الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020

مُتنبأة الجرائم

 تأليف : امل شانوحة

كشف خيوط الجريمة


في مكتب قصرٍ فخم .. سألت المراهقة والدها :

- ابي ، وصلني إيميل غريب قبل قليل 

- مِن مَن ؟

- من سيدة تملك مالاً وفيراً ، وتريد تحويله عبر رصيدنا البنكي.. 

الأب مقاطعاً : إحذفي الرسالة فوراً ، فهي إمّا فيروس او عملية إحتيال او عصابة لتبييض الأموال 

- وماذا يعني تبييض الأموال ؟

- ارباح أُكتسبت من تجارة المخدرات والسرقات وبيع السلاح .. ولخوف العصابات أن تكون الأرقام التسلّسلية لنقودهم معروفة لدى الشرطة ، يقومون بتحويلها لحسابات أشخاصٍ لديهم سجلّات نظيفة من بلادٍ مختلفة.. 

فأكملت ابنته : وفي حال إكتشفت مخابراتهم الأمر ، نتورّط نحن بالموضوع ؟

- بالتأكيد !!

- اذاً سأحظر إيميلها ، شكراً ابي على التوضيح

***


مع بداية فصل الصيف .. ضجّت الصحف ومواقع التواصل الإجتماعي بخبر إختطاف الإبنة المراهقة لتاجرٍ ثريّ الذي عرض جائزةً مالية ضخمة لمن يجدها ، بعد فشل الشرطة خلال إسبوعين من البحث المتواصل من القبض على مرتكبيّ الجريمة  


وبعد ايام من الإعلان ، وفي منتصف الليل .. رنّ جرس القصر !

لتخبرهما الخادمة أن عجوزاً تملك تفاصيل حادثة إختطاف ابنتهما.. 

فأسرع الوالدان الى الصالة لملاقاتها ، حيث عرّفت السيدة عن نفسها من خلال قصاصات جرائدٍ قديمة :

- اسمي ماري جونسون .. متنبأة مختصّة بحلّ الجرائم .. 

الأب مقاطعاً : متنبأة ! تقصدين مشعوذة ؟

- لا سيد مايكل ، انا امرأة ذات بصيرة ..

فعاتبها بعصبية : تأتين الينا في وقتٍ متأخر ، وفي ظلّ ظروفنا السيئة لتخبرينا بتعويذاتك وتُرّهاتك السخيفة !!


بهذه الأثناء ، أنهت زوجته قراءة عناوين قصاصات الجرائد .. وقالت لزوجها :

- هي كشفت بالفعل جرائم عجزت الشرطة عن حلّها !

الأب بتهكّم : انا لا أعترف بهذه السخافات

فأسرعت العجوز قائلة : 

- هل الصورة التي نُشرت لأبنتكما في الأخبار هي صورتها الأخيرة ؟ أقصد هل خُطفت بذات الملابس ؟

الأم : لا ، لكنا عرفنا من خلال كاميرات القصر ما كانت تلبسه قبل ذهابها لحفلة اصدقائها 

البصّارة : اذاً دعوني أصفّ ثيابها يوم الإختطاف ، لتصدّقا موهبتي


وأغمضت عيناها ، وكأنها تشاهد رؤى خفيّة .. ثم قالت :

- كانت تلبس فستاناً احمر ، بشريطةٍ سوداء على الخصر وحذاءٍ اسودٍ لامع 

الأم بدهشة : هذا صحيح !

الأب مُستنكراً : كلامك لا يدلّ على شيء ، فربما عرفتي المعلومة من موظفيّ القصر 

العجوز : سيد مايكل .. لا اعرف أحداً هنا ، فأنا اعيش في الأرياف .. وفور رؤيتي الخبر ، قُدت سيارتي لساعات الى أن وصلت اليكم بهذا الوقت المتأخر .. 

الأم : حبيبي دعها تخبرنا بما حصل ، ماذا سنخسر ؟

فوافق الزوج على مضضّ .. 


فعادت العجوز لإغماض عينيها بضعة دقائق ، قبل ان تقول :

- سأخبركم بما حصل منذ البداية .. ابنتكما وصلت الحفلة في الوقت المحدّد .. قضت وقتاً سعيداً مع اصدقائها .. وقبيل خروجها من البار ، إقترب منها شاب ..

الأم مقاطعة : صديقها اليس كذلك ؟

- لا ، ليس الفاعل .. والأفضل ان تسحبوا دعوتكم ضدّه ليخرج من التوقيف ، فهو ليس مذنباً

الأم : إكملي رجاءً ، من ذلك الشاب ؟

- شاب ترصّد حركاتها منذ أشهر .. وبعد تحدّثه معها قرابة ساعة ، عرض عليها نزهةً لطيفة بالحديقة العامة .. أعتقد عمره في أواخر الثلاثينات ، لديه لحية وشارب .. وكان يلبس قميصاً أحمر وبنطالاً أسود..

الأب مقاطعاً بعصبية : المهم !! ماذا فعل بإبنتي ؟

- بعد ركوبها سيارته الرياضية ، تحجّج بالكورونا لتغطية وجهه بكمامةٍ خاصة تحميه من تنشّق المخدّر الذي تسرّب من فتحات التكييف ، بعكس ابنتكما التي غفت في سباتٍ عميق

الأم بقلق : واين أخذها ؟

- الى قبو مستودعٍ مهجور بأطراف المدينة 


الأب بعصبية : هل أذاها اللعين ؟!!

- لا ابداً ، إكتفى بربطها بالسرير مع عَصب عينيها وتكميم فمها 

- وماذا ينتظر ؟

- يريد إرهاق اعصابكما قبل طلبه الفدية .. 

- وهل تعرفين عنوان المستودع ؟ 

البصّارة : نعم سأصفه كما رأيته في مخيّلتي ، لكيّ تبلّغوا الشرطة  

الأب بغضب : لا !! سأذهب بنفسي لقتل السافل

- أنصحك ان لا تفعل ، فهو عضو بعصابةٍ كبيرة متخصّصة بخطف ابناء الأثرياء .. لذا دعّ الشرطة تتوجه للمستودع .. وأعدك ان الجبان سيهرب فور سماعه صافراتها ، تاركاً ابنتك وحدها في القبو


الأم بقلق : ماذا لوّ جعلها رهينة ؟

البصّارة : المستودع بالعادة يحرسه سبعة رجال مسلحين .. لكنهم في هذه الليلة سيذهبون في مهمّةٍ سرّية للميناء ، تاركين الشاب المُختطف معها ، وهو جبان ولا يجيد استخدام السلاح .. (ثم قالت للأب) .. لهذا لا تفوت الفرصة ، إتصل بالشرطة حالاً .. ولا تخبرهم عن تنبؤاتي .. قلّ انك حصلت على العنوان من إتصالٍ مجهول ، ليأخذوا الموضوع بجدّية


وفي الوقت الذي كان فيه الأب يجري إتصالاً مع الشرطة ليخبرهم بالمعلومات الجديدة ، همست زوجته للعجوز :  

- سأضاعف جائزتك المالية ، إن صحّت توقعاتك  

فأعطتها العجوز رقم جوالها لإخبارها بالمستجدّات ، ثم خرجت من القصر

***


بعد شهر .. فُجع مجتمع الأثرياء بخطف ابن احدهم في حفلة عيد ميلاد صديقه .. وبعد فشل الشرطة بالوصول للخاطفين ، تلقّت العجوز ماري إتصالاً من امه التي أخبرتها باكية :

- أخذت رقمك من زوجة مايكل التي أعدّتِ لها ابنتها المُختطفة  

ماري : وانا توقعت إتصالك بعد رؤيتي ابنك في المنام 

- أحقاً ! ماذا رأيتي ؟

- عليّ مقابلتك في الحال


فأعطتها عنوان القصر ، الذي وصلت اليه المُتبصّرة بحلول المساء 

ودخلت الصالة ، لتجد الوالدين في انتظارها على أحرّ من الجمر ..

الأب بعصبية : رجاءً إخبرينا عن اللعين الذي تجرّأ على خطف ابني ؟!!

فتنهّدت ماري تنهيدة طويلة ، قبل ان تقول : 

- على حسب منامي : قام عامل المطعم الذي أُقيم فيه الحفل بوضع المنوّم في عصير الصغير الذي أغميّ عليه في الرواق .. ثم أخرجه من الباب الخلفيّ ، ووضعه في سيارته .. متوجهاً لكوخٍ صغير في الغابة

الأم وهي تمسح دموعها : هل ابني بخير ؟ 

- نعم ، فالشاب يعتني به جيداً 

الأب : وماذا يريد ؟

- فدية طبعاً

- لا أحد اتصل بنا منذ ايام !

- انها استراتيجية الخاطفين : ينتظرون بعض الوقت لحرق اعصاب الأهل ، لجعلهم يقبلون شروطهم دون اعتراض 


الأم : رجاءً أكتبي عنوان الكوخ ، وسنعطيك مكافئة مالية ضخمة

- من حسن حظكما انني شاهدت لافتات الطرق بوضوح في منامي ...(ثم قالت للأب) .. أرجو ان تتصرّف بهدوء ورويّة كما فعل السيد مايكل ، وأن تدع الشرطة تتكفّل بالموضوع 

الأب بغضب : أحلف انني سأقطّعه بأسناني !! 

- لن تفعل ، لأنه سيهرب فور رؤيته أنوار الشرطة تقترب من المكان

- اذاً سأطلب منهم التوقف خارج الغابة ، والذهاب اليه سيراً على الأقدام

البصّارة : لا أنصحك بذلك ، والا سيأخذ ابنك رهينة .. دعه يهرب ، فهو وحده بالكوخ ولا يملك سلاحاً 


فقبل الوالدان مشورتها ، وأعطتها الأم شيكاً مالياً :

- هذه نصف الجائزة ، والنصف الآخر بعد عودة ابني سالماً الينا 

البصّارة : وهذه بطاقتي ، فيها حسابي البنكي 

ثم ودّعتها وخرجت من القصر 

***  


بعد شهرين .. وفي منزلٍ ريفيّ ، تجمّع الشباب الأربعة (هما ابنا ماري الشابين ، وصديقاهما) لتناول العشاء .. 

وبعد شربهم الشاي ، سألها ابنها الكبير :

- امي .. مضى شهران على آخر عملية خطف لنا ، متى سنبدأ العملية الثانية ؟

العجوز ماري : ولما الطمع يا اولاد ؟ الجائزتان المالية التي قبضتهما من العائلتين تكفينا لسنةٍ كاملة .. والأفضّل ان يكون هناك بعدٌ زمانيّ بين العمليات ، كيّ لا نثير شكوك الشرطة .. 

صديق ابنها بضيق : اذاً لن نفعل شيئاً في الفترة القادمة ؟ 

فأجابت : إستمتعوا بنصيبكم من الجائزة .. فكل شيء مسموح الا المخدرات ، فعملنا يحتاج الى تركيزٍ شديد 

- وماذا ستفعلين بنصيبك يا امي ؟ 

اخوه الكبير ممازحاً : أكيد ستجري عمليات تجميل لإعادة صباها

- لا طبعاً ، فشكلي الهرم يناسب عملي ويُبعد الشبهات عني 

- تفكيرك مخيف يا امي ! 


الأم : على فكرة ، أقوم حالياً بجمع معلومات عن عائلة رونالد دين 

صديق ابنها : هل هم من الأثرياء ؟ 

- طبعاً ، والوالدان أنجبا ابنهما بعد عشرين سنة من علاج العقم ، وأكيد سيدفعون نصف ثروتهم لاستعادته .. 

- ومن أخبرك عنهم ؟ 

ماري : إكتشفتهم بالصدفة ، فالأغبياء يعرضون حياة صغيرهم المترفة على وسائل التواصل الإجتماعي .. ولأنهما نادراً ما يخرجان ابنهما الوحيد من القصر ، علينا إنتظار رحلتهم الى ملاهي ديزني بمناسبة عيد ميلاده قبل نهاية السنة  

- وكيف عرفتي هذه المعلومة يا امي ؟!

- أخبرتني مربيته بذلك ، هي ابنة صديقتي .. والخبيثة طلبت مبلغاً كبيراً لتطلعني على التوقيت المحدّد للرحلة .. لكن لا بأس ، فأرباحنا ستكون ضخمة ايضاً 


ابنها الصغير بضيق : لما تركّزين دائماً على الأطفال يا امي ؟

- ماذا تقصد ؟!

اخوه الأكبر بابتسامة ماكرة : اخي المنحرف يُفضّل الصبايا ، فهو أخبرني انه بالكاد أمسك نفسه عن إستغلال جسد المراهقة المثيرة

الأم بحزم : إيّاكم التفكير بالإعتداء على المخطوفين ، فهذا سيوّرطنا أكثر مع الأغنياء الذين سيصرّون على معرفة هوية المجرم الذي استغلّ ابنائهم ... لذلك سنكتفي بربط اولادهم وتنويمهم لحين دفعهم الجائزة ، هل كلامي مفهوم ؟!! 

فأومأ الشباب الأربعة رؤوسهم موافقين ..


وهنا سألها صديق ابنها : كيف خطرت ببالك الفكرة يا خالة ؟

- رأيت قصة متنبأة محترفة في القناة المخصّصة للجرائم .. فبحثت بالإنترنت عن أشهر متبصّرة في التاريخ ، لأجد (ماري جونسون) التي اشتهرت في القرن الماضي بحلّ عشرات القضايا المعقدة .. فصوّرت مقالات الجرائد التي تحدثت عن تنبؤاتها وإنجازاتها ، وعرضتهم على الأهالي ..

- الم يلاحظ احد وفاتها منذ مدة طويلة ؟!

ماري : لا ، حتى انهم لم يروا بطاقتي الشخصية المزوّرة .. فمصابهم الكبير أفقدهم رشدهم .. وربما شعري الشائب أوهمهم بأني سيدة وقورة  


ابنها الصغير : ولما اعتمدنا هذه الطريقة الغريبة ؟ لما لا تدعينا نحصل على مال الفدية كجرائم الخطف المعتادة ؟ 

امه : لوّ كنت مثقفاً مثلي لفهمت السبب .. فالشرطة بالعادة تسلّم الخاطف نقوداً بأرقام تسلّسلية محفوظة بحواسيبها , وأحيانا يصبغون اوراقها بحبرٍ سرّي لا يُرى بالعين المجرّدة .. وعند محاولة الخاطف صرف أموال الفدية ، يقبضون عليه فوراً

صديق ابنها : ما يضايقني يا خالة انك تطلبين منا الهروب فور سماعنا صافرات الشرطة ، مع اننا اقوياء ونستطيع مقاومتهم ببسالة؟

ماري : لن اراهن على خسارة أيّ واحدٍ منكم ، فأنتما ولدايّ ايضاً .. ثم لا حاجة للمقاومة ، طالما دفعوا لي مبلغاً ضخماً يكفينا جميعاً  


ابنها الكبير : طريقتك بالإحتيال أدهى من فكرة والدي المرحوم ! 

ماري : النصب عبر الإنترنت وتبيض الأموال التي اخترعها والدك نجحت مع بداية ظهور الإيميلات ورسائل النصّية لجوالات .. لكنها فشلت مع الجيل الجديد المُدرك للإحتيالات الإلكترونية .. لهذا اعتمدت هذه الطريقة المميزة للحصول على المال مباشرةً من الأهالي الذين يدفعون لي بسخاء ، فور عودة ابنائهم سالمين الى قصورهم


وهنا رنّ جوال ماري ، فأسرعت بإعطائه لإبنها :

- أجب انت 

وبعد قليل ، سأل امه بصوتٍ منخفض :

- انها عائلة ادموند ، يقولون ان رضيعهم خُطف قبل ايام

فسألت ماري الشباب : هل أحدكم متورّط بالموضوع ؟

- لا ابداً ، نحن لا نتعامل مع الرضّع 

- ابني .. قلّ لهم ان الرقم خاطىء ، واقفل الخط فوراً


فأنهى المكالمة ، وأعاد الجوال لأمه التي قالت : 

ماري : يبدو موهبتي الكاذبة إنتشرت بين الأغنياء ! لكني بالحقيقة لست مُبصّرة او مشعوذة ، ولا ملاكاً لأحلّ كل الجرائم الغامضة 

- الأغبياء لا يدركون انهم وقعوا في فخّ مجرمين محترفين 

- بل قلّ شياطين ، فإبليس نفسه لم يخطر في باله الخطّط المريبة لأمي الوقور 

وضحكوا بخبث !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...