدأ العزف !! والأفضل ان يكون جميلاً ، فأنا لا أحب تضيع وقتي


فبدأ مايكل العزف بألحانٍ ناعمة جميلة ! 

فأوقفه جاك في منتصف التسجيل ، قائلاً بعصبية :

- أنت تعرف نوعية ألحاني ايها الشاب !! 

مايكل بثقة : معزوفتي عبارة عن قصةٍ قصيرة 

- وما نوع القصة ؟

- قصة عاشقان ..

جاك مقاطعاً بامتعاض : يعني رومنسية !

مايكل : ليس تماماً ..ففي منتصف اللحن ، يفقد الشاب محبوبته .. وتبدأ وتيرة العزف بالتصاعد بين ألحانٍ حزينة وغاضبة

- اذاً انتقل لهذا الجزء ، فالألحان الهادئة تزعجني

وبدأ عزف مايكل يقوى تدريجياً ، ليزداد حدّة وسرعة ..


وبعد انتهائه من معزوفته ، قال جاك بتردّد :

- ألحانك  .. لا بأس بها

مايكل بقلق : الم تعجبك ؟!

- هناك بعض المقاطع الحماسية ، لكنها لم تشعرني بالخوف .. لذا اريدك ان تشاهد ما سأعرضه امامك 


وأضيء التلفاز الكبير .. ليظهر فيه 6 شاشات مقسّمة ، تَعرض فيديوهات مصوّرة ل 6 اشخاص يعزفون كلاً على حدة ، وأقدامهم مقيدة بكراسيهم :(أحدهم عازف بيانو ، والآخر طبول ، والثالث الفلوت ، والرابع كمان ، والخامس سكسفون ، والأخير جيتار إلكترونيّ)


مايكل : هل اولئك فرقتك السرّية ؟

جاك : نعم ، هم من لحنوا البومي الأول (لحن الموت)

- لما تبدو نظراتهم خائفة ؟!

- ستعرف بعد قليل  


وكان التعب واضحاً عليهم ! وكلما ابطأوا العزف ، صرخوا بألم

فسأل مايكل بقلق : مالذي حصل ؟! لما صرخوا فجأة ؟

جاك : لأني صعقتهم كهربائياً عن طريق أصفادهم الحديدية  

- ولماذا ؟!

- لأنهم تعبوا بعد عزفهم عشرين ساعة متواصلة

مايكل بدهشة : 20 ساعة !

- نعم ، تلك البداية فقط .. سأسرّع الفيديوهات لترى ما حصل لهم


فشاهد مايكل : مساعد جاك الضخم وهو يستخدم وسائل متنوعة لتعذيبهم كالصعق والجرح والمياه ساخنة واللكم والضرب والتهديد النفسي ، لتزداد ألحانهم خوفاً وغضبا ! 

الى ان انهاروا تماماً ، وصاروا يبكون ويتوسّلون جاك بأن يطلق سراحهم او يقتلهم .. 

وبالفعل قام جاك بإطلاق النار على رؤوسهم ، ليموتوا فوق آلاتهم الموسيقية !


فارتجف مايكل بخوف :

- أقتلت فرقتك ؟!

جاك : نعم بعد تسجيل ألحانهم المبدعة ، التي جمعتها لاحقاً في إلبومي الأول .. لهذا وصل شعور الخوف والفزع لجمهوري من خلال ألحانٍ أُلفت تحت وقع التهديد

فصرخ مايكل بغضبٍ شديد : انت مجرمٌ حقير !!

جاك : كانوا مجرّد مشرّدين وفقراء يعزفون في الشوارع والأنفاق لسنوات مقابل عملات نقدية من المارّة .. على الأقل شهرت اعمالهم بعد موتهم

- هم فنانون مبدعون !!

- بعالمٍ لا يقدّر الفن

مايكل بعصبية : لوّ الأمر كذلك لما أصبحت مشهوراً على حساب ..

وقبل ان يكمل كلامه ، أحسّ مايكل بصعقةٍ كهربائية بقدمه .. فصرخ بألم 


فقال جاك :

- إكمل العزف !! فألحانك الرومنسية لم تعجبني .. وسأضاعف قوة الصعقة تدريجياً ، الى ان تخرج أفضل ما لديك .. اريد الوصول للحن الخوف الخاص بك

مايكل بخوف : لن تنجو بفعلتك ، فأهلي سيبلّغوا الشرطة عن إختفائي 

- كيف وهم لا يعرفون عنوانك ، ولا شكلي ولا حتى إسمي 

- الكل يعرف انك جاك اندرسون 

جاك : ومن قال انه اسمي الحقيقي 


فسكت مايكل قليلاً ، قبل ان يقول بغضب :

- لن أعزف مجدداً ، حتى لوّ قتلتني !!

جاك : توقعت عنادك 


وهنا نادى مساعده الذي عاد الى الغرفة الزجاجية ومعه صبية مقيّدة بالسلاسل ومكمّمة الفم ، التي انهارت بالبكاء فور رؤيتها خطيبها مايكل في غرفة التسجيل الذي بدوره صرخ بغضب : 

- كيف وجدتم حبيبتي ؟! أتركوها حالاً !! 


جاك : راقبك مساعدي عدة ايام الى ان رآكما معاً ، وعرف عنوان منزلها ، وخطفها قبل مجيئك الينا .. تماماً كما أرعبنا العازفين بصور اولادهم اثناء ذهابهم للمدرسة .. والآن ستعزف غصباً عنك ، والا سنعذّبها امام عينيك .. إبدا فوراً ، والا !!

وقام جاك بصعق خاصرتها بآلةٍ صغيرة كهربائية ، جعلتها تصرخ بألمٍ شديد ..  

فبكى مايكل بغضب : أتركوها يا ملاعيين !!!

فقال جاك بالميكرفون : إذاً إعزف لأتوقف عن تعذيبها


فبدأ مايكل العزف بألحانٍ غاضبة .. فهلّل جاك بحماس : 

- ممتاز !! هذه الألحان التي اريدها .. تابع ايها العاشق البطل


وظلّ مايكل يعزف لساعاتٍ طويلة .. وكلما توقف ، قام جاك او مساعده بأذيّة الفتاة من خلف الزجاج ..


واستمرّ الوضع الى ظهر اليوم التالي .. وبعد ان فقدت الفتاة وعيها من شدة التعذيب ، ترجّاهم مايكل بتعبٍ شديد :

- لم أعد أشعر بأصابعي ، ارجوكم دعوني ارتاح قليلاً ..او على الأقل أطعموني شيئاً .. الا يكفي انكم جعلتموني أتبوّل على نفسي كالأطفال

جاك : أمازلت تملك ألحاناً مبدعة لم نسمعها بعد ؟ 


وهنا جنّ جنون مايكل ، وحطّم جيتاره بقوة وهو يصرخ غاضباً بيأسٍ شديد:

- لن أعزف طوال حياتي !!!


فأعطى جاك الإشارة لمساعده الذي أطلق النار على الفتاة اولاً ، قبل دخوله غرفة التسجيل لقتل خطيبها مايكل !


من بعدها سأل جاك مساعده :

- هل سجّلنا جميع ألحانه ؟

المساعد : نعم سيد جاك 

- جيد

- مازلنا بحاجة الى عازف بيانو جديد وكمان وطبلة لإكمال البومك الثاني :(عشق الجروح)

جاك : لا تقلق ، سنجدهم بعد نشر إعلانٍ بالإنترنت عن رغبتنا بتكوين فرقة جديدة .. وأراهنك أن المئات سيتهافتون على الوظيفة التي سأخصّص لها راتباً وهميّاً كبيراً 


المساعد : وهل لديك شروط معينة أضيفها على الإعلان قبل نشره ؟

- أكتب :((الأفضلية لمن لديهم نزعة إنتحارية او من أتباع الشيطان)) فهؤلاء نوعيّة عزفهم مخيفة وغاضبة ، كالألحان التي أعشقها

- ماذا عن الجثتين ؟

جاك : إدفنهما بجانب العازفين السابقين .. وحين يزدحم قبونا بالموتى ، ننقل الإستديو الى مكانٍ سرّي آخر .. والآن إبعدهما عن وجهي لأتفرّغ لعملي 

***


وفي الوقت الذي كان فيه مساعده يدفن الجثتين ، إستمع جاك ثانيةً لألحان المبدع مايكل لاقتطاع الأجزاء التي يحتاجها لألبومه الجديد الذي يتوقع ان يُضاعف اعداد معجبيه وشهرته الموسيقية ، طامحاً لتحقيق هدفه بأن يصبح العازف الأول للموسيقى المرعبة حول العالم ، مهما كلفه الأمر !


هناك 6 تعليقات:

  1. لكل ظالم نهاية مهما طال الزمن ....ابدعتي ياكنز الابداع وفقك الله

    ردحذف
  2. السلام عليكم بلغي سلامي لاسمى فانا احب قصصها الرومانسية اما انت فقصصك حقا قد وصلت لمرحلة ارعاب القارئ مبروك

    ردحذف
    الردود
    1. واختي تسلّم عليك وتشكرك ، وأعطتني فكرة جديدة رومنسية .. سأحاول كتابتها قريباً

      حذف
  3. برافو عليك اختي امل...عندي احساس بانك انشاء الله ستشتهرين عالميا

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...