الجمعة، 25 سبتمبر 2020

سحر التفريق

 تأليف : امل شانوحة

 

خططٌ شيطانية


في عصر ذلك اليوم .. أقفل الدكتور عادل عيادته ، وخرج من المبنى باتجاه سيارته ..

وبالكاد تحرّك بضعة امتار ، قبل اصطدامه بإحدى المشاة !

فخرج فزعاً ! ليرى صبيّة (16 سنة ، بائعة مناديل في الشارع) تنزف بغزارة من جبينها الذي ارتطم بمقدمة سيارته ..

فأصرّ على أخذها للعيادة ، لتقطيب جرحها قبل ان يتجرثم ..


وبعد ركوبها سيارته ، لاحظت ملصق الأطباء على الواجهة .. فسألته :

- هل انت طبيب ؟!

- نعم طبيبٌ نفسيّ ، لذا سآخذك الى زميلي في قسم الطوارىء .. (ثم نظر اليها) .. ما اسمك ؟ 

- هند 

- أعتذر يا هند ، فأنا لم ارك حين قطعتِ الشارع 

- لا بأس دكتور

الطبيب باستغراب : مع اني كنت أسير ببطء ! فكيف تسبّبتُ بجرحك العميق ؟!

- لا أذكر شيئاً .. (ومسحت دماء رأسها بالمنديل) .. بدأت أشعر بالدوار

- سنصل قريباً ، لا تقلقي 


هند : ماذا يعني طبيب نفسيّ ؟

- يعني أعالج الناس من عقدهم الطفولية ومشاكلهم مع عائلاتهم 

- لا أظن كل المشاكل لها حلول ، مثل علاقتي بجدتي اللعينة

الطبيب معاتباً : لا تشتمي كبار السن يا هند ، هذا غير لائق

- لكنها مشعوذة ماكرة

- تقصدين انها تعقد الأسحار للناس ؟!


هند : نعم .. عرفت ذلك بعد انتقالي للعيش معها ، عقب وفاة والدايّ .. كنت في العاشرة حين طلبت مني سكب سائلاً كريهاً على عتبة احدى المحلات التجارية .. ويبدو ان صاحب المتجر رآني من كاميرا البوّابة ، فانهال ضرباً عليّ وهو يشتم جدتي الشريرة .. عندها فقط فهمت سبب غموضها ، وبقائها لساعاتٍ طويلة في قبوٍ معتم ، وخروجها كل ليلة للقبور ، وربطها الشرائط الملونة على الأشجار ، ورميها القاذورات في بئرٍ جافّ ، وإشعالها حلقات النار في البيوت المهجورة

- وهل جعلتك ترافقينها الى تلك الأماكن المخيفة ؟!


هند : ليس دائماً .. (ثم تنهدت بضيق) .. بعد ازدياد فضولي عن عملها المريب ، سألت الجيران عنها .. فأخبروني انهم يتجنبونها خوفاً من أذيتها ، فهي تسبّبت بالكثير من الطلاقات وإفلاس التجار والأمراض المزمنة .. ولأني أخاف الله بعكسها ، قرّرت إبطال اعمالها الشريرة مهما كلّفني الأمر .. وصرت أراقبها لأعرف اماكن دفنها للأسحار .. وبعد ذهابها ، أنبش القبور لأزيل أعمالها الشريرة وأضعها قرب منازل اصحابها ، مع ملاحظةٍ مكتوبة : بأن يسارعوا بفكّ اسحارهم .. كما قمت بمسح رسوماتها الشيطانية على جدران وأرضيات المباني المهجورة .. وخاطرت بحياتي بالنزول للبئر الجاف المليء بالزواحف السامة ، لإخراج قاروات السحر التي وضعتها امام منزل شيخ منطقتنا المعروف بقدرته على فكّ الأسحار .. وكُدّت أكسر يدي اثناء تسلّقي الشجرة العملاقة لفكّ الشرائط وكسر الأقفال المعلّقة على أغصانها .. ورغم عملي بسرّيةٍ تامة ، الا ان الجنية التي تتعامل معها جدتي أخبرتها بما فعلت ، فرمتني  بالشارع دون رحمة ! ومن حسن حظي ان البائع العجوز أشفق عليّ ، ووظّفني ببيع المناديل الصغيرة في الشوارع مقابل أجرٍ زهيد  


الطبيب : واين تنامين ؟

هند : في الحديقة العامة او قرب الشاطىء الذي يصبح مخيفاً مساءً بعد خروج السكارى والمدمنين 

- هذا خطرٌ عليك ! فأنت مازلتي صبية ، وتحتاجين لبيتٍ يؤويك 

فتنهّدت هند بضيق : ليتني أعمل خادمة في منزل عائلةٍ محترمة ، لأكسب قوتي بالحلال 

الطبيب : سنفكّر بالأمر لاحقاً ، لنعالج جرحك اولاً

***


وبعد قيام زميله بتقطيب الجرح ، أخذه جانباً :

- هل أنت متأكّد انك صدمت الفتاة ؟

عادل : نعم ، لماذا تسأل ؟

زميله الطبيب : لأنه يبدو جرحها مشقوق بشفرة او سكين !

- كنت مشغولاً بجوالي وقت الحادثة ، ولم ارى ما حصل بالضبط 

- وهل ستعيدها للشارع ؟

- لا أعرف بعد ! أفكّر بمساعدتها ، فحياتها بائسة للغاية 

صديقه محذّراً : إنتبه يا عادل ، فأولاد الشوارع يكونوا بالعادة على صلة بشبكة مجرميّ التسوّل 

- هي ليست شحاذة ، وتعمل بشرف للكسب الحلال .. (ثم سلّم عليه) .. أشكرك يا صديقي على خوفك عليّ ، القاك لاحقاً

***


وركبت هند سيارته ، وابتعدا عن المستشفى .. 

وبعد قليل سألته :

- الى اين نذهب ؟

- سأشتري الشاورما والعصير لنا 

هند بارتياح : أحقاً ! انا جائعة جداً .. شكراً لك

 

وبعد ان أكلا ، سألته :

- هل ستعيدني للمكان الذي وجدتني فيه ؟

عادل : أتريدين ذلك ؟

- بالحقيقة لا .. فأنا لم أبعّ شيئاً من مناديل الجيب ، وهذا سيغضب البائع الذي وعدّته .. 

الطبيب مقاطعاً : لا تقلقي ، سأشتريها كلها  

- انت شهم دكتور ، شكراً لك 

- بصراحة أحاول مساعدتك ، لأني واجهت حادثة تشبه قصتك

هند بدهشة : أكانت جدتك ساحرة ايضاً ؟! 


الطبيب : لا ، لكني طلقت زوجتي عقب اكتشافي لعملٍ سحريّ في بيتي .. وبعد مشاجرة عنيفة معها ، إعترفت انها سحرتني لأطيعها وأعصي اهلي .. (ثم تنهد بارتياح) .. الحمد لله اني لم أنجب اطفالاً من تلك الشيطانة .. 

-  وهل تعيش وحدك الآن ؟

الطبيب : لا ، تزوجت امرأة ثانية قبل شهور 

- وهل تُسعدك العروس ؟

- هي انسانة طيبة والحمد الله


ثم فكّر قليلاً ، قبل إخراج جواله :

- أتدرين يا هند ؟ زوجتي طلبت خادمة قبل اسابيع ، لأن تنظيف الفلة يُرهقها كثيراً .. لكني رفضت دخول الغرباء الى بيتي ، لخوفي من الأسحار وعيونهم الحاسدة .. 

- وهل غيّرت رأيك الآن ؟

- دعيني اسألها اولاً ، ثم أجيبك


واتصل على زوجته ليخبرها عن هند ، والتي رفضت في البداية توظيف بنت شوارع .. لكن بعد تأكيده حسن سلوكها ، وافقت على طلبه 


وبعد انهاء الإتصال ، قال لها بابتسامة :

- الله يحبك يا هند 

هند بابتسامة : هل وافقت زوجتك على العمل لديكم ؟

- نعم ، واريدك ان تُريها شطارتك منذ الغد

بحماس : منذ اليوم ان أردّت !!

- لا ، انت متعبة من الحادث .. نامي الليلة ، وغداً تبدأين العمل بعد ذهابي الى العيادة

- كما تشاء دكتور عادل .. يا سلام !! اخيراً سأحصل على رزقٍ  حلال وثابت ، الحمد لله

فابتسم لها بحنان

***


في منزل الدكتور .. نامت هند في غرفةٍ موجودة بحديقة الفلة ، وهي سعيدة ببيتها الجديد ..


في الصباح .. وبعد ذهاب الدكتور الى عمله ، بدأت عملها بتنظيف الغرف 

واثناء مسحها الغبار , سألت زوجته :

- آسفة على السؤال ، لكن ما هذه الأشياء المعلّقة في سقف الغرف ؟

- هذه كاميرات ، رجاءً لا تلمسيها .. 

هند : أتقصدين ان الطبيب يراقبنا من خلالها ؟

- نعم ، فهو معقّد من زوجته الأولى ويكره الغرباء بسبب حادثةٍ قديمة

- تقصدين خوفه من السحر ؟

السيدة باستغراب : ومن أخبرك بذلك ؟!

- الدكتور عادل

- ولماذا يطلعك على اسراره ؟!

- لا ادري ..


(ولم تردّ هند إخبارها بشأن جدتها كي لا تخيفها ، فحاولت تغير الموضوع)

- هل أنظّف غرفة نومك ؟

السيدة : لا ..فزوجي يمنع دخول أحد اليها ، حتى امي واختي ! ولا اريد إغضابه 

- سأمسح أرضيتها وأخرج حالاً 


ففكّرت السيدة قليلاً ، قبل ان تقول : 

- حسناً الأرض فقط يا هند ، ولا تلمسي شيئاً آخر

- حاضر سيدتي


وأخذت أغراض المسح ، وذهبت لغرفة العرسان ..

وبعد قليل ، خرجت ..

السيدة : هل أنهيت مسح غرفتي ؟

هند : نعم .. سأخرج النفايات ، ثم أعود لإكمال عملي

- حسناً , إنتبهي اثناء قطعك الشارع 

- لا تخافي عليّ ، فأنا عشت قرابة السنة في الشوارع 

- آه نسيت !

***


خارج الفلة .. وقفت هند قرب حاوية النفايات ، وأخرجت جوالها التي كانت تخفيه في ملابسها .. واتصلت على رقمٍ محدّد ، قائلةً بصوتٍ منخفض : 

((الو جدتي .. نفذت المهمّة .. إخبرني زبونتك انني وضعت السحر أسفل فراش الطبيب .. وخلال شهر واحد ، سيُطلّق عروسته ويعود اليها .. وقبل ان أنسى ، هذه المرة ستضاعفين أجري .. (بنبرةٍ غاضبة) .. أتسألين لماذا ؟!! لإني شوّهت جبيني بالشفرة ، بعد مراقبة عيادة الطبيب لساعتين في طقسٍ حار ورطب .. وقضيت اليوم في تنظيف فلته .. كل هذا التعب ليس مجاناً يا جدتي العزيزة .. نعم ، قادمة اليك بعد قليل .. سلام)

وأغلقت جوالها بعصبية :

- أعرف ان جدتي البخيلة لن تعطيني الكثير ، لذا أخذت احتياطاتي


وفتحت كيس الزبالة الذي حوى بالحقيقة : ذهب العروس وبعض ثيابها وأحذيتها الغالية التي سرقتهم من خزانة غرفتها ..

قائلةً في نفسها :

(سأبيعهم قبل عودتي الى وكر جدتي)


ثم نظرت نظرة أخيرة للفلة ، وبنبرةٍ حزينة :

- آسفة دكتور عادل لخيانة ثقتك بي .. ليتك أبقيت على حرصك ووضعت كاميرا أخرى في غرفة نومك ، لما تجرّأت على تنفيذ خطة جدتي .. أعتذر منك ، لكن الأشرار يفوزون دائماً في هذه الدنيا الظالمة ..


ومضت في طريقها دون رجعة !  


هناك 5 تعليقات:

  1. أبدعتي في الكتابة،أحب قراءة قصصك.

    ردحذف
  2. رائع مبدعة كالعادة يا استاذة لكن الحمد لله هناك جهاز الشرطة سيتدخل ويقبض على الخادمة المزيفة وعلى الجدة ويسترجع كل المسروقات

    ردحذف
  3. راااااااائعة
    أحسنت
    مبدعة

    ردحذف
  4. حقا هذه القصه رائعه
    اعجبتني.
    وانا التي ظننت أن الفتاه مسكينه ومثيره للشفقه
    ماهذا؟لم يعد هناك امان او ثقه بالناس خاصه الغرباء
    وتحياتي

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...