الاثنين، 21 سبتمبر 2020

هوس الشهرة

 تأليف : امل شانوحة

حلم النجومية


في وقت الظهيرة .. واثناء تناول ديانا الغداء مع ابنائها الثلاثة في المطبخ ، عاد والدهم من عمله وهو يقول بحزم :

- لن تدخلوا الملهى قبل رؤية بطاقتكم الشخصيّة !!

ديانا باهتمام : هل حصلت على الدور ؟

فأجاب زوجها بحماس : نعم !! سأكون حارساً لملهى ليليّ في فيلم أكشن بإنتاجٍ ضخم  

ابنه الأكبر : وكم ستظهر في الفيلم يا ابي ؟

فأجابه : دقيقتان فقط 

فضحك اولاده عليه .. 


ديانا : أكل هذا الحماس لدور كومبارس صغير ؟!

مايكل : كل الفنانين بدأوا مسيرتهم بأدوارٍ ثانوية .. وقريباً سأصبح فناناً مشهوراً بعد حصولي على جائزة ..

فأكمل اولاده العبارة باستهزاء : الأوسكار !!

والدهم بعصبية : بالتأكيد !! فلا احد متفاني بعمله مثلي .. وعقاباً على سخريتكم ، لن ترافقوني الى حفلات التكريم المستقبلية 

زوجته بضيق : الم تعدني صباحاً بالبحث عن عملٍ جدّي ؟ فراتبي كمعلمة لا يكفي مصاريفنا 

زوجها بغضب : وهل تريني أضيّع الوقت ؟!! انا أسعى دائماً لدورٍ يرفع مستوانا ويجعلنا من الأثرياء


ابنه الأكبر : ابي عمرك 45 ، وكبرت على ادوار البطولة

ابوه : وهذا ما يغضبني منكم !! فلوّ لم تكونوا كسالى ، وضغطّم على انفسكم لحفظ سيناريوهات افلام الأطفال والمراهقين ، لنال احدكم دور البطولة 

اولاده الثلاثة بضيق : نحن لا نحب التمثيل يا ابي !! 

الأب بغرور : اساساً لا أحد يملك موهبة التمثيل سوايّ 

زوجته : المهم الآن ، كم سيدفعوا لك ثمن تصوير دقيقيتن في الفيلم؟

زوجها : 70 دولار

فضحك اولاده بسخرية ..


الأب : لولا نفسيتي الجيدة ، لعاقبتكم جميعاً 

زوجته : مايكل عزيزي , لما ترفض الذهاب الى طبيبي النفسيّ لتحدّثه عن هوسك بالشهرة !

زوجها بلؤم : انت أعصابك متعبة من التلاميذ .. اما انا ، فبصحةٍ جيدة .. ولن أسمح لطبيبك بإقناعي التخلّي عن حلم حياتي

فتنهدت زوجته بضيق : مايكل ..الشهرة هو حلم امك ، هي من أجبرتك على الإشتراك بمعظم المسرحيات المدرسية وحفلات الأطفال .. ولست مرغماً بالمضيّ في هذا الطريق الشاقّ !  

الإبن الأوسط : جدتي تعامله كفنانٍ مشهور ! وبسبب دلالها ، نعاني نحن من قلّة المصروف 

الأب بغضب : أسكت يا ولد ، والاّ ضربتك !!


ديانا : حسناً ليهدأ الجميع ، ولنتناول طعامنا بسلام

مايكل : بدأت حميتي الغذائية ، فدوري يتطلّب ان أكون رشيقاُ

الإبن الأكبر : الحرّاس بالعادة يكونوا مفتوليّ العضلات

الأب : أعرف هذا .. (واقترب من زوجته) .. ديانا ، أحتاج 300 دولار للتسجيل في نادي رياضيّ

زوجته : لن تنمو عضلاتك بهذه السرعة

مايكل : سيبدأون تصوير الفيلم بعد شهرين ، ووعدّتُ المخرج ان أتمرّن بجهد الى ذلك الحين 

فأجابته بضيق : آسفة يا مايكل ، فالمصروف بالكاد يكفينا لآخر الشهر

فردّ بعصبية : لا اريد شيئاً منك !! سأستلفّ من امي , هي الوحيدة التي تقدّر موهبتي ايها الفاشلين

وخرج غاضباً من المنزل ، بعد صفقه الباب بعنف ..


الإبن الأوسط بحزن : ليتك لم تتزوجي هذا الفاشل 

امه معاتبة : تأدّب يا ولد !!

اخوه الأكبر : هو يقول الحقيقية ، فأنت من تصرفين على المنزل  

فتنهّدت بضيق : أُغرمتُ بوسامته حين كنت مراهقة ، وبسبب غبائي أعمل دوامين لتسديد الفواتير ..

ابنها الأكبر : فور تخرّجي من الثانوية ، سأبحث عن عمل لمساعدتك يا امي

- ليس قبل تخرّجك الجامعي ، مفهوم !!

- هذا إن أبقى ابي مالاً لجامعتي ، فهو يصرف اموالنا على الكريمات والعطور والأدوات الرياضية ليبقى وسيماً لتحقيق حلمه السخيف


اخوه الصغير : المهم ان لا يجبرني على حفظ النصوص ثانيةً ، فهي طويلة ومملّة للغاية

الأخ الأكبر : المسكين ، كان يوقظه فجراً في ايام العطل لأخذه الى ولايةٍ ثانية لإمتحانات التمثيل لشركة والت ديزني

الأخ الأوسط : لوّ لم تمنعه امي ، لكنا لليوم نحفظ السيناريوهات الطويلة ! وكأن وظائفنا المدرسية لا تكفي 

الأم : لا تتشاءموا هكذا .. فربما قريباً يحصل والدكم على دور البطولة ، وتتغير حياتنا للأفضل كما يحلم دائماً 

- وهل تظني يا امي انه سيُكافىء جهودك وصبرك في حال أصبح غنياً ومشهوراً ؟ 

اخوه : بالتأكيد سيهجرك ليُصاحب فنانة رشيقة وجميلة تُناسب مستواه الجديد

فسكتت الأم بضيق ، لأنها إحدى مخاوفها بالفعل !  

*** 


ومرّت الشهور .. ومايكل لم يحصل الا على ادوارٍ بسيطة بأجرٍ زهيد ، لكنه مصرّ على تحقيق حلمه مهما كلّفه الأمر !


وفي أحد الأيام .. عاد بيده نصّاً سينمائياً ، وقال لزوجته بحماس :

- يريدون سيدة في نفس مواصفاتك للقيام بالدور

- انا مشغولة يا مايكل ، ولا وقت لديّ للتمثيل 

- رجاءً اقرأي النص قبل رفضه 


وما ان قرأت سطوره الأولى ، حتى صفعته بغضب :

- أتريديني ان أمثّل فتاة ليل !! هل انت مجنون ؟

مايكل : ستكون بداية شهرتك

فصرخت بعصبية : أحلف يا مايكل ان لم تغرب عن وجهي الآن ، سأرفع دعوى طلاق وحضانة اولادك ، وأحرمك منهم للأبد !! اساساً انا من يصرف عليهم.. 

مقاطعاً بضيق : حسناً اهدأي , اصلاً لا تملكين موهبة التمثيل  

ودخل غرفته ، تاركاً زوجته تشتعل من الغضب ..

***


وبسبب هوسه ، إعتادت عائلته على تقمّصه شخصياتٍ متعدّدة لبعض الوقت ، قبل اداء دوره امام لجنة اختيار الممثلين .. 

فحين اشترك في فيلمٍ موسيقيّ : اشترى بيانو لتدرّب عليه ، أملاً بالحصول على دور البطولة لقصة عازفٍ مشهور .. ودرس طريقة العزف بالإنترنت التي ضايقت عائلته وجيرانه .. ولم يتوقف عزفه المزعج ، الا بعد اختيار المنتج لبطل فيلمه من المشاهير .. ليبدأ نوع آخر من الإزعاج وهو الرقص النقريّ ، رغبةً منه ليكون أحد راقصيّ الفيلم .. لكنهم اختاروا متسابقين يملكون خبرة في هذا المجال ، بعكسه 


وفي فيلمٍ آخر يحكي قصة طبيب بيطريّ : استأجر مايكل مجموعة من القطط والكلاب لتدريبها في المنزل من أجل الدور

لكنهم كالعادة , اختاروا غيره ..


وحين قُبل أخيراً في دور كومبارس بفيلم كارتيه : عاد لمنزله بيدٍ مُجبّرة بعد تحمّسه في مشهد ضربه للبطل الذي ابتعد في آخر لحظة ، لترطم يده بالجدار وتنكسر كسراً مضاعفاً ! 

لكن مايكل لم يهتم للألم ، متوهماً أن إتقانه للدور سيفتح مجالاً لأدوارٍ أفضل.. وهذا لم يحصل بعد !


وازداد جنونه مع الأيام ! حيث غيّر قصّة شعره وملابسه على حسب الفيلم المراد تمثيله .. ولبس ملابس قديمة تعود لزمن الخمسينات والسبعينات لإتقان ادواره المختلفة ، غير آبه بسخرية الجيران والأصدقاء .. فتركيزه مُنصبّ على هدفه أن يكون أحد المشاهير ، مهما طال الزمن .. لدرجة انه كتب خطاباً مؤثراً ألقاه امام عائلته : لما سيقوله للجماهير لحظة تتويجيه بجائزة الأوسكار ! 

 

ليس هذا فحسب ، بل استأجر مصوراً للحاق به وتصويره اثناء وجوده بالأماكن العامة.. ورشى بعض الصغار بالحلوى لتوقيع قمصانهم امام الناس ، لإيهامهم أنه شخصٌ مهم ومشهور .. 

عدا عن نشره قصة كفاحه ونجاحه المرهق في جميع وسائل التواصل الإجتماعي ، كأنه وصل للنجومية بالفعل !  

 

ولأنه يعيش وهم الشهرة ، أجبر عائلته على لبس أجمل ثيابهم عند خروجهم معه ، كعائلة الفنان البطل .. الى ان اتفقوا على الخروج دونه ، بعد تعبهم من تدقيقاته بأقل التفاصيل في لبسهم وطريقة تصرّفهم امام العامّة ! 

*** 


وفي تلك الأمسية الباردة ، وبعد قراءته لنصّ فيلم رعب .. عاد الى بيته ونار الغضب تشتعل في صدره .. 

فقال له ابنه الأصغر : لا تحزن يا ابي , سيختارونك بالفيلم القادم

وهنا فاجأهم بإخراج مسدسٍ من جيبه , ووجّه نحوهم !


فضحك ابنه الكبير : هل ستمثّل دور القاتل في الفيلم الجديد ؟

فأجابه بلؤم : بل سفّاح مُتسلّسل .. وهذه المرة سأكون البطل في فيلمٍ دمويّ لخمسة اجزاء متتالية 

فهلّلت زوجته بفرح : اخيراً قبلوك بدور البطولة ؟!! 

مايكل بجدّية : نعم .. والآن لنبدأ التمثيل .. 3-2- 1.. آكشن !!!


فابتسمت عائلته ، لظنها ان مسدسه لعبة .. لكنهم شهقوا بفزع بعد تلطّخهم بدماء الإبن الأوسط ، عقب تفجير الأب لرأسه ! 

وانطلقوا في ارجاء البيت محاولين الهروب من والدهم المجنون الذي لحقهم الى الطابق العلويّ ، وقتل ولديه بدمٍ بارد .. ثم أمسك بذراع زوجته وضربها بوحشيّة بالمسدس على رأسها ..


وحين سمع الجيران صراخها الهستيريّ ، إتصلوا بالشرطة التي اقتحمت بيتهم .. ليروه يُفرغ مسدسه في جثة زوجته ! 

فهجموا عليه وكبّلوا يديه .. وأخرجوه بالقوة ، ليشاهد جيرانه مجتمعين امام بيته .. فصرخ لهم قائلاً :

- لا تصفّقوا الآن !! الفيلم لم ينتهي بعد .. والمخرج لم يقلّ : CUT .. لما أوقفتموني في ذرّوة إندماجي بالتمثيل ؟ مازال عليّ قتل ثلاثين شخصاً ، لأصبح سفاحاً متسلّسلاً .. لا تفسدوا السيناريو الرائع !!

***


لاحقاً .. حكمت المحكمة الجنائية (بناءً على تقرير الطبيب النفسي) : أن هوسه للشهرة أوصله لحدّ الجنون ! 

وأُرسل لمستشفى المجانين بقسمٍ خاص لمرتكبيّ الجرائم بحراسةٍ مشدّدة ، والذين عانوا من طرقاته العنيفة على الباب , وصراخه الدائم من داخل سجنه الإنفراديّ :  

((قتلت عائلتي لأتقن دور السفّاح .. والشرطة أوقفتني قبل المشهد الختاميّ .. فيلمي لم ينتهي بعد ، عليّ إكماله للحصول على الأوسكار .. أنا أفضل ممثل بالعالم !! انا رجلٌ مشهور !! انا نجمٌ عالميّ !!!!!)) 


ويظلّ يردّد ذات العبارات كل ليلة ، الى أن يُعطى إبرة مخدّر تجعله ينام بسباتٍ عميق !  


هناك 4 تعليقات:

  1. ملاحظة : شاهدت سابقاً حلقة لأوبرا في مقابلة لها مع عائلة تعاني من هوس والدها بالتمثيل والشهرة ، وأردّت تحويلها الى قصة درامية .. أتمنى ان تعجبكم

    ردحذف
  2. بهذه القصة أكون وصلت الى (333) منشور في مدونتي , ولله الحمد

    ردحذف
  3. مبدعة كعادتك،،بالتوفيق لك.

    ردحذف
  4. رائعة،أتمنى منـك أن لا تتأخري عن القصة التالية.

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...